الإسلاميون والسياسة.. عين على السلطة وأقدام في عمق المعارضة ماذا بقي من "حزب الأمة" في مسيرة تواصل- موقع الفكر

محمد الأمين عبد الرحمن الشيخ.. أول أمير للحركةالإسلامية

يقول الشيخ أبوبكر ولد أحمد:  "موريتانيا البلد  الوحيد تقريبا في العالم العربي والاسلامي الذي ينتمي كله من حيث العقيدة إلى الدين الاسلامي وإلى نفس المذهب السني والمذهب الصوفي والعقدي فهذه الوحدة الفكرية لا تكاد توجد في بلد عربي اسلامي غير هذا البلد، فمكوناته العرقية تختلف ولكن تجمعهم العقيدة والدين والانتماء فكلهم مسلمون سنيون مالكيون.

 والفريق الذي أسس هذه الدولة كان له دور كبير في تحديد هوية البلد وصيانته عندما اجتمعت كلمته على تسميته بالجمهورية الاسلامية الموريتانية فلم يجد قاسما مشتركا ولا ناظما موحدا ولا سمة أبرز من الاسلام ولم يسجل التاريخ في التجاذبات التي حدثت اعتراضا على هذه التسمية".

حين نعود إلى تاريخ هذا البلد ومحاولة عصرنة الحياة وربطها بالإسلام نجد أن العمل للإسلام مر بأكثر من محاولة وأكثر من طور، ولنضرب مثلا بمؤتمر القضاة الذي انتظم في العام 1963م. بإشراف من وزير العدل حينها "الحضرامي ولد خطري" رحمه الله،  وبمشاركة خيرة القضاة والعلماء، الذين طالبوا حينها بتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا أمر موثق من الناحية التاريخية، و للتدليل على أهمية هذا المؤتروعمق ما صدرمنه يكفي أن نعرف أن من بين الحضور في هذا المؤتمرالشيخ محفوظ ولد بيه ومحمذن ولد محمد فال الملقب اميي، والحاج أبوبكر سي والشيخ أبو المعالي،  حيث وقع  أغلب هؤلاء القضاة حينها عريضة للمطالبة بتطبيق الشريعة،  وبعد ذلك بفترة قصيرة، ربط الشيخ الحاج عبدالله جاه،  أحد المشايخ الكبار نفسه أمام البرلمان الموريتاني،  وعزم على أن لا يتراجع عن تلك الخطوة حتى يتم تطبيق الشريعة الإسلامية، وفي مرات عدة خرجت بعد ذلك مسيرات من المساجد تطالب بنفس الأمر، وكان يقودها أصحاب غيرة على الإسلام وتعلق به، وأصحاب رفض للمنكرات، دون أن ننسى دور العلماء في هذه الفترة، وما قاموا به من إنكار المنكر مثل الشيخ نافع بن حبيب والقاضي المختار بن محمد موسى، والقاضي ابين بن ببان،  وغيرهم من العلماء الناصحين، الذين ضربوا مثلا رائعا في قول الحق والصدع به شعرا ونثرا، وليقس مالم يقل.

فتلك المراحل شهدت صحوة عامة غير منظمة، وهذا ما يؤكد أن البلاد  لم تخل في مرحلة من المراحل من الغيورين على هذا الدين من علماء مصلحين ودعاة ناصحين، ومن هذا المنطق، لا يمكن أن نعتبر أن المشاريع التي تم القيام بها نشأت بتأثير عامل واحد، أوأن هناك جهة معينة هي التي انفردت في حمل لواء التبشير بالإسلام والدعوة له والنضال في سبيل التمكين له؛ فلم تخل فترة من وجود أصوات تدعو لتطبيق الشريعة والتمسك بها.

ومع منتصف عقد السبعينيات  بدأت الظاهرة الإسلامية تطل على أحياء العاصمة المتناترة، ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، وكانت محظرة الشيخ بداه بن البوصيري رحمه الله تعالى واسطة العقد ومنطلق ما عرف لاحقا باسم الصحوة الإسلامية، ومن بين أحياء مدينة لكصر القديمة، خرجت النواة الأولى التي تشكل منها لاحقا تيار ضخم وعريض الجمهور، يستند في أسئلة النشأة ومسوغات البروز إلى تاريخ عميق من المحاولات الإصلاحية في هذه البلاد، وإلى تراث ضخم من الإنجاز الحضاري التراكمي في مجال الفقه والإفتاء وإلى وجدان متدين بطبعه، غرست فيه المحاظر ينبوعا ثرا من حب الإسلام وحب من يدعو إليه أو يتزيي بشعاراته..الحسن ولد مولاي اعل.. أمير سابق للحركة

كانت ورقة الجذور العريقة مكسبا بالغ الأهمية ورافدا عظيما ما زال الإسلاميون ينهلون منه وينطلقون منه ويعودون إليه، وما تزال هذه الورقة أقوى أسلحتهم السياسية والدعوية.الدكتور بوميه ولد ابياه.. أمير سابق للحركة الاسلامية

فمع بداية السبعينيات، قرر حوالي 20 شخصية، أغلبهم رجال تربية وتعليم وصحافة وأئمة تشكيل "الجماعة الإسلامية" وقبل ذلك بعقود كانت رسالة خاصة من مؤسس جماعة الإخوان المسلمين قد قطعت فجاجا واسعة، تعلوا النجاد  وتنزل الوهاد لتصل إلى شيخ مدارس الفلاح الحاج محمود با.

فمن  مؤتمر الشباب- الذي انعقد في العام  1977م. حيث حضرلهذا المؤتمر بعض أفراد التيار الإسلامي مثل عثمان الشيخ أبو المعالي وأبو ميه ولد ابياه ومحمدي ولد خيري وأحمد ولد سيدي محمد، ومحمدن ولد المحبوبي، وآخرون- انطلقت فكرة تأسيس كيان للتيار الإسلامي، وبدأ التواصل بين هذه الجماعة وتبلورت الفكرة فيما بعد، إلى أن وصلت إلى تأسيس تنظيم الجماعة الإسلامية

أدرك الرواد أن التَّعْلِيْمَات وَاللّوائِح سَتَبْقَى حِبراً عَلَى وَرَق، وَوَرَقَاً بَينَ دَفْتَيْ كِتَابْ، مَا لَمْ يُفًعّلهَا مُرَبونَ شَمروا عَنْ سَاعِد الجِد، وأَشْعَلُوا حُرُوفها بِوَهَجِ الإخْلاصِ وَنَار الحَمَاسَة، حَتى تَغْدُوا روحاً يُنَظّمُ العَمَل وَيرَتِّبه، وَدَليلاً يَرْسُمُ مَعَالِمَ الوَظِيفَةِ فِي هَذَه المَدْرسة المُبَارَكة بِعَوْنِ الله تَعَالَى على حد قولهم..الشيخ محمد الحبيب أحمد.. أمير سابق

لكن بعض قادة الحركة  يذكر في تفاصيل السنوات الأولى للتيار الناشئ أن البدايات الفعلية له كانت مع بداية العام  الدراسي سنة 75 – 76  عندما انعقد لقاء بين الظهر والعصر في منزل محمد يحيى ولد بباه في لكصر، وانتخب محمد الأمين ولد عبد الرحمن الشيخ، أميرا أولا للتنظيم وقد اقترح عليهم اسم (قيادة المجاهدين في سبيل الله)

يقول الحسن ولد مولاي اعلي لموقع الفكر: "أذكر من أوائل من كانوا معنا "الدكتور بو ميه ولد ابياه والشيخ محمد الأمين ولد عبدالرحمن الشيخ و الشيخ محمد الأمين ولد مزيد" والإمام عبدالعزيز سي رحمه الله و محمد عبدالله ولد حمدي و محمد الحبيب ولد أحمد، هذا عن البداية".

 

في العام 1978 أعاد التنظيم الصغير تأسيس نفسه من جديد بحضور لا يصل إلى عشرين شخصا من بنيهم أحمد ولد سيدي محمد المترجم القادم من أزواد، ومن بين الحضور محمد الأمين ولد عبد الرحمن الشيخ، وبوميه ولد بياه، ومحمدي ولد خيري رحمه الله ومحمد عالي ولد زين رحمه الله، ومحمد يحيى ولد بباه، ومحمد الأمين ولد مزيد والحسن ولد مولاي اعل وآخرون..

لاحقا سيختار محمد الأمين بن عبد الرحمن الشيخ الإقامة بالمملكة العربية السعودية مع نهاية عقد السبعينات..

وقد استفاد الشباب المذكور يومها من وفود علمية زارت موريتانيا منتصف السبعينيات لحضور مؤتمر الدعوة الإسلامية في غرب أفريقيا، ومن العلماء الذين حضروا لهذا المؤتمر  الشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد المبارك، والشيخ أبو بكر الجزائري، وقد كانت محاضراتهم في نهاية العام 1977 حافزا فكريا وعلميا للتيار الذي كان يتلمس طريقه بين الجمود التقليدي والتطرف اليساري الذي كان سائدا في تلك الفترة..

وقد كان لمحاضرات هذا المؤتمر تأثير بالغ مما أعطى دفعا قويا للتنظيم الناشئ.

 يقول الحسن ولد مولاي اعلي لموقع الفكر: "أذكر من أوائل من كانوا معنا "الدكتور بو ميه ولد ابياه" والشيخ محمد الأمين ولد عبدالرحمن الشيخ" و"الشيخ محمد الأمين ولد مزيد" والإمام عبدالعزيز سي رحمه الله و"محمد عبدالله ولد حمدي" و"محمد الحبيب ولد أحمد" هذا عن البداية، وقد بدأ التوسع ولله الحمد بعد ذلك ونظمنا أول مؤتمر لنا في عام 1978م. في مقاطعة لكصر وحضره 21 شخصا وأنشأنا حركة تسمى "الجماعة الإسلامية" ووضعنا خطة عمل للانتشار".

ومع نهاية العام  1979 بدأت حمى المؤتمرات والأمراء تجتاج الحركة الإسلامية، وذلك بسبب نص تنظيمي يحدد مأمورية الأمير في سنة دراسية واحدة، ومن بين أمراء هذه الفترة  الاستاذ الحسن ولد مولاي اعل ، ومحمدي ولد خيري رحمه الله  لفترتين غير متتابعتين، وأبو ميه ولد أبياه  كذلك  لفترتين غير متتابعتين، و محمد الحبيب ولد أحمد..

وفي منتصف عقد الثمانينيات بدأ تنظيم "الإسلاميون"  يظهر للوجود وهو حركة موازية اقامتها الحركة الأم لاستيعاب الشباب والتلاميذ وكان من أبرز قادته المرحوم أحمدو ولد الراظي..

قريبا من ذلك التاريخ نال الشيخ محمد فاضل ولد محمد الأمين إمارة الحركة الإسلامية، ولمدة خمس سنوات متواصلة، كانت نهايتها حافلة بالخلافات والسجال الجهوي، وسيطرت على الحركة فيها  قوة الشارع الإسلامي وتصاعد حضور الأئمة وطلبة المحاظر، كما قويت خلال هذه الفترة فتنة اليسار الإسلامي..الشيخ محمدفاضل ولد محمد الأمين.. أمير سابق للحركة الإسلامية

وفي العام 1990 وقع الاختيار على الشيخ محمد الأمين بن مزيد أميرا للحركة الاسلامية،  وفي العام 1991 نظمت الحركة مؤتمرا طارئا واختارت  الشيخ أبوبكر ولد أحمد أميرا لها، بتسمية أمين عام.

تأسست الجمعية الثقافية الإسلامية  في العام 1979م، وتولي الشيخ محمد المختار كاكيه أمانتها العامة، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى حين حل الجمعية سنة 1994و كان من أهم محركيها وأكثرهم تحمسا أحمد بن عبد الله وهو آنذاك الأمين العام لوزارة العدل.

قامتت الجمعية على عنصرين أولهما مجموعة من المثقفين ما بين  الأساتذة والمعلمين، وثانيهما رجال الأعمال، مثل عبدو بن محم ومحمد الشيخ بن الديده ومحمد عبد الله بن الخرشي، ومولاي أحمد بن الغرابي رحمه الله، ومحمد المختار بن عبد الدائم.

ودون مبالغة يمكن القول أن  تأسيس  الجمعية الثقافية الإسلامية أعطى دفعة قوية للتيار الإسلامي.

وأنشئت فيما بعد لجنة المساجد و المحاظر برئاسة المرحوم حاجي،  وقد أسست هذه  اللجنة معهدي ابن عباس و اقرأ.

يقول الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد:وهناك شخصيات أخرى  كانت لها أياد بيضاء في كل منجز من منجزات العمل الإسلامي والصحوي في هذه المرحلة، وأذكر من أولئك أحمد ولد عبدالله رحمة الله عليه، الذي كان له دور كبير في تأسيس الجمعية الثقافية والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وكان يمتاز بالقوة والشجاعة - رغم موقعه الرسمي السامي في الدولة ورغم أنه لم يكن على علاقة مباشرة بالتنظيم - وكان له يد في كل عمل خيري ودعوي بقوة وفعالية وطالما وقف مع قضايا الإسلام ضد الحركات التنصيرية والماسونية بقوة وحسم، ولم تشغله المناصب عن الوفاء لدينه وخدمته، والدعوة إليه. نسأل الله أن يتقبله في الصالحين، من الشخصيات كذلك التي ينبغي ذكرها في هذا الصدد - ونحن في حديث عن مرحلة التأسيس - الأستاذ والمفتش محمد محمود ولد احمياده أطال الله بقاءه في طاعته، هذا الرجل أيضا لم يكن له علاقة بالتنظيم والحركة بيد أنه كان مثل الأستاذ أحمد ولد عبدالله تماما في تقلده لمناصب سامية في عدة قطاعات من الدولة وكان يخدم الإسلام بجرأة واعتزاز وقوة أينما كان، وكان من وراء إدخال مادة الحضارة الإسلامية في التعليم العالي أيام كان أمينا عاما لوزارة التعليم العالي، وله مواقف مشهودة خاصة في المجال التربوي والتعليمي.

كذلك الأستاذ سيدي محمد ولد أسيساح رحمه الله، وكان ممن واكبوا هذا العمل منذ بدايته وكان من مؤسسيه وكان دائما في الطليعة، سواء على مستوى الحركة أو على مستوى الجمعية الثقافية الإسلامية، كما أذكر أيضا الأستاذ عبدالعزيز سي رحمه الله، فقد كان أمة، وشارك في هذا العمل منذ بداياته بمستويات مختلفة، وغير هؤلاء كثير..

ولابد أن أذكر بعض من لا يعرفهم الكثير من الناس وكان لهم الدور البارز في خدمة العمل الإسلامي في بدايات نشأته، مثل رجل يسمى لمرابط ولد الإمام رحمه الله الذي كان موظفا في المكتبة الوطنية بدار الثقافة وكان ممن واكبوا بدايات هذا العمل، وله دور كبير في نشر الفكرة الإسلامية ونشر الكتاب والشريط الإسلامي، وكذلك استقطاب الشباب مع أنه لم يكن له أي ظهور لا في الجمعية الثقافية ولا في غيرها من هيئات هذا العمل قبل أن يتوفى في وسط التسعينات، وكذلك الطبيب محمد فال ولد محمد البوصادي، الذي كان له هو الآخر دور كبير وكذلك عمدة "لفطح" محمد ولد أحمد ولد سيدي محمود الذي أبلى هو الآخر بلاء حسنا في جبهة لعصابة، منذ أن كان في تلميذا بالثانوية الوطنية ثم طالبا بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية من بعد، وهذه فقط نماذج"

حاسم.. إعادة التأسيس وصعوبات الموقع السياسي

مع بداية المسلسل الديمقراطي حاولت الحركة الإسلامية تأسيس حزب الجبهة الإسلامية، ورشحت لرئاستة هذا الحزب الدكتور أحمد جمال الحسن،د. أحمد جمال الجسن رئيس حزب الجبهة الإسلامية غير المرخص و قوبل  الحزب بالرفض الشديد من طرف السلطات، وهكذا تواصلت السلطة مع المعنيين بملف الحزب الجديد،  لتشترط عليهم الترخيص مقابل الولاء، فكان ردهم ليحصل الترخيص أولا ثم نناقش بعد ذلك التموقع السياسي المناسب، لكن مدير الأمن حينها قطع الشك باليقين وطلب منهم توقيف كل الإجراءات الخاصة بتأسيس الحزب، وأخبرهم أن الخيار الوحيد المتاج أمامهم هو الاندماج في حزب الدولة.

ومع بداية المسلسل الديمقراطي سمحت قيادة الحركة الإسلامية  لبعض قادتها بالانخراط في حزب السلطة، على اعتبار أنها ليست جاهزة للصدام مع النظام، وعلى أساس أنه يمكن في المقابل الحصول على مكاسب لتعزيز الهوية الإسلامية من خلال  انخراط بعض القيادات في مناصرة النظام آن ذاك.

مدركين الميزة  المهمة لدستور 20 يوليو الذي جاء فيه أن المصدر الوحيد للتشريع هو الاسلام في الوقت الذي توجد فيه أقطار عربية وإسلامية عريقة لا يمكن لأهلها أن يطمعوا في أن يسمى المصدر الأساسي، بينما نص الدستور الموريتاني على أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع،  وتعززذلك  حين نصت مادة أخرى  على  أن الاسلام دين الدولة والشعب، وقد شكلت هذه الصياغة الجريئة اتجاه التعبير عن هذه الحقيقة ميزة أساسية فلم يجد النظام قاسما مشتركا ولا ناظما موحدا ولا سمة أبرز من الاسلام.

وبينما اختارت الكتلة القيادية للحركة، الاندماج في الحزب الحاكم،  كانت غالبية القيادات الشبابية والقواعد تدفع باتجاه المعارضة، ومن هنا بدأت الاتجاهات تتمايز داخل الحركة.

وكانت الحركة الإسلامية  مرحلة التسعنيات، و بداية المسلسل الديمقراي  أنشأ التيار الإسلامي حزبا صغيرا حمل اسم التجمع الوطني للوحدة والعدالة بقيادة  اعل الشيخ ولد ابريكات، لكنه لم يتمتع بأي شهرة ولا نشاط معروف.
الشيخ محمد سيدي يحي رئيس حزب الأمة

   يوم الإثنين 14نوفمبرمن العام 1991م،   تقدمت مجموعة من رموز التيار الإسلامي بطلب لترخيص حزب سياسي باسم حزب الأمة و هم  د.عبدالله ولدأحمد ولد حمدى، إسلم ولد أمبارك، فودى ماريكا، القاضي عبدالله بن الركاد، هارونا يوبى انياس،  أحمد بن اباه، د. لمهابة بن محفوظ.
 لكن السلطات كانت جاهزة لإجهاض هذه المحاولة، ورفض أي محاولة للإسلاميين تهدف إلى وجود مظلة حزبية مستقلة وهو ماعبرت عنه فى حينه أكثر من جهة حكومية

وأمنية تصريحا أو تلميحا. 

تولى الأستاذ محمد ولد سيدي يحي الرئاسة في التشكلة القيادية للحزب، وينوبه الشيخ محمد الأمين بن الحسن.

فيما احتل الداه ولد أحمد لمرابط منصب الأمين العام، واحتل جميل منصور منصب الأمين العام المساعد.

على الضفة الأخرى وفي أول حكومة له بعد الانتخابات الرئاسية وكنوع من الرضى ورد الجميل للتيار الإسلامي في الموالاة اختار ولد الطائع أمير الحركة يومها الأستاذ أبو بكر ولد أحمد وزيرا في حكومته.أبوبكر ولد أحمد.. أمير سابق للحركة لإسلامية

ونظرا لمقتضيات العمل الوظيفي والتغيب المستمر اختارت الحركة الاسلامية نائبه خطري ولد حامد أميرا جديدا، وقد مهدت هذه الخطوة لتمايز الإسلامين إلى موالاة من داخل رحم  السلطة ومعارضة سرعان ما توجهت إلى حزب الوسط الديمقراطي الموريتاني بقيادة ملاي أحمد ولد ملاي الحسن،  يقود هذه المجموعة الأستاذ الحسن مولاي اعل، حيث نال بعض أعضاء حزب الأمة المذكورين عضوية المكتب السياسي لحزب الوسط..

في العام  1994 اندمجت جماعة الوسط في حزب اتحاد القوى الديمقراطية عهد جديد، وهو الإطار الذي واصلت فيه إلى العام  2003، حيث خرجت منه داعمة للمترشح محمد خونه ولد هيدالة.

لاحظت قيادة الحركة الإسلامية الترهل الذي أصابها والاختراق الذي هد بنيانها وكاد أن يكسر ظهرها، فقررت إعاد بناء هياكلها وذلك اعتمادا على تشخيص أظهر ترهل بنائها التنظيمي وسيطرة الجماهير المتحمسة على مواقفها وقراراتها، فكلف المكتب التنفيذي للحركة يومها لجنة ثلاثية بوضع معايير إعادة التأسيس وتشكلت اللجنة من الأستاذ  جميل منصور، والدكتور خطري ولد حامد، والشيخ محمد الأمين ولد مزيد توسعت اللجنة لاحقا ليصبح عدد أعضائها  تسعة.

عرضت  اللجنة معاييرها الجديدة التي أجازها المكتب المذكور وبدأت إعادة التأسيس الذي خرج بموجبها عدد كبير من الشخصيات القيادية اختيارا أو اضطرارا. د. خطري ولد حامد.. أمير سابق للحركة الإسلامية

اعتقالات 1994.. منحة في ثوب محنة

جاءت اعتقالات العام 1994،  وقد كانت فيما يرى الناس سنة عصيبة على الإسلاميين إذ شن فيها  الرئيس معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت رموز التيار الإسلامي وتم فيها إغلاق مؤسسات ثقافية وتعليمية وخيرية، وشنت فيها وسائل الإعلام الرسمية حملة لا هوادة فيها.. لكن حجم تضامن الأحزاب السياسية مع الإسلاميين كان جَليا ويتضح من خلاله المكانة التي حققوها حتى ذلك الوقت.

ويعود السبب الرئيسي لهده  لاعتقالات أن النظام ربما غابت  عن أخبار التنظيم الإسلامي فعاجله بضربة شاملة.

بثت وسائل الإعلام الرسمية تصريجات قادة التنظيم وهم: خطر بن حامد بصفته أميرا للتنظيم.

أحمد ولد اعلي أمين التنظيم، المهندس مولاي أحمد الأديب مسؤول التربية، محمد جميل منصور، الحسن مولاي اعلي، حبيب ولد حمديت مسؤول المالية..

 لكن معاوية حين اعتقل التيار الإسلامي ظن أنه تيار ضعيف وتركه لشأنه.

وكانت فرصة التيار الناشئ الخارج لتوه من رحم الانقسام الميتوزي لإعادة البناء الداخلي..

السير نحو الديمقراطية..

تمكن الإسلاميون بعد سنوات من اعتقالات 1994  من إعادة  بناء إطارهم السياسي وبدأوا حراكات متعدد الجوانب من خلال جمعيات شبابية وأخرى ثقافية، كما استعادوا زمام العمل الدعوي في المساجد، قبل أن يكونوا أيضا طرف قوة فعال في مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني، زيادة على اقتحام بوابة العمل الإعلامي عبر جريدة الراية التي تأسست في العام 2000،  واستطاعت في فترة وجيزة أن تكون الصوت الإعلامي المعارض الأول في البلاد.

ومع ضربات الحادي عشر من سبتمر وما أعقبها من حرب دولية على الإرهاب اتضح أن الصراع بين النظام والإسلاميين مسألة وقت، خصوصا مع صدور قانون تنظيم المساجد الذي واجهه الإسلاميون بشدة ووضوح.

لتبدأ اعتقالات العام 2003 م، والتي بدأت بتوقيف الشيخ محمد الحسن ولد الددو والسفير المختار ولد محمد موسى والأستاذ محمد جميل ولد منصور قبل أن تتوسع بعد ذلك لتشمل العشرات من الأئمة والشخصيات الإسلامية من مختلف التيارات الإسلامية..الشيخ محمد الحسن بن الددو

لم يمض وقت طويل حتى دخل الإنقلابيون بقيادة صالح ولد حنن،  عش الدبابير وبات الرئيس بيحث عن ملجأ آمن حتى يستعيد سلطته.

لم يدم الانقلاب أكثر من يومين، جرت خلالها مياه كثير واقتنع معاوية أنه بحاجة إلى ترتيب أوراقه ومعالجة ملف الانقلاب، وتبديل رجاله بآخرين أكثر ولاء وإخلاصا.

وتحت الأزمات المتلاحقة و موضوع الاستحقاقات الرئاسية قرر معاوية ان يؤجل الصراع مع التيار الإسلامي إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وحتى تضع محاكمة الانقلابيين أوزارها..

بعد خروجهم بحرية مؤقتة من السجن، وعلى وقع الإعلان القوي لترشح ولد هيدالة،  وقع الشيخ محمد الحسن ولد الددو، بمنزل المرحوم محمد الأمين ولد الحسن  اتفاق دعم ومساندة مع المرشح المعارض محمد خونه ولد هيدالة،  وتضمن الاتفاق بنودا مهمة مثل تطبيق الشريعة و إقامة الديمقراطية، وقد زاد ذلك الدعم جذوة العداوة بين النظام والإسلاميين..

وبالتوازي  كان قطاع من الإسلاميين يعمل بكل جد ضمن تنظيم فرسان التغيير من أجل  الإطاحة بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع عبر انقلاب عسكري، كان للمعارضة بشكل عام والإسلاميين بشكل خاص دور محوري في  ما حدث بعد هذا الانقلاب، حيث وفروا غطاء مدنيا، كما استطاعوا إخراج قائديه،  صالح ولد حننا و محمد ولد شيخنا وبعض رفاقهما  من البلاد سنة 2003، قبل أن يتمكن صالح ولد حنن،  من العودة مجددا المحاولة التي أخفقت كسابقتها، وبدأ الإسلاميون أيضا مسار إخراج ولد حننا من البلاد، ولكن هذه المرة بالتعاون مع حركة افلام التي كان من المقرر أن تستلم الرجل في مدينة روصو، لكن عناصر من افلام باعوا "الصيد الثمين"  للراحل اعل ولد محمد فال وقبض على ولد حننا في مدينة روصو، وانتهى مشروع الانقلاب العسكري.

خلال هذه الفترة ظلت محاولات الإسلاميين في البحث عن موئل سياسي تبوء في كل مرة بالفشل، ولم يجد تحالفهم مع السياسي الشهير الشيخ المختار ولد حرمة رحمه الله، حيث رفض النظام الترخيص لحزب الملتقى الديمقراطي "حمد" الذي تولى فيه الإسلاميون مناصب سامية، وكان من بين قياداتهم ضمنه:

النائب الأول للرئيس: محمدجميل ولدمنصور

- رئيس المجلس الوطني: المختار ولد محمد موسى

- أمين الخزينة: الطيب ولد محمدمحمود

-أمين السياسة: السالك ولد سيدمحمود

الأمين الوطني للثقافة: الحسن ولد محمد

- الأمين الوطني للشباب: محمد ولد محمد أمبارك.

بعد انتهاء محاكمة الانقلابيين  بقليل قرر الرئيس معاوية ولد الطايع توجيه ضربة قوية للتيار الإسلامي يكمل فيها ما بدأه قبل سنتين، وقد بدأت الاعتقالات في 25 أبريل 2005،  بشكل متزامن لقرابة 30 من قيادات التيار الإسلامي في طليعتهم الشيخ محمد الحسن بن الددو، والسفير المختار بن محمد موسى، وسيدي محمد ولد سيدي، والمشايخ  محمد ولد محفوظ و محمد الأمين بن الحسن رحمهم  الله، وهكذا بدأت الضربة التي أراد لها ولد الطايع أن تكون القاضية على التيار الإسلامي، وأراد لها الله أن تكون نهاية نظامه.

تزامنت الاعتقالات مع زيارة وزيرالخارجية الصهيويني سلفان شالوم، ورغم الاعتقالات فقد وقف التيار الإسلامي بقوة ضد هذه الزيارة، وامتلأت الجدران  بالكتابات المنددة بالزيارة المرفوضة شعبيا، واشتعلت الجامعة، وانتتفض الطلاب انتفاض الكماة في ذلك اليوم المشهود، ووقفوا صامدين رغم القمع الذي واجهتم به الشرطة في ذلك اليوم.

بعد أكثر من الشهر على بداية الاعتقالات أطلق سراح البعض فيما أحيل العشرات من المعتقلين إلى السجن المدني، لكن الشيخ محمد الحسن خص بالسجن الانفرادي.

قبل نهاية الشهر السابع من تلك السنة، تحدث وزير الداخلية في البرلمان بالتهديد والوعيد الذي ينتظر الإرهابيين على حد وصفه، في يوم مشهود.

وبعدأن أيقن معاوية أن الأمر استقر له، ورغم نصائح الأهل والأقارب له بالتخلي عن فكرة استهداف هذا التيار، لكنه أصر على السير قدما في استئصال التيار الإسلامي، ربما بناء على نصائح بعض من أرادوا به كيدا، وبعد  قرابة 10 يوم  من بداية الحملة، ومع انغلاق الأفق إلى أقصى درجة، أسقط العقداء الرئيس السابق معاوية ولد الطايع، وذلك إثر إصراره على إرسالهم جميعا إلى الحدود لقتال القاعدة، حيث أصيب من حيث لم يحتسب، وأفرج العسكريون عن المعتقلين المحسوبين على التيار الإسلامي الوسطي والشخصيات العلمية، واحتفظ طيلة سنتين أخريين بالعناصر المحسوبة على  التيار السلفي،  وفي الوقت الذي شن فيه رئيس المجلس العسكري هجوما لاذعا على التيار الإسلامي، دافع القائد الفعلي للانقلاب محمد ولد عبد العزيز عن الإسلاميين المفرج عنهم معتبرا أنهم ليسوا إرهابيين، لكن النظام الجديد رفض الترخيص مرة أخرى لحزب حمد بحجة أنه يحاول احتكار الإسلام، ونفذت السلطة يومها حملة دعاية قادتها بعض الشخصيات السياسية والعلمية بحجة أننا لا نحتاج حزبا إسلاميا أصلا..

من الإصلاحيين الوسطيين إلى تواصل

في نهاية العام  2005 بدأ مسار جديد من التنظيم، وأعلن عن تأسيس  مبادرة التنسيق والمتابعة للإصلاحيين الوسطيين بقيادة الاستاذ محمد جميل ولد منصور، ومن بين من ضمتهم في عضويتها:محمد جميل منصور.. رئيس سابق لحزب تواصل

الطيب ولد محمد محمود.

با ممد دمبا.

السالك ولد سيدي محمود.

الحسن ولد محمد.

المختار ولد محمد موسى

الشيخاني ولد بيب.

حبيب ولد حمديت.

محمد غلام ولد الحاج الشيخ.

ياي أنضو كوليبالي.

محمد يسلم ولد سيد المختار رحمه الله.

محمد ولد محمد امبارك.

أم المؤمنين بنت أحمد سالم..

إسلم ولد الدمين.

بركة بابو..

كما انطلقت جريدة السراج الذراع الإعلامية للإصلاحيين، وشارك الإصلاحيين في انتخابات 2006 مستقلين، ليحصلوا على أربع بلديات  في العاصمة، وأخرى في الداخل وعلى بعض المقاعد في البرلمان الموريتاني، .

لاحقا سيتم الترخيص لحزب تواصل بقيادة جميل ولد منصور، بقرار من الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله ومعارضة قوية مع خلفه محمد ولد عبد العزيز، وفق ما أكده الأول في حوارات صحفية لاحقة.

خلال فترة الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله دار نقاش تقليدي بين الإسلاميين حول العلاقة بالسلطة، واستطاع جناح قوي الدفع باتجاه الانتقال إلى الأغلبية، حيث شارك تواصل بوزيرين هما محمد محمود ولد سيدي، وحبيب ولد حمديت، وقبل أن يكمل الحز ب إقناع جمهوره بالمشاركة في الحكومة، أقيلت الحكومة وأخرج منها  تواصل... .

وهكذا لم يطل مقام وزيري تواصل ورفيقيهما من حزب اتحاد قوى التقدم حيث أرغمها العسكريون على الخروج من الحكومة، قبل أن يرغموا رئيسها بانقلاب عسكري على الخروج من السلطة، ليبدأ مسار آخر من الصراع بين المعارضة والنظام، وكان الحزب يومها عضوا مؤسسا  في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، وسخروا إمكانياتهم السياسية والإعلامية لمواجهة الانقلاب، قبل أن يأخذوا مسارا آخر بعد اتفاق دكار في العام 2009، حيث رشح الإسلاميون رئيسهم  محمد جميل ولد منصور للرئاسة ليحصل على 4% من أصوات الناخبين وهي النتيجة المخيبة التي جعلت الإسلاميين يراجعون طموحهم السياسي بشكل دائم..

الإسلاميون ونظام ولد عبد العزيز.. من التقارب إلى المواجهة

أثرت الخطوات الأولى لنظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على توجهات الإسلاميين، وبات كثير من قياداتهم السياسية ينظر إلى الرجل باعتباره " ولدهيدالة" جديد، كما تكثفت لقاءاته مع شخصياتهم المركزية مثل الشيخ محمد الحسن ولد الددو و رئيس تواصل محمد جميل ولد منصور، الذي التقى أيضا بشكل متكرر قائد الأركان الفريق محمد ولد الشيخ الغزواني، وتواصلت تلك اللقاءات التي كانت تهدف إلى شيء ما  قبل أن تتوقف بشكل نهائي ومفاجئ، وفق ما تنسبه مصادر سياسية للرئيس الغزواني حينها.

وبدأ مسار آخر قوي وصعب مع رياح الربيع العربي، حيث ساند الإسلاميون ثورات الشعوب العربية، ونافحوا بقوة عنها في بياناتهم ومواقفهم السياسية، واعتبر الشيخ محمد الحسن ولد الددو أقرب إلى أن يكون مفتي الثورات العربية، وهنا تسارعت وتيرة الصراع بين النظام وحزب تواصل الذي قررت جماهيره وقياداته لاحقا الانخراط في مشروع " ربيع موريتاني."

وقد جاء الربيع العربي الذي أظهر "أظافر سياسية" حرص الإسلاميون دائما على عدم إبرازها مكتفين بقفاز السير تحت ظلال الديمقراطية، منكرين لاحقا أن يكون ذلك الربيع استعجالا سياسيا للوصول إلى مكسب ما زال بعيد المنال، جاء الربيع وقد تآكلت ورقة المظلومية التي استفاد منها الإسلاميون خلال  سنواتهم المنصرمة، وبدا أن بالإمكان وصفهم بأنهم مظلومون في التاريخ، وأنهم كادوا بالربيع العربي أن يكونوا ظالمين في السياسة، هكذا يرى خصومهم، أما هم فيرون أن الثورة حراك شعبي لا يمكن الوقوف في وجهه إذا توفرت أسبابه وانتفت موانعه، وأن لا أحد يمكنه أن يحدد له بداية أو نهاية، وبين هذا وذاك كان الربيع العربي قصة خلاف قوية داخل التواصليين أنفسهم، حيث أثارت موجة الربيع العربي نقاشات ساخنة في الحزب، وقد دفع تواصل  ثمنها سياسيا في مواجهة النظام وفي استعداء حركات وقطاعات فكرية ترى في الأنظمة المطاح بها أو المثور عليها أنظمة قومية راسخة كانت تحمي الشعوب من الوصول إلى ما وصلت إليه.

ورغم معارضة رئيس الحزب محمد جميل ولد منصور بقوة لخيار "الربيع" وتحفظ عدد من الشخصيات العلمية والدعوية تجاه هذا "التوجه الشبابي" فقد اختارت قيادات حزبية أخرى التصعيد إلى أقصى درجة، بصفته قرار الحزب،  بل وجه نائب رئيس تواصل تحذيرا إلى النظام وشخصياته بأن يأخذوا حذرهم من غضب الشعب، حين لا يمكنهم الاعتبار ولا الاعتذار

وكان من نتائج هذه المرحلة صعود تواصل إلى صدارة المعارضة الموريتانية.

وعلى الضفة الأخرى كان من بين الخيارات الكثيرة التي ناقشتها الكتلة الضيقة المحيطة بالنظام

  • حل حزب تواصل واعتقال قياداته
  • القمع العنيف للجماهير "الربيعية"
  • قطع الأذرع المالية والإعلامية والمجتمعية للتيار الإسلامي.

فيما وصل التهديد لاحقا وبرسائل غير مشفرة تحذير بعض قيادات تواصل وشخصياته العلمية من "أن النجاح في الثورة أمر غير مستبعد لكن " قيادات من تواصل " لن يكونوا من الأحياء الذين سيحتفلون بذلك النجاح.

أخذ نظام ولد عبد العزي سياسة تصفية نوعية تضمنت على سبيل المثال

  • حرب ضرائب وتصفيات مالية ضد الشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامي، وهو ما أدى بعدد كبير من الداعمين المفترضين لتواصل بالتوجه رهبا وإكراها نحو السلطة.
  • إغلاق المؤسسات الكبرى للتيار مثل مركز تكوين العلماء- جمعية المستقبل- جمعية الخير- جمعية يدا بيد.
  • استدعاء الشيخ محمد الحسن ولد الددو أمام لجنة أمنية متعددة العناصر بقيادة والي نواكشوط، وتحذيره من القيام بأي نشاط دعوي دون ترخيص، وهو الإجراء الذي واجه ولد الددو العناصر المذكورة برفضه تماما.
  • مضايقات متعددة للشيخ الددو والمقربين منه أسريا وسياسيا تضمنت منع بعض أفراد أسرته من الحصول على جوازات سفر وإطلاق حملة إعلامية متعددة تستهدفه بشكل شخصي.

الإسلاميون والعسكر

ويحسن هنا أن نعرج على  العلاقة التي ربطت التيار الإسلامي بالعسكر الحاكم في موريتانيا  خلال العقود الخمسة الماضية، بدء بمضايقتهم في مجرد طرح حزب سياسي مع بداية المسلسل الديمقراطي، ورفض أحزابهم التي تقدموا بها أو شاركوا فيها.

ومع الاعتقالات في العام 2003 تعرض الكثير من ابناء التيار ومناصريه للتعذيب في مخافر الأمن العام مثل الأمين العام لجمعية المستقبل الحالي الدكتور شيخنا ولد سيدي الحاج، وأحمد زيدان ولد محمد الأمين، بتار ولد الطالب النافع، الأستاذ محمد المختار بن ابوه والإمام محمد ولد على وزوجته خديجة بنت محمدوالتي سقط حملها أثناء التوقيف بإحدى المفوضيات.

وكذلك الحال بالنسبة للمؤذن إزيد بيه ولد احمد محجوب الذي ترك البلاد بعد إطلاق سراحه، حيث تعرض للتعذيب بشكل مستهجن..

وعندما أطيح بالرئيس معاوية، وجد التيار الإسلامي نفسه محاصرا من طرف قادة التغيير الذي يمكن اعتباره تجديدا في النظام للحيلولة دون سقوطه.

في تأسيس حزب حاتم اعترض العسكر على وجود بعض النحسوبين على التيار الإسلامي في تشكيلته القيادية.

وعندما بدأ ت الترشحات تحرك بعض القادة لتخويف المترشحين الجديين من الإصلاحيين،  الوسطيين، ومحاولة إقناعهم بضرورة الانسحاب من السباق.

​​​​​​وربما أرغموا البعض على الانسحاب، بعد ان فتلوا في لحية وغارب أخيه وفصيلته التي تؤيه و تشد مأزره.

ولذلك ما إن حدث نقاش حول الربيع الغربي حتى تغلبت العاطفة التي تحمل مرارة الظلم، على الصبر وطول النفس الذي ميز علاقة التيار الإسلامي بالغير، وتعاطيه مع العساكر.

تواصل .. رمزية التناوب.. أم صراع اللوبيات

قبل نهاية حكم ولد عبد العزيز، كان ولد منصور أيضا قد انتهت فترته القانونية لرئاسة تواصل، كان الحزب يومها يعيش حالة خلاف صامت يتفاعل مع الزمن، حيث انسحب نائب رئيسه محمد غلام ولد الحاج الشيخ بشكل تدريجي من الحزب، وتوترت العلاقة بقوة مع نائبيه السابقين شيخاني ولد بيبه والسالك ولد سيدي محمود.

تولى رئاسة تواصل بعد جميل ولد منصور الدكتور محمد محمود ولد سيدي الذي يصنف ضمن التيار الدعوي داخل التيار الإسلامي، وهو مقرب اجتماعيا من الرئيس الغزواني، بدرجة يمكن القول فيها إنهما ابنا أسرة واحدة، حيث كانت منازل الأسرتين  في سور واحد لا يفصل بينهما حائط..

لكن هذه العلاقة لم تنعكس إيجابيا على علاقة الحزب بالرئيس الغزواني بل كان الصدام بين الطرفين متفاقما بشكل كبير، وكانت "الحرب النفسية" على ما يبدو متفاقمة بين الرجلين جراء آثار الشوط الثالث في بلدية عرفات سنة 2018.

 راهن حزب تواصل  في رئاسيات العام 2019 على المرشح  سيدي محمد ولد ببكر، ولم يرق ذلك لعدد من العناصر القيادية وخصوصا محمد جميل ولد منصور الذي انسجم لاحقا مع قرار الحزب رغم معارضته المبدئية له وفي هذه الأثناء غادرت مجموعات صغيرة  أخرى باتجاه النظام ومن أبرزهم مجموعة راشدون بقيادة السيناتور السابق عن مدينة كيفة الشيخ عمر الفتح بن سيدي عبد القادر، ومجموعة أخرى بقيادة السفير السابق المختار ولد محمد موسى الذي قرر بعد ذلك اعتزال السياسية ومجاورة الحرمين الشريفين.

أخذ الصراع خلال مأمورية ولد سيدي أزمة خلاف أقرب إلى الشخصنة مع سلفه السابق محمد جميل ولد منصور الذي يتهمه عدد من خصومه في تواصل بمحاولة فرض السيطرة والوصاية، فيما يرى أنصاره أن تيار ولد سيدي دفع بالحزب إلى معارضة راديكالية لا تتوفر أسبابها، وسعى إلى صناعة خصم ما زال يرفض الصراع مع الإسلاميين.

من البداية كان جناح ولد سيدي حريصا على إبعاد ولد منصور بكل ما أوتي من قوة، حيث تم حرمانه من منصب زعيم المعارضة، رغم أنه كان المرشح الأكثر حظوظا وقابلية لهذا المنصب، وانتهى الأمر بمنحه لرجل حديث الانضمام إلى تواصل هو  ابراهيم ولد البكاي والذي كان أيضا منتصف التسعينيات من عناصر التلاميذ الإسلاميين بثانوية الميناء، قبل أن يأخذ مساره طيلة عقدين في حزب التحالف الشعبي التقدمي، وجوار حركة الحر.

لكن علاقات ولد سيدي ساءت مع الرئيس شيخان ولدبيب والرئيس محمد غلام  ولد الحاج الشيخ، فشهر العسل بينهم لم يطل، وحبل الوصال انقطع مبكرا، وقد حاول ولد سيدي منعهما من إبداء الرأي في الشأن السياسي خاصة فيما يخالف مواقف الحزب، في حين تمسك الثلاثة بأنهم يميزون بين مواقف الحزب التي تصدر عن الهيئات وبين الرأي الشخصي لرئيس الحزب وفريقه، وقد بلغت الأزمة ذروتها حين أصدر الحزب بيانا يتبرم فيه من لقاء الرئيس جميل مع رئيس الجمهورية،  والظاهر أن نتيجة ذلك البيان اقنعت  الرئيس ولد سيدي بعدم إصدار بيان يعلق فيه على مقابلة الرئيس محمد غلام لرئيس الجمهورية.

ولئن كان ولد سيدي نجح في تمرير دعم الحزب لولد بوبكر فإن الأمور تعقدت أمامه، وبدا عاجزا أمام قوة مكتبه السياسي، حيث رفض الحزب سعي رئيسه  لمقاطعة حوار الداخلية، وانتهى الأمر بالعودة إلى الحوار.

تميزت فترة ولد سيدي بتراجع مكاسب الحزب من 16 نائبا إلى 14 فقط، ويعود ذلك في الأساس إلى قوة تدخل السلطة في المشهد السياسيمحمد محمود ولد سيدي.. رئيس سابق لحزب تواصل ترهيبا وترغيبا، رغم أن الحزب تمكن من  هزيمة الحزب الحاكم على مستوى لائحة نواب نواكشوط، وحصل على نتائج جيدة في كل بلديات نواكشوط التي كانت من نصيبه،  في ترشيحات  ائتلاف المعارضة، وحصل الحزب على هذه النتائج  وهو يواجه  حملة تحريض ومحاولات تفكيك غير مسبوقة، ومع نهاية مأموريته بدا واضحا أن التجديد لولد سيدي صعب جدا سواء أراد ذلك أم رفضه، فبدأ البحث عن خليفة جديد وكان من نصيب الرجل القرآني حمادي ولد سيدي المختار الذي يعتبر من العناصر الحديثة الالتحاق بالتيار الإسلامي..

لم يدخل حمادي سيدي المختار المكتب التنفيذي للحزب قبل أن يتربع على رئاسته، شأنه في ذلك شأن سابقه.

ينضاف لذلك خلو المكتب التنفيذي للحزب الذي اختاره الرئيس الحالي من السياسيين المتمرسين.

واليوم يعيش حزب تواصل،  في ميدان التحدي إذ عليه أن يواجه بعد أقل من شهر صناديق الاقتراع، لإيصال نواب وعمد جدد إلى المقاعد الانتخابية، وقد دفع الحزب بعدد من شخصياته غير الشهيرة إلى قيادة هذه اللوائح، فيما قرر إبعاد المنتخبين السابقين في خطوة يصفها مراقبون بأنها تحقق  أهدافا منها  تعزيز الديمقراطية بشكل كبير داخل المسار النيابي للحزب.

وعلى ضفاف الانتخابات يعيش حزب تواصل حالة قوة تعبر عنها:حمادي ولد سيدي المختار.. رئيس حزب تواصل

  • ديمقراطيته الحزبية التي مكنته من اختبار ثلاثة رؤساء في حوالي 15 سنة في سابقة لا يوازيها إلا حمى التغيير القسري للرؤساء في الحزب الحاكم.
  • تماسك قوي مقارنة مع بقية أحزاب المعارضة
  • وجود أذرع شعبية تتعزز وتنمو وخصوصا في القوى الشبابية المتعلمة..
  • وجود فعالية سياسية وإعلامية تدعم خياراته.

كما يعيش الحزب أيضا أزمات صامتة تعبر عن نفسها بين الحين والآخر ومن أبرزها:

  • صراع اللوبيات وجماعات الضغط التي تعمل كل منها على تصفية وإبعاد عناصر الأخرى ومضايقتها وهكذا ألجأت الضرورة مثلا الرئيس السابق لتواصل محمد جميل ولد منصور على "أخذ مسافة من الحزب" فيما غابت عناصر أخرى كانت بالغة التأثير في الحزب خلال المأمورية الماضية مثل الرئيس محمد محمود ولد سيدي،   والسالك ولد سيدي محمود الذي رفض أن يكون عضو ا في المكتب السياسي في الحزب،  بعد أن ظل خلال خمس سنوات مسؤول الملف السياسي والعقل المدبر للحزب خلال مأمورية ولد سيدي.
  • تفاقم النقاش الشرائحي: بشكل كبير داخل الحزب، وتصاعد حدة آثاره في النقاش الفكري بين القوى الشبابية لتواصل.
  • إمكانية إقامة إطار سياسي بديل: يضم شخصيات إسلامية خارجة من تواصل أو عليه، ورغم وجود مؤشرات أو ودعوات إلى ذلك،  فإن تواصل ما زال يملك قوة شعبية راسخة، يزيد من قدرتها مرونته على التكيف مع المتغيرات التي قد تفرض عليه في احيان كثيرة الانحناء للعواصف الداخلية والخارجية.

وبين تلك المتغيرات يبقى حزب تواصل حزب المعارضة الأول والأقوى، ويبقى سؤال الموقع السياسي الإشكال الأكثر الذي يعيشه الحزب، بين معارضة يرى كثير من قادته أنها مفروضة عليه بحكم الواقع وأن موقعه الطبيعي هو في عمق السلطة شريكا على الأقل أو حاكما في أبعد مرامي الطموح.

في التأسيس استفاد الإسلاميون من نوعية الخطاب المعتمد على أصالة القيم الإسلامية وعمق التدين وتاريخ كبير من المساعي الإصلاحية وسعي طويل لإقامة نماذج سياسية أو تنظيمية تسعى إلى " خدمة الإسلام" وفي السياسة عانى الإسلاميون كثيرا من المنع.. غير أنهم استفادوا من " مظلومية الحظر" دعائيا حصدا للتعاطف وجوابا عمن نحن وماذا نريد.

وإذا كانت ورقة المظلومية السياسية قد تآكلت إلى حد كبير فإن رافد الدعوة الإسلامية والتدين المتجذر ما زال يمد الإسلاميين بقوى شبابية أو مجتمعية تمثل الكتلة الصلبة التي تمنح  مشروعهم السياسي مزيدا من الاستمرار والاستقرار.