ضغوط حكومية على المسؤولين.. وتهديد رسمي للمغاضبين ماذا وراء تصريحات الوزير الـأول تجاه مناوئي "الإنصاف"- إعداد موقع الفكر

منتصف التسعينيات اكتشف الرئيس السابق معاوية ولد الطايع شخصية الشاب الهادئ جدا محمد ولد بلال، بدأ الرجل يترقى في المناصب قبل أن يتربع لسنوات على إدارة شركة الطرق، وقبل أيام قليلة من تعيينه الأخير وزيرا أول، كان يرد على من يمنونه بهذا المنصب أنه يأمل فقط أن ينجوا من قضية قصر الرئيس السابق في بنشاب الذي يتضمن منشآت نفذتها لصالحه شركة الطرق.

ينتمي ولد بلال إلى مقاطعة كرمسين، وهو مهندس مدني ذو كفاءة عالية، مدمن للصمت في غالب الأحيان، كان ولد بلال كما يقول المقربون منه الخيار الأول بالنسبة للرئيس الغزواني قبل أن يعدل عنه ويمنح الوزارة الأولى للمهندس اسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا.
أوغل هذا الأخير في التخطيط ووضع الرؤى والمشاريع، واصطدم بأن الكثير من المسؤولين يريدون تسيير اليوميات لا أكثر ولا يهتمون بأفق أبعد، أو هكذا يقول مقربوه أيضا، اصطدم الرجل بقوة بوزراء أقوياء في النظام، وتم إبعاده، ليكون محمد ولد بلال الخيار الثاني والأهم لاعتبارات متعددة منها:
- انتماؤه إلى الجنوب
- الانتماء إلى شريحة الحراطين
- الكفاءة الفنية
- الاستعداد لتنفيذ الأوامر
أغاظ تعيين ولد بلال سياسيين كانوا يراهنون على العلاقة مع الرئيس الغزواني، وبشكل خاص السياسي بيرام ولد اعبيدي الذي كان يطمح إلى شراكة سياسية مع النظام تمنحه نصيبا في الحكومة قد يصل إلى الوزير الأول.

لم يغير ولد بلال عادته في الالتزام والمداومة في المكتب، وفي الالتزام في البيت بقية الأسبوع، حيث كان غائبا بشكل تام عن المشهد السياسي، ولم يكن له أي تأثير محلي أو وطني في صناعة تيار أو فئة مرتبطة به.

مالذي أخرج الوزير عن صمته؟
يتساءل مراقبون للمشهد السياسي مالذي تسبب في قطع الوزير الأول لصمته رغم أنه كان الغائب الأبرز عن صناعة الترشيحات في حزب الإنصاف وفي ولاية اترارزة بشكل خاص، كما كانت حاضنته الاجتماعية عرضة للتهميش في مقاطعتها كرمسين.
تتعدد الإجابات ومن أبرزها أن الخرجات الإعلامية للوزير الأول كانت بأوامر رئاسية، وذلك بعد تقارير إدارية وسياسية وأمنية عن صعوبة المنافسة وعن دور المغاضبين في صناعة " نصر ضئيل" لحزب الإنصاف.
إضافة إلى عمق المنافسة التي يمثلها غياب شخصية ذات وزن رسمي كبير من شريحة الحراطين عن واجهة الحملة العامة للإنصاف.
ويمكن في هذا الصدد الحديث عن سعي شخصي للوزير الأول لشغل موقع من الذاكرة السياسية، خصوصا أن وضعيته أصبحت على الهزاز، حيث يمكن أن يكون الخاسر الأبرز لمنصبه بعد اكتمال الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة.
تهديد ولغة غير " سياسية"
بعيدا عن السياسة اختار ولد بلال أن يعدهم ويمنيهم، بلغة واضحة، تضمنت التهديد والوعد والوعيد للمغاضبين من حزب الإنصاف، بأنهم سيفقدون التقدير والاحترام والمكانة التي كانت الدولة تمنح لهم، وهو ما يعني ضمنيا التحضير لحملة إقالات واسعة وتصفيات نوعية للجهاز الإداري من الموظفين الكبار والسياسيين الخارجين على " خط الإنصاف"
لاحقا سيعدل الوزير الأول من لهجته ليقول إنه مجرد مناضل من حزب الإنصاف، وأنه مهتم بنيل حزبه للأغلبية، قبل أن يعود بأسلوب استعطافي ليخاطب المغاضبين بأن عليهم الصبر حتى تنتهي الانتخابات.
وإلى جانب ضعف المضمون السياسي في خطابات الوزير الـأول، فقد كان أول مسؤول يخرج عن روح التفاؤل ويعبر بصراحة عن " شراسة شديدة" في الانتخابات، وينقل مخاوف الإنصاف من التقارير الإدارية والأمنية إلى وسائل الإعلام بشكل واضح، حيث كان الوزراء يعبرون عن هذا الموقف بشكل سري.

تفريغ سياسي وحملات ضغط قوية
تؤكد مصادر خاصة لموقع الفكر أن الحكومة اتخذت عدة أساليب للضغط والتعبئة تضمنت عمليات اتصال كبيرة بعدد هائل من المسؤولين والموظفين الكبار، وإلزامهم بالتحرك لإنقاذ مرشحي الحزب في دوائرهم، كما تم منح عطل " ووسائل مادية" لعدد كبير من المسؤولين وخصوصا في مناطق الضفة التي تنحصر فيها المواجهة بشكل كبير بين حزب الإنصاف وأحزاب الأغلبية وخصوصا حزب الأغلبية العريق الذي تقوده الوزيرة السابقة الناهة بنت مكناس.
كما تضيف ذات المصادر أن رئيس الجمهورية والوزير الأول استقبلا عددا من كبار المغاضبين في محاولة لإقناعهم بالانسجام مع الحزب.
ووفق ماهو مؤكد فأن مختلف وزراء الحكومة يديرون بشكل مباشر أو عبر مبادرات حملات قوية في قطاعاتهم ضغطا على مسؤولي القطاع وإذكاء للتنافس بينهم وسط حالة كبيرة من استشعار المخاوف.

ماذا بعد التهديد
تظهر تهديدات الوزير الأول حالة القلق في هرم السلطة تجاه الانتخابات الحالية وتتأسس هذه المخاوف على معطيات أبرزها:
- اتساع حالة المغاضبة وضعف الإجراءات السياسية لمواجهتها.
- عزوف رجال الأعمال عن التدخل الفعال لإسناد حملة الإنصاف
- وجود مغاضبات قبلية قوية، وشعور كثير من المغاضبين بأن النظام غير قوي بما فيه الكفاية لمنعهم من الترشح.
- وجود مرشحين مدعومين من النظام من خارج حزب الإنصاف وهو ما يجعل السلطة في مواجهة سؤال أخلاقي لماذا دعمت أولئك ووجهتهم للترشيح وتحاول منع آخرين من الترشح؟

وينضاف إلى هذه العوامل مخاوف السلطة من:
- الحصول على كتلة برلمانية أقل من الكتلة التي حققها نظام الرئيس السابق في انتخابات 2018.
- فقدان مراكز بلدية قوية وخصوصا في العاصمة، وهو ما يعني رسالة فعلية بتراجع شعبية النظام.
وبين الرجاء المتأسس على ضعف المعارضة وضعف أحزاب الأغلبية والخوف من تصويت عقابي في بعض الدوائر ومن تصاعد نصيب القوى المعارضة في البرلمان، تبقى تصريحات الوزير الأول الحدث الأكثر إثارة في الانتخابات الأكثر هدوء في تاريخ البلاد.