حديث في مقاربات الإصلاح/ الدكتور محمدن مني غلام

 

في التاريخ التربوي لهذه البلاد جوبهت جهود الإصلاح الكبيرة بمقاومة تفاوتت ضراوتها من إصلاح إلى آخر.

وفي الستينات ارتبطت الإصلاحات بإشكالات الهوية، وبزيادة الوقت المخصص للغة العربية، ومن تحت غبار الاحتجاجات  المناهضة لذاك الإصلاح تكرس تدريس اللغة العربية في المناهج الوطنية..

- في السبعينات جاء الإصلاح الكبير الذي كان من أهم مخرجاته: 
- ظهور شعبة الآداب الأصلية
- إنشاء المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية،  فدخلت في منظومة الوظيفة العمومية جموع من طلبة المحاظر ظلوا لعقود خارج التوظيف الحكومي. 
- ثم كانت "الحركة الإصلاحية " التي قادتها الوزيرة نبغوها حيث أعادت ترتيب القطاع على أساس الجدارة المهنية والاستحقاق، فكانت بحق وزيرة المعايير ..

وجاءت إصلاحاتها بكفاءات تربوية وإدارية جديدة، ظلت مهمشة بفعل استشراء الفساد وتغول المحسوبية، جوبهت نبغوها بتظاهرات متواصلة، طبعت فترة قيادتها للقطاع، وبعد غيابها عن المشهد أصبح غيابها مظلمة أخرى، تذكر بمناحات كربلاء؛ فقد خسر القطاع بخسارتها فرصة جادة للنهوض، ولم تجد دموع التماسيح نفعا في عودتها.

ترى لحساب من ثارت بعض "النقابات" في وجه ذاك الأمل الخاطف.

 واليوم بدأت بشائر إصلاح ظل الكل يترقبه، بعد أن بلغ الوهن منتهاه بهذا القطاع، وبعد أن قلبت له كل الأنظمة السابقة ظهر المجن.

بدأ الإصلاح بطيئا ولكن بخطوات ثابتة..
 
 بدأت العملية بتدقيق غير مسبوق للمصادر البشرية للقطاع، وهي عملية تقترب من نهايتها، ومن المتوقع ان تكشف  الغطاء عن مئات الموظفين، الذين ظلوا يختبئون كالجرذان في شقوق الإدارات، وتحت تسميات وهمية، هؤلاء خرجوا من القطاع منذ زمن بعيد، وظلوا يرهقون كاهل الوزارة بالرواتب غير المستحقة، التي يتقاضونها كل شهر وربما العلاوات؛ فاقترب الإصلاح بذلك من عش الدبابير، واشتد ألم الجراحة، 
وبالتزامن مع ذلك؛ بدأت الوزارة التهيئة لغربلة المستويات وتقييمها، استعدادا للشروع في تطوير قدراتها التربوية والمعرفية، فاقترب الإصلاح أيضا بذلك من وضع يده على الورم الملتهب: الدفعات المكتتبة بمعايير "السياسة" لا الكفاءة و"المحسوبية" لا الاستحقاق..

أثناء كل هذا كانت المناهج التربوية قد تم تطويرها وتهيئتها لتكون الوعاء الجاهز للإصلاح الموعود..

ومع ذلك فقد وجدت جهود الإصلاح هذه المرة، وكما في كل مرة من يقاومها بضراوة واستماتة.

فإصلاح قطاع نخره الفساد لعقود يتطلب جراحة مؤلمة ودون منوم..

فللإصلاح ضحاياه كما للفساد ضحاياه.