في مقابلة له مع موقع الفكر، ولد بوحبيني يشيد بالتقرير الأمريكي وينتقد أوضاع السجون وواقع التعليم( مقابلة)

قال رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في موريتانيا المحامي أحمد سالم ولد بوحبيني، إن التقييم الذي حصلت عليه موريتانيا من الولايات المتحدة الأمريكية هو نتيجة جهود مكثفة من الحكومة ونتيجة استيراتيجية محكمة نفذتها اللجنة الوطنية لحقوق الانسان وامتازت بالانفتاح الدبلوماسي والصدقية والشفافية في تناول الملف الحقوقي
وانتقد المحامي ولد بوحبيني في مقابلة خاصة مع موقع الفكر،  وضعية السجون في موريتانيا معتبرا أنها تعيش وضعية سيئة
كما انتقد المحامي احمد سالم ضعف قدرات التعليم في بعض مناطق البلاد مؤكدا انه توجد قرى بدون مدارس كما توجد مدارس لا يوجد فيها معلمون وتوجد مناطق يصعب على المعلمين الإقامة فيها داعيا قطاع التهذيب إلى استحداث تحفيزات خاصة بموظفي التعليم في الداخل.

وهذا نص المقابلة:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على نبيه  وسلم.

موقع الفكر: ماذا عن التقرير الأمريكي الأخير؟
أحمد سالم بوحبيني:  موضوع التقرير الأمريكي مهم للغاية لأنه نقل موريتانيا إلى مرتبة متطورة تعترف بالجهود المهمة التي أدتها موريتانيا من أجل تعزيز سمعتها الحقوقية، كما أنه يسمح لموريتانيا بالاستفادة من العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرص التعاون المتعددة مع هذا البلد المهم.
ودون شك فقد جاءت هذه المرتبة التي نالتها موريتانيا نتيجة الإجراءات المتعددة الجوانب التي قامت بها موريتانيا في سبيل مكافحة الاسترقاق والعبودية وآثارهما، ومحاربة الاتجار بالبشر، وقد كان للجنة الوطنية لحقوق الإنسان دور فعال في الوصول إلى هذه النتيجة عبر سلسلة من الأنشطة وآليات التعاون والتواصل مع مكتب مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة .
وللعلم تضمن  التقرير الأمريكي أن آلية اللجنة الوطنية لحقوق الانسان هذه ذكرت فقط خمس حالات عبودية خلال هذه الفترة
ومن بين تلك الأنشطة القوافل الحقوقية التحسيسية التي نظمتها اللجنة منذ العام 2019 وكان لها دور أساسي وطنيا ودوليا، وقد أشاد بها التقرير الأمريكي المشار إليه
كما أن اللجنة أيضا أقامت آلية للاتصال والتعاون مع الهيئات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان، ضمن مقاربة للجنة تضمنت:
الانفتاح على الدبلوماسيين والشركاء الدوليين لموريتانيا
الشفافية التامة في التعاطي مع القضية الحقوقية.
- الزيارة التي نظمتها اللجنة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في وقت مناسب، مكن اللجنة من إبراز  ما أنجزته موريتانيا من حقائق ماثلة وتقدم حقوقي معتبر، وطبعا فإن دور اللجنة مكن من تفسير الجهود الملموسة.

موقع الفكر: ألا ترون أن الحكومة والحقوقيين يعملون بنفس الوسائل وهي تقديم التقاريروالاستنجاد بالغرب من أجل الحصول على سند إما لإثبات انتهاكات حقوق الإنسان أو لنفيها وأن المصداقية المطلوبة تبدو خارجية غير وطنية داخلية؟
بوحبيني: لا يخفى أن ملف حقوق الإنسان اليوم بات ملفا دبلوماسيا وعنصرا مركزيا في السياسات العمومية وفي علاقات الدول، بمعنى أن خدمة حقوق الإنسان وتعزيزها وتوسيعها ينبغي أن يظهر في كل سياسة تنفيذية وقرار تشريعي.
توجد دول مثل الولايات المتحدة، تجعل من الحقوق الإنسانية، معيارا لتعاونها مع دول العالم، دون أن يعني ذلك الضغوط أو الإملاءات، وإنما الرقابة والملاحظة، وترتيب التعاون والدعم الاقتصادي على مستويات التقدم في تعزيز هذه الحقوق المتفق عليها عالميا.
حتى ولو اعتبرنا أن هذه المعيار هي " تنقيط غربي" إلا أنها بالضرورة "تنقيط الشركاء" الذين لا بد من العلاقة والتعاون معهم، في إطار من الشراكة. 
موقع الفكر: ما المجالات التي حققت فيها اللجنة إنصافا لمواطنين أفراد أو مجموعات أو قطاعات مهنية منذ وصول الرئيس الغزواني للحكم إلى الآن؟
بوحبيني: يسمح لنا القانون المنظم لعمل اللجنة، باستقبال الشكاوى، وعندما تتبين لنا نوع من انتهاك الحقوق العامة للإنسان، فإننا نراسل الجهة الحكومية المعنية، وغالبا فإن التعاطي الرسمي كان إيجابيا، ولدينا مئات الشكاوى الفردية والجماعية التي عالجتها اللجنة ونجحت في حلها.

موقع الفكر: هناك حديث متواصل عن ظروف سيئة يعيش فيها السجناء وانتشار للأمراض بينهم، مما حول السجون إلى مراكز لتطوير الجريمة، ماهي رؤيتكم وماذا نفذتم من أعمال لمعالجة هذه الوضعية وتسجيل اندماج السجناء في المجتمع من جديد؟
بوحبيني: عبرنا بوضوح ودقة في تقريرنا الذي قدمنا لرئيس الجمهورية عن سوء الأوضاع وكثير من انتهاك حقوق الإنسان، بل اعتبرنا أن بعض المحاكمات غير عادلة، وأن السجن التحفظي المطول مظهر سيئ لانتهاك حقوق الإنسان، إضافة إلى الظروف العامة التي يعانيها السجناء، ورغم أن ملاحظاتنا هذه تكررت بشكل أو بآخر في تقارير الأيام التشاورية حول القطاع العدلي فإن الصورة العامة والموقف الذي نعبر عنه هو أن ظروف السجناء ما زالت مزرية وبعيدة من المطلوب.
موقع الفكر: يعيش الآلاف من الأطفال الموريتانيين خارج المدرسة ويعملون في مهن صعبة على الحمير أو في جمع قطع الحديد أو في البيوت، رغم أنه من المفترض أن يكونوا في المدارس كيف تواجهون عمالة الأطفال هذه المتأسسة على الفقر، والتي قد تكون بوابة نحو الجريمة؟
بوحبيني: نظمنا قبل فترة ندوة بمناسبة اليوم العالمي للتشغيل حول عمالة الأطفال، وفي اعتقادنا أن عمالة الأطفال ما زالت ملفا سلبيا ولم يتحقق فيه تقدم كبير، رغم التشريعات التي تمنع عمالة الأطفال وتنص على إلزامية التعليم الابتدائي، وقد مكنتنا جولاتنا في الداخل من ملاحظة الضعف الشديد في تمدرس الأطفال إضافة إلى ظروف المعلمين في بعض القرى والتجمعات السكانية التي تجعل أداءهم لمهامهم شبه مستحيل أو ضعيف الجدوائية على الأقل، وفي بعض الأحيان توجد قرى بدون مدارس، أو قرى لها مدارس بدون معلمين، أو قرى أخرى كما أسلفت يصعب أن يقيم فيها المدرس، وقد راسلنا الوزارة المعنية بالتهذيب، وطلبنا استحداث حوافز ترغب المدرسين في الانتقال إلى الداخل، أو تمكنهم على الأقل من البقاء لأداء مهامهم.
 كما لاحظنا أيضا تشتغيل بعض الأطفال بل كثير من الأطفال في أعمال خطيرة عليهم صحيا وربما ذهنيا، وهو ما يتنافى مع كل المواثيق النظم المسيرة للعمل بشكل عام.
وفي تصوري أننا محتاجون إلى حملات تحسيس وطنية حول إلزامية تعليم الأطفال، وإلى سن قوانين أخرى تحرم عمل الأطفال في بيئات وظروف تشكل خطرا عليهم.
ينضاف إلى ذلك أن جرائم الأطفال والمراهقين هي الأخرى باتت عنصرا مقلقا، وتحتاج إلى نقاش جديد وإجراءات عملية تحد من هذه الجرائم ومن السياق والظروف الدافعة إليها.

موقع الفكر: يذهب البعض إلى أن بعض مناحي حقوق الإنسان التي أصبحت جزء من المنظومة الدولية للحقوق تتضمن خروجا عن الشريعة  مثل حقوق الشواذ، كيف تتعاملون مع المعطى، وهل تعبر موريتانيا عن تحفظات تجاهها؟ 
بوحبيني: موريتانيا صادقت على بعض الاتفاقيات الدولية المتعددة، وهذه الاتفاقيات كانت نتيجة نقاشات موسعة وكبيرة، انتهت إلى التوافقات، وتوجد مجموعة تسمى المجموعة الإسلامية، التي تغربل دائما الاتفاقيات بشكل دائم، انطلاقا من معايير الشريعة الإسلامية، وربما أخذت دراسة بعض الاتفاقيات عدة سنين، ويبقى أيضا أن لكل دولة الحق في الرفض والتحفظ، ولا يوجد ما يلزم أي طرف سواء موريتانيا أو غيرها بالمصادقة على ما يخالف الشريعة.
وإذا اتفقنا على أن الرفض والتحفظ تجاه ما يخالف الشريعة هو مهمة الجميع وضروري أيضا، فمن الضروري أيضا المصادقة والتعامل الإيجابي مع التوافقات الدولية التي لا تخالف الشريعة الإسلامية ولا المصلحة العامة للبلاد ولا خصوصتيها الثقافية.
وعمليا في مجال حقوق الإنسان لا يمكن الانعزال عن العالم، لكن ما يمكن كما أسلفت هو الدراسة الجادة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، انطلاقا عن المرتكزات الشرعية والدستورية والخصوصية الثقافية، كما أن من المهم التذكير بأن ملف حقوق الإنسان هو ملف رقابة أممية دائمة، ولجان الأمم المتحدة المكلفة بإعداد التقارير تتشكل من جنسيات مختلفة، ويوجد موريتانيون ضمن هذه الهيئات ويعدون تقارير عن وضعيات حقوق الإنسان في بلدان أخرى غير بلدهم الأصلي، مما يعني وجود تشاركية دولية أو أممية في رعاية وحماية وتعزيز حقوق الإنسان في العالم كله، انطلاقا من المشترك الإنساني في مجال الحقوق.
موقع الفكر: كيف تعلقون على هجرة الأدمغة والشباب في ظل الحديث عن عبور عشرات الآلاف للحائط بحثا عن العمل في أمريكا؟
بوحبيني: الهجرة جزء من حركية العالم والمهاجرون أيضا اليوم محميون بقوانين ونصوص، وإذا كان الدافع للهجرة، وخصوصا هجرة الشباب كان بسبب انعدام فرص التشغيل، فينبغي إعادة النظر في سياسات التوظيف والاستثمار والتشغيل، لكن ما نعرفه بوضوح وواكبناه بجدية أنه خلال السنوات الأخيرة الماضية فتحت أبواب واسعة جدا من أجل تشغيل الشباب وأنه عبئت وصرفت موارد مالية ضخمة لذلك، وطبعا كما أسلفت إذا لم تكن الموارد كافية، فينبغي أن يعاد النظر فيها من أجل تحسين وتوسيع فرص التشغيل.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
بوحبيني: اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان مستشار للحكومة، مع استقلاليتها التي تمكنها من أن تكون منبرا للمواطنين، ومدافعا عن الفقراء والمهمشين وكل المظلومين، فهي تتكامل مع الحكومة محتفظة باستقلاليتها عنها.
وأعتقد أن من أهم ما حققته اللجنة هذا الانفتاح الدبلوماسي، وقد أسهم هذا الانفتاح كما نرى في تقديم الصورة الحقيقية للبلد، في مقابل تلك الصور التي كان  البعض يقدمها بإصرار عن موريتانيا.
لقد تغيرت الصورة كثيرا لأن الشركاء الدبلوماسيين أًصبحوا على وعي تام بالصورة الحقيقية التي قدمت إليهم مجردة وصافية ودون مزايدة، وقد تحقق هذا العمل بشكل متوازن دون أن نفقد العلاقة والتكامل مع الحكومة، ودون أن تتأثر المصداقية والشفافية التي تعتبر معبرنا الأساسي نحو النجاحات السياسية والدبلوماسية والحقوقية والمؤسسية التي نالتها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والدولة الموريتانية بشكل عام.