الحكومة تكسب جولة ضد خصومها الحقوقيين موريتانيا والملف الإنساني.. سنوات الجمر وعقود من الأزمات- موقع الفكر

 في المناكفة السياسية اجتازت الحكومة الموريتانية عقبة من أبرز العراقيل التي طالما واجهتها في المحافل الدولية، ونالت هذه السنة تصنيفا متقدما على السلم الأمريكي للدول تجاه حقوق الإنسان، حيث خرجت موريتانيا إلى فضاء جديد خارج المراقبة، مما سيعزز فرص تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية واستفادتها من التمويلات والفرص الاقتصادية المتعددة التي تلوح بها واشنطن مكافأة لمن نال رضاها.
وتعتبر الحكومة الموريتانية هذا التصنيف اعترافا دوليا بإنجازاتها في الملف الحقوقي وما راكمت خلال السنوات المنصرمة من عطاء وامتياز حقوقي، كما تمثل صفعة قوية لعدد كبير من المنظمات الموريتانية والدولية التي سعت وبشكل حثيث طوال عقود إلى "تجريم النظام العنصري" في موريتانيا، وتدرجت من السعي إلى "تحرير السود الموريتانيين" إلى الترويج بأن موريتانيا غير جادة في إدارة الملف الحقوقي.
الأزمة الحقوقية... قصة أزمة بعمر الدولة
دفعت موريتانيا ثمنا باهظا من سمعتها الدولية جراء الأزمة الفئوية والحقوقية، وتسير هذه الأزمة وفق مسارين متكاملين هما:
- ملف العبودية وماضي الاسترقاق: حيث كانت موريتانيا من آخر الدولة التي جرمت ممارسة العبودية في العالم، وذلك بصدور قانون إلغاء الرق سنة 1981 في عهد الرئيس  محمد خونه ولد هيدالة، وكان هذا القانون مسبوقا بتعميمات وزارية وبنص دستوري ينص على مساواة الموريتانيين، رغم أن الوقائع كانت بخلاف ما ينص عليه الدستور.
وقد كان هذا الملف حاضرا بقوة في النضال السياسي لمختلف الحركات السياسية في موريتانيا، وبشكل خاص الحركة الوطنية الديمقراطية، وحركة البعث العربي، قبل أن يكون موضوع العبودية السؤال المركزي الذي تأسست للإجابة عليه  في 13/5/1978 حركة الحر، وتواصلت نضالاتها السياسية والحقوقية التي أثمرت لاحقا وعيا مجتمعيا واسعا، وتأثيرا فعالا في الجماهير.

بين من يرى أن الحركات السياسيىة وجدت من ملف الاسترقاق شماعة للارتزاق والنمو السياسي، ويستدولون على ذلك بأن واقع شريحة لحراطين لم يتفدم أو يتغير، فمازال حضورهم بين المتعلمين ضعيفا جدا، ويرى البعض أن الحكومات تدرك كيف تذر الرماد في العيون، فشغلها الشاغل تسجيل المواقف والرد على من يمتطي هذا الملف وتسجيل النقاط ضده.
ورغم ما حققته موريتانيا من تقدم على صعيد التشريعات حيث: 
- نص الدستور بمساواة المواطنين وتجريم الرق
- سن قوانين تجرم الرق وتحدد العقوبات على ممارسيه
- تجريم العبارات التي تنتقص من ضحايا الرق أو تمجده.
- قوانين تجرم عمالة الأطفال باعتبار أبناء الأرقاء السابقين هم الأكثر عرضة للتشغيل خارج نطاق القانون
- إنشاء لجنة وطنية مستقلة مكلفة بحقوق الإنسان
- إنشاء هيئة وطنية لمكافحة التعذيب
- إقامة هيئات وطنية متعددة من أجل التمييز الإيجابي – وإن بشكل نسبي – لصالح الفقراء من الفئات المتضررة من الرق.

فإن كل هذه الأعمال لم تصل إلى لب القضية، المتمثل في ضعف التعليم في هذه الشريحة.

 يقول الدكتور محمد كوريرا لموقع الفكر: " الفقر والجهل موجودان في موريتانيا فـ90% لا تكتب ولا تقرأ فهل يمكن القضاء على العبودية بالقوانين أو بالمساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة أو المنظمات الخيرية؟ فالقوانين لا يمكن أن تحرر الإنسان."

والحقيقة أن التعليم بإجماع الموريتانيين منهار،  ومعاناة هذه الشريحة من انهياره أكثر، وتأثيره السلبي عليها أقوى، ويزيد من هذا التأثير السلبي التقري العشوائي..
وإلى جانب هذه المناشط فقد أدت حركات سياسية ومنظمات حقوقية أدوارا متعددة في كشف حالات الاسترقاق، وفي أحيان كثيرة حكم القضاء بإدانة عدد من المتهمين، فيما تمت تبرئة آخرين.
ولم تسلم هذه المنظمات والأحزاب من اتهامات بالمتاجرة بالملف الحقوقي واستهداف المكونة العربية بشكل صريح.

ولم تسلم الحكومات الموريتانية المتعاقبة من تهم المتاجرة بهذا الملف واستغلاله في تأجيج الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، في سبيل الحصول على مكاسب آنية، وتسجيل انتصار واع  في السياسة.
وقد كان من أبرز المحطات التي واجهها ملف الرق في موريتانيا:
- محاكمة قادة من حركة الحر سنة 1981 بعد احتجاجهم على حالة استرقاق.
- إصدار قانون إلغاء الرق سنة 1981
- ترخيص حزب خاص لشريحة الحراطين باسم حزب العمل من أجل التغيير برئاسة مسعود ولد بلخير.
- ترخيص منظمة نجدة العبيد سنة 2002
- إصدار قانون محاربة الرق سنة 2006
- محرقة كتب الفقه المالكي سنة 2012
- إقرار تجريم الرق وممارساته في الدستور المعدل سنة 2016
وينتقد مراقبون للملف الحقوقي في موريتانيا أن الحقوقيين يركزون في قضية الرق على العنصر العربي، فيما يغفلون بشكل تام ونهائي أي حديث عن جريمة الرق في المجتمع الزنجي رغم فظاعة تلك الممارسات التي تصل في بعض الأحيان إلى:
- منع دفن موتى المستعبدين في مقابر الأحرار
- حمل أبناء الأرقاء لألقاب مجتمعية تحدد طبقتهم ولا يمكن لغيرهم حملها
وفيما تؤكد موريتانيا بشكل قوي أنها قضت على العبودية بشكل نهائي وساوت بين مواطنيها وأنها تعبر الآن في مسار اندماج وطني كبير، فإن بعض المنظمات الحقوقية ما زالت حريصة على القول إن الملف الحقوقي لم يصل بعد إلى ما يرضي ضحايا التهميش أو يمنحهم الثقة في أن الدولة ليست "عنصرية"

ويؤكد يرب بن نافع رئيس ميثاق لحراطين لموقع الفكر: "العبودية لا تزال موجودة وآثارها موجودة كذلك وآثارها أخطر منها لمايترتب عنها، من آثار وإذا لم تجد من يتصدى لها ويحلها تصير عبودية جديدة.

 في منازل تفرغ زينه ويأخذ كل منهم شخصا ممن كان " توليتو" ممن له به معرفة سابقة ويعطيه أجرا زهيدا للعمل ويمن عليه احتضانه إياه  وهذا ليس سليما فينبغي أن تعطيه الأجر المناسب، ولا تدرس أبناءك وتترك الطفل الصغير أو البنت الصغيرة تغسل الصحون في منزلك بينما أنت ترسل أطفالك إلى المدارس فهذا يتناقض مع مساعدتك إياه لأنك إنما أخذته كي تعطف عليه وتساعده، وعندما يريد الذهاب إلى أهله تجمع له من الملاحف المستعملة ومبلغ عشرين ألف أو مائة ألف أوقية ويذهب إلى أهله فيغتبطون به نظرا لضعف الوعي عندهم وضعف المستويات".

ويقول  الوزير الأول السابق اسغير بن امبارك لموقع تافكر: " أنا أحترم لكل شخص رأيه، وأرى أن العبودية بمفهومها البشع غير موجودة ولكن هناك بقايا، والإشكال اليوم المطروح بالنسبة لهذه الفئة هو إدماجها في النسيج الاقتصادي حتى تلتحق بركب الفئات الأخرى ،لأنها عانت كثيرا من التهميش اقتصاديا وعلميا؛ فلم تتح لها الفرصة في مرحلة معينة للتمدرس، وبالتالي أرى أن من واجب النظام القائم أن يعتمد سياسة التمييزالإيجابي لصالح هذه الفئة حتى تلتحق بركب الفئات الأخرى، هذا هو رأيي".
والحقيقة الماثلة تؤكد أن مخلفات الرق القوية اختلطت بالفقر المنتشر فزادها سوء ومرضا وجهلا أكثر.

وهو الأمر الذي فشلت فيه كل الحكومات المتعاقبة التي غذت الفساد وزادت المحسوبية، وعقدت واقع شريحة كبيرة من المواطنين بفعل السياسات القاصرة التي لاتدوم.

فقلة المدارس و قلة المدرسين و ضعف الكفاءة في الموجود منهم.

وكثرة المتسربين من المدارس أمور تطرق أبواب الجميع بسؤال ملح، عن مستقبل الأجيال القادمة التي لن تكون، مادمنا فشلنا في بناء وتأسي المدرسة الجمهورية في كل هذه السنوات، بلقضينا على الأمل في التعليم والبناء.

ضعفت مخرجات التعليم فكانت نسب النجاح في الامتحانات الوطنية كارثية.

إن مكافحة مخلفات الرق ينبغي أن تكون شأنا وطنيا غير سياسي، يقوم في الأساسي على تعليم قوي ناجح، وتنمية مستدامة لكل الفقراء وفي مقدمتهم الأرقاء السابقين.

 يقول محمد بن بربص لموقع الفكر: "رأيي في هذا الموضوع أن هذا خطاب دأب عليه نظام ولدوالطائع وهو طمس بعض الحقائق، وأنا أعتقد أننا مسلمون وفينا مرض فلنبحث له عن الدواء المناسب، ولا يستطيع المرء أن يداوي مرضا لا يعرف حقيقته، ويجب أن نسعى إلى مداواة هذا المرض الخطير العتيد وهو مرض سلب الناس عقولها وشخصياتها وقوتها وإمكاناتها وساوى البشر مع الحيوانات بل ساواهم مع البضائع ،ويجب أن نحس بما سبب من أوجاع ولا يجب أن نعطي فرصة للناس التي عانت معاناة لم يكن لها من مبرر أن تنتقم في حال ما  إذا ما قويت شوكتها."

مايجب التنبيه عليه أن الأجنبي يتابع الملف ليجني منه مكاسب وفوائد سياسية واقتصادية لاأكثر.

فالظالم المستبد لايهمه سواد عيوننا، وفي أمريكا من العنصرية والعبودية مايسع العالم إن قسم عليه.

ولولا المزايدة السياسية لانشغلت بماضيها وحاضرها المثقلة بأناة الشعوب المعذبة.

 

الإرث الإنساني..  سنوات الجمر وعقود من الابتزاز السياسي
رافقت "القضية الزنجية" ميلاد موريتانيا واستقلالها واستقرارها، ويمكن القول إن هذا الملف كان جزء من السياقات المفخخة التي ولدت فيها الدولة الموريتانية، حيث كانت النخبة الزنجية حريصة على إقامة مشروعها الوطني الخاص بها في منطقة الضفة، وهو ما أخفقت فيه نتيجة تصميم فرنسا على إقامة الكيان الموريتاني بشكلها الحالي.

رغم أنهم تغلغلوا في مفاصل الدولة قبل غيرهم من المكونات الأخرى.
وبعد الاستقلال برزت بشكل سريع دعوات لحماية الهوية الزنجية من خلال التمسك باللغة الفرنسية، ورفض أي مسار للتعريب، مما نتج عنه لاحقا ما يعرف بأحداث 1966 الناتجة عن بيان وقعه 19 إطارا من الزنوج الموريتانيين رافضين فيه التعريب.

والتعريب هنا حصة أسبوعية من اللغة العربية. 
وقد تعامل نظام الرئيس المختار ولد داداه بصرامة قوية مع هذا الملف، واعتقل أمن النظام عددا كبيرا من السياسيين الزنوج والعرب.
ومع بداية الثمانينيات بدأت نخبة من الزنوج الموريتانيين تشكيل حركة سياسية مسلحة "لتحرير السود الموريتانيين" وكان صدور بيان "الزنجي المضطهد" نهاية لمسار الأزمة الصامتة بين الحكومة والقوى السياسية الزنجية المعارضة.
مع سنة 1987 بدأ خيوط جديدة تتكشف، واستطاعت السلطات وضع اليد على مخطط انقلابي يهدف إلى تغيير نظام الحكم، وطبيعته المجتمعية، وذلك من خلال تصفية عرقية عنصرية، وفق ما نسبت مصادر سياسية من النظام يومها إلى المعتقلين الذين حققت معهم عناصر من الجيش والدرك والشرطة.

وهذا تمت محاكمة المحضرين للانقلاب الفاشل وعددهم 50 عنصرا، حيث حكمت المحكمة العسكرية عليهن بأحكام نهائية.
ووفق ما يشير إليه محمد عالي شريف في مذكراته فقد " شرع بعض العسكريين من الزنوج الموريتانيين ينتمي إلى منظمة سرية لها صلة ببعض الشخصيات المدنية، في الإعداد لانقلاب عسكري عرقي تبين أن هدفه يتضمن إعدام بعض الضباط والمفكرين والسياسيين ورجال الأعمال من البيظان" لإعادة التوازن العرقي المنفصم"
وقد أدى الإجهاض المتأخر، - ولكن الحاسم- إلى إنقاذ موريتانيا من تلك التصفية الدموية التي اعترف بها المخططون لها مع التصميم على تنفيذها إذا أتيحت لهم فرصة مستقبلا.

ولا حقا بدأ مسار آخر من الانتقام، وتؤكد مصادر متعددة وقوع مجازر وتصفيات عنيفة ضد العسكريين الزنوج الموريتانيين، حيث يرى السياسي محمد عالي شريف في مذكراته ناسبا إلى منظمات حقوقية أن حوالي 300-500 عسكري من الزنوج الموريتانيين تمت تصفيتهم جسديا، دون أن يكون لبعضهم علاقات مباشرة مع مرتكبي المحاولة الانقلابية 1987.
وقد ظل هذا الملف جرحا ملتهبا في الجسد السياسي الموريتاني، حيث طالبت مجموعة كبيرة من السياسيين الموريتانيين في بداية العام 1990 رسالة احتجاجية إلى الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع، فيما يعرف برسالة الخمسين، والتي تحدثت " عن المعاملة غير الإنسانية والمهنية التي تعرض لها غالبيتهم وقتل المئات منهم خارج القانون، والفظاعات التي لا يمكن تصورها، والتي بلغت حد التمثيل بهم، واختفاء العديد من بينهم"

وقبل هذه الأحداث فتح الجار الجنوبي لموريتانيا أبوابه لبعض العناصر ظلت تسب موريتانيا وتتهمها بأقذع الأوصاف والعبارات العنصرية.

يقول السفير محمد المختار الزامل: "في مرة من المرات كانوا قد صرحوا عبر إحدى وسائل الإعلام، وهي إذاعة السنغال ببعض نياتهم تجاه موريتانيا، ففي تلك الفترة قام ضباط زنوج بمحاولة انقلاب هنا في نواكشوط، وتم إعدامهم، وكان هناك حدث مشابه ومتزامن تم القيام به في جنوب إفريقيا، والذين قاموا به تم العفو عنهم، أو لم يتم إعدامهم، فقامت إذاعة السنغال بالمقارنة بين الحدثين قائلة إن الانقلابيين في موريتانيا تم إعدامهم، ولم يكن حظهم كحظ الانقلابيين في جنوب إفريقيا، فعبرت  عن احتجاجي على هذا عند وزير الخارجية، وكان لقاؤه صعبا".
وفي مقابل هذه الأزمة تعرض الموريتانيون في السنغال للقتل الفظيع ذبحا وحرقا على يد عناصر من الغوغاء السنغاليين وبتحريض قوي وعنصري من الرئيس السنغالي السابق المعارض يومها عبد الله واد، وبتغاض وحتى بحماية أمنية من السلطات السنغالية، وهكذا وجد الموريتانيون أنفسهم بين نارين: لهب من الحقد السنغالي الأعمى تجاه كل ماهو موريتاني، وردة فعل انتقامية استهدفت السنغاليين المقيمين في موريتانيا، وتوسعت لتشمل عددا كبيرا من الموريتانيين في مناطق الضفة، ممن رأت موريتانيا أن تصرفاتهم العدوانية تجاهها تؤكد أنهم ليسوا موريتانيين أصلا.

ولامقارنة بين الجاليتين، فأغلب الموريتانيين مستسثمرين ورجال أعمال وتجار، أما السنغاليون ففي عمومهم عمالة بسيطة قدرت أعدادها في تلك الفترة ب 300.000 شخص.

وقد ضاعت أملاك الموريتانيين وثرواتهم حيث طواها النسيان  بما يشبه تبادل الأدوار بين المعترضة والنظام.
 
علاج مترهل لأزمة غير قابلة للاندمال
خرج نظام الرئيس معاوية ولد الطايع من أزمة 1989،  أكثر ضعفا وأقل تحمسا لمسيرة الإصلاح التي بشر بها عند استلامه للحكم سنة 1984، وأصبح أكثر انكماشا وانغلاقا على نفسه.
كما نشطت خلال هذه الفترة المنظمات الغربية والنشطاء الحقوقيون الموريتانيون لتشويه سمعة النظام والمطالبة بمحاكمته لدى العدل الدولية، وكانت ورقة الملف الحقوقي واحدة من أكثر السياط التي آلمت النظام الطائعي ودفعت به إلى مزيد من الارتماء في أحضان الغرب، حيث سيتجه منذ العام 1994 إلى فتح قناة اتصال مباشرة مع الكيان الصهيوني، قبل أن يتطور الأمر لاحقا إلى تطبيع كامل سنة 1998، وتخلل الأمر زيارات رسمية إلى الكيان الصهيوني، وأخرى سرية.
لاحقا سيتخذ ولد الطايع خطوات جزئية في التعامل مع ملف حقوق الإنسان من بينها:
- حماية الضباط المتهمين بالتورط في الانتهاكات، حيث تمكنت موريتانيا من إنقاذ ضابطها اعل ولد الداه بتهريبه من باريس إلى تونس بعد أن اعتقل واتهم بالمشاركة في تصفية الزنوج.
- رفض محاكمة أي عنصر أمني وعسكري في ملف الزنوج.
- تكليف الضابط الزنجي  العقيد انجاكا جينك بملف التحقيق مع الضباط الزنوج وبإدارة الملف السياسي للعلاقة معهم.
- السماح بعودة جزئية للمبعدين إلى موريتانيا.
ومع وصول الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله تسارعت وتيرة عودة المبعدين، قبل أن تأخذ بعدا أكثر تسارعا مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي أقام صلاة الجنازة على أرواح القتلى من ضحايا سنوات الجمر، كما أعاد مئات الموظفين إلى وظائفهم ودفع لهم مستحقاتهم المتوقفة منذ العام 1990 تقريبا، ومن بينهم الآن شخصيات تعمل في قطاعات حكومية متعددة.
وتتحدث مصادر سياسية زنجية عن " مكاسب نوعية" حققها الزنوج خلال الخمسية الأولى من حكم ولد عبد العزيز، وأدت إلى تراجع الخطاب المعارض في صفوف الزنوج.
أما الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فيمتاز بأنه أدرك ملف القضية الزنجية وقد استل كثير من فتائله المتـأزمة وأصبح أقرب إلى ورقة للتداول والاستغلال السياسي، ومطية لقوى سياسية لم تستطع تحقيق مكاسب مجتمعية، إلا أنها ما زالت قادرة على "التجييش العنصري"

 

محمد يحيى بن عبد القهار:  "في انقلاب 1987م. انتدبتني الدولة وكنت قبل ذلك دافعت عن متهمي حركة "افلام" في نواذيبو والذين كانوا متهمين بمحاولة حرق مصانع في المدينة، وكنت أدافع عنهم رفقة المحامي "جابيرا معروفا" والذي أصبح وزيرا فيما بعد، وكنت أول من دافع عن جماعة " افلام" وليس دفاعي عنهم محبة في مساندة الخطاب العنصري، أوهل أرضى عن فعلهم تلك مسألة أخرى.

 وكان قضاة المحكمة العسكرية قضاة محترمين، يرأسهم المرحوم العقيد الشيخ بن بيده وكان يعرف القانون معرفة لا بأس بها وأدار المحكمة باقتدار وسمح لنا بلقاء موكلينا وسبق أن دافعت عن أصحاب محاولة 16 مارس 1981"

 

المحامية فاتيماتا امباي لموقع الفكر: "أرى أن قضية الإرث الإنساني سبقت ولد عبد العزيز وولد الشيخ عبد الله ،وأعتقد أن الرئيس معاوية كان يفكر في حل لها، وربما هذا هو السبب في الانقلاب، وحين وقع الانقلاب قامت الحكومة الانتقالية بتنظيم مبادرات للإرث الإنساني شاركت فيها هيئات المجتمع المدني وجميع الأطر وناقشنا فيها جميع القضايا التي تخص الموريتانيين، ومن بينها قضية الإرث الإنساني، وأذكرفي هذا السياق أنه قبل تنظيم تلك المبادرات استدعاني الرئيس السابق اعلي ولد محمد فال رحمه الله في القصرالرئاسي رفقة بعض الأطر مثل صارمامادو و بوبكرمسعود والشيخ سعدبوه كامارا، وحين أتيناه أخبرنا أن لديهم لجنة تم تشكيلها لتسوية مشكل الإرث الإنساني وستذهب إلى ابروكسيل لمناقشة هذا الأمر، وطلب منا مرافقتها للمشاركة فيما ستقوم به، وقلت له إننا سنذهب لكن على أساس أن يكون لنا دور نلعبه في الأمر، وأن نشارك في المبادرات التي ستنظم حول هذا الأمر وأن تكون كلمتنا مسموعة فيما سنذهب إليه، وأننا لا نريد فقط أن نذهب في الرحلة ونبقى في الفنادق وكأننا آلات أو أمتعة ،وعلق بوبكر مسعود بأن هذا صحيح ،وضحك الرئيس وقال لي:" أهيه أنت ألا مزلت بطبيعتك ذيك "، وفي النهاية لم نسافر معهم لأننا لم نتوصل إلى حل في تلك النقطة، وتم تنظيم المبادرات بعد ذلك وتم الاتفاق فيها على 23 نقطة، ستقوم بها الدولة من بينها رجوع المواطنين الموريتانيين الذين تم طردهم واسترداد الحقول الزراعية ،وحل مشكل الحالة المدنية ولم يتحقق شيء من تلك النقاط في فترة الرئيس اعل؛ لأن حكومته  كانت حكومة انتقالية وحين جاء الرئيس ولد الشيخ عبد الله قام بتنفيذ بعضها مثل عودة اللاجئين، حيث عاد36 ألفا وحين وقع الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله توقفت المتابعة في بقية النقاط، وقامت الحكومة الجديدة بتعيين أفراد من الزنوج في وظائف سامية ومنها وزير للعدل، مثل الأستاذ با، وتم تشكيل لجنة لتسوية مشكل الإرث الإنساني، وكانت تلك اللجنة تفكرفي تنظيم مبادرة حول هذا الأمر وقلت لهم إن تلك المبادرة لا يمكن أن تتم بدون مشاركة أهالي الضحايا."

مامادوگانيي صو لموقع الفكر: بالنسبة لهذه المسألة كان يمكن حلها ولكن آثارها باقية دون شك، فهناك من رجع  إلى أرض الوطن ومشكلته لم يتم حلها إلى حد الساعة، وهناك مشاكل متعلقة بالأوراق الثبوتية وإن كان الأمر لا يتعلق بالمبعدين الذين رجعوا إلى أوطانهم فقط بل تكاد تكون أوسع من ذلك، ثم هناك زيادة على ذلك من رجع إلى أرض الوطن ولم يسترجع حقوقه العقارية، مثل المزارع والمساكن وحتى القرى، ومؤخرا كانت هناك بعض المشاكل في استرجاع  المزارع التي كان يزرعها هؤلاء المبعدون ولم يتم تعويضهم عنها بعد أن استغلها بعض الخواص لشؤونهم الخاصة، وليسوا مستثمرين يتبعون للدولة وإنما شأنهم شأن المزارعين الذين سبقوهم، وهناك بعض الأشخاص لم يتمكنوا من الحصول على بعض الأوراق التي تثبت هوياتهم، وإن كان الأمر لا يتعلق بهؤلاء بمفردهم، فهناك من كانوا بأرض الوطن ولم يتم إبعادهم لكنهم لم يحصلوا على الأوراق الثبوتية لحد الساعة.
.

يقول الوزير صو أبو دمبا لموقع الفكر:  طالما كانت المشكلة الكبرى لبلدنا تتمثل في ممارسة سياسية تقوم علي الانقسام والتنافس بين المجتمع العربي والزنجي.  ودأب السياسيون علي هذا التقسيم ليصنعوا لأنفسهم مكانة أو شهرة سياسية. وطالما لم نخرج عن هذا النهج الخصوصي والعدائي،  فلن نتمكن من حل أي شيء. و عليه يجب أن نستحدث طريقة أخرى لممارسة السياسة بعيدا عن هذه التجزئة، وتكون أكثر شمولا، واحتواء لكافة مكونات الوطن. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال التربية والتعليم  وفي إطار حضارتنا العربية والاسلامية، البوتقة الحضارية الموحدة للجميع. 

وفي رده على سؤال لموقع الفكر: هل تفاجأتم من الأحكام الصادرة بحق أصحاب محاولة انقلاب 1987؟

لأجاب المحامي محمد يحيى بن عبد القهار:  لا يمكن أن يفاجئني شيء فيها لأني أعرف القانون وأعرف العقوبات وقد تكون مشددة وقد تكون مخففة وفي حال ما إذا كانت مشددة فالعقوبة القصوى،

 فالإثباتات حصل بعضها  وهم ليسوا سواء وأتذكر أن أحد موكلي اعترف بمشاركته في الانقلاب وللأسف حكمت المحكمة بالإعدام على أربعة أشخاص ولم يكن الاستئناف متاحا لنا ولكننا طلبنا العفو فرفض كتابيا.

 

موقع الفكر: أيهما أكثر نزاهة محاكمة انقلابي 1987 أو 1981 ؟

محمد يحيى بن عبد القهار:  كلتا المحاكمتين استغرقت عدة أيام وأخذتا الوقت الكافي وعقدت المحاكمات في قاعدة "اجريدة" والحكم متعلق بالمحكمة وللأسف الشديد حكم بالإعدام على أربعة أشخاص في كل منهما، وللأسف فأن أحدهم لم يحضر المحكمة وحكم عليه بالإعدام وهو في المستشفى.

موقع الفكر: ما ملاحظاتكم على سير المحكمتين؟

محمد يحيى بن عبد القهار:  للمحامي التزام بتقديم وسائل الدفاع وتلك الوسائل لا خلل فيها..

موقع الفكر: هل ضايقتكم السلطة على تنفيذكم مهامكم؟

محمد يحيى بن عبد القهار:  لم تضايقنا السلطة في أي شيء بل تجاوبت معنا وسمحت لمن يريد أن يتحدث مع موكله على انفراد أن يذهب معه ويتحدثا بحرية".

يقول عبدو كان لموقع الفكر: "أهم إشكالية بالنسبة لنا هي ما يسمى بالإشكالية الوطنية ،وهي مسألة تعايش الموريتانيين فيما بينهم، ونرى ذلك مسألة شائكة وهي ما تؤدي إلى ضعف الوحدة الوطنية، وهذا ما يتجلى فيما نسميه بعنصرية الدولة، وهي مشكلة رافقت الدولة منذ نشأتها، ذلك أن الأنظمة التي حكمت البلاد منذ نشأتها حاولت أن يكون التمكين لمجموعة واحدة من المجموعات على حساب المجموعات الأخرى، وهي المجموعة العربية على حساب المجموعات الأخرى، لأننا في بداية الستينات كنا متساوين في كل شيء سواء من ناحية الثروة أو نسبة التعليم ،ثم تفاوتت الفرص والمسؤول عن هذا التفاوت جميع الأنظمة الموريتانية المتعاقبة."

أحد أساتذة التاريخ علق قائلا، كنت مرة استمع لمقابلة في التلفزة الوطنية مع المرحوم كمرا ببو سيدو، فقال بالحرف الواحد إن موريتانيا استقلت بدون أطر مما اضطرها لفتح باب التجنيس أمام البعض، ومماقال المرحوم بوبو سيد، كنا نوظف السنغالي في انتظار حصوله على الأوراق.

يمكن لجيل التأسيس أن يدحض التمكين لعنصر معين بعد أن كان معلم العربية لا يطلب غير المساواة  في الراتب والاعتبار مع معلم الفرنسي، الذي في الأغلب يكون وافدا وأجنبيا.

يقول الوزير صو آدما صمبا لموقع الفكر: "قدمت ملفي في وزارة الخارجية وأمضيت عاما أنتظرهم وحالفني الحظ أن كنت على علاقة جيدة مع رئيس مصلحة في الوزارة فطلبت منه طلبا واحدا وهو أن يشعرني بالاكتتاب الذي ستجريه الوزارة وتعهد لي بذلك وفي نهاية ديسمبر من عام 1980م أبلغني بأنه طلبت منه الملفات وأنه تقدم بها إلى الوزير دون ملفي فسألته ما الحل؟، فقال لي: ابحث لك عن لقاء الوزير، وفعلا توجهت إلى ديوان الوزير وكان كاتبه الخاص رجل طيب يسمى بيني بن إبراهيم، فأخبرته أنني قادم من المشرق ولا أعرف الوزراء فهل يمكن أن يسهل لي لقاءا بالوزير وفعلا جمعني به بسرعة وكان يومها وزير الخارجية والتعاون هو محمد المختار بن الزامل، ولما استقبلني قلت له: معالي الوزير كما قالت الشاكية منذ قرون "وا معتصماه" فسأقول لك "وا مختاراه" فأنا قدمت ملفي هنا لأن تخصصي العلوم السياسية وهو تخصص يخص وزارة الخارجية وبلغني أنه قد يتم اكتتاب أشخاص لا علاقة لتخصصاتهم بوزارة الخارجية مع إهمالي ملفي فاتصل على الفور بالمسؤول عن الشؤون الإدارية والمالية وقال له: هل لديك ملف فلان؟، فرد عليه بنعم، فقال له أحضر لي ملفه الآن وسرعان ما اكتتبني  وعينني رئيسا لقسم الشرق الأوسط وآسيا وسافرت معه في أول سفر قام به في شهر مارس بعد الأحداث التي وقعت هنا وكنت مسؤولا عن حمل الملف المتعلق بالكوماندوز إلى الجامعة العربية في تونس وهذه هي بداية السلسلة".

مما يعطي صورة صادقة  عن معاناة الأطر الذين تلقوا تعليمهم باللغة العربية.

يقول الدكتور محمد الناجي بن محمد أحمد لموقع الفكر: ".. كان راتب معلم اللغة الفرنسية أكبر من راتب معلم اللغة العربية.

 وخاضت نقابة المعلمين العرب نضالا شاقا ضد ثقافة سائدة في نواكشوط وهي أن العربية لا تقدم ولا تؤخر، ويجب أن تبقى بعيدة  في المحاظر، ويكفي أن تصدر قضاة لبعض الجهات ولا يمكن أن تكون لغة تدريس للعلوم وغيرها، وترسيمها ضرب من المحال وكان معلمو العربية موضع سخرية "يضعون على رؤوسهم  منشفة و"طاجينهم" يتكون من الزبدة والخبز" ولم يثن ذلك النقابة عن النضال حتى تم ترسيم اللغة العربية في مؤتمر لعيون".

في خضم هذا الجدل يتناسى الجميع عشرات الجنود والضباط الذين قتلوا بسلاح حركة افلام العنصرية، التي يحق للجميع التساؤل عن إيمانها أصلا بالعيش المشترك.
يحسب للنظام حصوله على التصنيف الحقوقي الأمريكي الجديد، الذي يجعله في موقف قوة في مواجهة ملف حقوقي لم يكن طرفا في أحداثه، رغم أنه قد لا ينجح في طيه بشكل نهائي.

لاعتبارات منها أن البعض وجده فرصة لتحقيق مكاسب لا يمكن أن تتحق له في ظل السلم الأهلي المنشود في مجتمع مسلم يجمعه مستقبل واحد وكفاح مشترك. 

ويؤخذ على الجميع فرحه بتدخل دولة أجنبية في ملف يخصه.

فالحكومة والحقوقيين يعملون بنفس الوسائل وهي تقديم التقارير والاستنجاد بالغرب من أجل الحصول على سند،  إما لإثبات انتهاكات حقوق
الإنسان أو لنفيها ومن هنا تبدو  المصداقية المطلوبة خارجية غير وطنية داخلية.