العاشر من يوليو.. مواقف ويوميات مثيرة من أول انقلاب عسكري في موريتانيا - موقع الفكر

المدنيون والعسكر.. من أفسد الآخر

صباح العاشر من يوليو سنة 1978 خط القدر بأقدام وخوذات العسكريين نهاية حكم الرئيس المرحوم المختار ولد داداه، الذي حكم البلاد بشكل متفرد، تقريبا منذ العام 1958، قبل أن ينتهي به الأمر أسيرا لدى الجيش الذي أبلغه بانتزاع ثقته منه، ليتم إرساله بعد ذلك في رحلة غير سياحية إلى ولاته أقصى شرق البلاد.
في هذا التقرير يقدم موقع الفكر معلومات ومعطيات عن الانقلاب وأسبابه وبعض تفاصيله.
-   دعم فرنسي وانتظار إفريقي:  لم تغب فرنسا عن الانقلاب العسكري الذي أطاح بولد داداه، الذي أًصبح منهكا بسبب الحرب، ومغضوبا عليه في باريس بسبب توجهاته إلى فك الارتباط مع الفرنك الإفريقي والثقافة الفرنسية، وتوجهاته العروبية التي أصبحت أكثر وضوحا مع بداية السبعينينات.

بعد أن اقتنعت فرنسا أنه لم يعد بمقدوره تقديم المزيد.
وفي الأيام الأخيرة من حكم الرئيس ولد داداه، وفي مدينة أطار بالتحديد لم يخف على الرئيس المختار ووزرائه حجم الإهانة التي وجهها له السفير الفرنسي عندما خاطبه أمام الوزراء وقادة الجيش وأعضاء السلك الدبلوماسي قائلا: أنا سأذهب إلى باريس في العطلة، وسيبقى ابني في العاصمة نواكشوط، وإذا احتجت شيئا يمكن أن تتواصل معه"
كان المختار قد تأكد من اتساع الهوة بينه وبين العسكريين، في ذلك اليوم الأطاري، عندما خاطب وزير دفاعه محمذن ولد باباه قائلا: محمذن عليك أن تجلس معنا، فنحن أصحابك" كان محمذن حينها متربعا بين عدد من قادة وضباط الجيش الذين سيرسلونه بعد ذلك في سجن ساخن إلى محبسه في الداخل.
وبالتوازي مع القبول الفرنسي كان هنالك تنسيق واحتفاء من الضباط والسياسيين الزنوج الذين كانوا قد بدأوا في تلك الفترة بناء تنظيمهم الخاص، وكانوا يعتقدون أن وجود العقيد المصطفى ولد محمد السالك على قيادة الجيش يحقق بعض المكاسب للضباط الزنوج الذين يرون في ولد السالك صديقا لهم عكس العقيد امبارك ولد بونه مختار، ووفق رسالة سرية عثر عليها ضابط الشرطة لي مامادو، موجهة إلى مدير ديوان الرئيس السيد صال عبد العزيز يقترح عليه فيها بذل جهود واسعة من أجل تعيين ولد محمد السالك قائدا للجيش لأن ذلك يخدم مصالح الزنوج.
بعد الانقلاب العسكري تم تعيين النقيب لي مامادو مديرا عاما للأمن الوطني خلفا للأستاذ يحيى ولد عبدي الذي أعيد إلى مدير دروس في ثانوية كيهيدي.
يذكر أن المختار ولد داداه، كان قد أخضع السيد لي مامادو لعقوبة تمنعه من مزاولة العمل في العاصمة نواكشوط، وذلك نتيجة شكوى تقدم بها أحد الوزراء الزنوج ضد السيد لي الذي سيتحول إلى الذراع القوية للقوى الزنجية في إدارة الأمن الموريتاني.
استغلت القوة الزنجية في الجيش والأمن الموريتاني بالتوازي مع ذلك سنوات الخلاف بين قادة الجيش، حيث استطاعوا غرس عدد كبير من شخصياتهم الأمنية والعسكرية في مفاصل الأجهزة، وتصفية عدد كبير من خصومهم، وخصوصا في فترة الرئيس الأسبق محمد خونه ولد هيدالة، الذي استحدث وظيفة نائب وزير الداخلية وسلمها لأحد القيادات الزنجية، وقد تمكنت القوى الزنجية بشكل قوي من قمع وإبعاد كثير من العناصر المحسوبة على التيار البعثي والناصري على حد سواء في إدارة الأمن الوطني، قبل أن ينضج المشروع الانقلابي الذي خطط له ضباط من الزنوج، وأجهض في مراحل التنفيذ الأولى سنة 1987 وباء بفشل ذريع تحول بعد ذلك إلى عنوان أزمة وطنية خانقة.
البعثيون القوة الأولى في الانقلاب العسكري: كان للضباط والشخصيات السياسية المحسوبة على التيار البعثي دور أساسي في صناعة الانقلاب وتنسيق جهوده، وكان السياسيون أحمد ولد الوافي ومحمد يحظيه ولد ابريد الليل رحمهم الله،  حلقة تنسيق من خارج دائرة النظام، إضافة إلى اسماعيل ولد أعمر الذي كان يتولى حينها إدارة اسنيم، فيما كان الأخوان شيخنا وبحام ابنا محمد الأغظف بالإضافة إلى الأمير حمود ولد امحمد  عناصر تنسيق من داخل النظام أيضا، أما الجناح العسكري فقد كان قائده الأساسي والفعال العقيد المرحوم جدو ولد السالك والمقدم أحمدو ولد عبد الله، ثم العقيد المصطفى ولد محمد السالك، والمقدم محمد خونه ولد هيدالة، والعقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، والنقيب محمد محمود ولد الديه والمقدم مولاي هاشم.
ومن المعلومات المتداولة أن السياسي شيخنا ولد محمد الأغظف رفقة النقيب محمد محمود ولد الديه طلبا من العقيد جدو ولد حكي الالتحاق بالانقلاب، فرد عليهما لقد أوقعتماني في ورطة، أنا لا يمكن أن أشارك في عمل ضد المختار ولد داداه، ولا يمكن أن أشي بكما بسبب القرابة.
تم تنفيذ الانقلاب، واقتاد النقيب مولاي هاشم الرئيس المختار ولد داداه، وقرأ النقيب ولد ديه بيان الانقلاب العسكري، وقد نفذ الانقلاب متأخرا عن وقته المحدد في الثامن من يوليو، حيث كانت الخطة تقضي بأن يتعمد المرحوم شيخنا ولد محمد الأغظف إطالة اجتماع المكتب التنفيذي لحزب الشعب حتى يتمكن الضباط من القبض على أعضائه مجتمعين، وقد أدى الرجل التكليف لكن الانقلاب تأخر بسبب تراجع العقيد مولاي ولد بوخريص عن دخول العاصمة، مما جعل الرائد جدو ولد السالك يهدد باقتحام العاصمة بكتيبته إذا لم يتم تنفيذ الانقلاب في أسرع وقت.

وحسب المختار ولد السالك فإن أحد أعضاء اللجنة العسكرية لم ينفذ ما اتفق عليه، وبات ليلته تلك خارج العاصمة، وفي النهاية تقرر أن توكل مهمة اقتحام القصر واعتقال المختار ولد داداه للمختار ولد السالك.

وفعلا تحرك المختار برفقة القائد محمد محمود ولد الديه، وبعد أن أحاطت الوحدات العسكرية بالقصر إحاطة السور بالمعصم، دخل المختار ولد السالك واعتقل المختار ولد داداه، وبذلك نجح الانقلاب.
جرائم وفظائع النظام البائد
تحت هذا العنوان نفذت الإذاعة الرسمية سلسلة من المقابلات والتقارير الإعلامية التي تتحدث عن فظائع وجرائم نظام المختار ولد داداه، وكان من بين المشاركين فيها عدد كبير من الشخصيات التي كانت جزء من نظام الرئيس المطاح به.
وقد عقد رئيس اللجنة العسكرية الجديدة اجتماعا مع الأطر في مقر شركة سنيم ظهيرة يوم الانقلاب وتحدث عن أهدافه، وحمل النظام السابق مسؤولية الدمار والانحراف الذي يعيشه البلد والمجتمع.
في الصعيد الموازي بدأت مأساة الرئيس السابق بإرساله إلى ولاته، أو جزاءه بجنس عمله،  فيما تم اعتقال عدد من وزرائه وفرض إقامة جبرية تخللتها سجون عديدة طيلة سنوات 1978-1984
استطاع النظام الجديد خلال هذه الفترة إنهاء الحرب المدمرة التي انطلقت في عهد ولد داداه، لكنه وقع في أزمة الصراع الداخلي بين أعضائه، وخصوصا مع صعود قيادات جديدة لم يكن لها دور في الانقلاب ويتعلق الأمر بشكل خاص بالعقيد أحمد ولد بوسيف، والعقيدين أحمد سالم ولد سيدي، وعبد القادر كادير، وانتهى الأمر بتجريد الرئيس المصطفى ولد محمد السالك من صلاحياته، فيما عرف بثورة القصر أو تصحيح 6 ابريل، حيث أصبح العقيد بوسيف هو الرجل الأول في النظام، فيما تم أيضا سجن وزير الخارجية شيخنا ولد محمد الأغظف
لاحقا وسيعيد سقوط طائرة المرحوم بوسيف ووفاته – رحمه الله- الأمور إلى نصاب قادة الإنقاذ حيث سيتولى المقدم محمد خونه ولد هيدالة رئاسة الدولة، وتظهر شخصية الرجل القوي والمسيطر، وتفتح صفحة أخرى من الصراع بين قادة الجيش، برزت عنها مجموعة من التفاعلات  مثل كوماندوز 1981 الذي انتهى في قصة حزينة بإعدام الضباط المشاركين فيه واعتقال عدد من عناصرهم الأخرى التي أفرج عنها بعد انقلاب 1984.
المدنيون والعسكر ..من أفسد من
يتبادل فرقاء الطيف السياسي الاتهامات المتبادلة، فيعتقد كثير من المدنيين المنتمين إلى المعارضة أن انقلاب 1978 كان فاتحة أزمة سياسية وتنموية في البلاد،لاخاتمة لها  حيث تحكم العسكريون في مفاصل الدولة وأطلقوا مسارا واسعا من الفساد وسوء التسيير، وأعادوا الأمراض التي تضاءلت خلال عشرينية ولد داداه، مثل القبلية والجهوية، فيما يرى أنصار الانقلاب أنه أنقذ البلاد من انهيار وشيك للدولة التي أصبحت في مرمى أكثر من نيران، والتي هوجمت عاصمتها ضحى دون أن يتمكن الجيش من الرد، كما أنه أنهى نظاما أحاديا اختصر الأحزاب في حزب الشعب، ولم تكن هنالك أدنى فرصة للتغيير بعد أن سد النظام جميع أبواب التغيير بالطرق السلمية والديمقراطية ولم يبق من وسيلة للتغييرغير الانقلاب العسكري.
 يقول المرحوم محمد المصطفى ولد بدر الدين بعد أن عدد سلبيات المختار ولد داده، وحصر إيجابياته في القتاعة اتجاه المال العام: "المختار ولد داداه سد طريق التغيير عن طريق صناديق الاقتراع وبذلك سد كل أبواب التغيير مما فتح الباب وسعا أمام الانقلابات التي استمرت وتوالت طيلة العقود الماضية، فقد فشل المختار فيما نجح فيه الرئيس السنغالي سينغور"
وبين هذين الرأيين يفتح موقع الفكر باب النقاش أمام قرائه والنخبة، بعد 45 سنة على الإطاحة بولد داداه، مالذي افتقدت البلاد مما كان ينبغي استمراره، ومالذي اكتسبت مما كان مفقودا في عهد الرئيس المختار.

ملحق1: نص البيان رقم 1، ماذا تحقق من البيان الأول.

"بسم الله الرحمن الرحيم، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.

أيها الموريتانيون

أيتها الموريتانيات

يا شعبنا البطل

لقد انتهى عهد نظام الرشوة والخيانة المعادي للمصلحة الوطنية . إن القوات المسلحة – وهي في الأخير صاحبة المشروعية الوطنية – إيمانا منها بمسؤولياتها قد استولت على السلطة، بل استرجعت السلطة من أولئك الذين انتزعوها من الشعب بالغش والخيانة وذلك إنقاذا للبلاد والأمة من الخراب والتجزئة ومن اجل حماية الوحدة الوطنية والدولة .

وان اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني لتعلن حل الدستور والحكومة والبرلمان والحزب وكافة الهيئات المتفرعة عنه وستقوم اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني بممارسة كافة الصلاحيات حتى يتم تنصيب مؤسسة ديمقراطية .

وستشكل حكومة جديدة في وقت لاحق، وتعلن اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني احترامها لكافة الالتزامات التي أخذت باسم الدولة الموريتانية تجاه الأجانب والمنظمات الدولية وكافة الشخصيات الأجنبية المعنوية والطبيعية .

وتؤكد اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني انضمامها إلى مبادئ حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة الوحدة الإفريقية وميثاق جامعة الدول العربية .

وتتعهد اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني بتأمين حياة وممتلكات كافة الأجانب المقيمين فوق التراب الموريتاني وتحذر اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني الجميع ضد أي عمل من شأنه أن يمس من النظام العمومي .

وتدعو اللجنة كافة السلطات الإدارية في داخل البلاد إلى مواصلة تسيير أعمالها بصورة اعتيادية.

أما في نواكشوط فسيصدر بيان خاص يحدد الجدول الزمني لاستئناف العمل.

ومهما يكن من أمر فان الواجب التزام الطاعة والانضباط ” .

المحلق رقم2: تشكلة  اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني – يوليو 1978.

الرئيس: المقدم المصطفي الولاتي  ولد محمد السالك

الأعضاء:

المقدم احمد سالم ولد سيدي

المقدم محمد محمود ولد احمد لولي

المقدم محمد خونا ولد هيدالة

المقدم معاوية ولد الطايع

المقدم الشيخ ولد بيده

المقدم احمد ولد عبد الله

الرائد ديا امادو

الرائد تيام الحاج

الرائد سومارى سليمان

الرائد مولاي ولد بوخريص

الرائد جدو ولد السالك

الرائد آن آمادو

النقيب آتشى همات

النقيب محمد محمود ولد الديه

الملازم احمد ولد عيده

الملازم مولاي هاشم

مفوض الشرطة لي مامادو

الملحق رقم3: تشكيلة أول حكومة بعد العاشر يوليو 1978 

 

الرئيس: المقدم المصطفى ولد محمد السالك

وزير الخارجية: شيخنا ولد محمد الاغظف

وزير الداخلية: الرائد جدو ولد السالك

وزير العدل والشؤون الدينية: ابّ ولد انّ

وزير المالية والتجارة: سيد احمد ولد ابنيجارة

وزير التجهيز: المقدم احمد سالم ولد سيدي

وزير النقل والبريد والصناعة التقليدية والسياحة: العقيد فياه ولد المعيوف

وزير التخطيط والمعادن: محمد المختار ولد الزامل

وزير الصناعة والصيد: المقدم احمد ولد بوسيف

وزير التنمية الريفية: با عمر

وزير التهذيب الوطني: سك مام جاك

وزير الثقافة والإعلام: محمد يحظيه ولد ابريد الليل

وزير الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية: الدكتور دياكانا

وزير الشباب والرياضة: الرائد تيام الحاج

وزير المراقبة والتحقيق: المقدم محمد محمود ولد احمد لولي

الأمين الدائم للجنة المكلفة بإدارة وزارة الدفاع: المقدم معاوية ولد الطايع