الوزير السابق محمد الأمين بن ديداه الملقب الثمين: أغلب المشاريع المنفذة كانت بتمويل عربي

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد القامات الاقتصادية، ممن خبروا دروب الاقتصاد الوطني- مديرا لإدارة التمويلات الخارجية بوزارة التخطيط- وعايشوا تحدياته في حقبة عانى فيها الاقتصاد الوطني بعض الصعوبات، فقد كان ضيفنا ضمن لجان التفاوض مع مؤسسات التمويل الدولي، ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر... في لقاء شامل يتناول في جزئه الأول بعض القضايا المتعلقة بتمويل الاقتصاد الموريتاني في المرحلة التي واكبها، وعن سياسة الخصخصة التي انتهجها الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وكذا سياسة الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وعن أبرز المعوقات والمشاكل التي تعيق تطور الاقتصاد الموريتاني، فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم معالي الوزير محمد الأمين بن ديداه الملقب الثمين.

موقع الفكر: نود منكم أن تعرفوا المشاهدين بنفسكم من حيث الاسم، وتاريخ الميلاد، وأهم الشهادة التي حصلتم عليها، وأهم الوظائف التي تقلدتم؟

الوزير محمد الأمين بن ديداه: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله شكرا جزيلا على ما منحتموني من عناية، أنا اسمي محمد الأمين بن ديداه ولدت في العام 1954م، وأعلى شهادة حصلت عليها هي شهادة سلك ثالث في الإدارة العامة من جامعة نيوروك بمدينة أولبني، وأهم المهمات التي قمت بها كانت في وزارة التخطيط وهي التي بدأت فيها العمل إطارا ثم أصبحت مديرا للتمويلات الخارجية، وأمضيت هناك سنوات عديدة، وبعد ذلك أصبحت مستشارا للوزير مكلفا بشؤون التنمية وإصلاح القطاع العام، وبعد ذلك عملت مستشارا للشؤون الاقتصادية لدى الوزير الأول، وبعد ذلك تم تعينني وزيرا للتهذيب فترة قصيرة قبل الانقلاب الذي حدث عام 2005م، وبعد ذلك انتقلت إلى العمل في القطاع الخاص وعملت فيه استشاريا بصفة خاصة، ومن سنة 1984م. إلى سنة1991م. كنت مديرا للتمويلات الخارجية، ومن سنة1991م. إلى 1998م. كنت مستشارا مكلفا بشؤون التنمية لدى وزير التخطيط، وبعد ذلك عينت مستشارا للوزير الأول مكلف بالشؤون الاقتصادية.

 

موقع الفكر: ما أهم إنجازاتكم في فترة توليكم لإدارة التمويلات الخارجية؟

الوزير محمد الأمين بن ديداه: ربما يكون هذا منذ فترة بعيدة، ولكنه أنجز فيه الكثير من المشاريع الكبرى، منها مشروع طريق نواكشوط – أطار، وطريق نواكشوط – أكجوجت،  في تلك الفترة كانت متهالكة، وطريق أكجوجت – أطار،  لم تكن موجودة، وتم ذلك أساسا بتمويل من الممولين العرب فالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي هو الذي كان يعطي أساس تلك الصناديق العربية كالصندوق العربي، والصندوق الكويتي، والصندوق السعودي لعب دورا أيضا، ولا أستحضر كل المشاريع ولكنها أساسا كانت مشاريع في البنية التحية، والزراعة، والتهذيب أيضا لأن جامعة نواكشوط تم تمويلها من طرف صندوق النقد الكويتي أساسا بالإضافة إلى تمويل جزئي من البنك الإسلامي، وهناك أيضا مشاريع كثيرة في الطاقة كمحطة نواكشوط للكهرباء والتي مولها الصندوق العربي مع توسعاتها المتتالية، وبدأ حينها ب4 مولدات كل مولد بطاقة 7 ميغاوات، وتوسعت حتى وصلت إلى 40 ميغاوات.

الرئيس الأخير كان مغرما بمشاريع الطاقة والكهرباء حتى أنجز منهم ما يزيد عن حاجة البلد.

 

موقع الفكر: كيف تفسرون تصدير الطاقة الزائدة مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي في نواكشوط؟

الوزير محمد الأمين بن ديداه: تمر عملية توفير الطاقة بما يسمى الإنتاج وما يسمى التوزيع، وماتم هو تركيز ا لجهود على الإنتاج وتجاهل التوزيع الذي هو نقل الكهرباء من محطات الإنتاج إلى المواطنين، ولا زال التوزيع يحتاج إلى جهود، وهذا هو سبب كثرة انقطاع الكهرباء على المواطنين لأن شبكة التوزيع أضعف من نقل الطاقة المنتجة، وهو ما كان يجب أن يكون موازيا، فكل ما تم إنجازه في الإنتاج يجب أن ينجز مثله في التوزيع، لأنك عندما تقوم بإنتاج شيء ولا يتم توزيعه يكون بلا فائدة.

 

موقع الفكر: هل المشاريع التي كانت تنجز في الفترات السابقة كانت على ضوء دراسات أم أنها تنجز بشكل عشوائي؟

الوزير محمد الأمين بن ديداه: سأصارحك، فجانب جودة المشاريع ونجاعتها كان متروكا للممول، على اعتبار أن  الممول لن يقوم بتمويل مشروع إلا إذا تأكد من أن الاستثمار فيه وارد ومنتج، وهذا بدون أن يذكر صراحة، كان هو المعمول به، ووكل إليهم لأن الممولين من ناحية تكون عندهم موارد على فترة زمنية محددة ويكون لا بد لهم من صرفها لذا دورة المشاريع كلها توكل إليهم، أو يقومون بها استنباطا، والقصد من الاستنباط هنا أنهم يبحثون عن المشاريع التي يجب إنجازها في البلد، كأن يقولوا هؤلاء يحتاجون إلى طريق، أو هنا إمكانية لإنشاء مشروع للزراعة أو يحتاجون إلى جامعة .. الخ، وهذه هي مرحلة الاستنباط وبعد انتهائهم من تحديد المشاريع التي يمكن إنجازها تأتي مرحلة الدراسة يدرسون المشاريع التي قرروا أن يمولوها، وبعد الدراسة يجرون تقييما، فتأتي بعثة منهم وتناقش مع الحكومة مكونات ذلك المشروع الذي تمت دراسته ثم تجري بعد ذلك المفاوضات، أحيانا أسمع في البرلمان أنهم يناقشون فيها سعر الفائدة وما إلى ذلك، والصحيح أن تلك شروط مالية عامة للمؤسسة لا مفاوضة عليها، فالمفاوضات تكون أساسا على بيئة المشروع، كالإجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومة لكي ينجح المشروع، كأن تكون هناك قوانين أو إجراءات أخرى يتعلق بها نجاح المشروع ويجب على الحكومة أن تقوم بها، إذًا تجرى تلك المفاوضات وعلى أساسها يعرض المشروع على مجلس إدارة المؤسسة وبعد ذلك يتم توقيع اتفاقية القرض، وقضية جدوائية المشروع توكل إلى مؤسسات التمويل وهذه مشاريع تعرض على مؤسسات التمويل، وهناك مشاريع تقرر الدولة أنها ستقوم بإنجازها من مواردها الذاتية ومثالها طريق تجكجة التي كان من المستحيل أن نجد لها ممولا، وسبق ذلك أن حدث أيام انشاء طريق الأمل، فطريق الأمل لم يمولها إلا الممولون العرب على معايير حضارية، وثقافية .. الخ، وليس على معايير اقتصادية لأن الممولين التقليديين الغربيين قالوا إنها بلا مردودية، وطريق تكانت مولت بموارد ذاتية لأنه من المعلوم أن مؤسسات التمويل سيشككون في مردوديتها الاقتصادية، ولن يجدوا لها مبررات اقتصادية، حتى في هذه الآن لا أعلم إن كنت توجد بها تلك المبررات، مع أن الطرق دائما تقوم بخلق ديناميكية أو حركة اقتصادية تبين لاحقا أنها كانت مفيدة، إذًا هناك مشاريع تمولهم الدولة من مواردها الذاتية، وليست هناك مؤسسة أو هيئة رقابية يمكن أن تقول إن المشروع غير منتج أو مردوديته محدودة، وعلى عكس ما يظنه البعض  من أن التمويل الخارجي تتم سرقته أونهبه، فالتمويلات الخارجية تخضع لمسطرة صارمة جدا للتأكد من شفافية واقتصادية اختيار الموردين الذين يقع التقاعد معهم في تنفيذ الأشغال أو اقتناء المواد  أو المقاولين الذين يقومون بتنفيذ الأعمال، ولذا تقوم الحكومة أحيانا بسبب الخوف من تلك الرقابة الصارمة بتمويل المشاريع من ميزانيتها لأن ذلك سيعفيها من الرقابة الشديدة ويقومون بما يريدون كأن يختاروا المقاول الذي سينجز لهم المشروع، وقد لا يهتمون بالتسعيرة لأنه لا يوجد رقيب في هذه الحالة، فالمشاريع التي لا تمولها مؤسسات خارجية فهي التي يمكن أن تعاني من مشكلة جدوائية المشروع، وهي التي  ستعاني  من عدم الشفافية في اختيار الموردين، والمقاولين الذين سيقومون بتنفيذ الأعمال.

 

موقع الفكر: هل سبق أن رصدتم حالات من اقتراح الممولين بعض المصانع الجاهزة لديهم والتي لا تحتاجها موريتانيا كمصفاة نواذيبو مثلا؟

الوزير محمد الأمين بن ديداه: لا، لم أرصد حالات من هذا النوع،  وكملاحظة عامة فالممولين لا يمتلكون مصانع، أما مصفاة نواذيبو فتلك  قضية تجارية وليست تنموية فكان أهل المصنع يريدون أن يتخلصوا من مصنعهم لدولة أو حكومة ما بأسعار يتفقون عليها، الممولين التقليديين كالصناديق والبنك الدولي وما شابههم لا مصانع لديهم، ويقومون فقط بتمويل المشاريع دون أن يتدخلوا بصفة سافرة في اختيار الممون أو المقاول، وما يقومون به فقط هو عملية مراقبة المسار كاملا من طرح المناقصة إلى اختيار المنفذ، فتعرض عليهم الأساس الذي اعتمدته في اختيارك، لا يقولون لك مباشرة إنهم موافقون على اختيارك ولكنهم يستخدمون عبارات مثل "لا مانع لديهم"  "no objection"، وإذا كانت في العملية خروقات سافرة يقولون لك لا،لن نقوم بتمويله ويجب أن يعاد المسار من جديد حتى يتوافق مع مسطرة الممول، أما ما يقال من أن لديهم مصانع فذلك من الأغلاط الشائعة عند الرأي العام الذي دائما ما يتهم الممولين الأجانب بذنوب لم يقوموا بها، ومصفاة نواذيبو تمت بقرض شروطه قاسية جدا، و صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي يمنعون على موريتانيا الشروط القاسية والمجحفة، بمعنى أنهم يمنعون على الدولة:

- أن تقترض بسعرفائدة أعلى من 4%،

- أن تكون مدة السداد على أقل من 7 سنين،

- وفترة السماح أقل من  سنة او سنتين، وهذه الشروط  يفرضها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للحد من المديونية بالشروط القاسية.

 

موقع الفكر: ما هو حجم التمويلات والإعفاءات التي حصلت عليها موريتانيا من نهاية حكم الرئيس محمد خون هيداله إلى نهاية حكم الرئيس معاوية؟

الوزير محمد الأمين بن ديداه: لا أملك معلومات وأرقام حول هذا الموضوع ، والمهم أن الفترة التي ذكرت أو فترة الرئيس معاوية بصفة خاصة فإن أهم ما حصلنا عليه هو الإعفاء، وكانت مبادرة للدول الفقيرة الأكثر مديونية، وآنذاك حدد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حدا أقصى لخدمة الدين، أنه يجب أن لا يتجاوز 30% من مبلغ الميزانية ونسبة أخرى معينة من المداخيل الأجنبية واستفاد من هذا الإعفاء كل تلك الدول، وتم ذلك  شريطة تطبيق اصلاحات اقتصادية وعندما يتم تطبيقها يحصل الإعفاء، والإعفاء يعيد مستوى خدمة الديون إلى مستوى التحمل، فيتم محو الدين حتى لا يبقى منه إلا ما يمكن أن يتحمله اقتصاد ومالية ومستوى صادرات الدولة المعنية، وقد تم هذا في العام 2002م.

 

موقع الفكر: ما هي جدوائية التعامل مع البنك الدولي؟

الوزير محمد الأمين بن ديداه: سياسة البنك الدولي مبنية على أسس ومبادئ اقتصادية متعارف عليها حتى إنها صارت أيدولوجية،  أن أنجع وسيلة لتسيير الاقتصاد هي السوق، لكن السوق لا يمكن أن يطلق الحبل على الغارب قلا يكون هناك ما يلجمه، بل لا بد بصفة موازية أن تكون هناك إجراءات لتخفيف أضرار السوق المتعارف عليها، والتي يعترف بها البنك ما يطلق عليها الشبكات الاجتماعية،( filets sociaux) الشبكات الاجتماعية هي التي تضمن أو تحمي الطبقات الهشة من عواقب أن يكون السوق حرا أو متوحشا وهذا هو المبدأ الأول، والمبدأ الثاني  أنه لا يمكن للدولة أن تعيش فوق إمكانياتها، بل يجب أن تكون الأمور متوازنة حتى تعيش الدول وفق إمكانياتها فهذه مبادئ مسلم بها، ويبقى بعد ذلك التطبيق، وتخفيف العواقب الاجتماعية و الاقتصادية على الطبقات الهشة هي مسؤولية الحكومات، والممولين لا يفرضون أي شيء، بل الحكومات هي من تأتي إليهم وتطلبهم وتتودد إليهم كي يقومون بتمويلها، وسأسرد لكم قصة من التاريخ، أذكر أول مرة سافرت في وفد إلى واشنطن في اجتماعات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أمر الرئيس آنذاك محمد خونه بن هيداله الوفد الوزاري أن لا يعود إلا وقد اتفق معهم، وقبل ذلك كان في مقاومة شرسة، أن لا يقبل التنازل لهم عن أي شيء وقد أدرك متأخرا ضروؤة وحتمية التعاون مع هذه المؤسسات، ومعنى هذا أن الممولين لا يفرضون شيئا بل عندما تكون الدولة محتاجة إليهم تأتيهم وتطلب منهم التمويل، وهم بالمقابل عندهم هذه المبادئ، وعندما لا تتفق معهم وتذهب إلى أي ممول آخر سيقول لك حاول أن تتفق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لأنهم هم المسؤولون عن التوازنات الكبرى في الدولة المحتاجة للعون الدولي، وكذا نجاعة السياسات الاقتصادية المتبعة، وهم المسؤولون عن التأكد من ذلك، فالطابع( التأشير) الذي يوضع على ملفات الدول القابلة للتمويل متروك للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لا بد منه  حتى يقبل الآخرون النقاش معك، وحتى الصناديق العربية انقادوا لذلك مؤخرا، فهذه المؤسسات من بين أعضاء مجلس إدارتها ممثلون عن دول عربية كالمملكة العربية السعودية، ودولة الكويت، والإمارات .. الخ، ومع أنهم لهم صناديق الخاصة بهم إلا أن لهم ممثلين في مؤسسات التمويل العالمية، وعندما تعترض عليهم بجدوائية التعامل مع البنك الدولي- وهو أمر وارد - يقولون لك لولا تدخلنا نحن لكان الحال أسوأ فهذا ردهم دائما، وهذا الأمر من الصعب تبريره لعموم الناس غير المطلعة على العديد من جوانبه ولكن كما قلت لك هذا يدخل في أمور التسيير الاقتصادي، وقد قال مفكر فرنسي "الجفاف من الطبيعة والجوع من سوء التدبير"، وهم فعلا تلك هي سياساتهم ويمكن أن تنتج عنها هذه المشكلة التي ذكرت، ولكن قد يكون ذلك من سوء تدبير القائمين على الشأن العام.