الرئيس جميل منصور ..النظام الحالي ليس ثورة على الماضي و ليس استمرارا له

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد القامات الفكرية والسياسية ممن لهم دراية  بدهاليز السياسة وشؤون البلد وأهله، وهو إلى ذلك ملم بواقع البلد،  نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل، حول قضايا الساعة ومستجداتها؛ لما لضيفنا من خبرة  سياسية بصفته تولى سابقا  رئاسة أكبر حزب  معارض في البلد  لأكثر من عقد من الزمن.

فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم الرئيس محمد جميل منصور

 

موقع الفكر: نود منكم تعريف المشاهد والقارئ بشخصكم  الكريم من حيث( تاريخ ومحل الميلاد / الدراسة وأهم الشهادات /  الوظائف التي تقلدتم)

الرئيس جميل: بسم الله الحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، شكرا جزيلا، على هذه الفرصة وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم في هذه المهمة الإعلامية النبيلة، ويبدو أنه سبقكم إلى الساحة مستوى من السمعة والصيت، أرجو أن يكون عملكم وأداؤكم ميدانيا يعزز ذلك ويؤكده.

أما ما يخص التعريف مع ما يتضمنه من حرج، الاسم محمد جميل بن إبراهيم بن منصور، من مواليد " بيلله" قديما، ومع مراجعات الحالة المدنية الأخيرة أصبحت من مواليد لكصر، حسب الوثائق ولدت عام 1967، ولكن حسب ما أخبرتني به الأسرة والمحيط الاجتماعي فقد ولدت قبل ذلك بثلاث أو أربع سنين، درست الابتدائية هنا في المدرسة الثالثة والمدرسة الرابعة في تيارت بنواكشوط الشمالية، ودرست الإعدادية في تيارت ولكصر، ودرست الثانوية في الثانوية العربية ثم التحقت بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، تخرجت منه ب "الليصانص" في الدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية "الفقه والأصول"، بعد ذلك بفترة، سجلت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في "ظهر المهراز"، في مدينة فاس بالمغرب، وتحصلت على الدراسات المعمقة، ومنذ تلك الفترة وأنا أحاول أن أنهي الدكتوراه بعد أن سجلت فيها مرتين، جددت في المرة الثانية لكن حتى الآن لم أوفق للأسف في إنهائها بسبب السياسة انشغالا، ثم بسبب السياسة اهتماما.

لم أتقلد وظائف بمعنى الوظيفة العمومية، درست في التعليم الحر، واشتغلت في بعض الهيئات الخيرية في مراحل معينة، مثل هيئة الإغاثة الإسلامية، انتخبت عمدة لبلدية عرفات سنة 2001، ولم أكمل مأمورية؛ لأنه حدثت اعتقالات وعزلني مجلس الوزراء وأنا في السجن، بعد ذلك انتخبت نائبا في البرلمان لمدة سبع سنوات في لوائح مستقلة حينها قدمها الإصلاحيون الوسطيون في العاصمة نواكشوط، كنت رئيسا لحزب تواصل لمأموريتين وهما ما يسمح به القانون في النظام الأساسي للحزب.

موقع الفكر: ما أهم الإنجازات التي قمتم بها في بلدية عرفات؟

الرئيس جميل: أتذكر فيما يخص البلدية كان لدي مشروع " مذكرات عمدة مقال"، كنت سأتحدث فيها عن البلدية لكن لم يتيسر ذلك وانشغلت عنه كما انشغلت عن غيره، وأتذكر أنه في تلك الفترة رغم الظروف الخاصة جدا، لأنه حينها كانت بعض البلديات بقيادة المعارضة تجد صدودا وتضييقا من طرف سلطة الوصاية، والإمكانات تكاد تكون منعدمة، أتذكر الاتفاقية المشهورة التي وقعناها في بلدية عرفات مع تجار المفروشات التي بني على إثرها سوق عثمان كانت أول اتفاقية تدخل من خلالها بعض السيولة المعتبرة للبلدية، وأتذكر أن الاتفاقية كانت تقضي بدفع 60 مليون على دفعات للبلدية ودفعت الدفعة الأولى 15 مليون وتم استلامها من قبل البلدية وغادرت مقر البلدية في حدود الخامسة مساء وجئت إلى البيت فوجدت الشرطة تنتظرني ولم أعد إلى البلدية بعدها على الأقل عمدة، صحيح عدت بعد ذلك مستشارا بحكم أني بقيت مستشارا في البلدية وعندما خرجت من السجن حضرت المجلس البلدي مرات كمستشار مع نائب العمدة الذي أصبح هو العمدة الأستاذ سيد احمد بن لبات.

كان العمل أساسا متركزا حول بعض الأمور الملحة في المقاطعة مع الإمكانيات المحدودة، كان من أهمها ما يسمى بفك العزلة عن بعض أطراف المقاطعة حيث كانت هذه الأطراف تعيش عزلة تماما فلا تستطيع أن تتواصل مع النقل العمومي ، فكان شق الطرق بما نسميه "توفانا"، وأصبحت أحياء عديدة قادرة على الوصول ويستطيعون حمل مرضاهم بسرعة إلى المستشفيات من تلك الأحياء، وكان هناك دعم للمحاظر والمساجد والمدارس من خلال بعض الترميم ومن خلال بعض المساعدات الاجتماعية، وكان هناك تنظيم للأسواق في المقاطعة وقد كان أمرا غاية في الصعوبة بحكم دوائر النفوذ التي تمتلك أسواقا في المقاطعة بما فيها قيادات أمنية بارزة حينها ومع ذلك استطعنا بحول الله مستوى من التنظيم لا بأس به، وفرض شروط صحية وتنظيمية على معظم أسواق المقاطعة، وكانت هناك مساعي لتنظيم تزويد المقاطعة بمختلف أطرافها خاصة الأطراف البعيدة بالماء الصالح للشرب، وتطلب منا ذلك مفاوضات عسيرة مع موزعي المياه بموجبه وافقنا في مرحلة على سعر برميل المياه كان يباع به في مختلف المقاطعات مقابل التزامات من البائعين، وأثار ذلك ضجة في البداية بسبب السعر ولكن انتظامه واستقراره والبعد عن المضاربات التي تقع دائما في أوقات الحر الشديد جعلهم يرتاحون لتلك الاتفاقية التي عقدناها، وكانت هناك أنشطة ثقافية ورياضية، نظمنا ملتقى بلديا لطرح سياسة تنموية داخل المقاطعة، عقدنا اتفاقيات عديدة مع بعض المنظمات وكان الطرف الألماني أكثر الأطراف تعاونا معنا، فتحنا مراكز للأنترنت وكان في بدايته حينها في بعض أطراف المقاطعة خصوصا في منطقة "كرفور"، على كل حال بذلنا جهودا كبيرة وكان من ضمنها الجهد الأهم في مجال النظافة داخل المقاطعة خصوصا أنه حينها كانت النظافة من اختصاص البلديات واستطعنا تعبئة الجهود الشعبية لعملية تنظيف داخل المقاطعة انتهت بتحسن وضع النظافة بالمقاطعة وأكثر من ذلك استفادة مجموعات من المواطنين من مداخيل وعمل غير دائم في هذا المجال وبعد ذلك استطعنا أن نعقد اتفاقيات مع شركات للنظافة وجدت من البلدية مستوى من الرقابة والمتابعة لم تعهده من قبل حسب ما صرحوا لنا حينها.

 من الصعب الحديث عن الانجازات في بلدية عرفات التي سيصبح الأخ الحسن بن محمد عمدتها لاحقا واستطاع أن ينجز من الإنجازات والأعمال ما ينسى به الناس ما كان قبل ذلك من عمد ومن إنجازات.

موقع الفكر: حدثنا عن أهم ما دار بينكم مع الرئيس غزوان في لقائكم الاخير؟

الرئيس جميل: اللقاءات التي جمعتني مع رئيس الجمهورية محمد بن الشيخ الغزواني ليست سرية ولكنها ليست معلنة بالمعنى التقليدي، أي ليست لقاءات مغطاة إعلاميا ولا مطلوب تصريحات إعلامية عن ما دار فيها، اللقاءات تدخل في سياق انفتاح الرجل على أصحاب الرأي والشخصيات السياسية من أجل التشاور في الشأن العام، وطبيعي جدا في مثل هذه اللقاءات أن يكون التركيز والتناول للقضايا الوطنية، هذا هو اهتمامه وهذا ما جاء بي لمثل هذه اللقاءات، أتذكر أنها شملت عددا واسعا من النقاط، شملت موضوع الوحدة الوطنية بكل مضامينه وتجلياته تقويما لسابقه وتشخيصا لحاضره واقتراحات لمستقبله، وسمعت من الرئيس قدرا من الأفكار والتوجيهات في هذا السياق وقدمت ما أعتبره رأيا قد يساعد ووجدت في الرئيس استماعا جيدا واستيعابا أجود.

ناقشنا وتحدثنا عن القضايا الوطنية الحالية، الوضع الاقتصادي والوضع المعيشي، الحالة الاجتماعية، حتى أني تجرأت في بعض هذه اللقاءات أن أسمعت السيد الرئيس تقويمي للأداء الحالي والملاحظات على الأداء الحكومي ووجدت فيه قدرا كبيرا من التفهم بل لعله كان يقدم هو نفسه ملاحظات على كثير من الأداء ويعتذر بكثير من النواقص.

ناقشنا قضايا الحوار السياسي المتعذر الآن في البلد وضرورته، وأوضح لي أنه مقتنع بضرورة هذا الحوار، سواء سميناه حوارا أو تشاورا، صحيح أنه لا يعتبر أن الحوارات السابقة نماذج ينبغي أن تحتذى ولا يعتقد أن البلد يعيش أزمة بمعنى الأزمة الكبيرة التي تتطلب حوارا من جنس الحوارات التي تحدث في بعض البلدان نتيجة لوجود أزمات فيها ولكن الحوار بمعنى أن يناقش الموريتانيون بمختلف مكوناتهم، بمختلف أطرافهم السياسية، بمن يحكم ومن يحكم ومن يعارض، قضايا الوطن الأساسية وأن يتوصلوا فيها إلى توافقات وإلى اجتماعات وإلى توصيات وتوجيهات تفيد القائمين على البلد وتشكل مرجعية مشتركة للجميع، أعتقد أنه إلى حد كبير واضح له هذا المسار وأعتقد أن الخطوات الأخيرة التي قام بها، و قامت بها مجموعة الأحزاب الممثلة في البرلمان بالتأكيد تعكس مستوى من التوجه الرسمي ظهر لي من خلال هذه اللقاءات.

ناقشنا الكثير من القضايا في هذه اللقاءات وفي الحقيقة كنت مستمعا أكثر مني متحدثا، ولا أخفي أنني وجدت في الرئيس قدرة شرح وتبيين لجملة القضايا والملفات الوطنية وواقع القطاعات الوطنية المختلفة، ووجدت فيه في المقابل مع ذلك استماعا جيدا واستيعابا جيدا لما يسمع، وأعتقد أن هذه المنهجية في الانفتاح على مختلف أصحاب الرأي والسياسيين في البلد والشخصيات العامة أنها سياسة جيدة ومطلوبة من طرف رئيس الجمهورية الذي يعتبر رئيسا للجميع ينبغي أن يتواصل مع الجميع.

الأمر لا ينبغي أن يوضع في هذا السياق، الرئيس التقى بالكثير من الشخصيات من بينهم رؤساء أحزاب وقيادات سياسية من أحزاب وخارج الأحزاب، التقى أعدادا كبيرة جدا لا يمكنني أن أحصيها الآن. أعتقد أنه التقى بجميع رؤساء الأحزاب، والتقى بقادة مجتمع مدني وتحدث مع الجميع وبعض هذه اللقاءات أعلن وبعضها لم يغط إعلاميا. أتذكر في لقاء لي به عند خروجي دخل أحد قيادات التحالف الشعبي التقدمي الحالية.

هو التقى الجميع والأمر لا ينبغي أن يوضع في إطار إذن أو عدم إذن، المهم حين يصرح المعني ويؤكد أنه التقى رئيس الجمهورية بصفته الشخصية لا يمثل أحدا ولا يلزم أحدا، فالأمر الطبيعي جدا أن يقع اللقاء لأن رئيس الجمهورية رئيس للجميع ويحق له أن يشاور الجميع، ويحق للجميع أن يطلب لقاءه إذا رأى ذلك ضروريا في نقاش قضية تهم البلد والوطن.

موقع الفكر: ماهي آخر الأخبار الخاصة بالحوار الوطني، وما هي أهم الأمور التي ينبغي التشاور حولها؟

الرئيس جميل: هو من يستطيع أن يجيب على ذلك، فرئيس الجمهورية الحالي لا يخفى أنه من الصنف الحذر، ولا يخفى أنه ليس من الذين يفضلون السرعة في الأمور وعدم الحساب فيها، أعتقد أنه يفهم من خلال تقويمه السابق وقراءة اللحظة أن الحوارات المتحكم فيها لا تفيد، ولكن مغادرة منطقة التحكم لا تعني الوصول إلى الحوار المفتوح بلا حدود وبلا ضوابط ولا محاذير، ما بين الأمرين هو ما أتوقعه نتيجة لطبيعة البلد وطبيعة المواضيع وطبيعة السلطة، نحن نعيش مستوى من التحول في طريقة إدارة الشأن العام ولكن كما أوضحت ذلك مرة، أنا لا أتصور أن النظام الحالي ثورة على النظام الماضي ولكنه ليس استمرارا له، ولا شك أن هناك أمل وتوقع ولكن لا ينبغي أن تكون هناك مبالغة.

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لتقرير اللجنة البرلمانية ؟

الرئيس جميل: لقد كنت من الذين علقوا على هذا التقرير في وقته، تقرير اللجنة البرلمانية، أولا هو تقرير كبير بملحقاته من الصعب على أحد أن يقول إنه اطلع عليه اطلاعا تاما تفصيليا دقيقا، لكن بغض النظر عن الملاحظات المسجلة على التقرير والنواقص وهي متوقعة من أول تقرير من نوعه في تاريخ البلد، لا يمكن إلا أن نقول إن تقرير اللجنة البرلمانية حول ملف العشرية أو الملفات المحددة من ملفات العشرية كان خطوة متقدمة ومهمة في مجال العمل البرلماني والتحقيق البرلماني، صحيح أحاطت به بعض الظلال السياسية التي قد تترك بعض الآثار السلبية وهذا طبيعي فالبرلمان في التحرير النهائي مؤسسة سياسية وأعضاؤه سياسيون والموضوع المثار يتعلق بفترة سياسية في إدارة البلد، وقد تلاحظ عدم الدقة في بعض مضامين التقرير وقد يلاحظ أنه لم يتعمق في أمور كان ينبغي أن يتعمق فيها ولكنه مع ذلك كان تقريرا مميزا وخطوة متقدمة في مجال التحقيق والرقابة البرلمانية وأعتقد أنه إذا أراد الموريتانيون مستقبلا برلمانا فيه الرقابة وفيه المحاسبة ينبغي أن يكون مفتتحا لهذا النمط من العمل البرلماني لا نهاية له، وأعتقد أن أصحابه الذين أنجزوه سجلوا نقطة مهمة في سجلهم البرلماني وفي سجلهم السياسي وأعتقد أن القوة السياسية التي أجمعت عليه وأسهمت فيه ودفعت به إلى الأمام أيضا ستستفيد من ذلك بحكم أهمية الخطوة ونتيجتها، وأعتقد أن النظام الذي انطلق هذا التحقيق في زمنه، وفي الحد الأدنى سمح به، فنحن نعرف الترابط السياسي القائم بين أجهزة الدولة ومستوياتها وسلطها أيضا يحسب له ويسجل في تاريخه السياسي.

موقع الفكر: ما هو تعليقكم على  تصرف القضاء  حيال الأشخاص المحالين اليه

في إطار تقرير اللجنة البرلمانية؟

الرئيس جميل: أنا كنت من الذين يتوقعون أن تكون الإجراءات العملية المتعلقة بالتعاون مع المتهمين بمستوى يعتبره الرأي العام منسجما مع حجم التهم و لكن استمعت إلى قانونيين و مختصين تحدثوا في هذا الموضوع وآخرهم كان الأستاذ يرب بن أحمد صالح البارحة على قناة المرابطون، أوضحوا أن الأمر تقديري للنيابة العامة وأن أسباب الإيداع في السجن ليست واحدة ولذلك تقدر النيابة العامة بناء على ذاك هل تودع السجن أم تترك في الرقابة القضائية أم تترك خارج الاثنين وعلى كل حال، الأساسي والجوهري ليس الإيداع في السجن أو الرقابة القضائية المهم أن يستكمل المسار القضائي في مستوياته التي تنتهي بعد التحقيق بالمحاكمة وأن تكون هناك محاكمة عادلة وأن تصدر أحكام عادلة لا ظلم فيها ولا حيف وأن يفهم الموريتانيون أن فتح مثل هذه الملفات رغم صعوبته ينتهي إلى مآله المتوقع وهو المحاسبة.

موقع الفكر: هل يملك الرئيس الجرأة على فتح  هذه الملفات ؟

الرئيس جميل: لا أملك من المعطيات والتفاصيل في كل ملف من الملفات المبحوثة وعلينا أن نتذكر أولا أن الملفات المحالة ليست كل الملفات وليست كل القضايا أنها ملفات حددت في مرجعية اللجنة البرلمانية أعتقد إحدى عشر ملفا فما تلعق بها هو مجال البحث والتفصيل فيه ترتب عليه هذا التقدير حفظا للملف أو توجيها للتهم بتلك المستويات لا أستطيع أن أجزم أن ممن أحيل من لا ينبغي أن يحال لأن مستوى التهمة لا يرقي إلى المستوى الذي وجه إليه ولا أستطيع أيضا أن أجزم أن الذين أطلق سراحهم أو حفظت ملفاتهم يستحقون ذلك قضائيا، الذي أعرفه أن هذا العدد المحال ليس كل المتورطين في فساد البلد خلال العشرية الماضية

والذي أعرفه كذلك أن محاربة الفساد لست من القائلين بالفورية فيها كلها، أن محاربة جميع الملفات ومحاربة جميع أنواع الفساد ومعاقبة جميع المفسدين، أخاف أن تبين أن هذه النظرة الديماغوجية تنتهي إلى واقع لا نجد فيه أحدا يعاقب أو يحاسب، الفساد فيه ما ينبغي أن يعاقب على سبيل الفورية نتيجة لخطره أو حجمه أو أثره، ولكن فيه ما يسمح به على سبيل التراخي نظرا لوضع البلد أو وضع الملفات بعينها أو لإمكان الذي ترتبط به المطلوبات الشرعية في الأصل.

موقع الفكر: تصنفون انكم من تيار الحمائم  في تواصل  فكيف تردون؟

الرئيس جميل: أنا لا أجد حرجا في هذه التصنيفات ولست من الذين يقولون بأن الأحزاب ينبغي أن تكون طبعة واحدة وكل أصحابها لهم وجهة نظر واحدة وبالتالي يصبحون كلهم حمائم أو صقور

على كل حال الأحزاب إذا كبرت وتطورت وتقدمت تجربتها يصبح التعدد فيها أوسع وأوضح وينبغي أن يتعامل مع هذا باعتباره مظهر قوة وليس مظهر ضعف أو تشتت أو خلاف بالمعنى السلبي.

اعتقد أن الأمر ليس بجديد فربما ليس بجديد على أداء الحزب نفسه حتى قبل الأداء الحزبي، أميل إلى الاعتدال رغم أنه يصدر مني أحيانا مع ذلك ما لا ينسجم مع هذا الاعتدال في بعض الظروف المعينة وفي بعض التصريحات لكن القاعدة العامة و التوجه العام يميل إلى الاعتدال والمرونة وأفضل أن أنصف المنافس والخصم أكثر مما أتحامل عليه، وإذا كان لا بد من وجود حمائم وصقور فأعتقد أن الظرفية السياسية الحالية للبلد أفضل فيها الحمائم من الصقورية ولكل حال ما يناسبه، أحيانا تكون الأوضاع تقتضي من الصقورية ما لا تقتضيه من الحميمية أو الحمائمية. من الصعب القول بأن سنة ونصف من أداء سلطة. تستلزم موقفا حديا من أي نوع خصوصا إذا نظرنا إلى سياقاتها وظروفها ولذلك أعتقد أنه من الصعب القول إن أوضاع البلد تتطلب صقورية ولذلك كل من حاول أن يكون صقرا، أعتقد أنه راجع شيئا من ذلك وأحيانا يزوره طابع الحمائم في خطابه أو في ممارسته لأن الواقع لا يتحمل أو لا يتطلب هذه الصقورية التي يصورها البعض

موقع الفكر: ما هو تقييمكم لتوريط مؤسسات عمومية في مشاريع دعائية وأنشطة سياسية مثل شركتي "سنيم" و"انير"؟

الرئيس جميل: هذا الأمر من أكبر سيئات التسيير العام، هو أن عناوين الدولة والمؤسسات العامة، تمارس السياسة بالمعنى الدعائي والحزبي وأعتقد أنها من أكبر النواقض للشفافية المطلوبة في العمل الديمقراطي، ينبغي أن يكون الأمر واضحا، الدولة بعناوينها العامة لا ينبغي أن تجير بأي حال من الأحوال لصالح الدعاية السياسية الحزبية، وأعتقد أن هذا عاد على هذه المؤسسات بالسلبيات الكبيرة، الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) التي ذكرتم، حتى في عهد الرئيس الأسبق معاوية بن أحمد الطايع كانت هناك مرحلة نظرا لقيادة طبيعة الشركة لم تسمح لها بالتوظيف السياسي الذي حاوله النظام في بعض الأحيان ولذلك ما زال اليوم عمال سنيم والعارفين بالبلد يذكرون تلك المرحلة وذلك الرجل بالخير (أحمد سالم بن هيين)، الأمر ليس سهلا سيجد فيه المعني صعوبة كبيرة لأنها مغرية بالنسبة للأنظمة الأحادية أن توظف مثل هذه الشركات نظرا لإمكانياتها ونظرا لتأثيرها وحجم العمالة فيها.

هذا الأمر لا بد أن يكون من المسائل المطروحة في الحوار وطرح حتى في الحوارات السابقة وفي النقاط التي طرحتها المعارضة حينها كممهدات أو كشروط في الحوارات السابقة، لأنه إذا لم نضمن حيادية حقيقية أو غالبة للشأن العام في الصراع السياسي وفي الدعاية السياسية وفي الدعاية الإعلامية سنظل نسيئ إلى الدولة وبالتالي نفسد الديمقراطية

هذه الشروط من أجل المحافظة على الدولة ومؤسساتها من أن تفسدها السياسة الدعائية والحزبية وخوف من الدعاية السياسية والصراع السياسي يختل بحكم توظيف مؤسسات عمومية فيه لصالح طرف، ولذلك أتوقع أنه داخل الحكامة وأساسا داخل محور الإصلاحات الديمقراطية والشأن الانتخابي أن يكون هذا الموضوع حاضرا بقوة.

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني؟

الرئيس جميل: لا أستطيع التقويم بالأرقام لأن فيه مجازفة، لكن عندما ننظر إلى العناوين العامة التقويم سيكون إيجابي لمصلحة النظام، العناوين العامة هي مثلا الانفراج السياسي كان فيه حدية وصراع وتوتر عندما ننظر إلى مستوى الاهتمام بالمجموعات الهشة والضعيفة بالنظر إلى حجم البرامج المقررة والمبالغ المخصصة لتلك البرامج، نجد أن هذا اهتمام يحسب للنظام، وعندما نمعن النظر في مستوى اللامركزية وإعطاء الصلاحيات وتحميل كل شخص في الجهاز التنفيذي ومسؤول عن أمر أنه يلعب فيه دورا بدل تلك المركزية القوية والأوامر والتوجيهات والحالة النفسية التي كان يعيشها المسير، نجد أن هذه نقاط تحسب للنظام، وعندما ننظر إلى المسحة الأخلاقية -ولست موافقا على تلك السخرية من الأخلاق التي عند البعض- فأصبح الناس ينتقدون كل شيء حتى الأخلاق، وفي الإشارة للرموز الوطنية والتعامل معها ومساعدتها في مرضها وحاجتها، في التعامل مع الأحداث، في العلاقات مع الناس الهادئة، هذه المسحة الأخلاقية تحسب للنظام، أعتقد أن التوجه العام يحسب للنظام، لكن عندما ننظر إلى التفاصيل تبدأ السلبيات تعمل على حساب الإيجابيات مثلا عندما ننظر إلى المشاريع الاجتماعية والمخصصات الكبيرة كتوجه لصالح المهمشين والضعاف، ونقوم بمقارنة بين حجم المبالغ والمخصصات لهذه المشاريع والنتيجة الفعلية على الأرض نجد أن هناك خللا في الانسجام، صحيح استفاد عدد كبير من المستهدفين وشعر البعض بأثر تلك المشاريع لكنه يظل بعيدا من الانسجام مع مستوى حجم ومخصصات تلك البرامج وهذا ما يعرف بمساوئ التطبيق وأعتقد أنه هو السبب في هذا كله.

حسب الانفراج السياسي والتواصل مع جميع الأطراف فهذه خطوة جيدة لكن في السياسة تكفي كبداية، ولا يعتمد عليها في المسار لأنه لا بد أن تتحول إلى عمل سياسي مؤسسي يرسخ هذا الانفراج كالحوار والتوافقات الوطنية ولم الشمل لا توسيع الحزام السياسي الداعم للمرحلة، لأنه أعتقد يحتاج إلى ذلك وعند النظر أيضا إلى الأمور الأخرى المتعلقة باللامركزية نجد أن هناك حاجة لأن يرافقها ضبط وتوجيه وعقاب، ففتح ملفات العشرية أمر مهم مع أنها مباردة من البرلمان والقوى السياسية جميعا، مهم لأن تلك الفترة لابد أن يكون هناك من قام بفساد على الأقل، ولا بد أن يقال لفساده أو يعاقب لفساده خصوصا وهذه هي النقطة الجوهرية، أن الاصلاح لا يمكن أن يتحقق بالوسائل البشرية التي تعودت الفساد وطرق التسيير الماضية أقول إنه في أوساط النظام، الكثير من الكادر البشري الأقل سوءا والأكثر نظافة من كثير آخر كان في الواجهة، خارج موالاة النظام يوجد الكثير من أطر البلد النزيهة سواء في المعارضة أو مستقلة، لا بد أن ترسل رسالة للرأي العام أن الإطار البشري الذي تعمل به الدولة أكثر إقناعا ويمكن أن يصلح، لأن من لا يعرف الإصلاح ومن تعود على الأساليب المعاكسة للإصلاح من الصعب عليه، خصوصا في ظل اللامركزية ومستوى من التفويض أن يحقق الإصلاح لذلك تقع هذه المشاكل، في كل وقت يخرج ملف أو تتسرب معلومات أو قضية تتعلق بصفقة.

في الحقيقة توجد حاجة لطمأنة الرأي العام أن التوجهات العامة الموجودة ونيات الإصلاح والإرادة الإصلاحية تعززها سياسة في الموارد البشرية المباشرة للعمل وفي آليات العمل، تؤكدا فعلا أن الإصلاح في طريقه الصحيح، وإلا سيتآكل الأمل الباقي عند البعض وأنا من ضمنهم.

وبطبيعة الحال ما كان يتأمل ويتقبل في السنة والنصف الأولى، لا يتفهم ولا يتقبل في السنة الثانية أو الثالثة، حينها لا بد من طرق أخرى أكثر إقناع وأكثر قوة.

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لعمل وكالة تآزر؟

الرئيس جميل: هذا السؤال كان من الأفضل أن يجيب عليه المختصون أو المهتمون بهذه الجوانب أكثر، لكن في الحقيقة أن ليس هناك اختلاف أن هذه ليست الطريقة الطبيعية في التنمية وفي تحسين أوضاع الناس، فالطريقة الطبيعية والأكثر نجاعة وفي الحالات العادية هي المشاريع هي الإسناد والدعم هي "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد سمكة".

لكن هذه الظروف الصحية وظروف الجائحة والوضع الاستثنائي تقتضي هذا النمط، لكن أن يكون بديلا عن النمط الأكثر فعالية وأكثر تأثيرا واستمرارية، من المفترض أن نجمع بين الأمرين، ولكن ينبغي أن لا ننسى أن هذه التوزيعات قد لا تشعر بها ولا تفهم قيمتها، الطبقة الوسطى من المجتمع لكن هناك قطاعات كبيرة تشعر بقيمتها وأثرها ونتيجتها،

إذا التوزيعات مهمة خصوصا في هذه الظروف، لكن لا ينبغي أن تكون بديلا أو تغني عن سياسات اجتماعية أكثر أثرا تنمويا وأكثر أثرا مستمرا، والتي هي المشاريع والبرامج التي تتم على الاعتبار الذي ذكرتم.

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟

الأستاذ جميل: أثقل ما يعاني منه قطاع التعليم هو أن يتحدث عنه السياسي، أولا التعليم صار مسيسا أكثر من اللازم، التعليم لا يختلف اثنان في معاناته، وأقول إنه يجب أن يتوافق الجميع إذا لم يكن متوافقا أصلا أن إصلاح قطاع التعليم وأقولها دون تردد أهم مداخل الإصلاح الحقيقية، وتوجد دول مواردها محدودة جدا، والدعم الذي تتلقاه محدودا، استطاعت إصلاح التعليم ونهضت نهوضا كبيرا، وهذا يؤكد أن التعليم هو المدخل الحقيقي وأهم شيء في طريق الاصلاح.

التعليم فاشل، والتعليم أهم مداخل الإصلاح، إذا لا يوجد خيار في جعل إصلاح التعليم أولوية، حسب وجهة نظري الإصلاحات التي جرت على التعليم لم تكن بذلك القدر الكافي، والتعليم يعاني من غياب الرؤية المتكاملة الواضحة عند القائمين عليه، ويعاني من مستوى من الشعبوية زائدة عند الحركة المطلبية في قطاع التعليم، ويعاني غياب دور آباء التلاميذ وجميع المستفيدين من التعليم، أن تشتغل في إصلاح التعليم، وتترك  المسلكيات وتشجيع المسلكيات التي تضر بالتعليم، التعليم لا بد له من إرادة حقيقية عند أعلى سلطة في البلد، تترجم بشكل لا يحمل الكثير من التراخي والانتظار وفعلا عندما يشرع في إصلاحه سيكون هناك الكثير محاولي إفساد الإصلاح لتناقضه مع مصالحهم الضيقة، لكن ينبغي الصبر ومواجهته بالحكمة حتى يشق الإصلاح طريقه.

 

موقع الفكر: ما هو تعليقكم على وجود الجامعة خارج العاصمة مع وجود ثكنات عسكرية داخلها؟

الرئيس جميل: حسب ما أرى في وجود الجامعة خارج العاصمة ليس هو السلبي بالضرورة، فالزاوية النضالية للطلاب إذا نظروا من هذا الموضوع قد يتوجسون منه، لأنه سيكون نضالهم أصعب في ظل هذه المسافة عن العاصمة وليس هناك إعلام قريب ولا شهود يرونه، هذا فعلا موجود، لكن في الحقيقة وجود جامعة في مكان هادئ خارج التجمعات السكنية ليس سلبيا في الأصل لكن يتطلب شروطا من أهمها السكن الجامعي و النقل الجامعي، وفعلا توجد الكثير من الأسر تعاني من هذا الموضوع معاناة حقيقة، أخلاقيا  وماديا ونفسيا، ولهذا السبب كره بعضهم التعليم وترك فيه أبناءه، سمعت يوما شخصا يقول كلاما حقيقيا أن المكان الذي يتوسط العاصمة وتتوفر فيه ظروف العزلة هو المطار القديم، أما وضعية الجامعة اليوم فينبغي أن يتوفر من النقل و السكن الجامعي ما يجعل السلبيات الملاحظة ليست واردة، وأنا عموما أرى أن سياسة التعليم العالي المعتمدة، رغم الملاحظات السياسية وملاحظاتي على تعاطي الوزير المعني خصوصا مع قطاعي العدالة والنقابات الطلابية، مع كل هذا فسياسات التعليم العالي نجحت نجاحات معتبرة وكان من أسبابها صرامة القطاع المعني، وتوجد كثير من الملاحظات السلبية.

فيما يخص الثكنات، هذا موضوع كثر فيه الحديث إلى مراحل متقدمة، ومن الطبيعي أن الثكنات تتواجد خارج العاصمة، لكن ينبغي أن لا ننسى أننا لدينا ميراث، وتغيير كل هذا وتحويله يتطلب كلفة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار قبل الكلام عن أي نقطة في الموضوع، وعموما قد تكون هناك أمور ملحة في بعض البلدان وفي بلدان أخرى قد ينتظر حتى يحضر لها التحضير اللازم.

موقع الفكر: هل من كلمة  أخيرة؟

الرئيس جميل: أجدد الشكر لكم واتمنى لكم النجاح وكما قلت سابقا أنه بحكم المعلومات المتوفرة، أن ثمة كثير من الآمال المعلقة على هذا المنبر الإعلامي، أرجو من العلي القدير أن تلبوا تلك الآمال وأن تكونوا على مستوى التطلعات، فالإعلام منبر مهم وصار الجميع يلاحظ أهميته و "شي مهم يالتو ايعود فيه الا ش مهم"، حفظكم الله وبارك فيكم.