غضب رئيس الجمهورية.. مشاريع متعطلة وأموال تحت الاستنزاف.. ولكن ماذا بعد؟- موقع الفكر

 

لم تخف ملامح الغضب والتذمر في حوارات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أثناء تفقده لعدة مشاريع، وخصوصا ما يتعلق بالمنشآت، كان الرئيس غاضبا ورفع صوته أكثر من مرة ليعلن " أن هذا ليس ما اتفقنا عليه"

لا من حيث الزمن ولا نوعية المنشآت استطاعت أغلب الشركات التي أوكل إليها إنجاز المؤسسات ذات الرهانات الكبيرة إنجاز عملها، رغم استلام أكثرها لأجزاء مهمة من تكاليف الإنجاز

وتتعدد القطاعات التي تتأخر فيها الأشغال ومن أهمها قطاعات المياه والكهرباء، وقطاع التجهيز والنقل، إضافة إلى منشآت في قطاعات متعددة.

تآزر.. أشغال متسارعة وضعف في احترام المعايير

تستأثر وكالة تآزر بعدد كبير من المشاريع المتأخرة، ومن أبرزها

  • مشروع السكن الاجتماعي: المكون من 2.000 منزل، مخصصة للفقراء والذي يمثل ركنا أساسيا من برنامج رئيس الجمهورية، وقد تم توزيع صفقات إنجاز هذا المشروع على عدد من المؤسسات من بينها مؤسسة لمقرب من المندوب السابق لتآزر.

ووفق ماهو متداول فإن اكتمال مشروع داري ما زال بعيدا من المأمول، كما أن احترام المعايير كان غائبا في كثير من الأعمال المنجزة.

وتتحدث مصادر متعددة عن أن منح صفقات هذه المشاريع لم يراع الشفافية المطلقة، كما أن الصراع بين وزير المالية والمندوب السابق لتآزر قد تسبب هو الآخر في عرقلة صرف مستحقات عدد من الشركات.

ووفق مصدر خاص لموقع الفكر، وكحل جزئي بادر المندوب الجديد إلى تعيين أحد مقربي وزير المالية مفتشا مساعدا في مندوبية تآزر، عن قصد أو صدفة،  وذلك ربما سعيا إلى كسير الجليد المتصاعد بين المؤسستين

جسر الحي الساكن..  قصة لا نهاية لها

تتكلف الدولة الموريتانية قرابة مليارين في بناء محول طرقي يحمل اسم جسر الحي الساكن، وقد مضت لحد الآن مايقارب  ثلاث سنوات دون أن يكتمل هذا المشروع الذي يراهن عليه الرئيس الغزواني مع جسر كارفور باماكو في مقاطعة الرياض من أجل تجاوز إنجازات سلفه وترك بصمته على العاصمة.

بل إن الرياح جرت بما لاتشتهي السفن، حين فر المقاول بماحمل وترك العمل دون إنجاز.

وفيما تتولى شركات وطنية إنجاز جسر الحي الساكن بعد فسخ العقد مع الشركة الصينية التي كانت متعهدة بشأنه.فإن من الصعوبة بمكان الجزم بأن هذا الجسر ستنتهي أشغاله في المدة المحددة وهي 11 فبراير 2024

 وتقدر المصالح المختصة نسبة تقدم الأشغال فيه ب 22.50% وهو ما يؤكد التباطؤ الشديد في إنجاز هذا العمل، وسط أنباء عن صعوبة تسليمه في التاريخ المجدد

 المستشفيات المتأخرة.. وعد رئاسي مؤجل

من بين المشاريع المتأخرة التي يشعر الرئيس ولد الشيخ الغزواني تجاهها بالإحراج ثلاثة مستشفيات كبرى في البلاد، وذلك بطاقة استيعيابية من 80 سريرا لكل مستشفى.

والمستشفيات المعنية هي مستشفى ألاك المركزي، والمستشفى الجديد في لعيون، والمستشفى الجديد في تجكجة، وما زالت أشغال المستشفيات المذكورة في مراحل ابتدائية.

قطاع المياه ..تأخر يفاقم مأساة العطش

رغم البداية المشجعة لمشاريع المياه واتساع الحفر في مناطق متعددة من البلاد، ضمن مشاريع وزارة المياه ووكالة تآزر، إلا أن السلطة أهملت بشكل كبير مشروع آفطوط الساحلي، ومشاريع الري الكبرى مثل توسيع مشروع بقله في الشرق الموريتاني، وتمكين مدن من الحوض الشرقي من الري، إضافة إلى مشروع تزويد مدينتي كري وكيفة بالماء، ينضاف إلى ذلك مشروع تزويد مدينة نواذيبو بالمياه من  حقل بلنوار.

وتصل قيمة هذه المشاريع إلى أكثر من 20 مليار أوقية جديدة.

الطرق .. تأخر متزايد

في مجال الطرق تعاني عدد من المنشآت الطرقية التي دشنها رئيس الجمهورية أو أعلن عنها من التأخر الشديد، ومن هذه المحاور المهمة:

محور طريق عدل بكرو: الذي أوكل إلى شركة يديرها مقرب اجتماعي من رئيس الجمهورية، دون أن يستطيع لحد الآن التقدم فيها.

إضافة إلى تأخر شديد في محور طريق لعيون – لعوينات، وتأخر آخر في محاور طريق تجكجة- سيلبابي، وتجري الأعمال حاليا في محور ألاك- مكطع لحجار وسط تباطؤ شديد.

توسعة الجامعة.. التأخر المتواصل

توسعة الجامعة ومركز البيانات مشروعان مهمان من المشاريع التي تقدم بها رئيس الجمهورية في تعهداته، وما تزال الأعمال فيهما دون المتوقع، وهو ما أثار غضب الرئيس واعتبر أن هنالك من يتلاعب بمشاريعه المهمة.

وتقول مصادر خاصة بموقع الفكر إن غضب ولد الشيخ الغزواني تفاقم خلال الأشهر الأخيرة، وأنه خلال عطلته في قريته بومديد، رفض استقبال أي مسؤول أو رجل أعمال، كما رفض أيضا استقبال أي اتصال منهم.

وتقول المصادر إن التوتر بات هو السمة البارزة لعلاقة النظام مع عدد من الشركات التي أوكلت إليها مشاريع الإنشاءات، ومن بينها شركات يملكها رجال ثقة ومقربون من النظام.

وتضيف المصادر ذاتها أن مفتشية الدولة دخلت هي الأخرى على الخط وألزمت وزارة الإسكان بعدم تسديد متأخرات عدد من المؤسسات التجارية التي أشرفت على إنجاز أعمال متعددة خلال السنوات الماضية، بسبب أنها لم تراع المواصفات المطلوبة

ماذا بعد الغضب..

باستثناء إقالة مدير المستشفى الوطني المشهود له بالكفاءة العالية وإقالة مدير شركة المياه فإن الغضب الرئاسي لم يترجم بعد إلى أفعال واضحة، ولم تشمل الزيارة  كل المستشفيات خاصة الصداقة، والشيخ زائد،وبقية المستشفيات،  التي ربما لا يحظى مديروها بسمعة تقابل سمعة مدير المستشفى الوطني، الذي يشكل حالة فريدة من الجدارة والإنجاز،  ولكي يترجم الغضب الرئاسي كذلك إلى أفعال خصوصا فيما يتعلق برجال الأعمال، الذين استنفدوا خلال السنوات الماضية غلاقا ماليا هائلا، مقابل أعمال متعددة، ما زال الكثير منها قيد الإنشاء البطيئ

وتمتاز عقود هذه المؤسسات بضخامة المبالغ المخصصة لها والتي قد تصل إلى قرابة 200 مليون أوقية لإقامة مدرسة لا تصل أقسامها إلى 10 فصول، فيما تصل إلى عدة مليارات لإنشاء طرق أو منشآت كبيرة.

ويتوقع الرأي العام أن يعيد النظام سياسته في التعاطي مع القطاع الخاص، وخصوصا النافذين المقربين منه الذين استحوذوا خلال السنوات الأخيرة على أهم وأكبر المشاريع، وكان إنجازها فوق حد الإحراج السياسي للنظام، وأن ينظر بتوازن لكافة المقاولين.

فقبل أيام ألغت مندوبية تآزر 11 صفقة لبناء مستوصفات في الداخل، فاز بها أصحاب مؤسسات صغيرة في شهر يناير، من هذا العام، و بعد 9 أشهر من المتابعة  في الغدو والآصال في أكناف تآزر، هاهي المندوبية تلغي تلك الصفقات، صحيح أنهم ليسوا من أصحاب النفوذ، يعلق أحد مديري تلك المؤسسات، ولكن لماذا لا تلغى  المندوبية عشرات الصفقات الكبيرة التي حصلت عن طريق التراضي أو تلك التي تعثر أصحابها في التنفيذ.

أزمة التنفيذ بنيوية..

صرح مصدر مطلع من داخل تآزر لموقع الفكر أن لجنة داخلية قررت إلغاء تلك الصفقات، لارتفاع تكلفتها مقارنة مع أسعار جهات مشابهة، يقول نفس المصدر، إن بعض الجهات الحكومية أنجزت مستوصفات بنفس المواصفات بغلاف مالي قدره 14 مليون أوقية جديدة،  في حين أن تلك  المؤسسات الصغيرة فازت بتلك المناقصات بسعر يساوي 18 مليون، أو قية جديدة.

ورأى أحدى المقاولين أن الأعذار التي تحججت بها بعض المصادر داخل تآزر في السابق كانت، أن المبالغ رصدت في ميزانية العام 2022، وتلك أغلقت فاحتيج إلى إدراج تلك  المشاريع في ميزانية العام  2023.

وتطرح هذه العملية إشكالية البيرقراطية والتسويف داخل الإدارة الموريتانية، التي أهدرت الفرص وضيعت البعض.

واعتبر المهندس الهيبة ولد سيد الخيرفي تصريح خص به موقع الفكر:  "أن تأخر تنفيذ المشاريع يعود لمشاكل هيكلية وأفقية تعاني منها الحكامة في البلد بشكل عام وستجدها عقبة في كل مناحي الحياة وهي شرُ نتعايش جميعا معه بصورة أو بأخرى.

فالاهتمام يقتصر فقط على مرحلة الإنجاز على حساب بقية المراحل واعتبار الأخيرة مجرد مراحل صورية يفرضها الشركاء ويتعامل معها على ذلك الأساس، ويُعد ذلك نقطة ضعف معظم مشاريعنا، فتجد أن الخبراء المكلفين بالدراسات الأولى يتسكعون في الدوائر الحكومية عاجزين عن لقاء المسؤولين المعنين وإن نجحوا وتحصلوا على موعد فلن يتجاوز دقائق معدودة، وهذا ما يدفع الخبراء لإنجاز تلك الدراسات حسب بما توفر والاكتفاء بذكر أسماء شهود الزور، إن إهمال تلك المراحل يؤدي إلى تصميم مشاريع لا تستجيب لتطلعات المستفيدين وأولياتهم ولا تحل مشاكلهم ولا تتجنب أخطاء الماضي، وبالرغم من ذلك فسيتم التوقيع على معاهدة التمويل وإجراء المصادقات الضرورية دون الاكتراث لنجاعة المشروع، و ذلك لغياب المسؤولية المباشرة، فوزارة الاقتصاد تعتبر نفسها مجرد وسيط بين المُمول والوزارة المستفيدة والأخيرة ترى أنها مجرد عنوان مؤقت، حيث سيتم تعيين وحدة تنسيق مستقلة ستحصد النتائج، بينما تكون حصيلة الوزارة مجرد أتعاب التحضير، لذلك تفضل التركيز على مهامها الرئيسية".

ولعله من المفيد للجهاز الحكومي  نشر تقارير الهئيئات الرقابية والتعاطي معها بجدية وصرامة تناسب الجرم المقترف في حق الشعب ومقدراته.

إذؤيبدوا من المريب عدم نشر هذه التقارير للجمهور منذ تسلم الرئيس الحالي لمهامه.

إن غضبة الرئيس هي الثالثة من نوعها بعد أخرى سنة 2021، حينما أسس لجنة وزارية لمراجعة المشروعات المتعثرة واعلن وزيره للمالية أن قرابة49% من المشاريع متعثرة أو متعطلة.
ثم أعلن غضبة أخرى في العام المنصرم حينما واجه الوزراء بأخطائهم وأقال عددا منهم بسبب عجزهم عن أداء المهام 
ولقد مرت الغضبتان بردا وسلاما على المتسبيين في التأخر.
فهل ستختلف غضبة العام 2023،  عن سابقاتها...ام ان المسؤولين تعودوا ألا يتقوا غضب الحليم.