من مذكرات معلم في الأرياف - محمد مني غلام

ذكرتتي قوافل المعلمين المتجهة لأماكن عملها هذه الأيام  برحلتي الاولى إلى مكان عملي 
كان ذلك قبل زهاء ثلاثة عقود من الزمن كنت وقتها شابا يافعا لما ابلغ العشرين من عمرى 
عشرون حولا قضيتها بمنزلنا بالسبخة
 السبخة المدينة التى كبرت أمام ناظري وتحولت من قيعة تتناثر فيها أكواخ وخيم إلى مدينة تتعانق فيها العمارات عشقت تلك المدينة بعنف وهي التي حفظت شوارعها شارعا شارعا و تعفرت برمال ساحاتها قبل أن اخون ذاك العشق في أول لقاء مع جبال آدرار وأوديته الجميلة 
اصطحبتني قافلة من مقاطعة اوجفت مساء ذاك اليوم المشهود 
كان القوم  يقومون بتسجيل قائمة مرشحيهم للانتخابات للبلدية فترامى لمسامعهم أن معلم " لمصيدي " يرابط منذ أيام في انتظار من يصطحبه لمكان عمله 
أقلتنا سيارة لمسافة 20 كلم ووادعنا سائقها يبدو انه مجرد تشييع 
وعلينا قطع العشرين كلم الباقية دون المداح 
المداح هو الآخر مجرد محطة في رحلة 93 كلم 
حمل احدهم حقيبتي على عاتقه وحث القوم خطاهم بين الصخور وما هي إلا دقائق حتى حل الظلام لنواصل السير بين حواف الصخر ونصعد ونهبط التلال بدأت الهث وكانوا يطمئنوني بأن المسافة لا تعدو " زرك الدبوس " غير ان ذلك كله اتضح انه بمقاسات رجل السهل والجبل لا بمقاسات فتى " السبخة " 
قببل الفجر بقليل برزت خيمة في جوف الصحراء كان القمر الآئل للمحاق يرسل ضوءه الباهت ليكشف لنا ذاك الخباء المستلقي في حضن الصحراء وكأنه يفضح سرا 
القوم تبادلوا كلمات ذكروا فيها اسم  صاحب الخيمة وماهي إلا دقائق ودلفنا لها 
ترحيب الرجل الدافئ بنا و سرعة  القرى بدا وكأنه تلقى اتصالا هاتفيا في وقت كنا نبعد فيه بأكثر من  عقد من الزمن من حقبة  الجوال 
كانت تلك هي أولى مفاجئات تلك الارض التي عشقتها حد التبتل في ما بعد غير ان سؤالا آخر ظل يتردد برأسي ترى كيف استطاع هؤلاء أن يعرفوا مكان هذه الخيمة المدفونة ما بين الجبال والتلال في الهزيع الأخير من الليل 
كيف تمكنوا من شق طريقهم في هذه  الظلمة والوصول لهدفهم بنسبة خطأ تساوي صفرا 
استلقيت على الفراش الوثير الذي آثروني به بوصفي المعلم وبوصفي "  براني " كانت مفاصلي تضج ألما  وما هي إلا دقائق حتى أحسست أني اصبحت عاجزا حتى عن الجلوس لشدة الآلام التي كنت أعاني منها
الشاي والتمر والدهن واللحم الطري ..كل ذلك اصبح جاهزا في وقت تعجز اكبر مطاعم الدنيا عن توفيره فيه   
كان ذاك أول لقاء مع الكرم الآدراري التليد وكان أيضا اول لقاء فعلي مع عالم الصحراء الآسر  رغم اهوال الرحلة وآلامها كنت اخفي فرحة كبيرة بتلك المغامرة ...