عائدات الغاز الموريتاني في خطر- د.يربانا الحسين الخراشي

تتدفق المداخيل المباشرة المحصلة من شركات البترول والغاز إلى حساب الصندوق الوطني لعائدات المحروقات، الذي هو مجرد حساب مفتوح سنة 2006 في بنك فرنسا بإسم الدولة الموريتانية، وقد أظهر تقريرمبادرة الشفافية في مجال الصناعات الإستخراجية لسنة 2022 اختلالات جسيمة تتعلق بتسييره، حيث أشارالتقرير إلى غياب إجراء عمليات التدقيق خلال سنتي 2021 و2022 وحتى أغسطس 2023 ، وكذلك عدم نشر تقارير تدقيق السنوات الماضية (2015-2020) ، والأخطر من ذلك غياب أي سياسية رسمية تحكم إدارة هذا الصندوق الذي قيل أنه للأجيال القادمة الذين لهم حق مماثل لحق الأجيال الحالية في الثروات الوطنية، فالأجيال الحالية ليسوا الورثة النهائيين لكل ما تملك موريتانيا من ثروات طبيعية، كما أشار التقرير إلى فرق في مدفوعات قطاع النفط والغاز المعلن عنها يصل إلى 440 مليون أوقية لم يتم احتاسبها.

الاختلالات الجسيمة تأتي في ظل بداية التبويب على مداخيل حقل أحميم المشترك ،وكذلك حديث التقرير عن توقعات تشير إلى مداخيل من الحقل للميزانية الموريتانية تترواح بين 60 إلى 80 دولارا في المدى المتوسط 2025 -2030 .

وحتى لا تضيع عائدات الغاز

وفي ظل غياب استراتيجية لتسيير الصندوق، وأي نص تنظيمي يحدد سقف المبالغ التي يمكن سحبها، وكذلك غياب ربط السحب منه بمشاريع أو بنفقات محددة، فإننا نجدد مطلبنا السابق المتمثل في إجراء إصلاحات جذرية عن طريق تحويل صندوق الهيدروكروبات من حساب إلى صندوق سيادة وطنية " صندوق الرخاء المشترك" يخضع لرقابة ممثلي الشعب في البرلمان، والذين عن طريقهم يجب أن يعرف الرأي العام الوطني أوجه صرف كل أوقية من هذه العائدات.

صندوق الرخاء المشترك لتطوير الاستثمار الداخلي أصبح أكثر إلحاحا فلا يخفى على أحد ما يمر به العالم من تحولات دراماتيكية خطيرة وحرجة و المتمثلة في الغلاقل والصراعات والانقلابات العسكرية، والأخطر من ذلك انتهاء صلاحية السلام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعولمة مابعد تفكك الاتحاد السوفيتي، بحيث رجع العالم إلى مرحلة الدولة الوطنية، حيث باتت مسؤولية الدولة في تأمين اكتفائها الذاتي من الأساسيات وخاصة في مجال الغذاء أولى الأوليات، وهذا ما تعكسة جميع المؤشرات الاقتصادية الوطنية وعلى رأسها نسبة تغطية الواردات بالصادرات التي تراجعت خلال العام الماضي إلى 79% رغم الزيادة الكبيرة في قيمة الصادرات الوطنية 141.5 مليار أوقية (4.05 مليار دولار).

هذه الظروف العالمية المتأزمة يجب النظر إليها على أنها فرصة تاريخية لبلادنا لإجراء إصلاحات هيكلية مصيرية غيرمدفوعة الفاتورة سياسيا وذلك من أجل ضمان مستقبل أفضل لبلادنا في عالم مابعد الأحادية القطبية والهيمنة الغربية، حيث يكمن مستقبل موريتانيا في النهوض بالريف، والنهوض بالريف يكمن في النهوض بالقطاعات الاقتصادية الريفية ( الزراعة والتنمية الحيوانية و الصيد القاري والمصنع الريفي) مع التحكم في المياه السطحية، والتوقف عن صرف إيرادات الصناعة الاستخراجية وكأنها إيرادات مستدامة، هي لست كذلك بل متذبذبة ومؤقتة، وخير مثال على ذلك مساهمة شركة اسنيم في ميزانية الدولة سنة2021 بلغت125.38 مليارأوقية قديمة بينما 2015 كانت حوالي 12.64 مليار فقط نتيجة لإنهيار الأسعار، التي لا دخل لنا في تحديدها.

النهوض بالريف عن طريق الإدارة الجيدة لإرادات الصناعة الإستخراجية وغيرها وتحويلها إلى أصول مستدامة سيمكننا من ضرب عدة عصافير بحجر واحد :

1 تحويل المناطق الأفقر في موريتانيا ( امبود مثلا) إلى سلة غذاء وطنية تساهم في حلحلة التحدي الوجودي المتمثل في الأمن الغذائي.

2 الحد من التقري العشوائي عن طريق مدن السدود ومناطق الإنتاج الريفي ( حاليا أكثر حوالي 8500 ) قرية على المستوى الوطني.

3 الحد من الهجرة الداخلية الخطيرة على مستقبل البلد في ظل الإنفجار السكاني الإقليمي، حيث في أفق 2050 ستكون موريتانيا محاطة بأكثر من 300 مليون من البشر.

4 الحد من الفقر في الريف، حيث يعاني 77% من سكان الريف الموريتاني (1.6 مليون شخص) من الفقر المتعدد الأبعاد.

5 الحد من التفاوت التنموي المناطي، حيث يعيش 90.2 ٪ من سكان ولاية كيدماغة في حالة من الفقر متعدد الأبعاد، بينما تقل هذه النسبة إلى 25% في ولاية تيرس الزمور.

6 الحد من معضلة محدودية فرص العمل المباشرة في قطاع الصناعة الاستخراجية حيث يساهم بأقل من 1% من فرص العمل وطنيا، مما قد يحد من البطالة على المستوى الوطني وكسر موجة الهجرة الخارجية للشباب عن طريق تحويلها إلى هجرة لمناطق الإنتاج في الداخل الموريتاني.

7 والأهم من ذلك التقليل والحد من التضخم المستورد والتكاليف الخارجية الناتجة عن الأزمات العالمية والحروب، وبدل تحميلها للمواطن عن طريق زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة والخدمات تتحول إلى قوة دفع لخلق إرادة سياسية قوية لتنمية الريف، وهو ما سيشكل ضمانا من عدم إنتقال عدوى الفوضى والإنقلابات في المنطقة إلى موريتانيا، ويؤمن لها عبورا آمنا إلى عالم ما بعد الهيمنة الغربية.