"أنت والقضية /لماذا تعطي وتكتب وتَخرُج!!؟ -علاش!؟/ محمد أبات

لأكثر من أسبوع على العدوان الإسر|ئيلي في فلسطين الذي بدأ باعتقال الصائمين والعاكفين بالمسجد الأقصى وحي الشيخ جرّاح مرورا بالقصف المستمر على قطاع غزّةَ، والكل يتابع ما يجري باهتمام متفاوت وتعاطف صادق أفرزته مشاعر الفطرة السليمة "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ" الآية.

وفي خضّم هذا كله وبين التدافع الواقعي على الأرض والتعاطف الافتراضي على الفيسبوك وغيره من المنصات الإعلامية العالمية والموريتانية منها على وجه الخصوص. يرى المتابع الكثير من اللمز والغمز على جنبات نهر التضامن الشعبي العفوي الجارف والذي وإن كان قد جاوزَ القُلَّتينِ فلا يضرهُ بَعدُ ما صاحبه من تثبيط، إلا أن التنبيه على خطر هذه الأعشاب الضارة وارد في "محل التدارك" فاستئصالها معين على دفع عجلة المساندة الشعبية الحالية للقضية الفلسطينية.

وبعد تتبع هذه المنصات وخصوصا الفيسبوك، من المُلاحظِ أن كُلَّ الوسائل التي يستخدمها الجمهور لدعم القضية الفلسطينية في سبيل إعلاءِ بنيانٍ مرصوصٍ يمكن أن يتخذ شكلًا من الدعم -ماديًا أو معنوياً- تُقابَلُ في عالمنا الأزرق هذا بغمزٍ هنا و لمزٍ هناك من قِبلِ البعضِ بنياتٍ مبطَّنةٍ لا يُدرِكُ أصحابها خَطرَ ما هم عليه عَلِموا أم جهلوا.

فمثلاً، نرى الذين يلمزون المطوعين من الشعب خلال حملات الإنفاق التي بدأت من أيام الهبة الأولى في المساجد والمصليات والساحات والتظاهرات وغيرها، واستمرت بعد ذلك بجهودٍ طيبة واستقبلها الناس بالبذل والعطاءِ في سبيل دعمِ المق|ومة في غزّةَ، يقول اللامزون "كان فقراءُ الوطنِ أولى بهذا الإنفاق والبذل من غيرهم"!!

ثم نسمع أيضًا ونرى على هذا الفضاء من يسخر من الذين لا يجدون إلا جهدهم "الإفتراضي" في التعبير عن مشاعرهم تجاه ما يتعرض له بعض دمائهم في فلسطين من إراقةٍ و سفك، يقول الساخرون : "لم نجد لهذهِ الأقلام مدادًا قبل اليوم فماذا تغيّر ؟! وماذا يغني التدوين والكتابة هنا عن أطفال غزة ونساء القدس ؟!.

إلى جانب ذلك تجد الغيورين -تَصَنُّعاً- على أمنِ العاصمة حسب زعمهم، فيُشَنِّعُونَ على من يخرج في مسيرة سلمية معلومة المكان والوجهة يصدح فيها بصوته ويوصل رسالته ضمن جموعٍ تتقاسم نفس الهم والمشاعر إلى الجهات الرسمية ودوائر صنعِ القرار. يقول المُشَنٍّعون : "لا فائدة من الخروج تحت لهيب الشمس في ما لا طائل من وراءه، فالشرطة ليست إسر|ئيل والقصر الرمادي لا يملك للأمرِ تغييرا، والأولى بهذا النوع من التظاهر أن يكون عن الأسعار والفساد وغيره من ما يخدم البلد والمواطن"!!.

هذه نماذج فقط من ما صادفته وأصادفه بشكل مستمر على هذا الفضاء الإفتراضي، وأزعمُ أنّ أهله لا يتمتعون بالحد الأدنى من الإنصاف أحرى أن يكون بعضه. فكلما نظرت في حجة من ما نفثوا في وجه الهبة الشعبية العفوية عجزت عن إلتماسِ مَخرجٍ ينصفهم، اللهم إلا الجهل أو التجاهل فذاك شيئ آخر.

والرد على مثل هذا النوع تصدَّرَ لهُ الكثيرون من مَنْ أجرى الله الخير في أقلامهم وصفحاتهم ودفع بهم الكثير من كُلِّ ما يمكن أن يُشكِلَ على العامةِ أمرها.

فأما الذينَ زعموا أن "فقراءُ الوطنِ أولى بهذا الإنفاق والبذلِ من أطفالِ غزَّة وأهلها"، وجدوا من يقول لهم أنّ الفقراء فعلاً مَصرِفٌ للصدقات جميعا فهم إخوةٌ في الدين، لكن الذي فاتهم أن الرابطة الأولى ليست رابطة الوطن ولا النسب -على أهميتهما- وإنما رابطة الدين التي تَسَعُ الفقير هنا وهناك، ونُصرةُ المستضعفين واجبة على الأمة كلها والفقراء في شرق البلاد الإسلامية وغربها أهلٌ للإنفاق وأحقُّهم به فقيرٌ مظلومٌ يدافعُ عن عْرضهِ وأرضِهِ، هذا مع أن الإنفاق على الفقراء هنا مطلوب ويجب أن لا يتوقف من أصحاب الأيادي البيضاء الخيرين هنا.

وأما الساخرون الذين يقولون :لم نجد لهذهِ الأقلام مِدادًا قبل اليوم فماذا تغيّر ؟! وماذا يغني التدوين والكتابة هنا عن أطفال غزة والقدس ؟ ، وجدوا كذلك من يرد عليهم بأن الجهد لا يُستقلُّ قليله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يحدُه وقتٌ ولا مكان إلا ما حدده الشارع من ضوابط معروفة، وأن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا بما استطاع من جُهدٍ ولو بكلمة تكون مَعذرَةً إلى ربهم وتدفعُ عنهم صفة الساكت عن الحق المُقِرِّ بهِ.

ثم إنَّ العالمَ أصبحَ غُرفَةً واحدةً وتأثر فيه الكلمة والمنشور والصورة.

وأما الذين لا يرون فائدةً من النزول للشارع والتظاهر للتنديد بالظلم الواقع على أهل فلسطين ويقولون إنّ التظاهر يضُرُّ بالأمن العام، وجد هؤلاء أيضا من يجيبهم بأن كلمة الجُموعَ أقوى وأشدُّ أثراً من كلمة الفرد وحده، وأنَّ التظاهر السلميّ أسلوبُ مدني حضاري يكفله الدستور وعلى السلطات التي رخَصّت له أن تبذل الجهد اللازم في ضبطه وحمايته من الشغب والتخريب، وهو قناة لا غنى عنها للشعب تسري معها مشاعره العفوية الصادقة تجاه قضية فلسطين التي لا تفارق وجدانه وتجمعه أكثر من أي قضية أخرى.

وكخلاصة لهذا السجال المتواصل مع كل هبّةٍ صادقة، تستطيع أيها القارئ أن تدرك هشاشة هذه الحجج وأنها إنما تُناطحُ جبلاً يَكسِرُ كِلّ يومٍ لها قرنا، فيواصل صوتُ الحق شقّ طريقه الطويل من خلال حناجر الصادقين من شعوب العالم التي تحركها مشاعر فطرية لا تملك لها دفعاً وهي بقية خيرٍ رغمَ الكثير من الكراسي المستبدة الجاثمة على الشعوب والتي لولاها لكانت الرسائل الشعبية أخذت نفسا أطول وصوتا أبلغ من هذا، فقضية فلسطين باقية في وجدان الشعوب حتى تتحرر الأرض كل الأرض من البحر إلى النهر ويَعُمَّ الضياء بإذن رب العالمين.