انتظر الموريتانيون بكثير من الشغف آخر خطابات الاستقلال في المأمورية الأولى، كان الخطاب طويلا جدا، استعرض فيه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كثيرا من إنجازاته، في السياسة والاقتصاد والهوية والوحدة الوطنية.
لكن الخطاب خلا من أي جديد، فما قدمه الرئيس في كلمته المسجلة، هو نفسه ما قدمه في مقابلته التي وأدها التجاهل الإعلامي قبل أسابيع قليلة، وهو نفسه ما يكرره الإعلام الرسمي، وحزب الإنصاف كل حين بإذن ربه.
عشرات الآلاف من الموظفين كانوا ينتظرون من الرئيس لفتة إنسانية، ترفع عنهم أصرهم والأغلال التي كبلتهم بها السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، حيث تضاعفت هذه الأسعار بشكل كبير لا يطاق، ولو مقابل مافقدته الأوقية، خلال الأسابيع المنصرمة وهو مايعادل 18% من قيمتها مقابل العملات الصعبة، لكن الرئيس تجاهل كل ذلك، واختار أو اختار من كتبوا له خطابه الطويل أن يكون سردا لأرقام فلكية يسمع عنها المواطن ولا يجد لها أثرا.
يخفي في خطاب الرئيس أن سنوات العافية التي أدارها في ما مضى من مأموريته الأولى كانت فرصة لن تعوض لعدد محدود من الشخصيات من أجل الإثراء غيرالطبيعي، إذ يرى البعض أن خلف المنشآت التي يتم الاحتفال بها، مليارات هائلة، تحوّل كثير منها إلى جيوب الخواص، بسبب ضخامة المبالغ التي يمنح بها بناء مدرسة أو مستشفى أو شق طريق.
وفي المقابل تعرف السلطة أكثر من غيرها أن غالبية كبيرة من هذه المنشآت أنجزت خلافا للالتزامات ودون المستوى المطلوب.
ويرى بعضهم أن هنالك الآن فقرا كبيرا، وهجرة هائلة للشباب، وهناك مصاعب اقتصادية كبيرة تحاصر الأسر، وتكاليف معيشية تزداد كل حين، والأوقية في هبوط متسارع، والأسعار في ارتفاع جنوني، والرواتب تعيش حالة مرضية من الهزال المستمر.
هنالك الكثير مما كان ينبغي أن يقوله الرئيس ولم يقله، وفقا للبعض، وطبعا هنالك الكثير مما كان ينبغي أن يفعله ولم يقم به لحد الآن.
ووضع سنيم وإنجازها المحدود خير مثال على ذلك، ويرى البعض أن النهب المنظم الذي تقوم به تازيازت يكاد يكون بدون مقابل.
في سنوات المأمورية المنصرمة لم تقم الدولة بجهود تذكر في سبيل محاصرة الفساد وتحجيمه والتعبير الحسن عن ذلك محدودية التفتيش الذي تمارسه محكمة الحسابات وتأخره عن وقته.
وقبل أيام أقال الرئيس المسؤولين عن الصفقات، ربما لأن الأداء لم يكن في المستوى المأمول.
ورغم انعدام الانجازات الكبيرة والمعتبرة، فأهم ما ينبغي أن يفعله الرئيس وحكوماته هو التوقف عن استعراض لائحة محدودة من المنجزات الصغيرة، والأهم من ذلك أن يتذكر الرئيس والنظام بشكل عام شعبه بإكرامية مناسبة من مال الشعب، مهما كانت قلتها وضآلتها، حتى ولو كانت في حقيبتين إحداهما رمادية والأخرى بيضاء، فالشعب أيضا صديق.