"الفقيه" محمد يحيى الولاتي.. وآثاره العلمية- د. أحمد غوثم امّمد

قديماً قالت العرب: "لكل مقام مقال"؛ و"لكلّ حادث حديث"، ومما ينبغي أن يُقال الآن في مهرجان ولاته الثقافي، ويتحدّث الناس عنه على الملأ "العلماء"، الذين كان لهم دورٌ بارز في الحفاظ على هُوية البلاد، والرفع من شأنها أينما حلّوا وحيثُ ما كانوا، ومن هؤلاء الأعلام العلامة محمد يحيى الولاتي، الذي اشتهر بالمؤلفات الرصينة والردود القوية. كما ذاع صيته خارج البلاد من خلال رحلته إلى الحج، التي دونها في كتاب سمّاهُ "الرحلة الكبرى". وسنحاول في هذه العُجالة أن نتعرف عليه، وعلى مؤلفاته، وعلى بعض القضايا التي كانت محلّ نقاشات علمية أيام زمانه.

أولاً: اسمه ونسبه

هو محمد يَحيى (الولاتي) بن محمد المُختار بن الطالب عبد الله النفاع بن أحمد حاج، كان مولده في ولاته (سنة: 1259ه، ووفاته سنة: 1330ه). فقيه وأصولي من قبيلة أولاد علوش. أخذ عن سيدي أحمد بن محمد بكفّه، الذي قال عنه: إنه أعلم أهل زمانه، كما يذكر أنه أخذ عن مولى من أهل ولاته يسمى الدسري.

أما هو فقد أخذ عنه عدد من علماء تيشيت من أبرزهم: محمد بن أحمد الصغير التيشيتي، ومحمد بن انْباله. وأخذ عنه عدد من أهل ولاته من أبرزهم: ابنه محمد المختار، والمرواني بن حماد [موسوعة ابن البراء، (ج2/ ص: 291]

وقد كان جاداً في طلب العلم وتحصيله، ومما يؤثر عنه قوله: "إن ضوء النهار لا يضيع إلا في المطالعة". وقد جنى ثمار كده صغيراً، حيث نظم معاني الحروف من مغني اللبيب وعمره لم يتجاوز سبع عشرة سنةً، وشرح ألفية السيوطي في علم البيان دون أن يصل العشرين" [نيل السول على مرتقى الوصول، ص: 229].

نَصَّبه أمراء أهل لمحيميد لقضائهم، واشترط عليهم أن ينفذوا كل الأحكام التي سيحكم بها ولو كان الحكم قتلاً. ثم رحل إلى الحج سنة (1311ه/ 1893م)، ومرّ في طريقه بالمغرب وتونس، ومصر، وكانت رحلته حافلة بالمناظرات والحوارات التي دارت بينه وبين علماء الأقطار التي مرّ بها، ودامت رحلته هذه سبع سنين. وقد دونها في كتاب سماه: "الرحلة الكبرى".

ثانياً: مؤلفاته

ترك العلامة محمد يحيى مؤلفات عديدة، وفتاوى في شتّى المجلات العلمية، منها:

- فتح الودود على مراقي السعود.

- نيلُ السول على مرتقى الوصول.

- حل المشكلات لاختصار الموفقات (للشاطبي).

- التيسير والتسهيل لمعرفة أحكام التنزيل.

- نور الحق الصبيح في شرح أحاديث الجامع الصحيح.

- حسام العدل والإنصاف بشأن اتباع الأعراف.

- مرتع الجنان على عقود الجمان في علم البيان.

- منهج الأبرار في رد من حكم باسترقاق الأحرار.

- منبع الحق والتقى الهادي إلى سنة النبي المنتقى.

وله فتاوى كثيرة منها: فتوى في بطلان من أفتى أو حكم بعدم لزوم طلاق الثلاث دفعة. وأجوبة على أسئلة وردت عليه من أهل النعمة في شأن الجمعة وغيرها، وعدة أجوبة وردت عليه من عند محمدو بن أحمد الصغير، وأجوبة عن أسئلة وردت عليه من عند خالد بن ملاي امْحَمّد، وأجوبة عن أسئلة وردت عليه من عند قبيلة الوسرة، وفتوى في نقض حكم خُنثى ليس بذكر ولا أنثى، والرسالة العامة والنصيحة الواقية عن (بديلة) الملح في الطعام الذي تأكله العامة، وفتوى في شأن الحُبس، وفتوى في بطلان تولي الإمام بالوراثة من غير استيفاء لشروطها الواجبة والمستحبة، وفتوى في تحريم العمل بالقول الضعيف في الفتوى والقضاء، وفتوى في سقوط نفقة الناشز الحامل، وفتوى فيما يثبت به حكم القاضي إذا أنكره المحكوم عليه، وفتوى في بيان حكم الخطأ في الإصابة وهو شبه العمد.

وقد تميّزت فتاوى محمد يحيى -عموماً- بأنها كانت تميل ميلا شديداً إلى التمسك بحرفية النص، وعدم مراعاة الواقع، ولذلك كثرت الردود والنقول بينه، وبين علماء عصره، من أمثال محمد النابغة الغلاوي، ومحمد الأمين بن أحمد زيدان. كما أنه كان يرى القول بإغلاق باب الاجتهاد؛ لعدم الأهلية، ولذلك ألف "الأجوبة الزاجرة عن دعوى الاجتهاد الفاجرة".

ختاماً؛ رحم الله العلامة محمد يحيى الولاتي، الذي ترك تراثاً غنياً، استفادت منه موريتانيا خصوصاً، والعالم الإسلامي عموماً.