فاطمة بنت الميداح لموقع الفكر: واقع التعليم في موريتانيا واقع مزر ولا يمكن أن ينتظر منه إصلاح أو نجاح

قالت القيادية في حزب تواصل والنائبة البرلمانية سابقا الأستاذة فاطمة بنت الميداح إن التعليم يعيش واقعا مزريا ولا يمكن أن ينتظر منه إصلاح أو نجاح وأضافت بنت الميداح أن سبب ذلك يعود إلى الإصلاحات التي قيم بها.

وقالت بنت الميداح في مقابلة شاملة مع موقع الفكر، إن سبب فشل جميع إصلاحات التعليم يتعلق بالظروف التي أحاطت بتلك الإصلاحات والطريقة التي قدمت بها، والتي كان يطبعها الارتجال  .

وفي ما يلي نص المقابلة:

 

موقع الفكر: نود من تعريف السامع والقارئ بشخصكم الكريم من حيث تاريخ ومحل الميلاد والدراسية والوظائف التي تقلدتم؟

فاطمة بنت الميداح : الاسم فاطمة بنت محمد بن  الميداح،  ولدت سنة 1953 بمدينة المذرذرة ودرست بها المرحلة الابتدائية ثم درست المرحلة الثانوية في نواكشوط حتى حصلت على شهادة البكالوريا سنة 1975 ثم التحقت بالمدرسة العليا لتكوين الأساتذة بقسم اللغة الفرنسية والإنكليزية ثم تخرجت منها ومارست مهنة التدريس حتى عام 1989 حيث تم تعييني مديرة للدروس بإعدادية البنات ثم انتقلت إلى الثانوية العربية مديرة للدروس ثم عينت مديرة إعدادية  2002 أو 2003 حتى وصلت مرحلة التقاعد، وفي تلك الأثناء مارست العمل الخيري ثم التحقت بالعمل السياسي وانتخبت نائبة في البرلمان الموريتاني مؤخرا.

 

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لواقع التعليم؟

فاطمة بنت الميداح: واقع التعليم في موريتانيا واقع مزر ولا يمكن أن ينتظر منه إصلاح أو نجاح وأظن أن سبب ذلك يعود إلى الإصلاحات التي قيم بها. وأظن أن نياتها من قاموا بها كانت نيات صادقة لكنها إصلاحات مرتجلة ذات طبيعة سياسية تدفعها الحركات السياسية ولم تترك حتى تصل إلى نهايتها، كما أنها لا تواكب ولا تمد بالوسائل التي تمكنها من النجاح وأظن أن مقاربة الكفاية كان يمكن أن تكون جيدة لو وفرت لها الوسائل التي تحتاجها، لكنها طبقت بدون وسائل وهو ما ساهم في فشلها.

وهناك بعض الوسائل إذا لم تتوفر لا يمكن للتعليم أن يصلح منها وسائل الإيضاح، فالكتاب المدرسي غير موجود، والحجرات الدراسية في أغلبها غير صالحة للدراسة والعمل فيها غير ملائم إذ لا توجد فيها ولا توجد بها إنارة. وبالتالي فإن الظروف التي يدرس فيها التلميذ غير مواتية، كما أن المدرس الذي هو حجر الزاوية يعيش هو الآخر ظروفا صعبة سواء من حيث الظروف المادية أو الظروف المعنوية أو الظروف المعيشية، وفي نفس الوقت فإن نظرة المجتمع له تزداد ازدراء واحتقارا.

فمهنة التعليم كانت مصدرا مدرا للربح عند النشأة فكان المعلم يعيش ظروفا مادية حسنة نظرا لارتفاع المرتب الذي يتقاضاه. والمجتمع حاليا يصنف مكانة الناس على أساس وضعيتهم المادية، مما أثر على انحطاط مكانة المعلمين وانحطاطها في المجتمع وأدائهم

وهناك عوامل أخرى خارجة عن الإصلاحات ساهمت هي الأخرى في وصولنا إلى المرحلة الحالية هذا مع غياب الإرادة التي كثيرا ما تكون دوافعها دوافع سياسية ولا تترك حتى تصل إلى مبتغاها.

 

موقع الفكر: ما العوامل التي أدت إلى فشل جميع إصلاحات التعليم؟

فاطمة بنت الميداح: من عوامل فشل جميع إصلاحات التعليم الظروف التي أحاطت بتلك الإصلاحات والطريقة التي قدمت بها، والتي كان يطبعها الارتجال إذ لم يدرس واضعوها الواقع الذي يمكن أن تطبق فيه، فلم يوضع المعلم والتلميذ في ظروف تمكنهما من أداء واجبهما مما أدى بنا إلى الوصول إلى المستويات التي وصلنا إليها سواء عند التلميذ أو المدرس.

أظن أن التعليم يحتاج إلى تضافر جهود المجتمع من آباء للتلاميذ والحكومة والمدرسين وغيرهم من أفراد المجتمع.

 ونحتاج إلى مراجعة شاملة للبرامج وأن تنطلق من الواقع ومن طموحاتنا ومن هويتنا.

وأظن أنه لو طبقت مخرجات منتديات التعليم سنة 2013، التي توصلت فيها القوى السياسية والاجتماعية إلى مستوى من التوافق الذي لو طبق ووضع في ظروف يمكن أن يطبق فيها لكان تعليمنا قد تخطى مرحلته الحالية والتي من الصعب انتشاله منها إلا بمجهود كبير، لا أرى أن الدولة يمكنها توفيره حاليا.

 

موقع الفكر: عدم تطبيق مخرجات منتديات 2013 ، هل سببه ساسي أم مادي؟

فاطمة بنت الميداح: أرى أنه يمكن دمج الرأيين يمكن دمج الرأيين فبدون وسائل لا يمكن تطبيق الإصلاح. ولو أن تلك المنتديات التي اتفقت عليها كثير من القوى السياسية والمجتمعية ووفرت له الوسائل المادية والإرادة السياسية الصادقة ودعمت من قبل رجال الأعمال وآباء التلاميذ لظهرت نتائج تلك المنتديات.

وأظن أن أهم ما يعانيه التعليم في موريتانيا هو أن طبقة ميسوري الحال تخلت عن التعليم النظامي فوفرت لأبنائها تعليما خاصا، وبقي فيه أبناء الفقراء ممن لا حول لهم ولا قوة ووصل إلى ما وصل إليه، وأدى بنا التخلي عن المدرسة الجمهورية إلى كثير من المشاكل ما زلنا نعاني منها.

 رقم الموقع: موقع الفكر: هل تحقق الدولة كمشغل الحد الأدنى للعاملين في قطاع التعليم  من رواتب مجزية وضمان صحي وترق في السلم الوظيفي؟ وهل يمكن النهوض بقطاع التعليم في ظل موظفين يعيشون الظروف الحالية للمدرسين؟

فاطمة بنت الميداح: لو كانت الظروف كما قلت لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فلو أن المدرس كان راضيا عن راتبه والظروف التي يعيش فيها لمارس مهنته بتجرد وإخلاص ولكنك تجد أنه ينشغل بأعمال أخرى على حساب وظيفته ومردوديته لأنه لم يجد ما يضمن له العيش الكريم. فعلى سبيل المثال المدرس في اليابان لا يبغي بدلا عن التعليم لأن الظروف المرضية التي يعيش فيها تجعله يبذل أقصى طاقته ليوصل رسالته، فالمعلم لديه رسالة يجب أن يوصلها.

 

موقع الفكر: يلاحظ من حين لآخر مراجعة للمقررات المدرسية، فهل هذه المراجعات استجابة لحاجة وطنية أم تناغم مع توجهات دولية أم لمجرد استدرار التمويل؟

فاطمة بنت الميداح: كل ذلك يحدث وأعتقد أن هناك الكثير من العوامل فبعض من الإجراءات سببها ضغوط سياسية وبعضها الآخر سببه ضغوط أجنبية كما أن بعضها دافعه الإصلاح.

 

موقع الفكر: التدني الشديد في مستوى جامعتنا والتي تحتل ذيل الترتيب العالمي، هل له علاقة بالفشل في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية أم في إدارة وتخطيط وتمويل قطاع التعاليم العالي؟

 

فاطمة بنت الميداح: التعليم حلقات ولا يمكن أن تضعف حلقة من حلقاته إلا أثرت على الحلقات التي تليها، وحتى مرحلة ما قبل التعليم المدرسي فهي مرحلة مهمة لأنها تقوم سلوك الطفل، والموجود منها في التعليم النظامي متواضع جدا، ومن الغريب أنه عند نشأة الدولة كانت هناك رياض أطفال تابعة للحكومة، وكانت هناك مدارس جيدة، لكن هناك عوامل كثيرة أدت في النهاية إلى هذا الفشل.

 

إلى م ترجعون الأزمة المستفحلة في نسبة النجاح في الامتحانات الوطنية؟

فاطمة بنت الميداح: أظن أنه ليس كل التلاميذ الواصلون لمرحلة البكالوريا مؤهلين لهذا المستوى والنسبة التي تنجح هي بالفعل من يتأهل لهذا المستوى وتحدث المحاباة وبعضهم يحاول القفز إلى مستويات لما يصلها بعد.

ولو أن الطلاب وصلوا إلى الإعدادية بالمستوى المطلوب ووصلوا إلى البكالوريا بالمستوى المطلوب لما كانت نسب النجاح بمستواها الحالي، وهذا سبب تراكمات، ورغم أن الدولة تنفق الكثير من المال من أجل البكالوريا ومع ذلك تبقى نسبة النجاح قليلة، وأظن أن هذا مظهر من مظاهر الفشل.

 

موقع الفكر: إلى م ترجعون الأزمة المستفحلة في القدرة الاستيعابية في مؤسسات التعليم العالي؟

فاطمة بنت الميداح: أظن أنه يجب النظر إلى النسب الموفرة للتعليم من ميزانية الدولة، فالدول الناجحة ككوريا الجنوبية واليابان وقطر نلاحظ أنها أعطت ميزانيات  كبيرة للتعليم وبالتالي أثمر ذلك الاستثمار عن منتج مرضي.

 

موقع الفكر: وجود الجامعة خارج المدينة ألا ترون أنه يؤثر سلبا على تعلم أبناء الفقراء؟

فاطمة بنت الميداح : لا أرى أنه كان قرارا صائبا لأن وضع الجامعات خارج المدن يقتضي وصول تلك المدن إلى مرحلة معينة من الازدحام السكاني وهو ما لم يحدث بعد في مدينة نواكشوط، فوجود جامعة في منطقة لا يتوفر فيها النقل ولا السكن لمن يرغب في السكن ولا يوجد فيها مطاعم أو أسواق أمر معيب، ويجب التفكير في إيجاد  حل للمآسي التي يتعرض لها الطلاب. فعلى سبيل المثال عندما تجد طالبة في باكورة عمرها تقف في الساعة السادسة مساء على الشارع تنتظر وسائل النقل وهي بعيدة من المدينة فهي معرضة للكثير من المشاكل.

 

 

موقع الفكر: وجود الجامعة خارج المدينة هل يعيق تمدرس البنات؟

فاطمة بنت الميداح : تمدرس البنات ملف آخر فمن يصل منهن إلى المرحلة الجامعية قليل، والمجتمع لم ينتبه إلى أهمية تمدرسهن إلا مؤخرا والدراسة في هذه الجامعة حاليا لا تليق بالبنات ومن لا يمتلك وسائل الرفاهية كالسيارات أومن يسكن في مقاطعة "تفرغ زينه" لا يمكنه الدراسة فيها،  لكنك إذا تصورت كيف تصل فتاة قادمة من منطقة "الترحيل" أو "دار النعيم" أو "المقاطعة السادسة" إلى الجامعة وإذا وصلت كيف سيكون تحصيلها العلمي، فهذا قطعا سيؤثر سلبا على دراستها واستيعابها.

 

موقع الفكر: هل نحن جاهزون لجامعة خارج المدينة؟

فاطمة بنت الميداح: مشكلتنا في القرارات الارتجالية فيأتي أحد رجالات السياسة ويقوم بعمل ما كي يحسب له لكنه لا يبالي بالنتائج وعواقب الأمور، ومن بين القرارات التي نتخذها وقد تكون طموحة ولكن لا طاقة لنا بها لكن نتيجتها علينا قد تكون سلبية وبالتالي لا أرى أنه في استطاعتنا حاليا إنشاء جامعة خارج المدينة، وبالتالي قمنا بما لا طاقة لنا به فلا نملك وسائل النقل اللازمة ولا البنى التحتية اللازمة.

 

موقع الفكر: ما تعليقكم على وجود الثكنات العسكرية داخل المدينة بينما جامعتنا اليتيمة في قلب الصحراء؟

فاطمة بنت الميداح: تلك بنى تحتية أنشأتها الدولة قبل أن يوجد نواكشوط ومع ذلك أرى أنه من الأولى تحريك ثكنات عسكرية بدلا من تحريك جامعة، فمقر الجامعة القديم كان وسط المدينة ولم تكن هناك مشكلة في موقعها، ويقال إن قرار ترحيلها كان قرارا سياسيا وأمنيا لإبعاد ما يتعرض له الطلاب من قمع عن أعين الناس.

 

موقع الفكر: ما أبرز التحديات التي تواجه العمل الخيري؟

فاطمة بنت الميداح: العمل الخيري ليس جديدا على هذا المجتمع لأنه مجتمع مسلم، والمجتمع المسلم منشؤ على العمل الخيري وأهل موريتانيا ضربوا مثالا في ذلك. لأننا عندما كنا في البادية كان الناس يوزع عليهم ما هو موجود بالتساوي كاللبن أو الزرع أو وسائل التنقل بينهم.

وفي السنوات الأخيرة عانى من عدم القناعة بالحاجة إلى وجود موارد مالية محلية نظرا لأن التمويل كثيرا ما كان يأتي من الخارج. والناس ليست متحمسة إلا للمجالات التي يوجد فيها نص شرعي ككفالة الأيتام وحفر الآبار وإفطار الصائم والأضاحي وأما ما سواها من أوجه الخير فالناس غير مقتنعة بالإنفاق فيها ككفالة طلاب العلم أو تحفيظ تلميذ أو التعليم أو تمويل أنشطة مدرة للدخل.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لقانون الجمعيات الجديد؟

فاطمة بنت الميداح: قرأت عنه، فالترخيص أصبح سهلا وسحبه سهل كذلك، وقد قطعنا في هذا المجال مرحلة لا بأس بها، لكن لا زالت لدينا نفس العراقيل السابقة.

وعلى سبيل المثال فالجمعية النسوية لمكافحة الفقر، جمعية ذات نفع عام وهي جمعية قديمة لكنها كانت تواجه جملة من الصعوبات والمضايقات التي تعود إلى موقف الدولة من جماعة معينة، وهي جمعية رائدة في المجال الخيري وراسخة فيه وأهم ما قامت به هو توريث العمل الخيري، فكثرت مثيلاتها، كما أن الجميع صار يبذل في الخير. وفتحت الكثير من آفاق العمل في أبواب لم تكن مطروقة من قبل.

وأذكر هنا أن أحد فروع الجمعية في الداخل طرقت المشرفات عليه باب أحد تجار تلك المدينة وطلبن منه المشاركة في برنامج يسمى كسوة اليتيم لكنه أعطاهن مبلغا زهيدا، ولم تدر السنة حتى قام بإحصاء لأيتام المدينة فكسا الفقراء منهم في العيد القادم، وصارت هذه عادة لدى بعض الخيرين.

يقال إن القانون الحالي للجمعيات هو امتداد لنفس القانون أو من نتائجه، وأجريت انتخابات في تلك الفترة وحدث فيها ما هو معروف وبقي اسم الهيئة فقط ولا علم بتفاصيل أخرى حوله.

وأجريت انتخابات وحدث ما حدث ثم وقع الانقلاب على الرئيس سيدي محمد بن الشيخ عبد الله رحمه الله، وأظن أن تلك النتائج ألغيت ولا علم لي بما حدث بعد ذلك.

موقع الفكر: ما تقويمكم لآلية عمل مندوبية "تآزر"؟

فاطمة بنت الميداح: فكرة إنشاء مؤسسة تآزر فكرة جيدة وأنفقت الكثير من المال لكن لا أدري ما هي انعكاسات تلك الأموال على المستوى التنموي، والمستوى المعيشي وخفض نسبة الفقر.

وأظن أنه يجب على المؤسسة إقامة مشاريع مدرة للدخل بدلا من إعطاء المبالغ المالية مع أن المبالغ الموزعة تفيد الأسر لكنها لا تغطي كامل احتياجاتها، ولكن كما يقول المثل الصيني "علمني كيف أصطاد سمكا بدل أن تعطني سمكة". وأظن أن هذا المبلغ كبير يمكن أن يوفر مشاريع كثيرة وأهم شيء بالنسبة لأمهات الأسر الفقيرة هو دعم المواد الأساسية كالسمك والأرز والزيت لتصبح في متناولهم، وبإمكان مندوبية تآزر إنشاء حوانيت مخفضة لصالح الأسر الأكثر فقرا أو إعطاؤها بطاقات ائتمان تستطيع أن تشتري بواسطتها المواد الغذائية بصورة مخفضة.