د. مامادوگانيي صو في مقابلة شاملة مع موقع الفكر: مصيرنا هو هذا البلد، وحل مشاكلنا الاهتمام به والتركيز عليه.

قالد الدكتور مامادوگانيي صو: إن أحداث سنة 1989م. كانت شيئا مؤسفا، وقد مثل خرقا لكل النظم والقوانين، وأضاف الدكتور "صو" في لقاء شامل مع موقع الفكر:  إن تلك الأحداث كانت مؤلمة، وما كان ينبغي لها أن تقع بين أبناء الدين الواحد، وقال: هذا يذكرني بما قاله الإمام بداه بن البوصيري -رحمه الله- حين كان يصلي بنا صلاة عيد الفطر المبارك في ساحة مسجد ابن عباس وتأسف ثلاثا أمام رئيس الجمهورية آنئذ معاوية ولد سيد احمد الطايع قائلا أنا آسف أنا آسف أنا آسف ثلاثا، وقال: إنه ما كان ينبغي أن تسيل دماء المسلمين في أرض الإسلام، وأثناء شهر رمضان المعظم.

وقال الدكتور: ورغم ما حدث أعتقد أن هذا الشعب الذي يجمعه الدين الإسلامي يمكن أن يمحو هذه الآثار بمحض إرادته وفيما بينه.

وفيما يلي نص المقابلة:

 

موقع الفكر: في البداية نود منكم أن تعرفوا المشاهد بشخصكم الكريم من حيث تاريخ ومحل الميلاد و الدراسة والشهادات والوظائف التي تقلدتم؟

مامادوگانيي صو: اسمي مامادو گانيي صو Mamadou Gagni SOW ، ولدت في " ولد ينج " وأجريت دراسة حرة في قرية " كيوالا " التي تبعد عن مقاطعة كنكوصه 42 كلم شرقا وحوالي 80 كلم جنوب كيفه، وفي تلك القرية درست السنة الأولى من التعليم النظامي ثم انتقلت إلى مقاطعة كنكوصه، ثم بعد ذلك درست الإعدادية والثانوية في كيفه، وحصلت على الباكلوريا هنا في نواكشوط سنة 1989م.  ثم ذهبت إلى المغرب حيث واصلت دراساتي هناك حتى حصلت على "شهادة الليسانس" ثم دبلوم الدراسات العليا المعمقة والدكتوراه في تخصص القانون العام، وكانت رسالتي لنيل الإجازة حول حرب الخليج الثانية بعد اجتياح العراق للكويت، ثم بعد ذلك أعددت رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة حول المجزرة التي وقعت في روندا بشقيها الإنساني والقضائي أو الجنائي، ثم بعد ذلك وسعت الجانب المتعلق بالشق الجنائي في أطروحة الدكتوراه وكان بعنوان " دور المحاكم الدولية في حماية حقوق الإنسان في أوقات السلم والحرب"  وكانت عبارة عن مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية ومحاكم الحق العام والمحاكم الوطنية من حيث تأثيرها وتأثرها فيما بينها.

 وبعد حصولي على الدكتوراه عملت قليلا مع التلفزيون المغربي، في برنامج "جاري يا جاري " وهو عبارة عن عادات وتقاليد البلدان المغاربية الخمس، وكنت أمثل فيها موريتانيا وكانت لكل دولة ممثلها، ولما رجعت هنا أصبحت أستاذا متعاونا في جامعة نواكشوط بكلية العلوم القانونية والاقتصادية، ومترجما معتمدا لدى المحاكم ومحلفا من الدرجة الأولى لدى موثق.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في أحداث 1989 م؟

مامادوگانيي صو: يمكن القول إن ما حدث شيء يؤسف له وقد كان فيه خرق سافر لحقوق الإنسان بمعناه التقليدي والقانوني والإسلامي، فحقوق الإنسان يمكن القول إنها بدأت منذ أن قال سبحانه وتعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" سورة الإسراء الآية 70، فالإنسان مكرم معزز لا يمكن إهانته بأي حال من الأحوال من طرف شخص مثله، ثم زيادة على ذلك حدث أكثر من إهانته، بل وقع قتل وانتزاع حقوق وأموال المواطنين الأبرياء، وهي بلا شك أحداث يؤسف لها حقا، وهذه المشكلة قد باعدت ما بين المكونات الموريتانية إلى حد كبير، وهذا التباعد في وقت من الأوقات كان يصعب تصوره؛ لأن هذه القطيعة كانت تقريبا قطيعة مكتملة من جميع جوانبها، وكل ما يمكن قوله إنها أحداث مؤلمة، ما كان ينبغي لها أن تقع بين أبناء الدين الواحد، وهذا يذكرني بما قاله الإمام بداه بن البوصيري -رحمه الله- حين كان يصلي بنا صلاة عيد الفطر المبارك في ساحة مسجد ابن عباس وتأسف ثلاثا أمام رئيس الجمهورية حينئذ معاوية ولد سيد احمد الطايع قائلا أنا آسف أنا آسف أنا آسف ثلاثا، وقال: إنه ما كان ينبغي أن تسيل دماء المسلمين في أرض الإسلام، وأثناء شهر رمضان المعظم.

ورغم ما حدث أعتقد أن هذا الشعب الذي يجمعه الدين الإسلامي يمكن أن يمحو هذه الآثار بمحض إرادته وفيما بينه، فالمسلم يمكن أن ينسى ما تعرض له، ولكن لا يمكن إجباره على نسيانه، والشعب الموريتاني كما هو معروف شعب يمكن أن يتعايش كما هو الحال بالنسبة لجميع الشعوب، وهو شعب يربطه الدين الإسلامي، فلا مانع لديه من التعايش والرجوع للمنطق والواقع، وهو العين لا يمكن فصل سواده ببياضه.

 

موقع الفكر: هل ترى أن تلك المشكلة تم حلها أم لا؟

مامادوگانيي صو: بالنسبة لهذه المسألة كان يمكن حلها ولكن آثارها باقية دون شك، فهناك من رجع  إلى أرض الوطن ومشكلته لم يتم حلها إلى حد الساعة، وهناك مشاكل متعلقة بالأوراق الثبوتية وإن كان الأمر لا يتعلق بالمبعدين الذين رجعوا إلى أوطانهم فقط بل تكاد تكون أوسع من ذلك، ثم هناك زيادة على ذلك من رجع إلى أرض الوطن ولم يسترجع حقوقه العقارية، مثل المزارع والمساكن وحتى القرى، ومؤخرا كانت هناك بعض المشاكل في استرجاع  المزارع التي كان يزرعها هؤلاء المبعدون ولم يتم تعويضهم عنها بعد أن استغلها بعض الخواص لشؤونهم الخاصة، وليسوا مستثمرين يتبعون للدولة وإنما شأنهم شأن المزارعين الذين سبقوهم، وهناك بعض الأشخاص لم يتمكنوا من الحصول على بعض الأوراق التي تثبت هوياتهم، وإن كان الأمر لا يتعلق بهؤلاء بمفردهم، فهناك من كانوا بأرض الوطن ولم يتم إبعادهم لكنهم لم يحصلوا على الأوراق الثبوتية لحد الساعة.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في المشروع الزراعي الذي تموله دول الساحل ؟

مامادوگانيي صو : أعتقد أن هناك مناطق كثيرة في موريتانيا لم تستغل؛ نظرا لترامي المساحة الجغرافية للبلد، ولو تم استغلال جميع المناطق الصالحة للزراعة لكان لدينا اكتفاء ذاتي في مجال الغذاء.

لا يبدو أن قضية الاستثمار ضمن أولوياتنا ولا أفهم كيف يكون هذا!. شعب لا يصل إلى 4 ملايين ويملك هذه الكمية الهائلة من المساحات والماء ومع ذلك يعجز عن تغذية نفسه بنفسه في وقت توجد فيه دول يصل مواطنوها إلى عشرات الملايين ومع ذلك توفر لشعبها إلى حد كبير ما يحتاجه في مجال الغذاء. 

 

موقع الفكر: كلما أرادت الدولة أن تستثمر في الأراضي الزراعية واجهتها اعتراضات الملاك التقليديين، ما رأيكم؟

مامادوگانيي صو: أعتقد أن ملكية الأرض لا تتوقف فقط عند المناطق الزراعية، فهناك مناطق محمية يدخرها أصحابها لرعي مواشيهم، وأحيانا تكون تلك الأراضي غير صالحة للزراعة، ولكن قضية المحميات وقضية ملك العقارات تبدو مشكلة لم يتم حلها في موريتانيا لحد الساعة، وهناك محميات تحتوي على عديد الكيلومترات يمنع أصحابها أي شخص آخر من إدخال مواشيه إليها، مع أن تلك المناطق من الناحية القانونية ليست ملكا فرديا، وإنما هي ملك للدولة فلماذا لا تحارب الدولة هذه الظاهرة، ثم زيادة على ذلك لدينا مسألة ارتباط الأرض بالقبائل وهذه المسألة ليست غريبة على الموريتانيين، ففي الأصل كل منطقة تقطنها قبيلة معينة تريد أن تهيمن فيها ولا يمكن المساس بها، وتحدث فيها كل مرة أحداث مؤلمة تؤدي إلى قتل الأبرياء، وهذه قضية معروفة في موريتانيا من شمالها إلى جنوبها، ولا بد أن نتساءل لماذا لم تتمكن الدولة لحد الآن من إيجاد حل لمشكلة المحميات والمزارع؟.

 

موقع الفكر: هل يمكن أن تعطونا نماذج مما ذكرتم حول المحميات ؟

مامادوگانيي صو: على كل حال لا يمكنني إعطاء مثال حول تلك القضية، وأعتقد أنه قبل سنتين أرادت الدولة أن تضع حدا لتلك الظاهرة وبعثت وفودا إلى الداخل بغية محاربة تلك الظاهرة، فهناك من يسيج  كيلومترات من الأراضي التي يفترض أن تكون تابعة للدولة، ولكن مع ذلك لم تصل تلك الوفود إلى نهاية يحسن السكوت عليها، وأعتقد أن حماية هذه الأراضي لا تتوقف فقط على منع المحميات وإنما ينبغي حماية البيئة أيضا ووضع حل لقضية الفحم التي تتسبب في قطع الأشجار وهذا مضر بالبيئة.

 

موقع الفكر: البعض يرى أن سبب أحداث 1989 هو تشكيل مجموعة من "البولار" لتنظيم داخل الجيش وسياسيين يتظاهرون ضد اللغة العربية.

والصراع الذي أجج الأزمة وقع بين مجموعة من " إفلان " وأخرى من " سوننكي " فكانت موريتانيا ضحية لهذا الأمر مع تحريض من السينغال، ما رأيكم في هذا ؟

مامادوگانيي صو: أعتقد أن الضحايا كانوا من كلا الطرفين، سنغاليين وموريتانيين، فالحرب متى وقعت أوقعت ضحايا، ولكن ما تحدثتم عنه من الناحية السياسية لا أريد شخصيا أن أخوض فيه؛ لأن كل واحد منكم يعرف من حيثيات المشكلة أكثر مما أعرف أنا، ولا أعتقد أنه يجب الأخذ بما وقع بين الفلاني والسوننكي لتهجير أو قتل الأبرياء، ذلك بالنسبة لي لا ينبغي أن يكون مبررا لما وقع، وبعد ذلك كانت تحدث في كل مرة بعض المشاكل في الحدود لكنها لم ترق إلى ما وصلت إليه أحداث 1989، فبعد تلك الأحداث حدثت  بعض المسائل وقال الرئيس إذ ذاك، معاوية في التسعينيات، إنه لا يريد أن يتكرر ما حدث في 1989م. إذ كانت هناك أفكار في ترحيل بعض الأشخاص لكن معاوية قال ما قال.

 

موقع الفكر: هل حمل" الفلان " السلاح في تلك الفترة ضد الدولة الموريتانية ؟

مامادوگانيي صو: على كل حال قضية حمل السلاح لا يمكنني أن أؤكد أن الموريتانين فعلوها، ولكن كلما حدثت حرب فإن الأمور قد تخرج عن السيطرة؛ والفتنة نائمة "لعن الله من أيقظها"، أنا شخصيا لست في مكان من يؤكد أو يعطي أدلة أو براهين على قضية حمل السلاح من عدمه.

 

موقع الفكر: في موضوع الإرث الإنساني قيم بأكثر من حل، فمتى ينتهي هذا الموضوع؟

مامادوگانيي صو: بالنسبة للقانون هل يعفو شخص عن نفسه!.

  ما يدعيه الطرف الآخر هو أنه ما كان ينبغي للدولة أن تعفو عن هؤلاء الأشخاص بدون تسميتهم بالاسم وبدون محاكمتهم، ولو محاكمة صورية، يعني أنه تم إعفاء كل شخص شارك في جرائم تلك الفتنة.

 

موقع الفكر: الدولة عوضت أصحاب الحقوق وأعطت الديات ولكن ما زال بعضهم يريد تصفية الحسابات فهل هذا من الإنصاف؟

مامادوگانيي صو: دعني أتساءل هل الجميع أخذوا حقوقهم؟ أعتقد من الناحية القانونية أنه لو تمت تسوية المشكلة على طريقة جنوب إفريقيا لكان أحسن، وأعرف أشخاصا انتزعت منهم عشرات بل مئات الأبقار وحين رجعوا إلى أرض الوطن لم يحصلوا إلا على أقل من عشر أبقار، ناهيك عن ما تم نهبه من الغنم والذهب والممتلكات الأخرى...

 

 

موقع الفكر: حدثنا عن معاناة الناطقين بالعربية في الحصول على فرص العمل؟

مامادوگانيي صو: لا أعتقد أن التحدث باللغة العربية يسهل المأمورية حسب وجهة نظري  وكونهم يعانون أمام لفرانكفونيين لا أفهمه؛ لأن العربية والفرنسية ليستا لغتهم الأم، وما دام أنهم يتكلمون لغتهم الأم فلماذا عدم التفاهم بينهم؟ هؤلاء درسوا اللغة الفرنسية وهؤلاء درسوا اللغة العربية وهؤلاء درسوا الصينية.

 

موقع الفكر: كل الموريتانيين دعوا إلى تطوير اللغة البولارية لكن هذا لا يتناقض مع الاهتمام باللغة العربية باعتبارها لغة الإسلام، هذا بالإضافة إلى أن " الفلان " عندنا أغلبهم يتكلم بالعربية؟

مامادوگانيي صو: فيما يخص أن أغلب الفلانيين هنا يتكلمون العربية لا أظن أن هذا صحيح، بل يمكنني الجزم في عدم صحة ذلك، واللغة متى فرضت كرهت ومتى كرهت فشلت، لماذا الباكستانيون والافغانيون لا يصلون بالعربية وهم مسلمون ، حسب ما قيل لي، ؟ الله خلقنا وأعطانا لغات مختلفة فلماذا نطلب من هؤلاء ترك لغتهم؟ البولارية كانت تقرأ عندنا في المدارس باللغة اللاتينية ولماذا الإصرار على تحويلها إلى اللغة العربية ؟ 

إذا، في حال ما إذا كتبت بالعربية يقتضي ذلك أن تكون هناك قطيعة بينها وبين كتابتها بغلة أخرى في بعض الدول ؟

وإذا كان المعيار الأساسي هو الإسلام فكما قلت لك فالفلان كلهم مسلمون ولكن هناك فلان في مالي والسينغال والكاميرون والسودان والنيجر وبوركينافاسو ونيجريا...الخ، فهل يعقل أن تكتب لغة هؤلاء باللغة العربية وليس فيهم من يتحدث بها ؟

 

موقع الفكر: أنت مختص بهذا الشأن ونحن نناقشك ونود منكم الإجابة على السؤال، هل توجد مدينة واحدة أغلب سكانها من الزنوج؟

مامادوكاني صو: لديك مدينة سيلبابي وكيهيد يمثلا.

 

موقع الفكر: 1969 كان معلمو العربية يطالبون بالتعريب وحينما قامت الدولة بإضافة ساعتين للعربية وقعت ثورة ضد ذلك ولم تقع ضد الفرنسية رغم أنها لغة المستعمر 

مامادوگانيي صو: ما وقع للغة العربية واللغة الفرنسية نفس الشيء، ولماذا الإلحاح على هذه النقطة منذ الستينات حتى اليوم، هي مسألة لم تنجح وكل مرة تحدث إصلاحات في التعليم، لماذا فشل التعليم في موريتانيا؟ 

أنا شخصيا لا أعتقد أن اللغة ستوحدنا إذا لم يوحدنا الدين الإسلامي، ثم زيادة على ذلك " البولارية " هي لغة فيها لهجات و" الحسانية " دارجة من العربية ولكن البولارية تجمعها لغة؛ لأنها تحتوي على لهجات، مثلا حينما كنت في المغرب وقفت مع سوداني تكلم لي بلغة لم أفهمها ولم أنتبه له جيدا، لكنني اكتشفت لاحقا أنه كان يتكلم باللغة البولارية عندما أخبرني أحد أصدقائي الموريتانيين بذلك، ومن هذا المنطلق لا يمكن القول إن البولارية دارجة وإنما هي لغة وفيها لهجات، وعندها أبجدية توجد هنا وهناك.

 

موقع الفكر: الرئيس بمدينة بوكي حين طرحت عليه مسألة تسوية الأوراق الثبوتية للبعض ذكر أن بعضهم دخل وهو يحمل جنسية دول أخرى، ما رأيكم ؟

مامادوگانيي صو: ولكن هناك من حصل على جنسية مزدوجة بأمر من رئيس الجمهورية نفسه وهناك من أعرفه بالاسم لكنني أتحاشى ذكره، هناك من لديه جنسية فرنسية وفي نفس الوقت لديه جنسية موريتانية، ثم زيادة على ذلك أعتقد أن  الموريتانيين الذين لا جنسية لهم سوى الجنسية الموريتانية يمكن اعتبارهم حاليا أنهم عديمو الجنسية؛ لأن كثرا منهم ليسوا مسجلين، وهناك أطفال طردوا من المدارس وذنبهم الوحيد هو أنهم لم يحصلوا على أوراق ثبوتية.

 

موقع الفكر: الدولة تقول إن كل أبوين تم تسجيلهما بالسجل الوطني يتم تسجيل أبنائهما تلقائيا.

مامادوگانيي صو: هناك من تم تسجيله وتسجيل زوجته في حين أن أطفاله لم يتم تسجيلهم.

 

موقع الفكر: ما هي حجتهم في ذلك ؟

مامادوگانيي صو: حجتهم أن أي رئيس مكتب حر في التصرف ولكنهم لا يراعون المنطق في ذلك.

 

موقع الفكر: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يذهبون إلى مركز تسجيل آخر ؟

مامادوگانيي صو: إذا كنت مسجلا في منطقة لا يمكنك أن تتحول إلى منطقة أخرى؛ لأنك تابع لبلدية معينة  ومقاطعة معينة وولاية معينة، وأعرف من تم تسجيل إخوته ومع ذلك لم يتمكن من التسجيل نتيجة لهذا الأمر، ثم زيادة على ذلك تجد أشخاصا بلغوا من الكبر عتيا وهم يتظاهرون؛ لأنهم منعوا من التسجيل بحجة أنهم لابد أن يأتوا بأوراق ثبوت زواج والديهم وهذا أمر مستحيل؛ لأن والديهم ماتوا قبل الاستقلال ولم يتم تسجيلهم قط.

 

موقع الفكر: هل هذا تمييز ضد " الفلان " أم ضد الشرائح الأخرى؟

مامادوگانيي صو: لا أقول إنه ضد " الفلان " فقط، ولكنه لا ينبغي أن لا تكون هناك حلول لهؤلاء.

 

موقع الفكر: هل تعتبر ما قاله الرئيس عن تعدد الجنسيات أمرا منصفا؟

مامادوگانيي صو: إن كانت موريتانيا لا تسمح بتعدد الجنسيات فلا أعتقد أنها تسمح للموريتانيين أن يبقوا عديمي الجنسية فهذا أمر مستحيل، وأعتقد أن قضية تعدد الجنسيات هذه مسألة تخص الدولة .

 

موقع الفكر: يتهم البعض سياسييكم بالارتباط بالسنغال، ويدلل لذلك بأن حركة افلام كان مركز تحركها في السنغال؟

مامادوگانيي صو: نفس الشيء كان يقال عن البعثيين والناصريين، كان يقال إنهم مرتبطون بالعراق وسوريا وليبيا ويدعمونهم، وأعتقد أن أي حركة أو منظمة غير مرخصة لها لابد لها من اللجوء لدول مجاورة أو دول أبعد من ذلك.

 

موقع الفكر: في العام 1984، وزير الداخلية وقادة أغلب الأجهزة الحساسة في الدولة كانوا من أبناء هذه الشريحة، لكنهم استغلوا لطموحاتهم الانقلابية، ما رأيكم؟

مامادوگانيي صو: يمكنني أن أقول لكم إن موريتانيا كارثتها في ايديولوجياتها المتناحرة، فهي التي دمرت البلد سواء من الناحية الثقافية أو الناحية الاجتماعية، وأيا كانت هذه الحركات فيجب أن تعرف أنها لا تملك سوى هذه الدولة، وإذا كانت لديها فكرة أنها يمكن أن تعيش خارج هذا البلد فهي مخطئة، فكل الحركات سواء كانت افلامية أو بعثية أو ناصرية أو كادحية أو إخوانية يمكن القول إنها كانت سلبية على المجتمع، هناك حركات تريد فرض وجهة نظرها وايديولوجياتها وهدفها هو ردة الفعل على بعض الأفكار الأخرى، ولكن كيفما كان الحال فهذه الحركات كلها يجب أن ترجع إلى طاولة المفاوضات، وأن تفهم أن مصيرها هو هذا البلد، فلا يمكن أن تحل مشاكلها بدون الاهتمام به والتركيز عليه.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لوضع دول الساحل والدور الفرنسي فيه؟

مامادوگانيي صو: بالنسبة لقضية الساحل قضية معقدة وربما كان لفرنسا أو لبعض الجهات الاخرى -سواء داخلية أو خارجية- ضلع في زيادة التوتر في هذه المنطقة، فالتدخل الفرنسي عام 2013 لم يحل المشكلة، فقد قال رئيسها آنذاك إن فرنسا مدينة لأفريقيا، لماذا؛ لأنها ساعدت فرنسا أيام احتلالها من  طرف ألمانيا.

وتدخل فرنسا عام 2013 لم يأت بنتيجة لأنها توقفت دون تحرير جميع المناطق، وهذا ما جعل هذه المناطق غير المحررة تبقى تحت رحمة  الجماعات المسلحة، ثم بعد ذلك انتشرت الجماعات المسلحة وامتدت إلى النيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو وتشاد، وكانت هذه الحركات في معظمها عبارة عن ردة فعل على التدخل الفرنسي داخل هذه المنطقة، وهي حرب بالوكالة؛ لأن هناك دولا أخرى، فليست فرنسا وحدها من تدخلت، فقد تدخلت ألمانيا وإيطاليا لاحتواء هذه الأزمة، ولمنع الهجرة إلى اوروبا، فحين ننظر إلى جنود ألمانيا وإيطاليا في النيجر نجد أن هذا كله لردع أو منع تدفق اللاجئين إلى ليبيا ومنها إلى أوروبا؛ لأنه كلما كثرت ظاهرة الهجرة كلما تم البحث عن حل ولو كان مؤقتا لمنع هذا التدفق، ثم زيادة على ذلك أعتقد أنه من مصلحة فرنسا عدم استقرار هذه المنطقة، والدليل على ذلك أن الحركات الإسلامية تطالب برحيل القوات الأجنبية ليتم الحوار مع السلطات، غير أن فرنسا تريد الحوار مع زعماء الدول بدلا من محاورة شعوب هذه المنطقة، مع أن الكلمة في بلاد أوروبا هي كلمة الشعب وليست كلمة السلطة وتريد تطبيق عكس ذلك خارج مناطقها.

 في افريقيا هناك من يقول إن هذه الدول تحارب هذه الجماعات لمصلحة فرنسا وأوروبا، وأعتقد أن المصلحة يجب أن تكون مشتركة ولكن نظرا لضعف القدرات العسكرية والاستخباراتية والأمنية لهذه الدول فما زالت فرنسا تدعي أنها تساعد هذه الدول على المستوى العسكري والاستخباراتي، في حين أن فرنسا نفسها تساعدها الولايات المتحدة الآمريكية استخباراتيا، فحينما أرادت هذه الأخيرة الانسحاب من مالي طالبتها فرنسا بعدم الانسحاب لأنها تغطي الجانب الاستخباراتي، ومع كل ذلك أعتقد أنه ما دامت هناك نية للحوار بين هذه الجماعات والسلطات يجب أن تعطى الفرصة، فرنسا مثلا تقول إنها لا ترغب في الحوار مع الارهابيين مع أن الحركات الإسلامية لا ترفض الحوار مع الدول التي تنشط فيها ولكنها تشترط فيه مغادرة فرنسا للمنطقة وفرنسا لا تريد ذلك.

 

موقع الفكر: هل نحن أمام تدخل فرنسي جديد أم أننا أمام انسحاب فرنسي وحلول الدول الخمس محلها؟

مامادوگانيي صو: أعتقد أن الأمر سيزداد سوءا وتعقيدا إن تمسكت الحركات الإسلامية برفض الحوار مع السلطات ما لم تنسحب فرنسا من المنطقة، وتمسكت فرنسا ببقائها في المنطقة، ولكن أعتقد أنه يمكن التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، وهو أن يكون هناك انسحاب تدريجي، على أن تكون هناك قوات محلية مكونة تحل محل القوات المغادرة.

 

موقع الفكر: أين مصلحة موريتانيا من كل تلك السيناريوهات ؟

مامادوگانيي صو: بالنسبة لموريتانيا مصلحتها أولا وأخيرا في الاستقرار، وأعتقد أنها حسبت الحسابات قبل أن تتدخل ومصلحتها قد تكون من مصلحة جيرانها أيضا، وتدخلها قد يكون عملا استباقيا قبل دخول هذه المجموعات إلى موريتانيا، أعتقد أنه تدخل في محله نظرا للروابط التي تربط موريتانيا بدول الجوار  السنغال مالي... الخ. الخيط مرتبط.. المنطقة كلها في حال ما إذا لم تستقر أوضاع الدول سيؤثر ذلك على الدول الأخرى؛ لأنه لو زحفت الجماعات الإسلامية على باماكو لكان لذلك تأثير سلبي على موريتانيا، ولكن تدخل موريتانيا كان صائبا؛ لما يربط موريتانيا بدول الساحل، فالسكان يرحلون بين موريتانيا والسينغال وينتجعون بهما؛ وهذا ما يظهر صوابية تدخل موريتانيا.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لعمل مندوبية تآزر؟

مامادوگانيي صو: أعتقد أن التنمية يجب أن تكون تنمية جماعية ووطنية قبل أن تكون بهذه الطريقة، هناك مثل صيني يقول "إذا أتاك جائع فلا تطعمه بل علمه كيف يصطاد سمكة " وأعتقد أن أولئك الذين يستفيدون من هذه المساعدات لا يمثلون نسبة معتبرة من الفقراء المحتاجين في هذا البلد، أعتقد أن الأفضل هو القيام بالمشاريع التنموية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد ، أما شفافية توزيعها فلا يمكنني الحديث عنه لأنني لست على اطلاع به، وأعتقد أنه لو قام الجميع بكل ما ينبغي أن يقوم به لكان وضعنا أحسن من الناحية الاقتصادية .

 

موقع الفكر: كيف ترون وضعية العبودية في مجتمعي الفلان والسوننكي، فهل تعتبرون أنها لا زالت موجودة أم لا ؟

مامادوگانيي صو: منذ أن بدأت أسمع قضية العبودية لم أسمع عنها مثلما سمعت عن قضية الحراطين، ولا يمكنني الجزم أنه ليست هناك عبودية سواء في جميع الشرائح، وقضية العبودية قد تختلف من فئة لأخرى من حيث التطبيق والواقع. 

 

موقع الفكر: هل تعتبر أن مجتمع البيظان لا زالت فيه عبودية؟

مامادوگانيي صو: عموما الجزم بوجودها حاليا قد يكون أمرا صعبا؛ لأنك لو قلت لأي شخص أنه عبد لقال لك إنه ليس عبدا، وقد يقولون لك إن هناك عبودية اقتصادية وسياسية... الخ.؛ ولكن الحقيقة أن هناك سوء تدبير قد يعاني منه أكثر من ثلثي سكان البلد، والعبودية السياسية والوظيفية هي مسائل لو قلنا بارتباطها لكان الكل يعاني العبودية.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟

مامادوگانيي صو: بالنسبة للمواطن ما زال يشتكي ولكن يمكن القول إن الغليان السياسي الذي كان موجودا في الفترات السابقة قد هدأ تنوعا ما، وهناك حديث عن التفكير في حوار وطني إلا أنه يمكن القول من الناحية السياسية والاجتماعية إنه قلت المظاهرات والمطالبات السياسية والانتقادات، أعتقد أن بدايته كانت بداية باردة من الناحية السياسية والاقتصادية؛ نتيجة أنها تصادفت مع هذه الجائحة التي هزت اقتصاد العالم؛ ولذا فإن وضعنا الاقتصادي لم يتحسن كما كنا نرجو، سيما مع ارتفاع الأسعار الذي كان انعكاسا للوضع الدولي الحالي ووضعية الاقتصاديات العالمية وهبوط بعض المواد وارتفاع بعضها، هذه كلها عوامل قد يصعب معها تنفيذ برنامج كان مخططا له قبل هذه الظرفية لاسيما وأن هذه الجائحة لم تكن متوقعة ولهذا أثرت سلبا على اقتصادات العالم، وفي حال تأثرت تلك الاقتصادات لا بد أن يتأثر اقتصادنا نحن لا سيما أنه اقتصاد هش وضعيف ويعتمد في الغالب على المساعدات الدولية والاقتصادات الأخرى.