قضية المهاجرين.. عندما يواجه الإعلام الضعيف للنظام.. أمواج الشائعات والتضليل- افتتاحية موقع الفكر

لا يمكن اليوم تصور بلد مغلق، بل لا يمكن تصور بلد يمكن أن يغلق حدوده، إلا في حالات نادرة مثل الحروب وانتشار الكوارث الصحية، العالم اليوم كسلسلة  أبواب مشرعة، فيما بينها لكن الدخول إليها لا يكون غير قانوني

ومن أجل قانونية التحرك، يتم التفريق بين مستويات  العابرين في الحركة الدؤوبة التي تنتظم العالم كله، وبشكل عام فإن أزمة الهجرة هي أزمة عالمية لا يمكن بحال من الأحوال التصدي لها بجهود دولة واحدة، كما لا يمكن لأي دولة أن تشرع أبوابها للمهاجرين لينتقلوا منها إلى العالم الآخر في خرق للاتفافيات والمواثيق المنظمة لحركة الانتقال من بلد لآخر.

إن موريتانيا وهي جزء من العالم لا تنفصل عنه، وحلقة عبور تاريخية وصلة بين فجاج العالم كلها لا يمكن  إلا أن تكون في الشأن العالمي جزء من الأمة الكونية، بما يقتضي ذلك من التعامل مع إكراهات متعددة، خصوصا حركة الهجرة العالمية التي تعتبر أبرز مصاعب العالم اليوم.

تنتظم الهجرة ثلاث مراحل أساسية هي:

-    دول المنبع التي يصدر منها ملايين المهاجرين، وخصوصا الأفارقة الذين يرون في أوروبا والغرب بشكل عام الجنة الموعودة التي ستخرجهم من جحيم الفاقة إلى بلهنية النعيم.

-         دول المعبر ومن أبرزها موريتانيا والمغرب وليبيا والجزائر وتونس وتركيا و أمريكا الوسطى.

-         دول الوجهة: وهي القارة الأوربية وأمريكا وكندا ودول الخليج بشكل عام.

وإلى جانب هؤلاء فإن موريتانيا تواجه حالة خاصة أخرى وهي وجود قرابة 250 ألف من اللاجئين الأزواديين، الذين يمثلون عبئا قويا على البلد في مجالات مختلفة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، واجتماعيا طال أمد إقامتهم بسبب فشل مشروع الدولة المالية المزمن.

وانطلاقا من كل هذه المؤشرات المتعددة، وحسب ماهو متاح  ومعلن أصبحت موريتانيا مضطرة إلى فتح المراجعة والنقاش حول وضعتيي اللاجئين والمهاجرين، وربطت بشكل واضح بين الجهتين باعتبارهما كلا لا يتجزأ في المفاوضات، زيادة على مفاوضات أخرى شاقة مع أسبانيا باعتبار الاتفاق المبرم بين البلدين بشأن مكافحة الهجرة، حيث تبدو اسبانيا أكثر الدول تضررا من المهاجرين العابرين من موريتانيا.

إلى هنا لا يوجد ما يثير الصخب، بلد يناقش وضعية مشتركة مع بلدان أخرى، ضمن علاقات دبلوماسية تجعل التشابك بين المصالح جزءا من إدارة المنتظم الدولي، فمن أين جاء كل هذا الضخب والضجيج، وعلى أي معلومة دقيقة بنت أطراف سياسية متعددة هذه البيانات والمعلومات التي تداولها الإعلام بكم هائل من الصوتيات والمقالات التي لا يسند في أي جهة معلومة إلى جهة موثوقة، أو مصدر إعلامي رفيع، حتى المعلومة التي أذاعتها إذاعة فرنسا الدولية، عادت من جديد لتنفيها وتصحح ما أكدت مما تنفيه السلطات الرسمية بشكل قاطع.

للحكومة أخطاء فادحة في التسيير والتوظيف وتدبير الشأن العام،  وتسويد الأمر إلى غير أهله، واقريب المصفقين  والأميين على حساب أهل العقل وأصاحاب الشهادات.. ومن أراد الحديث عن مثالبها وهي مشهودة ومتعددة  فسيجد من الحقيقة مايغنيه عن القيل والقال وكثرة التحريض.. وليحدث ولاحرج.

الإعلام الرسمي.. جسم البغال وأحلام العصاقير

إنما يحصل هو انهيار تام للثقة في الخطاب الرسمي بغض النظر عن صدقيته أو كذبه، وهو مظهر من فشل الآلة الإعلامية للنظام، رغم ما تكلف من مليارات ومن صفقات، وما تجيش من أعوان يتم الدفع بهم إلى المؤسسات العمومية للحصول على صفقات من وراء الطاولة، واشتراكات بعشرات الملايين دون أن يكون لهم أي مردود على الوعي الشعبي العام، ودون أن يجني منهم النظام غير تشويه السمعة بالفساد، والابتزاز المتواصل.

وكما لم تسعف النظام جيوش الإعلاميين، فلم تسعفه أيضا المؤسسات الإعلامية العمومية التي تعيش شللا تاما،  يتبارى قادته في "معاقرة الأعرابـ"، لاليحسنوا صورة النظام عند العامة وإنما ليرضى النظام عنهم هم،  حتى أن بعض هذه المؤسسات تستنجد الآن لتعرف ماهي المهمة التي تراد منها.

لقد أدى كل هذا الإهمال وضعف الجناح السياسي والإعلامي وتغول الإعلام البديل من صناعة ركام من الشائعات القوية والضخمة، وفي طول موريتانيا وعرضها، باتت شائعة توطين الأجانب وتجنيسهم أمرا لا يخالطه الشك، ومن الصعب جدا الوقوف في وجه هذه الشائعات بالأساليب التقليدية، دون أن يتم اتخاذ إجراءات نوعية منها على سبيل المثال:

-    مصارحة الشعب الموريتاني بصورة دقيقة ومن خلال رئيس الجمهورية بحقيقة ما كان أو سيكون من الاتفاق المذكور، خصوصا أن استمرار هذه الشائعات يمثل تحديا أمام رئيس الجمهورية بشكل خاص وهو مقبل على الرئاسيات القادمة سعيا إلى مأموريته الثانية.

-    توقف القوى السياسية عن التحريض دون بينة، ومطالبة من يطلقون الشائعات بإثباتها إعلاميا على الأقل إن لم يكن قضائيا.

وإذا تجاوزنا الأبعاد السياسية، فإن التحريض السياسي بشكل عام يعتبر أسوء أنواع الممارسة السياسية في العالم، لأنه يؤدي إلى إلقاء كرات ملتهبة من الحقد بيد الجماهير، وما أحداث باسكنو منا ببعيد، حيث أظهرت القابلية الشديدة للاشتعال.

إن من الغباء السياسي بشكل تام أن يتوقع أي طرف أو شخص سياسي أن أي سياسي أو صاحب قرار يمكن أن يقدم على توطين قوة أجنبية، فللعالم اليوم منطق آخر.

إن بلدنا اليوم في قضية هذا الاتفاق على مفترق طرق، والتخفيف من آثاره السياسية على البلد، ليس من التقدير الواعي للمتغيرات، وإذا كانت مكاسبه الاقتصادية كبيرة على البلاد، فإن النظام يدفع دون شك من زخمه السياسي ثمن ضعفه الإعلامي.

اقرأ أيضًا.:

هل ابتزت نواكشوط الأوربيين بورقة الهجرة- موقع الفكر التبويبات الأساسية