ملاحظات على أداء الحكومة/ عبد الله محمد السيف

في فن التقويم والمتابعة:

ملاحظات على أداء الحكومة بعد مضي 40% من المأمورية

-----

لست سياسيا؛ لا مواليا ولا معارضا واقدم هذه النقاط من موقع المواطن م:

1 - ثمة خلط كبير بين مفهوم الحركية بين المناصب في صورته المحمودة وبين الإحلال الفوضوي عبر المناصب:

الأول ذو ميزة إيجابية لكونه يعني تغييرا للدماء ضمن النسق الوظيفي واستغلال مواهب معينة نجحت في قطاع لكي تنقل معرفتها وخبرتها لقطاع آخر (على كل المستويات التنفيذية العليا حتى درجة مدير مثلا)، إضافة إلى تحييد بعض الاحتكارات التي تنشأ في مناصب معينة _حتى مع نجاح شاغليها تسييرا) حتى لا تتشكل مراكز قوى تفضي لاستغلال مخل بالأداء نظرا للسمعة والثقة الزائدة.

أما الآخر ؛ ف:

- إحلال تبادلي خارج عن معيار الزمن (مدة كافية لتقديم شيء يذكر)،

- إنتاج لفوضى مهلكة في فلسفة الموارد البشرية لأنها تمنع ظهور الاداء في أحواله الممكنة (حُسْنه، توسُّطه، رداءته، انحرافه) لأن المسؤول الذي لا يمكث عامين في منصب رئيسي تنفذيا لا يسعه فعل الكثير إن كان مخلصا من جهة، ولا ينكشف قصوره ولا تقصيره بسهولة إذا كان فاشلا أو عديم الفكر والرؤية فنيا أو إداريا نظرا لقصر الفترة، من جهة خرى.

فإذا تكرر التغيير من منصب إلى آخر في فترة وجيزة حصل الأثران السلبيان آنفي الذكر بمضاعف رياضي أكبر أُسًّا: بمعنى؛ ستزداد الضبابية في عين مقومي الأداء فلا يكشفون عجزا ولا تفوقا ولا حتى توسطا مقبولا لأن الوزراء والمدراء والأمناء العامين يتنقلون بفوضوية ولا يغادر أغلبهم الفريق مع ذلك؛ وهذه كارثة.

2 - أن سنتين من المأمورية تعادل رياضيا 40% منها! نعم هي كذلك. تتعقد الصورة إذا أضفنا متغيرا رياضيا آخر في دالة التقويم متمثلا في كون أي قطاع أو مشروع تنموي أو شركة خدمة عمومية ذات أهمية؛ يتطلب معدلا زمنيا معينا (ليس قطعا شهور معدودة) كحد أدنى كي تظهر النتائج ويتمايز المسؤولون عن المرفق المدار (سأشرح قليلا معى ذلك في الفقرة الموالية).

لا تنسوا أننا كنا نتحدث عن الحركية الفوضية وقبلها الحركية الصحية فكيف إذا حصل خلط بينهما فجعلت إحداهما الأخرى؛ فالمنطقة المظللة هنا موبوءة بإلإشكالات!

تتخمرز القضية بمضاعف أكبر لأن الحركية هنا تصبح استنزافا مستمرا وتقطعا في منحنى الأداء: فهذا وزير بدأ في وضع خطة عمل قطاعية يلقى به لقطاع آخر لم يبرر أصلا كيف غادره المسؤول عنه الذي كان هو الآخر قد أعد تصورا _أو يفترض فيه ذلك _ وبدأ أولى لمسات الدخول في "حوض ماء قطاعه" Se mettre dans le bain أو لنقل بالحسانية الجميلة : اكَبيظ لكَدح ؤحط الراحلة في قطاعه أو مرفقه الخدمي .. وهكذا

النتيجة (نتيجة تلك اتخمريزة):

أن التقويم هنا سيكون ضربا من لكزانة؛ فأشهر في الوزارة أو في إدارة مرفق مهم لا تعني شيئا ملموسا للحكم: وإن كانت كافية نسبيا لتشكيل انطباع مهني أولي حول طبيعة الإجراءات ذات الأثر أهمية وظهور خطة عمل قائمة على تشخيص الإشكالات واقنراح إجراءات دفع وتصحيح (متزامنين). حين يطير المسؤول بالبرشوت نحو قطاع آخر أو هيئة أخرى ؤهو مزا افلحوالَ في قطاعه؛ يظهر إشكالان :

- أن خطة عمله قد لا تكون معتمدة من خلفه وأنه هو غالبا لن يعتمد خطة سلفه وأكثر احتمالاته التوسطية أنه سيتصرف كثيرا في تلك الخطة

ما الذي يعنيه ذلك؟

أن مجهوديْن ذهبا أدراج الرياح (وكلفا مالا) أو تعقدت مساراتهما تغييرا وارتباكا .. وزمنا على ساعة المأمورية الكبرى والمأموريات القطاعية المنفذة لها فنيا؛ يكون وقتا ضائعا؛ وذلك في نموذج مصغر لوزيريْن فحسب تبادلا القميصَ في ظرف أشهر من توليهما قطاعيهما (أو مديرين أو أي بتاعين من بتعات الجهاز التنفيذي)؛ فكيف إذا حصل الأمر ضمن مصفوفة أكبر عددا وتراقصت أعمدتها وصفوفها (لمن يتذكر المصفوفات في الرياضيات)؟

ليس ذلك فحسب: فكل حركية فوضوية تتبعها انزياحات في المستويات الأقل تعيينا وإحلالا لعناصر محل أخرى في فوضى مماثلة ..

هذا النوع من الحركية يخلط بين الدوران الصحي والتدوير غير الصحي (نعني بالتدوير ما استقر عليه المصطلح وليس معناه البيئي الصناعي المفيد).

3 - من اكثر الأشياء التي أفادتني في دراستي وعملي مسؤول تقويم ومتابعة أن أي فعل مهني مهما كانت نقطته على سلم التراتبية ومهما كانت طبيعة المنصب، لا يستقيم ما لم تعتمد معايير للتقويم بناء على الغايات المعتمدة اصلا بعد تقويم لحاجيات وللموارد. هنا في نموذجنا يكون الاطار متمثلا في المشروع الحكومي العام _أو المكونات القطاعية لبرنامج الرئيس المنتخب_ و الوزير تعاملا مع مؤسسالت قطاعه:

أول تلك المرتكزات هو الفاصل الزمني الأدنى لتسجيل النتائج المتوقعة، وثانيها مؤشرات الأداء الاولية الدالة على خطة عمل واضعة للقطاع أو الهيئة او معيدة تموضعهما على الطريق الصحيح Back on track، ثم جدولة لآفاق التقويم بفترات تبدأ بمجالات زمنية تناسب حجم المهام ..

بل إن التقويم نفسه لكي يكون نظاما محكما له ينبغي أن يخضع لمنطق التقويم! نعم؛تقويم للتقويم نفسه أو ما يسمى في فقه هذا الفن : الميتا-تقويم Meta evaluation فيخضع نظام التقويم نفسه لمعايير لتدارك خلله أو قصوره أو عدم تناسبه مع تشكل ال حالة القطاع المعني أو ظهور عوارض معينة تتطلب مراجعة معايير التقويم نفسها ..

4- ما لاحظت - وأنا متتبع نهم وفضولي - أن الحلقات غير متصلة وأن التقويم _بمختلف مفاهيمه وتراتبيته_ هو الغائب الأكبر!

لتوسبيع المفهوم أكثر ينبغي أن نفهم أن أي أداء لا معنى له دون معايير تقويم وإلا سقطنا في الانطباعات؛ هذا أولا. ثانيا أن أي أداء قطاعي بمعزل عن بقية القطاعات ليس مكتملا المشروطية نجاحا حتى ولو ظهر كذلك بمؤشراته الفردية، إلا إذا حصل أمران تلخيصا:

- أن لا يكون التطور فيه تم بمبالغات خارجة عن الإطار الموضوعي _مثلا: توجيه لميزانيات نحو نشاط يسهل تسجيله إعلاميا على حساب حاجات ضمن القطاع نفسه ستظهر إشكالاتها بعبء أثقل لاحقا_. يميز هنا بين المؤشر المضلل والمؤشر الموضوعي

- أن لا يكون التطور الحاصل في القطاع (حتى لو كان حقيقيا غير مزيف أو مبالغ في وسائله) ذا أثر على معطيات اقتصادية تنموية معينة (وفي هذا الباب تكثر التوليفات المثلى بين البطالة وحسن الاختيار في الموارد البشرية، بين الاستبقاء للعناصر وجني ثمار ذلك صرفا ماليا و بين احتوائها ما أمكن لتحييد مؤشر البطالة، أو مثلا التوليفية بين مشاريع معينة ضمن مهام القطاع أو الهيئة نظرا لتزاحمها على ميزانية محددة. قد ينجح وزير في قطاع ليولد إشكالا تراكميا فيه لسلفه أو مربك مسيرة قطاع آخر أكثر حيوية ,,

لا يسعني الاسهاب فالقارئ الفيسبوكي يعتبر مجهود قراءته ك سف شرشمالة للرمل (تعطي عام واتسف وتقول: كافي) . لكن أحسب الفكرة وصلت .. أتمنى ذلك عموما.

أختم بالقول :

5- المعايير، المعايير

التقويم هو خضم ضمن المجريات قبل أن يكون تصحيحا لورقة إجابة بعد غياب متابعة أو تدخلا جراحيا: الاختيار أصلا تقويم، مدى التناغم تقويم، الملاحظة والاستدراك تقويم ، كشف الخلل والتزاحم بين القطاعات أداءً وموارد تقويم ....... وليس التعيين رأسا أو الإقالة عقبى فحسب عقابا مثلا فتلك آخر مراحله السهلة (قرارا: لكن المكلفة زمنا وصرفا وإرباكا)، وليس أيضا المنزلة المتحركة بين المنزلتين (ؤلاه بمفهوم الاعتزال) تدويرا ريميكس (بمصطلح أهل الموسيقى) نحو قطاع آخر : الحكومات والاقتصاد تدار في نسق زمني وإطار تسييري معقد يستمد صفة تعقُّده من تعدد الابعاد تخطيطا وخطورة النتائج انبثاقا عن التصورات والقرارات

ارجو ان تصل هذه الافكار لأذهان مخلصة عير متبرقعة بخام السلبية المقيتة

6- الفوضى ذات كلفة من وجهين:

أنها تحرم من تمييز مواطن النجاح الموضوعي من الفشل + أنها تمكن للفاشلين وغير المخلصين (قد يكونون ماهرين لكنهم لا رؤية وطنية لديهم)

تأملوا المشهد منذ عقود خلت وتذكروا مشهد حلب الناقة في غدير؛ فالنتاج ليست ماء صافيا ولا لبنا خالصا ولا رملا نظيفا...

قديمة هي المسلَّمة في فن التخطيط والاستراتيجيا والقائلة ان توفر الموارد وتوليفها ليس مفضيا للنتائج النظرية اعتبارا لها مواد مدخلة صافية ذات قيمة اصلية