موقع الفكر في مقابلة شاملة مع عمدة لكصر محمد السالك ولد عمار/ أرجو أن تشرك البلديات في مقاربة التعليم الأساسي

الدكتور محمد السالك بن عمار

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد المنشغلين بالعمل المحلي والتنموي بالبلد،  ممن خبروا دروب العمل التنموي، والتنمية المحلية، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل يتناول واقع وآفاق العمل البلدي، وأبرز معوقات ومشاكل العمل المحلي، بالنسبة لبلديات نواكشوط ومثيلاتها بالمدن والأرياف، كما يتطرق اللقاء إلى ما تم إنجازه وما سيتم على مستوى بلدية لكصر، التي تعتبر من أهم بلديات مقاطعات نواكشوط إن لم تكن أهمها من الناحية الاقتصادية والسياسية والرمزية، ذلك أن بلدية لكصر تحتضن أهم ذكريات ومعالم تأسيس المقاطعة نواكشوط، حيث يوجد بها العديد من المنشآت العتيقة بالبلد، ففيها الجامع العتيق وهوأول مسجد جامع بالعاصمة،وبها مقر البرلمان الأول ومقر البرلمان الحالي، وفيها أول إذاعة، وفيها أول جامعة، وفيها أول سجن مدني وفيها أول مطعم، وأول مركز صحي بالعاصمة، وأقدم ملعب على مستوى العاصمة وهو ملعب لكصر، واتخذها موطنا للسكن الكثير من الأعلام السياسيين والدينيين والمتصوفة..الخ. مما تكتسب هذه البلدية به أهمية كبيرة حيث يمكن اعتبار بلدية لكصر العاصمة الرمزية أوعاصمة التأسيس والذاكرة بالنسبة لجهة نواكشوط.
 فأهلا وسهلا بضيفنا العمدة الدكتور محمد السالك ولد عمار.

 

موقع الفكر : حبذا لو عرفتم المشاهد والقارئ بشخصكم الكريم من حيث الاسم وتاريخ ومحل الميلاد وأهم الشهادات والوظائف التي تقلدتم؟

عمدة لكصر : الاسم محمد السالك ولد عمار حصلت على شهادة الدكتوراه في الآداب الإنكليزية ، وتخرجت  من جامعة سيدي محمد بن عبد الله من فاس  سنة 2013م. وتخرجت قبل ذلك من جامعة نواكشوط  قسم الإنكليزية في عام 2007م. وحصلت على شهادة الماستر من جامعة سيدي محمد بن عبد الله في الدراسات الاجتماعية باللغة الإنكليزية وفي سنة 2013م. حصلت على شهادة الدكتوراه في نفس المسلك في دراسات اللغة الإنكليزية، وأعمل أستاذا محاضرا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط  العصرية قسم اللغة الإنكليزية وفي نفس السنة التي اكتتبت فيها أستاذا محاضرا في قسم الإنكليزية بكلية الآداب تم ترشيحي من قبل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لمنصب عمدة بلدية لكصر، وأعيد ترشيحي لنفس المنصب سنة 2018م.

وفي إطار المسار العلمي والدراسي درًسْتُ اللغة الإنكليزية كذلك في جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ عندما كنت أحضر للدكتوراه ـ لطلاب العلوم الاقتصادية بفاس،  كما شاركت في عدة مؤتمرات دولية و نشرت مقالات عديدة في مجلات محكمة في المملكة المتحدة وماليزيا، ومقالات في اللغة العربية في تخصص علم الاجتماع الديني، وأدرس أيضا بالجامعة اللبنانية بنواكشوط مادة تواصل القيادة في مرحلة الماستر.

كما شاركت في عدة برامج دولية أحدها برعاية الولايات المتحدة الأمريكية يسمى برنامج الزائر الدولي للتعريف بالتجربة الديمقراطية الأمريكية والآخر برنامج مواز من طرف الجمهورية الصينية الشعبية، إضافة إلى برنامج ثالث من لدن الاتحاد الأوربي وكانت كلها تجارب مهمة من حيث التعريف بالنظم الديمقراطية في هذه الدول سواء على مستوى التجربة الديمقراطية في أمريكا أو التجربة  الصينية التنموية  أو تجربة الاتحاد الأوربي الديمقراطية والتنموية.

موقع الفكر: في البداية حبذا لو حدثتمونا عن الوضعية الحالية لبلدية لكصر؟

عمدة بلدية لكصر : بلدية لكصر بلدية محورية ونواة كما يقال؛ لأنها  تأسست عليها العاصمة نواكشوط وهي بلدية مركزية من أهم بلديات العاصمة ولديها عدة مقدرات هامة، وفي نفس الوقت لديها عدة تحديات، ومن مقدراتها أنها من أهم البلديات القديمة، وساكنتها على مستوى من الوعي والمدنية وهذا ما يسمح بقدر كبير من  التسيير المعقلن لهذا المرفق البلدي؛ لأنه كلما كانت الساكنة على وعي وفهم بمتطلبات المدينة ومقتضيات العمل البلدي وعمل التجمعات المحلية يساعد ذلك البلدية في عملها؛ لأن جانبها التنظيمي والإداري أساسه القرب من المواطن، وتنظيم حياته أمر أساسي بالنسبة لها؛ وإذا كان المواطن الذي تخدمه فاهما ومستوعبا لمعنى دفع الضريبة، ومعنى النظام، ومعنى الاتصال بالمرفق البلدي ـ لأنه للأسف الشديد في بعض البلديات، المواطن لا يفهم معنى أهمية هذا المرفق وليس له قرب منه ـ  فهذا أمر هام  لأنه يضع البلدية أمام مسؤولياتها لتأخذ زمام المبادرة، وإذا نشط المواطن فيما يسمى بالاستجابة المحلية تكون البلدية سندا وعونا  له. 

ولدينا عدة أمثلة على مستوى بلدية لكصر في إطار التدخل في الجوانب الرياضية والتعليمية فكما تعلمون يوجد في البلدية أقدم ملعب على مستوى العاصمة وهو ملعب لكصر؛ وأتذكر أنه في فترة من الفترات كان مغمورا بالمياه ،وغير صالح للاستخدام ،وأخذ شباب المقاطعة زمام المبادرة لإخراجه من تلك الوضعية المزرية، وكان للتشاو دور هام في ذلك  ،وربما لا يكون وصل إلى الوضعية التي نتمناها له لأسباب سيتم ذكرها لاحقا، لكنه مجرد مثال ضربته على أهمية التعاون والتشاور بين المواطنين والبلدية ووعيهم بأهمية العمل البلدي.

 و أتذكر أني انتخبت سنة 2013 وكانت التحديات التي تمس من صميم عمل البلدية جمة ،منها أزمة رواتب عمال البلدية الذين لم يتلقوا رواتبهم طيلة سبعة أشهر، ولك أن تتصور مرفقا عموميا لا يتقاضى عماله الرسميون رواتبهم ،وقد تتأخر سبعة أشهر أو ثمانية أشهر، أو أكثر، فما بالك بتدخلها على المستويات الأخرى، فمن لم يستطع ترتيب بيته الداخلي ويضمن تسديد رواتب عماله ،ووضعهم في ظروف تسمح لهم بممارسة أعمالهم بأريحية، تلزمه مراحل وخطوات كبيرة كي يتمكن من التدخل في القضايا الأخرى.

وعملنا على أن يعرف العمال قيمة العمل وأن العمدة والمجلس البلدي يسعيان للترتيب والتنظيم اللذين من شأنهما أن يخدما العمال انطلاقا من مبدأ العقوبة والمكافأة. 

ونتجاوز مرحلة التفاخر بتسديد رواتب العمال ،لأن بعض المرافق العمومية  للأسف  تتفاخر بتسديد رواتب عمالها، وهدفنا هو تجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة العمل مع المواطن والعمل في المرافق الصحية والمرافق التربوية والساحات العمومية ،في كل ما من شأنه أن يحسن من وجود البلدية في أعين الساكنة؛ لأن هذا هو دورها ،ولأن المواطن عندما يرى الجباية التي تجبى منه في شكل ضرائب تقدم له في شكل خدمات ومرافق موجودة، عندما يأتي إليها لا يجد مشكلة في الأوراق، ويلتقى أناسا مستعدين لخدمته، وعندما تترجم له الأموال كذلك في خدمات الصحة والتعليم والقطاعات التي تمس من حياته بصورة مباشرة تكتسب البلدية تلقائيا ثقته، والعكس صحيح عندما تكون البلدية غائبة أو مغيبة عن دورها ،أو لا تقوم بدورها كما يجب ندخل عند ذلك في متاهة انعدام الثقة بين البلدية والمواطن التي تحدثنا عنها آنفا، وكما قلت تم تجاوز مسألة رواتب العمال ،وبدأت البلدية تتدخل و ترسم استراتيجيات متعددة المحاور ،وإحدى خصوصيات هذه البلدية أن لديها محاور و جبهات متعددة يجب أن تتدخل فيها، فقد تدخلت في المراكز الصحية من حيث ترميمها وجعلها في الوضعية اللائقة بها، وبدأت بالمستوصف المعروف ومستوصف "سوكوجيم ps" الذي أعدته للعمل، و مستوصف طب الحاج في طوره الترميم رغم أنه لم يخرج من الخدمة، لكن البلدية تنظر إليه نظرة خاصة  لأنه رمز من رموز المقاطعة، كأول نقطة صحية في العاصمة؛ ولذلك وفرت له  صيدلية أساسية وتم تغيير وضعيته ليظهر بمظهر لائق بمكانته.

وفي إطار التعليم بدأت البلدية في إنشاء بوابات موحدة للمدارس على مستوى مقاطعة لكصر، ناهيك عن الترميم المتعلق  بالأقسام؛ لأن هذا من صميم عمل البلدية فهناك تدخلات تراعي خصوصية المقاطعة نظرا لخصوصية و أقدمية المدارس الموجودة فيها، فقد كتبنا على بوابات المدارس تاريخ إنشائها؛ لأن لدينا أقدم مدرسة تم تأسيسها في العاصمة نواكشوط وهي المدرسة رقم 1 تأسست 1952 والمدرسة رقم 2  تأسست في السبعينات والمدرسة رقم 8 التي أنشئت في نفس الفترة، وهذه ليست مجرد مرافق تربوية عمومية بل لها مكانة تاريخية وأبعادا رمزية، حاولت البلدية ترسيخها عند خريجيها وتلاميذها المتعلقين بها، وهناك العديد من الأطر الحاليين ممن تخرجوا في هذه المدارس.

 ومنذ فترة قصيرة كانت لدينا مبادرة أطلقنا عليها ذاكرة لكصر؛ لأن مقاطعة لكصر هي المقاطعة الأقدم على مستوى مدينة نواكشوط، والهدف من المبادرة هو الرجوع بالمقاطعة إلى ذكرى التأسيس ففيها مقر البرلمان الأول وفيها مقر البرلمان الحالي، وفيها أول إذاعة، وفيها أول جامعة، وفيها أول سجن مدني وفيها أول مطعم، واتخذها موطنا للسكن الكثير من الأعلام السياسيين والدينيين والمتصوفة،  وفيها شوارع تحكي تاريخ المقاطعة وبعضها يتعلق بعمران المدينة وبعض يتعلق بالأعلام، كالندوة التي أقيمت عن شخصية الإمام بداه بن البوصيري ودوره الذي تجاوز المقاطعة بل العاصمة إلى موريتانيا كلها، وقد حاضر عدد من العلماء عن  تاريخ بداه وإنتاجه العلمي والعملي، فلا أحد يمكنه نكران  فضل الإمام بداه وإنتاجه العلمي ودوره. 

ولدينا عدة جبهات نعمل عليها منها الجبهات الخدمية والجبهات المتعلقة بالمرفق الخدمي، وجبهة تتعلق بالشباب والتكوين وهناك جبهة أخرى مهمة، وهي ألا نكتفي بالعمل الداخلي، بل يجب أن نسعى لخلق شراكات مع  شركاء خارجيين، وقمنا في بلدية لكصر بعقد شراكة مع جماعة فاس الحضرية بالمملكة المغربية، وكان لهذه الشراكة عدة أبعاد، من بينها البعد الثقافي والاقتصادي والبعد التعليمي والتكويني، والبعد المحلي في التسيير، وكان هذا البعد مهما على مستوى المجلس البلدي؛ لأننا أرسلنا مستشارين وطواقم بلدية إلى مدينة فاس؛ لكي يتعلموا من تجربة فاس ويحضروا الملتقيات والتكوينات التي من شأنها أن تعزز أداءهم؛ لأن جانب التسيير البلدي لا يرتبط عندنا بالمرفق وأهميته، بل إنه يرتبط أيضا بنوعية المنتخبين؛ فإذا كان لديك مجلس بلدي مكون على التسيير المحلي، ويفهم آليات التسيير المحلي فسيكون ذلك أمرا جيدا، لأني أعتبر المجلس البلدي بمثابة برلمان البلدية فهو من يقوم بسن القوانين ويشرعها ويرى المناسب منها وغير المناسب ، ولذلك إذا كون أعضاؤه تكوينا جيدا من قبل مجموعات لها خبرة وذات باع كبير في تجربة اللامركزية، فهذا من شأنه أن يساعد المجلس البلدي على أن يلعب دوره على أحسن وجه.

وهناك جزء من الشراكة متعلق بالجوانب الاقتصادية اخترنا أن تكون جماعة فاس الحضرية شريكا فيه، وكان من المقرر أن يتم إجراء بعض هذه البرامج لكن للأسف وقعت أزمة كورونا ،وحصل لي شرف لقاء مع السفيرالمغربي وجددنا الشراكة وكخلاصة يمكن القول إن الشراكة تتركزفي ثلاثة محاورأساسية هي المحور الأول وهو أن المرفق العمومي يجب أن تحل مشاكله الداخلية ففاقد الشيء لا يعطيه.

 فإذا لم يكن العمال في ظروف عمل مريحة فلن يكون أداؤهم جيدا، والمحور الثاني هو التدخل على المستوى المحلي سواء تعلق الأمر بالتعليم أو بالصحة في جميع الجوانب المنوطة بالبلدية، والمحورالثالث هو إيجاد شراكات على مستوى الخارجي وأخرى على المستوى الداخلي وللأسف الشديد ما زالت اللامركزية عندنا متأخرة بعض الشيء فلو قدرللامركزية أن تصبح  قوية لأصبحت هناك شراكات بين البلديات الريفية والبلديات الحضرية وسأعطيكم  مثالا حدث معي سنة 2016 في إطار التجربة الأمريكية التي حدثتكم عنها في برنامج الزائر القيادي الدولي وكان فيها شقان شق يتعلق بالتجربة الأمريكية الديمقراطية لأمريكا، وشق آخرمهم وهو أن معك مدعوون من دول المنطقة، وأذكر أنني دعيت مع أشخاص من النيجر وتشاد وبوركينا فاسو و السراليون وجنوب إفريقيا، وعندما انتهى الشق الأول كان التركيز على تجاربنا نحن دول المنطقة لنتعارف في مجال اللامركزية، وأتذكر طرفة وقعت لي مع عمدة مدينة "ميدفال" في جنوب إفريقيا وأذكر أنني كنت أتحدث مع هذا العمدة على الهامش فسألني عن ميزانية بلديتي فطلبت منه أن يخبرني أولا عن ميزانيته ،فقال لي إنها حوالي  خمسين مليون دولار فاستغربت ،وقلت له كيف ذلك، فبدأ يشرح لي كيف أن البلدية تتبع لها الإنارة العمومية ، وتحلية المياه وجانب من التشغيل وشق الطرق، ولا يسمونها في جنوب إفريقيا البلدية بل يسمونها الحكومة المحلية، وأتفهم أن الدورغير الدور والتجربة غيرالتجربة ،ولكن ينبغي أن يكون للبلدية دورها وصلاحياتها بشكل مكتمل، وأنا أعتبرأن العمد منتخبون وفي نفس الوقت يمثلون الدولة وهناك أجهزة رقابية تراقبهم فيجب أن يعطوا الصلاحيات والوسائل اللازمة ،وبعد ذلك يحاسبهم المواطن على الإنجاز أو عدمه، والدولة تحاسبهم بأجهزتها الرقابية وهذا مهم جدا في إطار اللامركزية.

موقع الفكر: كيف تواجهون المجموعات التي تستغل الدمين,,,,,, العام استغلالا غير شرعي؟

عمدة لكصر: من المشاكل التي تعاني منها مقاطعة لكصر مشكلة ورشات إصلاح السيارات، وهو مشكل عويص وسهل في آن واحد، فهوعويص ليس لأنه مشكل بيئي تنظيمي فقط؛  بل لأنه مشكل اجتماعي اقتصادي  ويمكن ربطه بضعف البلديات وعلاقاتها بالمجموعة الحضرية، ولضبط مشكل ورشات إصلاحات السيارات ينبغي أن تمتلك البلدية "رافعات" وهو ما لا تتوفر عليه البلدية لضبط مخلفات السيارات من خردوات وغيرها وهذا ما زال غائبا حتى الآن، ونحن بدأنا منذ السنة الماضية آلية لحل هذا المشكل لكنها توقفت منذ سنة بسبب جائحة كورونا وسميناها  فكرة المربع النظيف وهو أن نأخذ حيا من الأحياء الموبوءة بهذا المشكل ونركزعليه من خلال التنظيف لنجعله مربعا نموذجيا، فأي مرآب يتمتع بالمعايير اللازمة من طلاء موحد ومقر مغلق ومكان لتصريف النفايات  مرحب به.

 وهذا المشكل هو أكبر تحد تواجهه البلدية ونسعى خلال السنة إلى إيجاد حل جذري له ولن يكون ذاك الحل جذريا إلا إذا كان حلا تشاركيا، حل تشترك فيه القوة والسلطة والنظام و الآليات من جهة وإشراك ممثلي القطاع المعني من جهة أخرى؛ لأنهم هم من سيضبط المجال من خلال العمل المشترك وجوانب الضبط مهمة عندي لأني لا أريد تدخلا لا يراعي الأمور الاجتماعية والاقتصادية، وفي نفس الوقت لا بد من التدخل.

موقع الفكر: كيف تؤثر التقاطعات بينكم مع المجلس الجهوي ؟

عمدة لكصر : هذا السؤال مهم لأننا لا نرى أن العلاقة مع المجلس الجهوي علاقة تصادم  بين المجلس  الجهوي والبلديات على عكس المجموعة الحضرية؛ لأن من يرأس المجموعة هو أحد العمد  والبلديات ممثلة في هذه المجموعة عن طريق مناديب يتم توزيعهم حسب عدد السكان؛ ولذلك كانت البلديات جزءا لا يتجزأ من المجموعة الحضرية وللأسف كان هناك تداخل و لم يسير ذلك التداخل بصورة صحيحة مع أن التعريف القانوني للمجموعة الحضرية هو أنها فضاء للتنسيق بين البلديات وذهبت في منحى آخر وهو  أنها صارت  البلدية العاشرة وأعطيت 60 إلى 70 % من صلاحيات البلديات، وفرغت البلدية من محتواها في هذا الإطار، أما الجهة فوضعها مختلف، فهي منتخبة بصورة مباشرة ولا تربطها علاقة مباشرة مع العمد، ولا يوجد مناديب للبلديات في المجلس الجهوي والعمد ليسوا أعضاء استحقاقيين في المجلس الجهوي، والعديد من صلاحيات المجموعة الحضرية أعيدت إلى البلدية، وهذا من شأنه أن يساعد البلديات في القيام بدورها على ما يرام.

 فالجهة لها مواردها التي تختلف عن موارد البلديات و هذا ما أعتبره  أمرا هاما   في إطار الشراكة الداخلية وهو أن الشراكة بين الجهة والبلديات شراكة ضرورية جدا لأن الجهة في إطار تنفيذ مشاريعها تحتاج إلى التنسيق مع البلديات من أجل إيجاد أرضية لتنفيذ المشاريع، والبلديات يخدمها ذلك المشروع، فمثلا إذا كانت الجهة تريد تنفيذ مشروع في بلدية لكصر على سبيل المثال  فإن البلدية تعرف أوليات الساكنة المحلية؛ ولذلك ستوفر البلدية للجهة الأوليات في إطار المخطط التنموي البلدي. إذن الشراكة والعلاقة مهمة بين الطرفين.

 والعلاقة بين البلدية والجهة - خصوصا مع الفصل الواضح بينهما في الموارد والصلاحيات- علاقة عمل وإنجاز، وأهمية الجهة بالنسبة للبلدية تتمثل في كون الجهة مرفقا ينفذ ما تعجز البلدية عن تنفيذه بموارد مثل موارد الجهة.

موقع الفكر: ما تقويمكم لتعاطي السلطة المحلية مع المشاكل التي تواجهها البلدية؟

عمد بلدية لكصر : السلطات المحلية أساسية في العمل البلدي لأنها الذراع الأساسي للبلديات وتعاونها يشكل عونا للبلديات وإذا لم يكن هناك تعاون مع السلطات المحلية  يكون الإشكال أكبر ، ويمكن أن نعطي مثالا فيما يتعلق بورشات إصلاح السيارات فالتدخل البلدي في إطار التنظيم تنقصه مصاحبة التدخل الأمني، و ينقصه التدخل من المقاطعة، إذا؛ فالتعاون مع السلطات المحلية في منتهى الأهمية؛ لأن من شأنه أن  يضمن سريان المخطط البلدي في إطار المنجز خصوصا المنجز التنظيمي؛ لأنه يتطلب وقوف السلطة ممثلة في الوالي والحاكم ومفوضيات الشرطة مع البلدية، وهذه الجوانب مهمة وأساسية ،وكثيرا ما يطرح إشكال في التنازع بين العمد وحكام المقاطعات، وهذا ما لا ينبغي ما دام الهدف واحدا، وليس هدفا شخصيا، والهدف المصلحة العليا للدولة والمواطن.

فهذه المصالح يجب أن تعمل يدا بيد من أجل المنجز التنظيمي، ونحن في بلدية لكصر نؤمن إيمانا تاما بأهمية التعاون ،ولم  نتلق إلا حالة أو حالتين من أشخاص يفهمون الأمر على أنه  مسألة شخصية، والكثير من السلطات المحلية التي نتعامل معها تفهم أن عملنا عمل مشترك وأن عمل البلدية لا يمكن أن يتم إلا بالسلطات المحلية وعمل السلطات المحلية للبلدية فيه دور أساسي وضروري؛ لأن مرفق البلدية على دراية واسعة بالمشاكل المطروحة ولأن الحكام  في إطار التعيينات  يعينون ويعزلون، أما العمد فباقون؛لأنهم منتخبون ويعرفون مشاكل المقاطعة وأمورها وكيفية التعامل معها.

موقع الفكر: ما هي أهم إنجازاتكم على مستوى البلدية؟

عمدة لكصر : هناك عدة إنجازات منها بوابات المدارس التي تحدثت عنها سابقا وهناك إنجازات على مستوى الصحة والتعليم.

موقع الفكر: كم عدد المدارس في بلدية لكصر؟

عمدة لكصر: هناك ست مدارس ابتدائية إضافة إلى مدرسة المرابطون قرب المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية ، وهي مدرسة مهجورة وتطرح إشكالا كبيرا، و نحن نبحث آلية إيصال أمرها للوزارة المعنية؛ لأنها في منطقة حيوية ومركزية ومهمشة في آن واحد،  وقد طلبنا من السلطات المعنية عبر منصة البلدية الإدارية التدخل لحل مشكلة هذه المدرسة؛ لأن مشكلها ليس مشكلا تربويا فحسب، بل إن مشكلها أصبح مشكلا أمنيا؛ نظرا لأن اللصوص ومتعاطي المخدرات من الشباب المدمن يأتون لتناول  المخدرات فيها،  وأما بقية المدارس فتم توفير بوابات لها وسبورات ولدينا موقع إلكتروني تابع للبلدية بإمكانكم زيارته والاطلاع  فيه على مختلف هذه الإنجازات، ولا يمكنني سردها كلها خلال  حديثنا هذا حتى لا  أطيل ،وإذا دخلت الموقع فسترى نافذة تتحدث عن إنجازاتنا على مستوى التعليم والصحة وعلى مستوى الساحات العمومية، وقد أهلنا ساحة عمومية قبالة ملتقى طرق ولد أماه، وقد أقمنا مؤخرا في هذه الساحة سهرة مديحية، واختتمنا ملتقى ذاكرة لكصر وهناك العديد من الإنجازات التي قامت بها البلدية  يأخذ التطرق لها وقتا طويلا.

موقع الفكر: ما أبرز جهود البلدية في مواجهة جائحة كورونا؟

عمدة لكصر: جهود البلدية خلال جائحة كورونا كانت جهودا أساسية ومهمة، وكانت من أوائل البلديات التي بادرت إلى مواكبة عمل الجهات الحكومية في الدور الأساسي من تلك الجهود، وهو دور التوعية والتحسيس، وكما تعلمون كثيرا ما كنا نركز على التوعية، وأن مشكل الجائحة  الأكبر هو الوعي، ولكنها لم تكتف بالتوعية  من خلال الملصقات والمناشير بل وزعت مساعدات على شكل سلات غذائية على بعض العائلات؛ لأن الإشكال ليس إشكالا صحيا  فحسب بل هو إشكال اقتصادي واجتماعي، فبعض العوائل المتعففة في المقاطعة  كانت تعتمد على العمل اليومي وهو ما استدعى من البلدية القيام بعملية إحصاء شامل لها وبالمناسبة كان بالتعاون الدقيق و الوثيق مع مقاطعة لكصر، وتدخلت البلدية  من ميزانيتها الخاصة  بتقديم مساعدات غذائية لتلك الأسر، إضافة إلى أدوات التنظيف والتعقيم، وقامت بأكثر من حملة توعوية في هذا الإطار وساعدت ـ ولله الحمدـ في التخفيف من آثار  الجائحة في الجانب الاقتصادي، والإحصاء الذي قامت به البلدية تم اعتماده  أساسا من طرف وكالة  تآزر فيما بعد، لأنها جاءت إلى البلدية و حينت الإحصاء الذي قمنا به  ،ودمجت عناصرها مع عناصر الإحصاء الموجود لدى البلدية، وكانت قاعدة بيانات أساسية للتدخل على المستوى البلدي وعلى المستوى الوطني.

موقع الفكر: ما أهمية عمل تآزر وهل تنسق مع البلديات؟

عمدة لكصر :نحن نؤمن إيمانا تاما بأن الصيغة التي أنشئت بها وكالة تآزر  هي صيغة قرب من المواطن وخلق خدمات أساسية له ، وهذا يتطلب التعاون وأول  شركاء تآزر من الناحية المنطقية هم  البلديات لأن البلديات على عموم التراب الوطني هي الأقرب للمواطن.

 وبالفعل حدث مستوى  من التنسيق  ونحن في  رابطة عمد نواكشوط التي يرأسها زميلي عمدة بلدية تيارت  قررنا  أن نمد يد العون لهذه المؤسسة ونشعرها بأهمية الشراكة مع البلديات لأن  المرفق الجديد عادة ما يكون لديه العديد من التحديات ودورنا نحن عمد البلديات أن نوضح لهم أهمية العمل المشترك، وهو ما يسمح لهم بتنزيل عملهم على المستوى  المحلي  وضبطه والتأكد من وصوله للمعنيين ولا يمكن أن يتم ذلك  إلا بالتعاون مع البلديات.

إذا، فتآزر مرفق مهم  نعمل على تطوير عملنا المشترك معه  ليكون في أحسن حالاته.

 

موقع الفكر : ما  تقويمكم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟

عمدة لكصر : الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني جاء في ظرفية استثنائية بكل المقاييس بسبب تحديات جائحة كورونا والطريقة التي اعتمدتها الدولة وطبقتها الحكومة كانت أساسية وجوهرية و  فعالة في التعامل مع الجائحة، لأن هذه السياسة مكنت في جوانبها الصحية من تخفيف الأضرار  فكانت موريتانيا ولله الحمد من أخف الدول تضررا من الجائحة ونترحم على أرواح الضحايا الذين قضوا نحبهم في هذا الوباء ، ونعتبر أن ما قيم به من إجراءات - سواء تلك التي قامت بها وزارة الداخلية من حيث الحجر الصحي أو وزارة الصحة و جنودها المخلصون وما قامت به مندوبية تآزر وغيرها من المؤسسات في فترة ارتفعت فيها الأسعارعلى المستوى العالمي- قد ساهم في التخفيف من الآثار الناجمة عن الجائحة،  وعلى الرغم من أن  الجائحة مست  أسس العيش الأساسي إلا أن  رئيس الجمهورية وحكومته  استطاعا أن يسيطرا على الجائحة.

أما من الناحية السياسية فإن الجو الذي وفر فخامة رئيس الجمهورية كان مهما وأساسيا خاصة فيما يتعلق بتهدئة المناخ السياسي، وكما تعلمون فالتنمية مرتبطة بالسلم الأهلي والسلم الاجتماعي ومرتبطة كذلك ، بالاستقرار فإذا لم يكن هناك جو يكون فيه الوطن فوق الجميع فلا تنمية ولا رخاء.

 فالموالاة والمعارضة مواطنون وكان من الضروري فتح الباب أمامهما للمشاركة في بناء الوطن ناهيك عن مجالات أخرى عديدة والحفاظ على أسس العيش وأسس الاقتصاد هو إنجاز هام ينضاف إلى الإنجاز في المجال السياسي.

و جو كهذا الجو يكون فيه الوطن فوق الجميع وفوق كل اعتبار والإقصاء فيه غير ممكن لأن هؤلاء كلهم أبناء البلد وينبغي الترحيب بهم في إطار التنمية.

موقع الفكر: البعض يرى أن الرق ما يزال موجودا والبعض الآخر يتحدث عن وجوده آثاره فقط ما رأيكم ؟

عمدة بلدية لكصر: أنا أؤمن إيمانا تاما بأن هناك طبقات مغبونة ومهمشة وقد يكون سبب ذلك الماضي الذي أربطه أساسا بغياب التعليم في مرحلة من المراحل، وهناك ارتباط كبير بين التهميش والتعليم ،وأعتبر أن استقلالية المؤسسات مهمة في معالجة هذا النوع من القضايا ، ففي حالة وجود حالات من هذا النوع  وتقديم الدلائل والبراهين  عليها يجب أن تتعامل معها المحاكم المختصة فورا ،ودون أن يركبها أشخاص لمآرب خاصة، فنحن نتعامل مع قضايا وطنية ولا يمكن أن توجد دولة إلا وفيها نوع من الاختلالات والغبن، ولكن يتعامل معه في إطار النظم الضابطة له فالتأكيد على وجود مثل هذه الحالات أو نفيها ليس حلا للمشكل، وإنما حل المشكلة هو بناء مؤسسات قوية سواء ما يتعلق منها بدولة القانون وسيادته ،أو المؤسسات الاقتصادية التي تمس المواطنين وما يتعلق بالتعليم الذي هو ركيزة أساسية من ركائز برنامج فخامة رئيس الجمهورية. ووجود هذه المؤسسات هو الذي يقضي على أي ممارسات سواء كانت رقا أو ظلما من أي ناحية من النواحي.

موقع الفكر: ما تقويمكم  لواقع التعليم؟

عمدة بلدية لكصر: نحن قادمون من مرحلة بعيدة كانت فيه مسلكيات منها أن التعليم الحديث يربط بالمستعمر ،وأثر ذلك في مرحلة من المراحل على العديد من الأسر الموريتانية ،وتعليم أبنائها وأجريت فيه عدة مقاربات وهي مقاربات أساسية ومهمة لكن ينقصها التركيز على الجودة ،وعلى أن يكون التعليم تعليما جمهوريا وهو جزء أساسي من برنامج رئيس الجمهورية من خلال التركيز على المدرسة الجمهورية، ولم يأت من فراغ لأنه علاج للمشاكل التي تحدثنا عنها آنفا. إذن هناك عدة مقاربات لدى الجهات المعنية في وزارة التهذيب الوطني ووزارة التعليم العالي وأقترح أن يتم إشراك البلديات في المقاربات المتعلقة بالتعليم الأساسي الذي يتبع للبلديات وأحب أن تشرك البلديات في مقاربة التعليم الأساسي باعتبارها سلطة محلية من شأنها أن تأخذ مقاربات تساهم في حل المشكلة ،وليس هذا افتياتا على صلاحيات وزارة التهذيب ،ولكن البلدية بحكم قربها من الساكنة ووعيها بحاجة  المواطن ولأنها مؤسسة خدمية فمن شأنها أن تكون سندا للتعليم ، ولا أحب تكرير الكلام المعروف بأن التعليم هو رائد النهضة، ولكن أحب أن أوكد على أهميته وأهمية البحث العلمي لأن التعليم ليس العمل التربوي وحده فالبحث العلمي أساسي، وأظن أن الوزارة لديها مقاربات في هذا المجال و آسف أحيانا حين أجد أن خريجي مؤسسات التعليم لديهم شهادات لا تمس الواقع ولا تخدم سوق العمل؛ لأن هذا يؤثر سلبا على الخريجين، فيؤدي إلى البطالة؛ مما يؤثر سلبيا على الوطن ككل، وتمهين التعليم  من مراجعة المناهج حتى  تعود بالخير على الكل أمر مهم.

موقع الوطن: هل من كلمة أخيرة؟

عمدة بلدية لكصر : أشكركم على الاستضافة وعلمتني التجربة المتواضعة في البلدية أن خدمة الشأن العام يمكن أن تكون من عدة جوانب ففي جانب التعليم أرى من منطلق أني أستاذ محاضر في جامعة نواكشوط أن التركيز على البحث العلمي والجانب المهني  يساعد الخريجين ويعود بمردودية على المستوى الوطني وأن الجانب الخدمي القاعدي ( العمل البلدي) يمكن أن يساهم في التغيير بما يعالج من  مشاكل وأن العمل الجماعي تلعب فيه البلديات دورا محوريا وتلعب فيه الجهات والوزارات دورها المطلوب  كذلك، ومن التوصيات التي أوصي بها إيجاد فضاءات لتنسيق العمل الحكومي، فوجود إطار لنا نحن  البلديات من الشراكات مع مؤسسات وغيرها لخدمة المواطن هو أمر هام، وأعود  فأؤكد على ضرورة تنسيق العمل الحكومي في جميع مستوياته من أجل خلق التنمية المستدامة للمواطنين.