عمدة الرياض عبد الله كن في حوار شامل مع موقع الفكر/ إصلاح التعليم يتطلب جهدا كبيرا ولن يصلح إلا إذا أبعد عن السياسة

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد الأكادميين الموريتانيين ممن عايشوا واقع التعليم خاصة العالي منه بموريتانيا، حيث عمل مديرا للتعليم العالي ورئيسا لجامعة نواكشوط بالوكالة، ونائبا لرئيس الجامعة، مما أتاح له مواكبة معظم المشاريع الأكاديمية والعلمية بالبلد، حيث إنه كان ممن أشرف على إنشاء كلية الطب، وواكب بدايات العمل بنظام "LMD"، إضافة إلى كونه مؤخرا قد أصبح من المنشغلين بالعمل المحلي والتنموي بالبلد،  حيث انتخب سنة 2018م. عمدة لبلدية الرياض، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل من جزأين، يتناول في جزئه الأول واقع التعليم بموريتانيا، وخاصة التعليم العالي، وفي الجزء الثاني يتناول الحوار واقع وآفاق العمل البلدي، وأبرز معوقات ومشاكل العمل المحلي، بالنسبة لبلديات نواكشوط ومثيلاتها بالمدن والأرياف، كما يتطرق اللقاء إلى ما تم إنجازه وما سيتم على مستوى بلدية الرياض، التي تعتبر من أفقر بلديات مقاطعات نواكشوط إن لم تكن أفقرها،
 فأهلا وسهلا بضيفنا العمدة الدكتور عبد الله ولد محمد ولد ادريس المعروف بعبد الله كن.

 

موقع الفكر: حبذا لو عرفتم المشاهد والقارئ بشخصكم الكريم من حيث الاسم وتاريخ ومحل الميلاد وأهم الشهادات والوظائف التي تقلدتم؟

عمدة الرياض: الاسم عبد الله ولد محمد ولد ادريس كان ومعروف اختصارا بعبد الله كن، ولدت سنة 1962 بولاية اترارزه بقرية لكصيبه 2 في قرية صغيرة تسمى ببنيك ودرست أولا في المحظرة بمنطقة تسمى منطقة أحسيات إدار لدى  رجل يسمى الشيخ سيدي ولد البغوي، وبعد أن حفظت القرءان توجهت إلى الدراسة في المدارس النظامية وكان ذلك عام  1973م وربما أكون دخلت المدرسة النظامية متأخرا؛ لأني كنت أدرس في المحظرة لأن عائلتنا عائلة محافظة ولا تقبل لأبنائها دخول المدارس قبل حفظ القرءان الكريم وحصلت على شهادة دخول الإعدادية سنة 1978م. ونجحت في البكالوريا سنة 1984م. وحصلت على منحة بالجزائر في مجال مهندس دولة في المعادن ثم التحقت بجامعة نواكشوط سنة 1990م وحصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة نيس الفرنسية سنة 1998م. وحصلت على التأهيل الجامعي من جامعة محمد الخامس بالمغرب سنة 2014 ، وفي سنة 2004 عينت مديرا عاما للتعليم العالي والفني والبحث العلمي وأمضيت في ذلك المنصب أربع سنوات، وعينت نائبا لرئيس جامعة  نواكشوط مكلفا بالتعاون الدولي والبحث العلمي في عام 2010م  ثم توليت رئاسة الجامعة وكالة 2011م. وأكملت المشوار بعد انتخابات الجامعة  نائبا لرئيس الجامعة للبحث العلمي والتعاون حتى 2016 ثم عينت مديرا للبحث العلمي والابتكار والمقاولات في الجامعة ، وفي عام 2018 شاركت في الانتخابات البلدية فانتخبت عمدة لبلدية الرياض، كما كنت رئيسا لقسم الجيولوجيا بكلية العلوم والتقنيات، وقبل ذلك كنت منسقا لشعبة الجيلوجيا والبيلوجيا.

ما تقويمكم  لواقع التعليم في بلادنا؟

هناك شقان أسياسيان التعليم الأساسي والتعليم العالي ولكل منهما قضاياه، وحسبما أعتقد فإن من أهم مشاكل التعليم الأساسي كثرة تغيير البرامج وتعاقب الأشخاص الذين يطبقون فيه سياسة الدولة، وقلة الإمكانيات الموفرة، ودخول العامل السياسي فأصبح كل حي يريد أن تكون له مدرسة خاصة به ولم تعد موارد ولا مصادرها أو طواقمها يمكنها أن تغطي حاجيات المدارس، وقلة التفتيش للمعلمين من قبل المفتشين رغم توفرهم، والمعلمون لا يطبقون البرامج التعليمية داخل الأقسام وبعد اكتتاب معلمين غير ناجحين في المسابقة وإنما أجروا مسابقة تكوين المعلمين وأمضوا فيها ثلاث سنوات وأصبحوا معلمين، ثم حدث أن صار تكتتب مجموعة من المعلمين ولا تدرب إلا شهرين وتذهب للتدريس، واكتتبت مجموعة من الأساتذة المتخرجين في الجامعة ولم يتدربوا وإنما أرسلوا للتدريس مباشرة دون أن يدرسوا طرق التربية، ولذلك فانتشار المدارس وكثرة تغيير البرامج وقلة الالتزام بالبرامج من قبل المعلم وقلة التفتيش وإن حدث فهو ليس على المستوى.

 وقد يحاجج البعض بكثرة أعداد المتمدرسين وأن المدارس مكتظة وقد يكون ذلك من ضمن العوامل، فأصبح التلميذ يتخرج من الابتدائية وهو لا يستطيع أن يكتب رسالة لا بالعربية أو الفرنسية في حين أن جيلنا كان لا يمكن أن يتخرج أحد منهم من المرحلة الابتدائية دون أن يكون متقنا للعربية والفرنسية.

ومن لا يتقن اللغات لا يمكن أن يتعلم خاصة المواد العلمية، كي يتمكن الطلاب من معرفة معاني المصطلحات بدقة، و يتمكنوا من التعليم، فإذا امتحنت شخصا في اللغة وكانت أخطاؤه كثيرة فإن هذا ليس بجيد، فهو قد يكون متميزا من الناحية الفنية لكنه لا يتقن التعبير عما يريد، وبالتالي فإن مشكل اللغة من المشاكل الكبيرة المطروحة في التعليم؛ فإذا لم يكن خريجو التعليم الأساسي جيدين  فمن الحتمي أن ينعكس ذلك على التعليم الإعدادي والثانوي ثم ينعكس الأمر على التعليم العالي؛ نتيجة لضعف المخرجات السابقة عليه؛ وبالتالي نفس المشاكل التي يعاني منها التعليم الأساسي من حيث كثرة تغيير البرامج وعدم تطبيقها والاكتظاظ وقلة التفتيش يعاني منها التعليم الإعدادي والثانوي. فتلزم مراجعة البنية التحتية التعليمية، ويجب تجميع القرى حتى  لا تكون كل قرية لها مدرسة بها عشرة أوثمانية تلاميذ فقط لأن الشيخ الفلاني أو الوجيه قريته لا بد أن تكون بها مدرسة،  وإذا اجتمعت القرى يمكن أن تكون مدرسة متكاملة من حيث وفرة المعلمين والبنى التحية، ويجب إجراء التفتيش بصورة صحيحة خلال شهرين أو ثلاثة حتى نتأكد من تطبيق البرنامج ومعرفة التقدم في إنجازه. وسمي التعليم الأساسي أساسيا لأنه بمثابة أساس البنيان فلا يمكن تشييد منزل دون أساس قوي ، ولاحظت خلال تجربتي أن التلاميذ الذين تلقوا تعليما ابتدائيا جيدا وقويا ظلوا كذلك حتى تخرجوا وأصبحوا موظفين كبارا بينما التلاميذ الذين كانوا ضعيفي المستوى خلال المرحلة الأساسية لم يكملوا دراساتهم في الغالب الأعم، ولذلك يجب أن يتوجه إليه الإصلاح ولذلك يجب أن تراجع هذه البرامج  وتكون برامج متماسكة، ومتماشية مع متطلبات العصر والسوق منذ البداية ويجب أن يتقنوا اللغات فالرياضيات يمكن للتلميذ ألا يتقنها في البداية ولكنه يمكن أن يتقنها فيما بعد بينما اللغة من لم يتقنها في البداية لا يمكنه إتقانها إذا تخطى مرحلة التعليم الأساسي وبالتالي فالتركيز على اللغة مهم وبالأخص تحسين الخط وكانت هناك مادة تدرس وهي مادة تحسين الخط لكنها لم تعد موجودة للأسف، وعندنا طلاب في الجامعة تمضي  كثيرا من الوقت كي تقرأ ما يكتبون، فيجب إيلاء عناية خاصة للقراءة والكتابة في مرحلة التعليم الأساسي كي يساعد ذلك الطلاب على تحسين مستوياتهم.

والتعليم الثانوي يعاني هو الآخر من الاكتظاظ وقلة الموارد البشرية، ونادرا ما تأتي إلى مؤسسة ولا تجدها تعاني نقصا في أساتذة الرياضيات أو العلوم أو الفيزياء مع قلة الرقابة، وعندما تضيف كل ما سبق ذكره  إلى ما يقع في الابتدائية والإعدادية والثانوية فسترى أن التلاميذ عندما يصلون إلى مرحلة التعليم العالي سيعانون.

وأذكر هنا أننا في سنة1990 قبل المجيئ إلى جامعة نواكشوط كنا في المعهد العالي العلمي وكان هذا المعهد لا يدخله الطلاب إلا بمسابقة، وتبين لنا أن قليلا من الطلاب من يحصل على معدل 10 رغم أنهم متفوقون في البكالوريا، ويبدو لي أن امتحان  شهادة البكالوريا يجب أن يخضع لكثير من الصرامة، لأنه صار هناك الكثير من الغش وحدث ما لم يكن يحدث حيث صار ذوو التلاميذ يحضرون معهم إلى الامتحان لمساعدتهم في الغش فالمهم عندهم أن ينجحوا،  في حين أننا أدركنا زمنا كان الواحد منا إن ضبط متلبسا بالغش لا بد أن يغادر تلك الثانوية أو الإعدادية لأنه لم يعد في مقدوره المتابعة فيها خجلا من زملائه. وهذا أمر مرفوض وهو ليس من مصلحة التلميذ فأنت إن أعنته ونجح في البكالوريا لا بد أن يقف حماره في العقبة في مستوى ما. وإن تخرج من الجامعة بالغش فسيكون حاملا شهادة لكنه ليس على المستوى.

 ويجب أن تكون هناك مؤسسة تابعة للدولة تؤهل الشباب الخريجين؛ لأن كل المتخرجين مستوياتهم متواضعة خاصة في المواد التطبيقية؛ لأننا يكون عندنا طلاب جيدون نظريا لكن عندما يرسلون إلى الخارج يظهر أن مستوياتهم ضعيفة خاصة في المواد التطبيقية نتيجة أننا لا نتملك مخابر، فإذا كنت تدرس الفيزياء والكيمياء والعلوم بدون مخابر فسيتخرج طلابك وهم ناقصو الخبرة بسبب عدم التطبيق وإن كانت معارفهم النظرية جيدة. ويجب أن توجد مخابر على مستوى المعاهد العلمية بل ينبغي أن يكون تكون هناك مخابر على مستوى الثانويات على الأقل لتدريس بعض الأبجديات للتلاميذ وهم في السنة الخامسة والسادسة.

ومما لا يخدم التعليم وجود سبع سنوات من التعليم الأساسي وسبع سنوات من التعليم الثانوي وهذا لن يزيد قيمة التعليم، بل ينبغي أن يدرس تدريسا مركزا طيلة ست سنوات في التعليم الأساسي؛ لأن السنة الأولى ابتدائية يمنع الرسوب بها، مما يعني أنه يمكن أن يتجا وزها التلميذ دون أن يتعلم القراءة والكتابة فإذا وصل إلى السنة الثانية بهذه الوضعية فقد حكم عليه بالفشل، فيجب أن يخضع التلاميذ في التعليم الأساسي لتعليم مركز ويكون فيه تقويم جيد لا محاباة فيه لأحد،  وأذكر أن لي زميلة لديها بنات كانت تدرسهن في التعليم الخاص ولكنها قررت مرة أن تختبرهن فوجدت أنهن لا يتقن الكتابة رغم أنهن كن متوفقات في الامتحانات التي تجريها مؤسستهن.

ويجب أن ينظر في شأن التعليم الحر الذي تبين أنه من أسباب تدنى التعليم ولست أقول بإغلاقه؛ لأن الدولة ليس في إمكانها تدريس كل التلاميذ  ولكن يجب وضع معايير تمنح على أساسها رخصة مزاولة التعليم الحر عبر إجراءات ومعايير واضحة، ويجب أن يكون من يدرس في هذه المدارس متخرجا من مدرسة تكوين المعلمين فلا يمكن أن يسمح لكل من هب ودب بالتدريس، فشهادات منح التدريس أصبحت تعطى عبر العلاقات الخاصة. وأصبحت تستهزأ ببعض المواد فالتربية الإسلامية مادة مهمة جدا؛ لأنها ربط للناس بدينهم لمن لم يستطع أن يدرس في المحاظر فلا بد أن تدرس في المدارس وكذلك التربية المدنية التي تغرس في الإنسان حب الوطن والقيم ويجب ألا تدرس إلا البرامج الموجودة في التعليم النظامي، وأظن أن التعليم ما زال ينقصه الكثير من الصرامة والشدة لكي لا ينجح إلا من يستحق النجاح فالناس لا يمكن أن تكون كلها مهندسين ومحامين وأساتذة، بل يجب أن تنجح النخبة التي تستحق، وهنا أنبه  إلى أنه ينبغي أن تكون هناك مؤسسات تكوين مهني تمكن من لم يستطع مواصلة السير في طريقه إلى التعليم أن يلج في هذه المؤسسات.

وهنا ألفت نظر اتحاد أرباب العمل إلى أنه ينبغي لهم أن يفتتحوا معهدا للتكوين المهني بالتعاون مع الدولة؛ كي يلبي لهم احتياجات السوق لكي نضمن ألا يبقى أحد في الشارع، ولكي نعيد تكوين من تكون في مهن لا تتطلبها السوق من جديد.

أما مشكلة التعليم العالي فتتمثل في أنه يعاني من مشكلة وهي غلبة المواد الأدبية على حساب بقية المواد، فنحن لم نصل مرحلة أن تكون 25% من شهادات البكالوريا شهادات علمية؛  ولذلك تعاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية وكلية العلوم القانونية والاقتصادية من الاكتظاظ لأن أغلبية ناجحي الآداب يذهبون  إلى هاتين الكليتين، إضافة إلى أننا لا نقوم احتياجات السوق، فالسوق قد يكون اليوم متوجها إلى الإلكترونيات، وقد يكون غدا متوجها إلى الاتصالات أو إلى مهن أخرى. ولذلك لا بد من معرفة متطلبات السوق، حتى يكون التوجيه منطلقا من مراعاتها وعند فتح أية شعبة يجب أن تغلق بعد فترة معينة لأن حاجيات السوق منها قد اكتملت حتى إذا عمل كل الخريجين من تلك الشعبة يعاد فتحها من جديد.

وأرى أنه يجب أن تكون هناك كلية أو جامعة للعلوم والتقنيات بها مدارس للمهندسين في مجال الصيد ومجال الزراعة ومجال المعادن.

ويجب أن يفتح قسم للبيطرة في كلية الطب؛ لأن لدينا ولله الحمد ثروة كبيرة من الماشية. ويجب ألا يكون التكوين من أجل التكوين فقط بل يكون التكوين  من أجل تشغيل المكونين، وأحيانا يقولون ينبغي أن نكون الإنسان ثم يحاول الإنسان بعد ذلك أن يحصل على عمل؛ لأن الدولة لا تستطيع أن تشغل الجميع، لكن ينبغي أن يراعى في تكوين المكون مستقبل تشغيله.

ورغم وجود الشواطئ الغنية فإنه لا توجد لدينا كلية أو معهد أو كلية للصيد، ورغم وجود الأراضي الزراعية الشاسعة فإننا لا نمتلك إلا معهدا واحدا هو المعهد المجود بروصو ولكن هل هذا المعهد مختص في الزراعة فحسب؟

ومن المهم أن تكون هذه الجامعات تكون مهندسين  في مجالات المعادن والصيد والزراعة إضافة إلى الفنيين في مجال  الصحة كالمختصين في الأشعة وغيرها.

وأذكر هنا خلال فترة إدارتي لإدارة التعليم العالي والبحث العلمي أني أرسلت رسالة إلى الوزارات ومؤسسات الدولة حول احتياجاتهم التي يطلبونها خلال خمس إلى عشر سنوات ولم تجبني أية مؤسسة إلا ما كان من شركة "سنيم" والبنك المركزي ، فقد عبرت شركة "سنيم" عن حاجتها لمجموعة من مهندسي الكهرباء، لكنها عبرت عن حاجتها الحالية، دون أن تخبر عن حاجاتها المستقبلية رغم أنها شركة مرموقة ويفترض أن لديها خطة للمصادر البشرية، أما البنك المركزي فقال إنه يريد مختصين في مجال التجارة، أما المؤسسات الأخرى فلم أتلق منها جوابا.

فنحن ما زلنا نوجه الطلاب نحو التخصصات توجيها عشوائيا كما كانت تتم التوجيهات في حقبة الستينات فنقوم بتوجيه هذا إلى الطب وذاك إلى الهندسة وآخر نحو المعادن وهذا التخبط ناجم عن عدم وجود تلاحم بين القطاع الخاص وبين مؤسسات التعليم العالي، وحتى لا نبقى رهنا للمقاعد التي تعطى لنا من قبل شركائنا يجب أن نطلب منهم مقاعد انطلاقا من حاجات سوقنا. وأذكر أنني خلال أربع سنوات قضيتها في التعليم العالي استطعت أن أنجز معيارا واضحا للحصول على المنحة. وأصبح بإمكان أي موريتاني في أي مكان من العالم أن يقدم ملفه للمنحة فإن كان ملفه مستجيبا للمعايير المطلوبة يحصل على المنحة، وسار المديرون من بعدي على نفس النهج وحسنوا فيه وأصبح الحصول على المنحة أمرا آليا.

 

موقع الفكر: ما السبب في عدم وجو مستشفى جامعي بكلية الطب؟

عمدة الرياض: كلية الطب أنشأت سنة 2005-2006 وقبلها كان يوجد معهد التخصصات الطبية، ولديها الكثير من النواقص، وأيام تأسيسها كنت مديرا للتعليم العالي، وكنت من مؤسسيها، ومن وضعوا معايير لدخولها، وكانت فكرة تأسيسها منطلقة من ضرورة القيام بمبادرة من أجل افتتاح مشروع وإن كان ناقصا يمكن أن يطور ويحسن من أدائه، فإذا ظللنا ننتظر أن تكتمل المتطلبات سنظل هكذا ولن تكون لدينا كلية للطب، ونحن في أمس الحاجة لنقص المقاعد التي كنا نحصل عليها من شركائنا  من الدول الشقيقة والصديقة، فصاروا يقصون حصة المقاعد الممنوحة للطب، وقلنا يجب أن تفتح الكلية بما هو موجود من الإمكانات ونعمل على تحسينها فيما بعد، وكان بالإمكان تحويل المستشفى الوطني إلى مستشفى جامعي، يجري الطلاب فيه تدريباتهم، ويكون فيه قسم للطلبة الأطباء المقيمين( انترنا) وأظن أن كلية الطب كانت من أحسن الكليات التي افتتحناها رغم النواقص الموجودة، وكانت مبادرة جريئة إلا أن بعض المسائل تحتاج إلى خطوات شجاعة مثلما وقع في افتتاح مشروع جامعة نواكشوط الذي جرى افتتاحه 1981م. ولم تكن هناك بنى تحتية، ولكن هل كان من الصواب أن ننتظر بافتتاح الجامعة وجود البنى التحتية اللازمة لذلك أم  كان لا بد من افتتاحها،  أرى أننا يلزم ألا ننتظر حتى تصير لدينا الإمكانيات من بنى تحتية وغيرها، وهو نفس الشيء مع بورقيبة  عندما قرر افتتاح مدرسة للمهندسين وكان محل سخرية من الغربيين لكن هذه المدرسة أصبحت اليوم من أنجح المدارس في إفريقيا، وإنشاء كلية الطب كان ضمن سياق مباردة جسورة، لكن يجب أن تتحسن وأن توفر لها كافة الوسائل المطلوبة، وكما قلت سابقا يلزم أن يكون بها قسم للبيطرة، وتخصص للصيدلة وطب الأسنان، فمازلنا بحاجة إلى هذه التخصصات وقد صارت لدينا كلية ولدينا أربعة مستشفيات في مدينة نواكشوط بإمكاننا أن نخصص أحدها فنجعل منه مستشفى جامعيا لأن الأطباء لا بد لهم من التطبيق والممارسة، لكن على حال أصبح لدينا كلية وأظن أن الأمور في إطار الدراسة والبحث.

موقع الفكر: هل ترون أن النسب الكارثية للنجاح في الامتحانات مظهر من مظاهر الفشل أم أنها مظهر من مظاهر الجدية والصرامة كما يرى آخرون؟.

عمدة الرياض: يجب علينا أن نعترف بأنها تمثل فشلا في التعليم ومظهرا من مظاهر سوء التسيير في نفس الوقت، فليس من المقبول أن يترشح أربعون ألف مترشح ولا ينجح منهم غير ثمانية آلاف مترشح، أو ما يقل عن نسبة 10% في دول أخرى حينما لا تتجاوز نسبة النجاح في البكالوريا 80% يستقيل وزير التعليم، لأن هذا يعتبر فشلا بالنظر إلى كم الموارد التي تم إنفاقها على الطالب من المرحلة الابتدائية والإعدادية  كي يصل إلى البكالوريا.

 فضعف نسبة النجاح في الباكلوريا سببه سوء التسيير وليس التشدد في التقويم؛ لأنني أعتبر التقويم يكون متساهلا أحيانا، ولكن مستويات التلاميذ متدنية وهذا فشل تربوي لا بد أن يراجع، ومنشؤه من بعيد، من التعليم الابتدائي والإعدادي فالثانوي وصولا إلى الجامعي؛ فهذه المادة الخامة لم تعد إعدادا جيدا يمكنها من المرور بكل هذه المراحل، وتتحسن من نفسها ومن النادر أن ينجح الطالب غير الجيد في المرحلة الأساسية، وأتذكر أنني أيام كنت مديرا للتعليم العالي عينت مديرا للمعلوماتية بمصلحة البكالوريا، وأذكر أنني  قلت للجنة المشرفة إن أية  ورقة وقع محو في تصحيحها، كأن تثبت العلامة وتمحى وتضوع مكانها علامة أخرى، وقالوا ألست أستاذا جامعيا أولا تخطئ في التصحيح فتعطي نتيجة ثم تبدلها قلت إن الأمر أجل من ذلك لأن هذه شهادة وطنية ويجب أن يكون المصحح فيها دقيقا جدا، أنا أستاذ يمكن أن أصحح لطلبتي وأخطئ وأصحح الخطأ، لكن هذه الباكلوريا، وتصوروا معي لو جاءنا متظلم من الآباء واكتشف أن نتائج ابنه وقع فيها هذا التصرف!. وأذكر أننا في تلك الفترة قلنا إن من لم يحصل على معدل 10 لا يمكن أن ينجح فلم تنجح أكثر من 5% وأذكر أن الوزير استدعاني وقال لي لماذا لا تتركون التلاميذ تنجح منهم نسبة أكبر من هذه النسبة، فأجبته أننا إما أن نكون ضمن ديناميكية جودة التعليم أو لا نكون وتلك تقتضي الصرامة وألا ينجح إلا المستحقون، وإذا لم نكن نراع الجودة يمكن أن نسمح لنسبة أكبر بالنجاح، ونحن اخترنا السير في طريق دينامكية الجودة وتلك تتجلى في معايير صارمة للتقويم فلا يتجاوز إلا الأفضل. وهذا ما لم يرق للوزير حينها وأذكر أنهم لم يضعوني في تلك اللجنة السنة الموالية. وأرى أن التسامح في شأن التعليم قد أفسده.

فإصلاح التعليم يتطلب جهدا كبيرا ولن يصلح إلا بالابتعاد عن طريق التسييس، وتقديم المصلحة العليا للبلاد؛ لأن التعليم قد فسد بسبب التسييس، ويلزم النظر إلى بدايات التعليم بالبلد والجودة التي كان عليها منذ الاستقلال وما آل إليه الآن، لنرى سبب الخلل في التعليم هل يتعلق بالبرامج أو يتعلق بالمصادر البشرية؟ وينظر لماذا ضعفت المستويات؟ فمن كان يقوم بهمة التعليم موريتانيون والتعليم ما زال هو التعليم فإما أن يكون الإشكال في البرامج أو الإشكال في المصادر البشرية، ولماذا طرأ عليه الضعف بعد أن كان ناجحا، وأن ننظر إلى الأسباب الفعلية وأن نتعامل بوطنية وإيمان وندع الأمور التي لا تفيد التعليم.

 

موقع الفكر: ما السبب في أن جامعتنا تتذيل الترتيب العالمي من حيث الترتيب هل للأمر علاقة بتدني مستويات التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي؟

عمدة الرياض: السبب الأول يعود إلى ما ذكرت لكم من حيث المراحل الأساسية والإعدادية والثانوية ، والسبب الثاني يعود إلى برنامج LMD فهو يقوم على أساس أن البرامج يجب أن تراجع خلال سنتين أو ثلاث فإن كانت بها اختلالات يتم إصلاحها وإن كانت هناك مادة يجب أن تستبدل ينبغي أن تستبدل ، ومواكبة السوق أمر هام وحتى التخطيط والبرامج يجب أن تراجع في جامعة نواكشوط كما قلت سابقا ينبغي إيجاد تخصصات من قبيل الصيد والزراعة والمعادن، وكذلك إتقان اللغات وتدريس المعلوماتية واللغة الإنكليزية أمران ضروريان، في جميع الأقسام، فهناك أسباب تعود إلى تدني مستوى التعليم، وأخرى تعود إلى التخطيط وإلى الإشراف على التعليم العالي، وبرامجه والتخصصات الموجودة به.

موقع الفكر: أين نحن من رقمنة التعليم العالي؟

عمدة الرياض: نحن اليوم نعاني من مشكلة كوفيد19 وضاعت علينا فترة لا يدرس طلابنا في الجامعة، فلو أنا كنا وصلنا إلى مرحلة الرقمنة لكان بإمكان طلابنا تلقي تعليمهم وهم في منازلهم، ومازلنا بعيدين من تلك المرحلة رغم أن لدينا معهدا للتعليم عن بعد موجود في الجامعة وما ينقصنا وجود أشخاص مدربين على هذا النشاط وينبغي أن ندرب الأساتذة على تقديم الدروس افتراضيا، وقد فرضت الرقمنة نفسها فينبغي أن تكوين الدروس عبر الإنترنت وينبغي تهيئة الأماكن اللازمة لذلك كما ينبغي تقوية الشبكة العنكبوتية بمختلف أنحاء البلاد. ويمكن أن نحل مشكلة الاكتظاظ عبر الرقمنة فيتابع التلاميذ من منازلهم دروس أساتذتهم إن كانت القاعات غير كافية.

موقع الفكر: ما سبب أزمة القدرة الاستيعابية  في مؤسسات التعليم العالي؟

عمدة الرياض: السبب يعود إلى قلة البنى التحتية، فالحرم الجامعي بني على أساس العدد الموجود آنذاك بزيادة نسب ضئيلة، دون أن يراعي التطور المطرد في أعداد الطلاب، حيث أصبحت نسب النجاح أكبر مما كانت عليها قبل فترة من الزمن والتمدرس أصبح مرتفعا، وقد أخبرني تلميذ لي صار مدرسا معي أن مشكلته أنه يدرس قسما للتطبيق فيه ستون طالبا وهذا العدد لا يمكن أن يدرس في المخابر لأني قد أقبل أن يكون عدد الطلاب في قاعات المحاضرات مائتي طالب، لكن في المخابر هذا العدد لا يمكن أن  يجتمع في الدروس التطبيقية؛  إذن مازالت مشكلة البنى التحتية ومشكل المخابر وتجهيزها ماثلة، لأن أحدهم يقول لي جاءني طالب تخرج من عندكم وسألته عن آلة معينة فإذا به لا يعرفها، بالنسبة لهذا الأستاذ مادام هذا الطالب لا يعرف هذه الآلة فهو بالنسبة له لا يعرف شيئا في حين أن الطالب لا يعرف تلك الآلة لأنه لم يدرسها، لكنه يعرف أشياء أخرى، وهناك مجهود كبير فيما يتعلق بالبنى التحتية الجامعية، وهناك جهد كبير ينبغي أن يبذل  فيما يتعلق بالبحث العلمي  فنحن قد فتحنا مركز دكتوراه في كلية العلوم التي أدرس بها ولكن لم يناقش إلا عدد قليل من الطلاب لأننا لا نتوفر على مخابر كافية ولا على مجلات علمية رصينة؛ لأن الطالب لا يمكن أن يناقش قبل القيام بتجربة علمية وبنشر مقالات علمية رصينة في مجلات علمية محترمة.

وأنا أدرس في قسم الجيولوجيا لم يناقش لدينا أي طالب حتى الآن؛ لأن النقاش يتطلب إجراء تجارب ونحن ليس لدينا مخابر ولا مجلات علمية رصينة فيتطلب منهم الأمر السفر إلى الخارج لإجراء تلك التجارب، وينبغي على الجامعة التعاقد مع المجلات العلمية، كما ينبغي توفير المختبرات اللازمة، والطالب إذا لم يكن معه مجموعة من الطلاب يعملون في نفس المجالات ويكون فريق من الأساتذة مشرفا عليهم فمن الصعب عليه أن يناقش.

موقع الفكر: ما السبب في عدم إنفاق الدولة على البحث العلمي؟

موقع الفكر: أيام كنت في إدارة التعليم العالي أنشأنا صندوقا لدعم البحث العلمي جزء منه تموله الدولة وجزء من تمويل الشركاء الأجانب، وفي نقاشنا مع بعض المؤسسات ناقشنا بعض المشاريع كصيانة بعض الموارد وتسييرها، وهناك بعض الجوانب أخذتها الجامعة وأنجز فيها بعض من العمل ولكني أظن أن الصندوق لم يستمر العمل فيه.

وتم إنشاء الوكالة الموريتانية للبحث العملي، ومن المفروض أن تكون هذه الوكالة ممولة للبحوث العلمية، ولست على اطلاع بالمبلغ المرصود لها لأنه من الواضح أنه ينبغي أن توجد وكالة للإشراف على البحث العلمي لما يلاحظ من نقص فيه. وينبغي أن يتم التنسيق فيما يتعلق بالبحث العلمي حتى لا يشتغل عدة أساتذة في كلية واحدة أو في مجموعة من الكليات على موضوع واحد في آن واحد، فينبغي أن يكون العلم في ميدان البحث العلمي منسقا، تتكامل فيه الجهود حتى تصل إلى نتائج أفضل. ويبدو أن الدولة بدأت تشعر بالحاجة إلى البحث العلمي ولكن هل سترصد له الموارد الكافية ؟ بالنسبة لي أنا فإن أهم شيء في البحث العلمي هو البنى التحتية بعد ذلك يكون هناك تنظيم للبحث العلمي والتخصصات التي تعمل في كل كلية على حدة، وتعمل الوحدات على المشاريع ذات الأهمية بالنسبة للبلد، فإذا كان الاهتمام والتوجه للزراعة تكون التجارب والبحوث فيها، أو المعادن، أو الصيد..الخ.

كما ينبغي إنشاء معهد للجودة حتى نعرف طبيعة المواد التي تدخل إلينا، هل تتوفر فيه المعايير المطلوبة،  وندرك حقيقتها فلا تدخل أية مادة من المنافذ البرية أو البحرية حتى يأخذ هذا المعهد أو المخبر عينة منها ويفحصها ليعرف هل تتطابق مع المعايير فيسمح لها بالدخول أم غير متطابقة معها فتمنع من دخول البلاد، وإذا أردنا كذلك تصدير أية مادة فينبغي فحصها لمعرفة جودتها.

 وأذكر أيام كنت نائب رئيس الجامعة أنه في سنة 2010-2011 لم تكن هناك أية مخصصات للبحث العلمي ولما جاء الرئيس الجديد للجامعة آنذاك أقنعته بانتزاع مبلغ 20 مليون أوقية من ميزانية التسيير لصالح البحث ولك أن تتصور هذا المبلغ الزهيد ماذا يساوي في البحث العلمي، ولا أدري حاليا ما هو المبلغ المخصص  للبحث العلمي.

وإنشاء البحث العلمي والمجلس الأعلى للبحث العلمي خطوتان جديتان وما بقي هو إعطاؤهما الصلاحيات والموارد اللازمة.

وجامعة دون بحث علمي عبارة عن ثانوية كبيرة.

 

موقع الفكر: لماذا يوجد بالجامعة بعض الأساتذة من غير حملة الدكتوراه ؟

 

عمدة الرياض: أولئك اكتتبوا في بداية إنشاء مشروع الجامعة، وكانت فيه ضرورة لاكتتاب الأساتذة، مما ألجأهم لاكتتاب أساتذة غير دكاترة، خاصة في بعض التخصصات العلمية التي كان يقل حملة الدكتوراه فيها، ولكنهم الآن أصبحوا أقلية لا تتجاوز 5 % من جملة المدرسين، وفي كلية العلوم والتقنيات لا تتجاوز نسبتهم 2% وكنت ممن اكتتب في البداية مهندسا تاما لكنني سجلت في فرنسا وحصلت على شهادة الدكتوراه، كما قلت لكم في بداية حديثي ، ومن لم يكمل دراساته من الأساتذة ربما لم يجد التشجيع اللازم، أولم يجدوا الوسائل لذلك، أما الآن فلم يعد بالإمكان أن يكتتب غير حاملي الدكتوراه ولا يمكن أن يكون رئيس قسم في الكلية غير حامل للدكتوراه كما لا يمكن أن يكون عميدا ولا أن يترشح لرئاسة الجامعة. والآن فتحت الدكتوراه بالجامعة فمن كان من هؤلاء الأساتذة لم يحصل على الدكتوراه فعليه أن يبادر إلى الحصول عليها قبل أن يصله التقاعد مع أن هذه الشريحة من الأساتذة أغلبهم قد وصلوا سن التقاعد أو قاربوا، كما لا يمكن أن ننسى أنه في الجامعة هناك وظيفة أستاذ تكنلوجيا، ومهمتهم الإشراف على المخابر وصيانة الأجهزة، وهؤلاء يكتتبون مهندسين غير دكاترة،  لأنهم مكتتبون للمجال التطبيقي، ولديهم نظام خاص، ويطلق عليهم أساتذة التكنلوجيا.

وسبق أن اتخذت وزارة التعليم قرارا بأن الجامعة لا يدرس فيها إلا دكتور أو من كانت لديه شهادة الباكلوريا+5 في حال ما إذا لم يوجد لمادة معين من هو حاصل على الدكتوراه يدرسها مهندس أو حامل شهادة باكلوريا +5.

موقع الفكر: لماذا المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية لا يتبع لوزارة التعليم العالي؟

عمدة الرياض: المعهد هو أول مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي في موريتانيا عدا المدرسة العليا للتعليم، وطريقة دخولها طريقة خاصة تختلف عن طريقة دخول بقية مؤسسات التعليم، ولها كذلك حالات خاصة لاكتتاب الأساتذة منها على سبيل المثال أن يشتهر شخص ما بأنه عالم فيحق له الاكتتاب في المعهد، ومعنى شهرته أن يعلم الجميع أنه عالم، وقد جاءني ذات يوم ملف لمجموعة من الأشخاص يراد لهم أن يكتتبوا في المعهد العالي على أنهم علماء في الشريعة الإسلامية وأحدهم حاصل على شهادة المتريز في اللغة الفرنسية، والآخر حاصل على شهادة ليصانص ضمن ستة آخرين بدعوى أنهم علماء، ومن بين المجموعة عالمان بالفعل  فوافقت على اكتتاب العالمين، لكني رفضت اكتتاب البقية ومن المفارقة أن أحد المعنيين ممن رفض اكتتابهم عين وزيرا للتوجيه الإسلامي فأصبح المعهد العالي يتبع له إداريا، رغم أنه من المفروض أن تكون كل مؤسسات التعليم العالي تابعة لوزارة التعليم العالي؛ لأنها هي وحدها المخول لها منح شهادات العليم العالي، وعندما يسافر أحدهم لتكميل الدراسة بالخارج يواجه مشكلة لأنه أحيانا يكون غير حاصل على شهادة الباكلوريا، فالمعهد العالي يتم التسجيل في عبر مسابقة لكنها لا تعادل البكالوريا؛ لأن البكالوريا ليست مسابقة بل هي شهادة وطنية تستوي مع شهادة ختم الدروس الإعدادية وشهادة الدكتوراه وشهادة مهندس وأدخلوا حديثا نظام LMD وما كنت أحب ذلك لأن المعهد له طابع أهلي فخر أهل موريتانيا وثقافتهم وتراثهم ويجب أن تكون له خصوصية، وما كان من الضروري إدخال نظام LMD إلى المعهد لأنه ينبغي أن نحافظ له على خصوصيته عن بقية مؤسسات التعليم العالي الأخرى، فكان ينبغي أن نبرز خصوصيته؛ لأنه يعكس هوية وفخر البلد فأهل موريتانيا إن مدحوا إنما يمدحون بمعرفتهم بالعلوم الشرعية، ومناط وحدتنا نابع مما يدرس في هذا المعهد ويجب أن نظهره له التقدير والاحترام.

موقع الفكر: هل كنتم تعطون المنح بناء على حاجات البلد ومتطلبات السوق المحلية؟ أم أن الأمر كان يتم عشوائيا؟

عمدة الرياض: كما قلت لكم في البداية إننا بعثنا رسائل إلى المؤسسات العمومية لمعرفة حاجياتها من الكوادر  لكن لم ترد علينا إلا مؤسستا "سنيم" و"البنك المركزي" فأصبحنا بعد ذلك نوجه انطلاقا من المقاعد التي يمنحنا إياها الشركاء المانحون.

وقد صدر قانون يقتضي بأن أي تخصص موجود على أرض الوطن لا يبتعث أصحابه للدراسة في الخارج في السلك الأول على الأقل، فأهل الرياضيات مثلا قد فتحت  أمامهم كلية العلوم والمدرسة الوطنية متعددة التقنيات والمعاهد المختلفة وهذا القانون منذ 2006م. وإن كانت ترد عليه بعض الاستثناءات كابتعاث الخمسة الأوائل للدراسة في المدارس التحضيرية للمهندسين.

 

موقع الفكر: ماذا عن الوضعية العامة لبلدية الرياض عند استلامكم لها؟

عمدة الرياض: استلمت بلدية الرياض 15 أكتوبر 2018 ومن النادر أن تأتي إلى أية مؤسسة أو إدارة إلا وجدت لديها بعض المتأخرات من الديون، وقد وجدت أن بعض الموردين يطالب البلدية ببعض الديون إضافة إلى  أن رواتب العمال متأخرة منذ ثلاثة أشهر أو أربعة، ومشكلة البلديات هي أن الميزانية لا تدخل في حسابها إلا مرتين في السنة ، وقد لا تأتي دفعتها الأولى إلا في الشهر الثالث أو الرابع من السنة أما الدفعة الثانية فيفترض أن لا تتجاوز يوم 1 من الشهر السابع لكنها قد لا تأتي إلا في شهر أكتوبر، وهذا ربما يفسر وجود بعض الديون  التي لم تسدد والعمال الذين لم يتقاضوا رواتبهم.

وبصفة عامة بلدية الرياض بلدية فقيرة جدا لا يوجد بها سوق أو بنك أو أي مرفق أو مؤسسة تقوم بنشاط اقتصادي، والبلديات إنما تعيش على الإتاوات التي تأخذها من الأنشطة الاقتصادية الممارسة.

وبعد ثلاثة أشهر تبين لي أن معدل مداخيل البلدية من الضرائب لا يتجاوز 80000 أوقية من العملة الجديدة وكذلك مجموع ما تتقاضاه البلدية سنويا من الخزينة العامة ومن مختلف الضرائب لا يتجاوز مائة وعشرين مليون أوقية  من العملة القديمة، وينفق ما بين 92 إلى 94 مليون أوقية في رواتب العمال، وما يبقى بعد ذلك قليل من ضمنه ميزانية الاستثمار التي نخصص لها 33 مليونا، ولما جئت إلى البلدية وجدت لديها بعض السيارات المتعطلة وقمت بإصلاح جميع السيارات المتعطلة.

وسياراتنا تعمل كلها باستثناء واحدة كنا قد خصصناها للإسعاف فتنقل المرضى والموتى لكنها تعرضت لحادث اصطدام وقع في رمضان عندما كانت تنقل إحدى الجنائز، وقرر المجلس بيعها وشراء سيارة أخرى بدلا منها؛ لأنها لم تعد صالحة للاستخدام، لكثرة التكاليف وحصلنا بعد ذلك على أربع سيارات من السيارات ذات العجلات الثلاثية من قبل منظمة الرؤية العالمية. وحالنا بدأ في التحسن لأن المجموعة الحضرية كانت تأخذ ضريبة الطن المفرغ وتعطي للبلديات منه 40% تقريبا وتأخذ 60 % ولم يعد ذلك موجودا فازدادت قيمة الطن المفرغ.

موقع الفكر: ما أبرز التحديات التي تواجهكم؟

عمدة الرياض: أبرز التحديات التي تواجهنا هي فقر الساكنة فبلديتنا من أفقر البلديات على مستوى جهة نواكشوط وسكانها من أكثر السكان هشاشة، وبالتالي حاجتهم  إلى الدعم حاجة ملحة وكبيرة ولا يمكن التغاضي عنها، خاصة في ظل جائحة كوفيد19، وكان كثير منهم يذهب للعمل في المدينة والميناء وفي أزمة كوفيد19 لم يعد ذلك موجودا وكما قلت هي بلدية للنوم لأن أهلها يمارسون أعمالهم خارجها ومكثنا سنة دون أن نأخذ ضريبة من أحد؛ لأن الناس لم تعد تمارس نشاطا يذكر.

والمواطنون يطلبون العون، وهذا من التحديات المطروحة لنا في البلدية إضافة إلى توسيع شبكة الماء والكهرباء،  والإنارة العمومية لأنها تساهم في تخفيف الجريمة، ومع الأسف لم نستطع إنجاز شيء كبير في هذا المجال، وقد وجدت تمويلا لتوسيع شبكة المياه في بعض المناطق، كما أننا في رابطة عمد نواكشوط اجتمعنا مع مدير الشركة الوطنية للكهرباء وطلبنا منه توسعة الشبكة وكلف بعض العناصر بالعمل معنا ومازال العمل مستمرا حتى الآن في هذا الموضوع، وهناك مشكلة الطرق فالعزلة شديدة داخل البلدية وفي بعض المناطق لأنها مدينة بنيت على الرمال، كما أن البنية التحتية المدرسية ليست مطروحة لنا فلدينا 35 مدرسة لكنها من أكثر البلديات انخفاضا في نسبة النجاح بل إن إحداها في السنة الماضية أو السنة قبل الماضية سجلت أخفض نسبة في النجاح على المستوى الوطني. ولهذا عدة أسباب منها أن المعلمين يسكنون بعيدا عن المدارس ومنها كذلك أن السكان فقراء ومن أقل الناس تعلما، ويظنون أن إرسال الأطفال إلى المدارس ضرب من العبث فما دام الطفل يمكن أن يسوق عربة حمار أو أن يذهب مع أبيه لإنجاز بعض العمل أو أن تذهب البنت مع أمها لإنجاز بعض الأعمال فالأمر أهم من الذهاب إلى المدارس وقد يبيت الطفل خاوي البطن وبالتالي لا يستطيع الذهاب إلى المدرسة أو لا يستطيعون شراء الأقلام أو الدفاتر وغالبا ما يكون دوام التلاميذ نصف اليوم فقط بمعنى أنهم إذا ذهبوا  إلى منازلهم في فسحة الساعة العاشرة طلبا للفطور لا يجدونه وبالتالي لا يعودون إلى الفصول ا لدراسية ، كما قلت فيما يتعلق بوضعية المعلمين وضعف رقابة رابطة آباء التلاميذ  وقد بلغني أن مدرسة لا تعمل فأرسلت اثنين من مساعدي إليها لمعرفة حقيقتها فوجدا أن أغلبية المعلمين تمارس أنشطة أخرى ومدير المدرسة متغاض عنهم، فنصحت المدير بضرورة متابعة المعلمين حتى يؤدوا دورهم، وقد بنيت في تلك المدرسة بنايات جديدة وأصبحت من أحسن المدارس.

ولدينا حاليا مشروع كبير عنوانه الرياض تتنفس وهو أن تكون هناك ساحات خضراء داخل البلدية، وأن تكون في المدارس ساحات خضراء وهناك ودادية للشباب ستتابع وضعية التلاميذ من حيث الحضور والغياب ودروس التقوية، ومتابعة التلاميذ يخرجون من السنة الأولى وهم لا يستطيعون القراءة والكتابة ستتابعهم في العطلة الصيفية من أجل أن نساعدهم في تعلم القراءة والكتابة.

ولأني أعلم أن الغبن والفقر والجهل والتهميش يمكن للتعليم أن يقضي عليه ولذلك كانت النقطة الأولى في برنامجي هي التعليم وأخذت حراسا لجميع المدارس على مستوى البلدية، وأشركت آباء التلاميذ فيما أقوم به ولم تعد هناك مدرسة بالبلدية إلا وتوجد بها مراحيض ومياه، ورممت خمس مدارس وشيدت  لنا السلطات العمومية مدرستين في منطقة كان يشتكي أهلها من بعد المدرسة وأن أبناءهم لا يستطيعون الذهاب إليها نظرا للبعد. وندرس إمكانية إنشاء لجان للتسيير والمتابعة لمعرفة أسباب تغيب التلاميذ فإن كان السبب هو الدفاتر أو الأقلام أو أنه لا يجدون الفطور نوفر له الفطور، وهذا من برامجنا المطروحة.

وفي المراكز الصحية وضعنا أشخاصا تابعين للبلدية من أجل تسهيل الأمور للسكان كما يراعي أي مشاكل في المركز لتوصيلها إلى البلدية للعمل على حلها.

موقع الفكر: ما رأيكم في ما تقوم به مؤسسة تآزر؟

عمدة الرياض: في المرحلة الأولى لم يتم التشاور أو التنسيق معنا وفي المرحلة الأخيرة طلبوا منا إرسال لوائح، وأرسلنا لهم بعض اللوائح واستفاد القليل منهم، فأغلب من استفاد من سجلوا في المرحلة الأولى،  وأرى أن طريقة التوزيع ينبغي أن تتحسن وبالنسبة لتوزيع الأموال فهي على كل حال أمر طيب ولكنها كما يقول المثل الصيني بدلا من أن تعطيني كل يوم سمكة علمني كيف أصطاد السمك، فكان ينبغي إنشاء مشاريع مدرة للدخل، لأننا لا نستطيع أن نظل نعطي المساعدات، وكما قال رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني إنه لا يريد توريث الفقر للشعب لذلك ينبغي إنشاء المشاريع المدرة للدخل لأنه بدون هذه المشاريع سيظل الناس فقراء ولأن المساعدة لا يمكن أن تستمر طيلة الزمن.

ومن الخطأ بمكان عدم التعامل مع العمد المنتخبين فنحن منتخبون حزب  الاتحاد يقف معنا الحزب قبل انتخابنا لكنها يتخلى عنا بعد ذلك لأنه إن جاءت أية مساعدات توزع  كلحوم الأضاحي أو المساعدات الغذائية توزع عبر الحاكم أو مفوضية الأمن الغذائي وبالتالي نواجه مصيرنا بأنفسنا، ولذلك ينبغي أن تدرس المشاريع الموجهة إلى السكان مع المنتخبين المحليين سواء كانوا معارضة أو موالاة، لأنهم أدرى بالشعب وحاجياته ولذلك ينبغي أن يستشار العمدة أو المجلس البلدي في أوليات مقاطعته أما أن تقام طريق أو مؤسسة بدون علمه فذلك مما لا ينبغي، بل يلزم أن يسأل العمدة عن أولويات بلديته، فبعض المشاريع تتم في الحيز الجغرافي للبلدية دون أن يعلم العمدة بها.

 

موقع الفكر: هل هناك طرق من المقرر أن يتم تعبيدها هذه السنة ؟

عمدة الرياض: هناك 40 كلم. من الطرق المعبدة من المقرر أن يتم إنجازها على مستوى نواكشوط وحصتنا في بلدية الرياض منها لهذا العام 5.5 كلم وإن حصلنا كل سنة على مثل هذه الحصة ستحل مشكلة الطرق.

موقع الفكر: كيف تقومون تعاطي السلطات والمؤسسات الخدمية معكم؟

عمدة الرياض: ما شاء الله لدينا علاقات طيبة مع الحكام والولاة والشركة الوطنية للماء وشركة الكهرباء ويتعاطون معنا ويقومون بتسوية ما نطرحه عليهم من مشاكل وما لا يمكنهم أن يقولوا إن هذا ليس من صلاحياتهم وكانت عندنا مشكلة المياه في بعض المناطق فكلمت وزير المياه فأعطى تعليماته بتوفير الصهاريج في تلك المناطق وعموما مشكلة العطش قليلة في بلدية الرياض ونريد الحلول الدائمة بدلا من الحلول المؤقتة.

 

موقع الفكر: هل من صلاحياتكم ما يتعلق بتبعية المدارس الابتدائية ؟

عمدة الرياض: المدارس الابتدائية تتبع للبلدية إداريا لكن لم يعط لها ما يمكنها من ممارسة صلاحيتها فأنا على سبيل المثال لدي خمس مائة طاولة متعطلة وعندما طلبت تصورا لإصلاحها وجدت أن إصلاحها لا يمكن أن تتحمله البلدية، وهذا من مشاكل اللامركزية والمدارس الابتدائية كما قلت تتبع للبلديات ولها ميزانيات للصيانة لكن تلك الميزانية لا تعطى للبلدية، وأذكر أننا كنا في اجتماع فجاء خبر عن مدرسة يعاني تلاميذها من شدة البرد لأن النوافذ  مكسرة فاتخذنا قرارا فوريا بتوفير ثلاثين نافذة في اليوم الموالي كما أن السلم كانت بنايته قد انتهى عمرها الافتراضي ونفس الشيء بالنسبة للحائط الذي يوشك على السقوط، وهذه الأمور تتحتم علينا بصورة استعجالية ولو أن ميزانية الصيانة أعطيت لنا لاستطعنا أن نمارس عملنا بأريحية، ونفس الشيء بالنسبة للمراكز فتعطى لك الصلاحيات ومع ذلك لا تعطى ما يمكن من خلاله تنفيذ صلاحياتك.

 

موقع الفكر: هل الرق ما زال موجودا في موريتانيا ؟

عمدة الرياض: الظروف الحالية في البلد لا يمكن لأي شخص أن يأتي إلى مكان رجل شرطة أو رجل من الدرك ويشتكي من أن فلانا يستعبده إلا وسجن الشخص المتهم، ثم إن الظروف الاقتصادية لا تسمح لأحد أن يعبد أحدا، فالرق ما زال موجودا في الأذهان فقط ويجب محاربة ثقافته ولا أعلم بوجود أسرة تعبد أحدا، وقد جرمت تجريما قانونيا وما بقي آثارها ويلزم الوقت كي تختفي لأنها ظاهرة اجتماعية والظاهرة الاجتماعية لا تختفي بجرة قلم وإنما بالتدرج.

وهذه الظاهرة أصبحت منبوذة اجتماعيا ، والدولة جرمت الاسترقاق وجعلته مثل القتل والاغتصاب والسرقة وأنشأت له محاكم.

 

ما تقويمكم لتقرير اللجنة البرلمانية هل اطلعتم عليه ؟

عمدة الرياض: لم أطلع عليه، ولكن هذا البلد شهد فترة عصيبة من سوء التسيير والاستيلاء على الأموال العامة، وهذا مما زاد الفقر في موريتانيا وزاد من التناحر، والبلد يحتاج إلى المحكمة السامية التي نحن بصدد إنشائها، لتحاسب الناس بطريقة عادلة تنزع الحقوق لأصحابها، ولكن لا تظلم أحدا ومن اليوم لا يتسامح مع مرتكبي هذه المخالفات، ولا يجوز أن يعين أي من المتهمين حتى تثبت  براءته من قبل القضاء؛ لأن ذلك يعزز ثقة الناس في الإجراءات المتخذة، فأي متهم يجب أن لا ينتظر أن يقال بل عليه أن يستقيل حتى تثبت براءته أو يدان.

 

موقع الفكر: ما تقويم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟

عمدة الرياض: أرى أن ما مضى من فترة فخامة الرئيس محمد والد الشيخ الغزواني قد شهد عددا لا بأس من التحسينات والبرامج التي لديه برامج جيدة خاصة أنها موجهة في أغلبها إلى الطبقات الهشة من المجتمع. وبطبيعة الحال لا يمكن أن ينجز البرنامج كله مرة واحدة وأظن أنه بحول الله وقوته سيكون باديا للعيان عند نهاية المأمورية الرئاسية.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

عمدة الرياض: كلمتي الأخيرة إلى كل سكان موريتانيا هي أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم والإسلام هو أهم شيء بالنسبة لهم، ونحن مسؤولون أمام الله وأمام الشعب عن الدفاع عن مقدسين لدى الشعب الموريتاني دينه ووحدته، ويجب علينا الضرب بيد من حديد على يد  أي شخص يحاول أن يفرق بين أبناء الشعب الموريتاني لأن المتضرر من هذه الأخطار هو الناس المظلومة والمهمشة.

فربحنا كلنا في وحدتنا واستقرار بلدنا ويجب علينا أن نعمل بصفة دائمة ودؤوبة من أجل  تطويد  وتعزيز اللحمة الاجتماعية سواء منا الرئيس أو الوزير أو العمدة ، ويجب أن لا نترك لدعاة التفرقة أي صوت ويجب على الدولة ومؤسساتها كتآزر أن تجفف منابع التفرقة التي يعمل من خلالها هؤلاء كالتهميش والفقر والجهل، وليس فينا ولله الحمد من يدعو إلى تقسيم البلاد وهذا مصدر قوة، وتعدد الشرائح مصدر قوة وليس مصدر ضعف وأعطيك مثالا وأنا جيولوجي وهو أن أقوى الصخور تلك الصخرة التي بها الكثير من المعادن. والسلام عليكم. ِ