لماذا أدعم غزواني (1)؟- محمد الأمين الفاضل

نشرتُ في يوم الأربعاء الموافق 26 دجمبر 2018 رسالة مفتوحة موجهة إلى "رئيس موريتانيا القادم"، والذي لم أكن أعرفه حينها، ففي ذلك التاريخ لم يكن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أعلن عن ترشحه للرئاسة.
وجهتُ تلك الرسالة المفتوحة إلى "رئيس موريتانيا القادم"، والذي كنتُ حينها أجهله، وقد كان شرطي الوحيد لدعمه بعد وصوله إلى السلطة، وسواء بالنسبة لي إن كان هو المرشح الذي صوتُّ له في الانتخابات أو مرشحا آخر لم أصوت له، كان شرطي الوحيد لدعمه هو أن يأخذ سلطاته كاملة بعد التنصيب، وأن يُؤمِّن ـ بالتالي ـ  التناوب السلمي على السلطة، وذلك لاعتقادي أن تأمين التناوب السلمي على السلطة كان هو أولوية الأولويات في تلك المرحلة، خاصة وأننا كنا قد عشنا في العام 2008 تجربة فاشلة في تأمين التناوب السلمي الوحيد على السلطة الذي عرفته بلادنا منذ استقلالها وحتى ذلك التاريخ.
كان المطلب الذي يمثل أولوية قصوى في ذلك الوقت، بالنسبة لي، وبالنسبة لكل من ينظر إلى الأمور نظرة استراتيجية، هو تأمين التناوب السلمي على السلطة، وذلك رغم وجود مطالب أخرى ملحة، وعلى رأسها إصلاح التعليم، وتعزيز الوحدة الوطنية، ومحاربة الفساد، وتحسين ظروف عيش المواطن...إلخ
نعم كانت هناك مطالب في غاية الإلحاح، ولكن مطلب تأمين التناوب السلمي على السلطة كان هو المطلب الأكثر إلحاحا في ذلك الوقت، فبدونه لا يمكن أن نتحدث عن إصلاح التعليم ولا عن تعزيز اللحمة الوطنية، ولا عن محاربة الفساد، ولذا فقد جعلت من تحقيق ذلك المطلب شرطا وحيدا لدعم "رئيس موريتانيا القادم" بعد تنصيبه رئيسا.
بعد مرور خمس سنوات تقريبا على انتخابات 2019، فإنه يمكنني الآن أن أجزم تحليليا أنه لو فاز أي مرشح آخر غير الرئيس الحالي في تلك الانتخابات، لكان وضعنا اليوم مختلف جدا، ولكنا نعيش الآن ارتدادات ثاني انتكاسة لثاني تناوب سلمي على السلطة، ولكان الجميع منشغلا اليوم بالنضال من أجل استعادة المسار الديمقراطي، وذلك بدلا من الانشغال بالمطالبة بمحاربة الفساد، وإصلاح الإدارة، والتمكين للشباب، وإلى غير ذلك من المطالب المهمة التي تُطرح حاليا.  
إن التحليل الموضوعي والمتماسك منطقيا لكل ما جرى في الأشهر الأولى من المأمورية المنتهية ليؤكد أن بلادنا كانت ستشهد في العام 2020 تجربة متعثرة أخرى للتناوب السلمي على السلطة، كالتي عشناها في العام 2008، لو فاز في رئاسيات 2019 مرشحٌ آخر غير الرئيس الحالي، فالرئيس الحالي ـ ولأسباب عديدة لا يتسع المقام لبسطها ـ  كان هو المرشح الوحيد القادر على تأمين التناوب السلمي على السلطة بعد فوزه في الانتخابات.
لندع الآن الحديث عن رئاسيات 2019، ولنركز على الحديث عن رئاسيات 2024.
تأتي انتخابات 2024 في ظرفية أمنية بالغة التعقيد تمرُّ بها المنطقة، فبالإضافة إلى تنامي الإرهاب، وتوسع نفوذ الحركات المسلحة، فقد شهدت المنطقة دخول لاعب جديد في الساحة معروف بخشونته في اللعب (فاغنر)، أصبح يصول ويجول على مقربة من حدودنا الشرقية، وأصبح وجوده في المنطقة يتمدد يوما بعد يوم، وهو ما يعني أن صراع النفوذ بين القوى العظمى في المنطقة قد يخرج في أي لحظة من إطار الصراع الاقتصادي والدبلوماسي إلى صراع عسكري من خلال الوكلاء، وربما إلى صراع مكشوف بين تلك القوى. 
لا تتوقف التعقيدات الأمنية التي تمر بها المنطقة عند هذا الحد، بل إن هناك ما هو أكثر خطورة من صراع النفوذ بين القوى العظمى، وأقصد بذلك موجة الانقلابات التي شهدتها العديد من دول المنطقة في السنوات الأربع الأخيرة ( انقلاب أغسطس 2020 في مالي، انقلاب إبريل 2021 في تشاد، انقلاب سبتمبر 2021 في غينيا، انقلاب يناير 2022 في بوركينافاسو، انقلاب يوليو 2023 في النيجر، وانقلاب أغسطس 2023 في الغابون).
في وضعية أمنية بالغة التعقيد كهذه، فإن كل من يمتلك نظرة استراتيجية ثاقبة، ويقرأ ما يجري من أحداث أمنية في المنطقة قراءة فطنة، ويعتمد في تحليله على منطق سليم، لا بد وأن يخرج  باستنتاج قد يصدم البعض، مفاده أنه لو انتخب الموريتانيون مرشحا غير الرئيس الحالي في انتخابات يونيو 2024، فإن الذي سيحدث في بلادنا خلال عام واحد على الأكثر سيكون مقلقا ومخيفا، فمن الراجح جدا أن تصل عدوى الانقلابات إلى بلادنا، ومن الراجح كذلك أن تتعرض بلادنا لهزات أمنية عنيفة تقف وراءها بعض القوى العظمى، وربما بعض القوى الإقليمية في المنطقة.
إن وصول أي مرشح من مرشحي المعارضة للسلطة في الانتخابات القادمة، مع احترامي للجميع وعدم تشكيكي في وطنية أي واحد منهم، سيؤدي ـ وبشكل تلقائي ـ إلى دخول بلادنا في مرحلة من عدم الاستقرار لا أحد يستطيع أن يتكهن بمآلاتها، وبدخول بلادنا في مرحلة من عدم الاستقرار لا قدر الله، سيدرك الجميع حينها أهمية الاستقرار وتوفير الأمن، فالأمن للدول هو كالصحة بالنسبة للأفراد، فإذا كانت الصحة تاجاً على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، فإن الأمن تاجٌ على رؤوس الدول الآمنة والمستقرة لا تراه ولا تقدر أهميته إلا الدول التي تعيش الفتن والحروب، وبدخول بلادنا في مرحلة من عدم الاستقرار لا قدر الله، سيدرك الجميع أن رفع مطالب من قبيل محاربة الفساد أو إصلاح الإدارة أو مواجهة البطالة يعدُّ ترفا مطلبيا في ظل غياب نعمة الأمن والاستقرار. 
لا يعني هذا الكلام أن البلاد لا يمكن أن يحكمها إلا مرشح قادم من النظام، له خلفية عسكرية، وإنما يعني أن هذه البلاد لا يمكن أن يحكمها في الوقت الحالي وفي ظل هذه التعقيدات الأمنية التي تعيشها المنطقة مرشح قادمٌ من المعارضة لا يمتلك أي خبرة في العمل الحكومي، وليست لديه أي خلفية أمنية. وإذا ما أرادت المعارضة أن تحكم البلاد  فعليها أولا أن تمهد لذلك بخلق أرضية ملائمة، وخلق أرضية ملائمة يحتاج إلى رؤية وإلى عمل استراتيجي خلال مأمورية كاملة، وهو الشيء الذي لم تقم به المعارضة بعد انتخابات 2019، والراجح أنها قد لا تقوم به بعد انتخابات 2024، وهو ما قد يحرمها من الوصول إلى الحكم في العام 2029.
إن أفضل ما يمكن أن تقوم به المعارضة في الوقت الحالي هو أن تبدأ من الآن في التحضير الجيد لانتخابات 2029، وذلك حتى لا تُكَرِّر نفس الخطأ الذي جعلها تدخل انتخابات 2024 دون تحضير ودون تهيئة الأرضية لوصولها للحكم. 
كان من المفترض أن تبدأ المعارضة في التحضير لرئاسيات 2024 مباشرة بعد الإعلان عن نتائج رئاسيات 2019، وذلك من خلال تهيئة الأرضية لوصولها للحكم، ولكن ذلك لم يحدث، وهذا هو ما جعلها غير مؤهلة اليوم للوصول إلى الحكم، بل إن وصولها للحكم  في الانتخابات القادمة قد يشكل خطرا كبيرا على أمن واستقرار البلد.   
خلاصة القول 
 إن التصويت لغير غزواني في انتخابات يونيو 2024 هو تصويت ـ بشكل أو بآخرـ  لعدم الاستقرار، ومن المؤكد أن بلادنا ليست بحاجة إلى عدم الاستقرار، وأن منطقتنا ليست بحاجة إلى دولة فاشلة وغير مستقرة تزيد من عدد الدول الفاشلة وغير المستقرة في المنطقة.
يتواصل إن شاء الله...
حفظ الله موريتانيا..