الوزير السابق إسلم ولد محمد في لقاء شامل مع موقع الفكر/ أريد أن يكون الرأي العام الموريتاني يقظا تجاه مصالحه وحقوقه

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد القامات الوطنية، ممن خبروا دروب الاقتصاد الوطني، وعايشوا تحدياته خاصة فيما يتعلق بقطاع التعدين حيث أجرى فيه بعض الدراسات، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر... في لقاء شامل يتناول واقع وآفاق قطاع التعدين في موريتانيا، وأبرز المعوقات والمشاكل التي تعيق تطويره، إضافة إلى بعض الأمور والقضايا ذات الصلة بالحكامة والاقتصاد والتنمية.. الخ.

فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم معالي الوزير إسلم بن محمد.

 

موقع الفكر: ما السبب في ضعف استفادة موريتانيا من ثرواتها المعدنية؟

الوزير إسلم بن محمـد: الثروة المعدنية موجودة فعلا، ومعروف منذ الخمسينيات أن موريتانيا بلد معدني لأن المؤشرات المعدنية في حقبة الاستعمار كانت معروفة، وفي نهاية الخمسينات بدأ بعض المستثمرين يفكرون  في استغلال الثروة المعدنية وعلى الأقل معدن الحديد، والحديد الذي كان موجودا في "كلب الغين" في الشمال قرب ازويرات كانت له ميزات خاصة فهو سهل الاستغلال ونسبة الحديد فيه مرتفعة جدا   تفوق 50% من الحديد الصافي، وبدأت شركة "ميفرما" باستغلاله برأس مال أساسه أجنبي وأعطوا موريتانيا نسبة 5% في تلك الفترة عام 1963 أي بعيد الاستقلال بقليل وبدأت باستغلال المنجم في ظروف كان طن الحديد في حدود 10 دولارات للطن الواحد، وقاموا باستثمارات لا بأس بها منها: سكة حديدية، وميناء في نواذيبو  وميناء خاص بتصدير المعدن، لكن طاقة الاستغلال لم تتجاوز 10 ملايين  طن للسنة وهي النسبة التي استمروا في استغلالها إلى يومنا هذا أو ربما تزيد قليلا أحيانا لتصبح 11 أو 12 مليون طن، وفي هذا العام نتوقع استغلال 12 مليون طن، لكن أسعار الحديد شهدت قفزة في السنوات الأخيرة .

وكان من المفروض أن تكون مردوديتها على الاقتصاد العام الوطني مرتفعة مع ارتفاع أسعاره، وكما تعلمون أممت موريتانيا هذا المعدن 1974 بعد إنشاء العملة الوطني 1973 وبدأت فعلا استغلاله، وبعد حرب الصحراء فرضت الأحداث على الأجانب اللذين كانوا موجودين بكثرة مغادرة البلاد، وبالتالي بدأت مرتنة أغلب أو جميع الوظائف الموجودة آنذاك.

وقد ساهم هذا في ضخ بعض السيولة على المستوى الوطني فقد كان أغلبها يذهب إلى الخارج، وعلى كل حال كان تأثيره خفيفا في النهاية، لكن ابتداء من 74 ومع بدء سياسة جديدة وبالطريقة التي أممت بها والتي كانت أقرب لعملية شراء من عملية تأميم، لأنه حسب المعلومات المتوفرة لدي فإن المستثمرين آنذاك عوضوا تعويضا أكثر بكثير من الذي كانوا سيحصلون عليه من السوق، وبعد أن دخلت الدولة في عدة مشاكل كالحرب بدأ سعر الحديد بالثبات في حدود 20 دولارا ولم يتجاوز  30 دولارا، كما أنه لم يحصل على قيمة حقيقية من السوق العالمية إلا في السنوات العشر الأخيرة مع أنه ارتفع كثيرا ونقص سعره، فقد بدأ سعره سنة 2007 – 2008 يتراوح ما بين 60 إلى 70 دولارا حتى وصل سعره 180 دولارا للطن فيما بين 2012 – 2013، ثم انخفض 2015، معنى ذلك أننا نحن تحت رحمة السوق الدولية ومع ذلك حدث الكثير من التغير في الزبناء الذين كان أغلبهم أوروبيين  وأصبحت الصين اليوم هي الزبون الأول، لكن انعكاس هذا علينا كدولة يظل دائما خفيفا، لأننا نقوم باستغلال مادة خام؛ والمادة الخام إذا قمت باستغلال ما ستأخذه  منها سيكون بسيطا لأنه فقط عبارة عن أحجار تجمع وتصدر خارج البلد، وما دمت لم تقم بإنشاء مصانع مرتبطة به، ولم تربطه بالاقتصاد الوطني وقمت على الأقل باستغلال محلي أو تصنيع أولي محلي  يجعلك مستفيدا من القيمة المضافة، لأن الحديد بذاته كأحجار قيمته المضافة ضعيفة جدا، وما نحصل عليه منه في النهاية مجرد أجور العاملين فيه أو بعض الضرائب التي تحصل عليها الدولة أحيانا وأحيانا لا تحصل عليها، هذا ما نستفيده من الحديد.

 

إذن فالحديد له قيمة كبيرة لكن لمن؟

قيمة كبيرة لمن  يحسن استغلاله فنحن عجزنا أن يحصل منا تفكيرأو أن ترغمنا الظروف أو أية وسيلة تمكننا على الأقل من بدء مرحلة تصنيع ولو بسيطة تسمح لنا بأن تكون الاستفادة من ثروتنا أكبر، وهناك أيضا سوء التسيير بكل أشكاله وأنواعه،  يتجلى في تسيير "سنيم" كمؤسسة صناعية، وسبق أن قمت بمقارنة في رسالة قدمتها في السلك الثالث حول المعادن  لاحظت من خلالها أنه  في التسيير وحده كانت "ميفارما" أفضل من حكومتنا كثيرا، لأن قرارات ميفرما كانت معقلنة ولن يحصل أي شخص على وظيفة لا يستحقها، ولن يحصل على وظيفة بلا مقابل، فاستوردنا لها العقليات المحلية ونظرتنا للأمور وثقافتنا "ثقافة لخيام" وفي النهاية أصبح ذلك  عبئا كبيرا عليها، فأصبح توظيف اليد العاملة فيها - والذين كان بعضهم يعمل بجد ويستحق العمل لأن اليد العاملة بصفة عامة يجب أن تستخدم عن استحقاق فيجب ألا يكتتب إلا من له أحقية- يخضع للكثير من المحاباة والمجاملات والزبونية مما  أوصلهم إلى خفض الإنتاجية، ومعنى ذلك أن المدة التي كنا نحتاجها لإنتاج طن من الحديد أصبحنا نحتاج ضعفها بسبب المشاكل التي تعلمونها كلكم، مثل سلوكنا ومسلكياتنا وتهاوننا مع الأمور ومحاباتنا إلى غير ذلك.. إذا نظرتنا للتسيير من المؤكد أنها تدهورت شيئا فشيئا بسبب طريقة التسيير، ولم نستفد كثيرا من الأسعار لأنه بدلا من عزل الشركة في جانب بعيدا عن السياسة و الاختيارات السيئة ونقوم بمراقبتها رقابة حقيقية بواسطة مجلس إدارة يضم كفاءات ليسوا سياسيين لديهم خبرة تمكنهم من احتساب تكلفة الطن وسعر بيعه ومتابعة السوق العالمية وبالتالي تكون هناك سلطة تقوم بالتنفيذ والتسيير، فلابد من الرقابة، والرقابة شبه معدومة على الثروة المعدنية بصفة عامة وشركة "سنيم" بصفة خاصة.

وهذا في الحقيقة هو الذي جعل الاستفادة من هذه الطفرة الكبيرة قليلة وبدل استثمارهذه الثروة الزائدة التي لم تكن منتظرة استغليناه استغلالا سيئا،  فقمنا فقط بإنشاء بعض المشاريع التي لا نتيجة لها، واستخدمناها في  أساليبنا في الترويج السياسي على حساب  المعادن والذي يجعل استخدام السياسة واستغلالها بهذه الطريقة، يجعل المؤسسة غير قوية وغير صلبة، ومعنى ذلك أن موازناتها المالية العامة تكون قوية حتى تتصدى للفترة السيئة، وتتمكن من استثمارات جديدة، وتتمكن أيضا من الدخول في شراكة مع مؤسسات أخرى تنشئ معها  مصانع للحديد الصلب أو تساهم في مراحل من التصنيع، أو تكون هي النواة في التصنيع للبلد، فالدول لا تتقدم إلا بالتصنيع ولا يمكن أن تحصل الوظائف إلا بالتصنيع، أما استخراج المادة الخام وتصديرها للخارج  فهذا أمر لا مردودية له على البلد وهو الأمر الذي تخصصنا فيه منذ إنشاء البلد إلى اليوم.

وعندما حصلنا على الذهب لم نفكر في أنه يمكننا استغلاله استغلالا أفضل، ففضلنا فعل ما رأيتم كلكم، إما الفوضوية، وإما أن يعطى لمستثمرين أجانب لا يمكنك مراقبتهم مراقبة شاملة وليست لديك وسائل لذلك، وجهازك الإداري ضعيف جدا. والجماعات العاملة في المجال لا تملك القناعات ولا الضمانات ولا الإرادة، وأحيانا لا تملك من الكفاءة ما يجعلها  مصدر خوف؛ ليحترمها المستثمر الأجنبي ويخاف من خرق القانون أمام أعينها وهذا كله مرتبط بالأمراض التي أخبرتك بها سلفا وهي المحاباة، والمجاملات و عدم الجدية وهذا هو ما نجني ثماره في النهاية، فإذا أردنا الاستفادة من ثروتنا يجب علينا أن نكون جادين، وأن تكون لدينا إدارة محترمة يُتعامل معها باحترام ليس بالسذاجة ولا بالخفة، وأن نحاسب الكل فمن عمل صالحا سيُرى عمله، ولا يمكن أن نتجاهل دائما الأمور السيئة، فالتسيير يتطلب الشفافية ويتطلب المساءلة ويتطلب تفكيرا واستيراتجية، وأول استيراتجية قامت بها موريتانيا للقطاع لم تنفذ حتى الآن، فقط تم إعدادها ولم يجر تنفيذها، والمهم ليس فقط التنظير بل التطبيق أيضا؛ والتطبيق بجدية.

وهناك أيضا أنه لدينا رأيا عاما ومجتمعا وشعبا ليس طموحا في المرحلة الحالية نرجو من الله أن يرزقهم وعيا، وأن يطالبوا ببعض حقوقهم وأن يعلموا أن هذه أملاكهم وأن ما لدينا من ثروات ليس ملكا شخصيا بل لكل المواطنين، وللأجيال المستقبلية، وهذا الوعي الجماعي هو الذي ما زال ينقصنا.

 

موقع الفكر: هناك من يقول أن شركة "ميفارما" عرضت أصلا على الموريتانيين أن تقرضهم الشركة بمبلغ 30 مليون دولار وبعد سنة اشترت موريتانيا نصيب ميفرما من الشركة ب90 مليون دولار، فما صحة ذلك ؟

الوزير إسلم بن محمـد: ما قلتم تقريبا هو ما بلغني وهو ما حصلت عليه من معلومات آنذاك، لكن بخصوص أسبابه وأغراضه لا علم لي بها، والنظام في تلك الفترة لم يكن مشتهرا بأنه نظام رشوة، والرشوة فيه كانت قليلة ربما يكون تقديرهم له جرى بتلك الطريقة في ذلك الزمن عموما لا أملك عنه معلومات كافية تمكنني من الجزم بأي شيء والوقائع هي كما ذكرتم، وهناك البعض من المسائل لا يعرفها إلا المعنيون بها في ذلك الزمن والله أعلم، لكنه موضوع بحث للتاريخ فقط لأنه تقادم، ويمكن أن يكون خطأ، فالإنسان يمكن أن يكون نزيها ويقوم بخطأ بصفة سليمة ولكن لا يخطئ مرتين ولا ثلاثة ولا عشرة، يخطئ فقط مرة واحدة ولذلك أكتفي بالقول لا أعلم.

 

موقع الفكر: يقال إن الأجانب ظلوا ممسكين بكل شيء في شركة "سنيم" حتى سنة 1980؟

الوزير إسلم بن محمـد: ساعد في ذلك ما أخبرتك به آنفا وهو حرب الصحراء ؛ لأن حرب الصحراء كان من انعكاساتها إذا أمكننا التحدث عن الانعكاسات الإيجابية أنها فرضت على أهل موريتانيا - نظرا لذهاب الآخرين- أن يتكيفوا مع الواقع وأصبح  الواقع يفرض  خيار المرتنة، فالمرتنة جاءت بهذه الطريقة ولكن صاحبها -إذا نظرنا إلى الأرقام- الكثيرة من ضعف الترشيد الداخلي لأنه يتطلب الخبرة والتجربة والمعرفة، ويتطلب أيضا الصرامة، فنحن الموريتانيين حتى الآن لا نجيد الصرامة.

 

موقع الفكر: ما هي تفاصيل ما جرى في معدن النحاس؟

الوزير إسلم بن محمـد: النحاس لا يتوفر منه الكثير، ولم يكن خالصا فقد كان مشوبا بالقليل من الذهب ومعدن آخر يسمى "السيلس".

وأنشئت له تجربة في تلك الشركة المسماة "ميكيما" التي أصبح اسمها فيما بعد "سوميما"، وقد أخذته في وقت كانت أسعاره تشهد طفرة كبيرة، حيث وصل سعر"اللفير" الإنكليزي - وكان يباع أساسا في سوق صغيرة في "لندن" تسمى "لوندر متال اكسشانج londre metal exchange" - إلى 1400 أو 1500 جنيه استرليني بريطاني و كان يباع فقط ب300 أو 400 جنيه استرليني بريطاني، وأصبح في الحقيقة مربحا، وتم افتتاح الشركة في تلك الظرفية التي كان النحاس فيها رابحا وعندما انخفض سعره أغلقت، وظلت مغلقة –  لفترة تقدر بعقد أو عقدين كان ظرف أكجوجت فيها سيئا – حتى ارتفعت أسعار النحاس وأصبحت هنالك وسائل تقنية يصفى بها الذهب والنحاس، وأصبحت الشركة تنتج القليل من الذهب والكثير من النحاس من بقايا المعدن الذي

 خلفته الشركة الأولى، وأنشأت له هذه الشركة التي تعمل فيه الآن منذ 3 سنوات تأخذ ما تبقى منه أساسا وهو الآن على وشك النفاد، ومن المتوقع أن تكون الآن في نهاية مطافها.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في عقود التقاسم مع شركات المعادن؟

الوزير إسلم بن محمـد: رأيي في هذه العقود بسيط، فكل شيء غير شفاف وليس مبنيا على دراسة كل ما يجرى فيه سيكون تحت الظلام، فالحكومات المعنية في فترة تلك العقود وفي زمنها من الممكن أن تكون أجرت تلك العقود على أساس صحيح، ولكن كل أمر غاب عنه الإعلام ولا توجد فيه شفافية يكون هكذا، فدوركم أنتم وسائل الإعلام دور أساسي ودور الرأي العام مهم  لأن كل الحكومات تتعامل مع مجتمعها حسب الطلب، فإذا كان الرأي العام له حضور قوي ولا بد أن يدقق في كل الأمور لن تتجرأ الحكومات على الخروقات الخطيرة، ولكن في تلك الفترة لم يكن هناك رأي عام ووسائل الاعلام غير متوفرة وهناك غياب تام للمساءلة، وأنا شخصيا  كنت مطلعا على ما يجري في الساحة ولم يسبق أن رأيت دراسة متعلقة بمبررات وأسباب أي تصرف عمومي من هذا القبيل، وهذه ثغرة كبيرة.

ربما يكون في البداية هناك نوع من السرية لكن إذا تم إبرام الصفقة من المفروض أن يزود الرأي العام بمعلومات عن جميع جوانب الصفقة؛ لأنها لم تعد سرية ولم تعد فيها أي مشكلة، ومع الأسف ما زالت ثقافتنا في المساءلة والتقويم ضعيفة، فكل البلدان المتطورة تقوم بتقويم سياساتها في كل خمس سنوات على الأقل، وكما تعلم هذا الذي كنا نقوم به في نطاق سياسة دعم المواد الأساسية في الريف والفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، مثل هذه الأمور عندنا لا توجد له دراسة تقويمية تمكنك من معرفة ما إذا كانت هناك سياسة مجدية أم لا، وربما تكون هناك نواة دراسة تعطيك صورة عن أن ما سيحصل عليه المستفيد النهائي أكثر منه استفادة الآخرين اغير المحتاجين له، وأنا سبق أن اطلعت على دراسات من هذا الشكل، وبالتالي كل شيء يجوز والباب مفتوح لجميع الاحتمالات لكن من كان مسؤولا ومنصفا لا يمكنه أن يجزم أو يقرر أو يصل لخلاصة نهائية لا يمتلك عنها أي معلومات أو معطيات دقيقة.

موقع الفكر: ما أهم المعادن الموجودة بموريتانيا؟

الوزير إسلم بن محمـد:  توجد عدة معادن غير معروفة كثيرا، ولكن نحن دراساتنا ناقصة، فتصور أن هذا الذهب موجود منذ قديم الزمن، ولكن فقط نحن لم نكن ننقب عنه ولم نكن نسأل عن الأمر، ولم نكن نحصل على المعلومات الكافية إلى أن أصبحت القضية الآن بالوضعية التي يعلمها الجميع، والشركة التي تستغله أولا قامت بإنشاء مصنع صغير لكن بعدما تأكدت أن المخزون أكبر من ذلك بكثير أصبحت تريد مرحلة أخرى، وتريد أن توسع المنجم من أجل استغلاله، حتى التنقيب التقليدي لم يكن موجودا أو إذا كان موجودا كان يتم بصفة سرية تستفيد منه فقط جماعات قليلة، والآن أصبح نشاطا واسعا.

نفس الشيء أيضا الآن من المؤكد وجود اليورانيوم، والجبس موجود هنا من قديم الزمان لكن استغلاله يتطلب جهودا كبيرة، لأن المعادن عندها العديد من المشاكل  منها: هل يوجد مخزون كاف من المعدن  يمكن أن يسوغ الاستثمار فيه، هل الظرفية الاقتصادية والجغرافية تسمح باستغلاله، وهل سعر السوق العالمية – لأنك لن تبيع هنا – يسمح باستغلاله.

إذا لا بد من دراسة جدوائية، اقتصادية، ومالية، وصعوبة هذه الدراسة تكمن في أن الموازين دائما تتغير، فالسوق العالمية كما كنت أقول لك تتغير دائما  وكما ذكرت لكم في مسألة السعر، لأن السعر إذا ارتفع يظن المستثمر أنه سيظل مرتفعا لمدة طويلة من الزمن وهو فقط اختيار، فإذا هبط هبوطا قويا ورأى أنه لن يرتفع مجددا يغلق مصنعه لأنه لن يواصل تسييره فهو ليس باحثا عن الخسارة، بل هو  تاجر ذكي.

 

موقع الفكر: ما هي ملاحظاتكم السلبية على عقود تقاسم الانتاج  مع تازيازت؟ وهل صحيح أن العقد الأخير أسوأ من العقود الأولى؟

الوزير إسلم بن محمـد: بالنسبة للعقد الأول أجري في ظروف سيئة، وأنا سبق أن قارنت بين العقد الأول والأخير ولا أرى أنه أسوأ منه للأمانة، ولكن لا يختلف عنه كثيرا، ومن نقاطه السلبية أننا لا نمتلك طريقة تمكننا من معرفة هل الإنتاج الحقيقي وجودته مطابقة لما تقول الشركة، وأنا الآن إذا قمت بمقارنة إنتاجهم مع إنتاج شركة كبيرة تنتج 5 أطنان من الذهب للعام مع إنتاج هؤلاء المنقبين التقليديين الذي يعملون بأيديهم ولا يمتلكون أية وسائل يكون إنتاجهم في حدود الطن،  وأحيانا يقال إنه ربما يكون إنتاج المنقبين نصف إنتاج الشركة والأرقام الرسمية هي ما قلت لك، نجد أن  ما تقوم به الشركة تحوم شبهات وتساؤلات عن إنتاجها الحقيقي، وعن جودته، وعن مستوى الرقابة المالية، والمردودية على البلد وعلى الاقتصاد تقتضي مراقبة حسابات الشركة المالية ومدققيها.

 

موقع الفكر: هل القانون يسمح بأن يستثمر في قطاع المعادن مستثمر غير موريتاني؟

الوزير إسلم بن محمـد: القانون يسمح بذلك، فالقانون المعدني يسمح للشركات أن يجلبوا استثمارا في ظرفية معينة، لأن الدولة لا تعد القطاع المعدني من القطاع الخاص.

 

موقع الفكر: هل يمكن لمحكمة الحسابات أن تفتش وتدقق حسابات المؤسسات الأجنبية؟

الوزير إسلم بن محمـد: لا، ولكن هناك تدقيق آخر، فالشركة ملزمة كل سنة وأحيانا كل ستة أشهر أن تكون هناك ميزانية عامة " le bilan"، وتلك الميزانية لها مدققان تتولى الحكومة الموريتانية تعيينهم وكلهم يقوم بتزكية هذه الحسابات وما فيها من مسائل أوتبيين اختلالاتها، ومن المفروض أن المؤسسات الكبرى التي تقوم بالتدقيق المالي تحاول أن تكون لها دائما سمعة جيدة، وأن لا تقوم بما يمكن أن يكون سببا في ملاحقتها قضائيا مقابل فتات قد تمن به عليها تازيازت، ونحن لدينا ثغرة أقوى من كل هذا وهي أن الجماعات التي تقوم بالتدقيق المالي فيها الكثير من الفوضى وعدم المساءلة، فالمدقق الذي يقوم بتدقيق مالي لشركة ويقول إنها جيدة و ليس فيها مشكلة وبعد ذلك بسنة تفلس هذه الشركة، هذا يعني أن تزكيته للحسابات كانت تزكية محاباة وعقوبة صاحبها في كل بلدان العالم هي السجن مباشرة.

فالمدقق إذا دقق في حسابات أي مصرف أو مؤسسة أو هيئة وهو يتلقى على هذا أجرة ولاحقا يظهر في تفتيش آخر أن ما كتبه كان غير دقيق ولا يمكن أن يكون قد غفل عنه، له خياران: أولا إما أن يكون لا يتوفر على أية شهادة ولا كفاءة ويجب أن يعاقب على ذلك إذا كانت شهادته مزورة، وثانيا يجب أن نعلم أنه متواطئ و متمالئ وإذا وجدت أدلة على ذلك بها ونعمت، وإذا لم تتوفر أدلة على ذلك تظل هناك شبهات قوية، وبالتالي لا يمكن أن يستمر في إجراء التدقيق؛ لأن التدقيق يتطلب النزاهة، والنزاهة معيارها الأساسي النتيجة، فلا يمكن أن يقول مدقق إن شركة جيدة ويعطي عنها تدقيقا ماليا لمدة عقد من الزمن أو مدة خمس سنوات وتفلس فجأة من دون مبرر، وربما إذا أجري تدقيق يتضح أنه وجد تبريرا بعد ذلك كهبوط الأسعار بصفة مفاجئة مثلا ففي هذه الحالة لا يتحمل أية مسؤولية.

 

موقع الفكر: ما أبرز التجاوزات التي تمارسها شركات التعدين في مجال البيئة؟ وما مستوى الرقابة في ذلك؟

الوزير إسلم بن محمـد: تازيازت من المؤكد أنها في الفترة الماضية كانت لها حماية سياسية وإدارية واضحة، والشبهات حولها موجودة، الحكومة الأمريكية لاحظت عليها شيئا من عدم الشفافية وهو الأمر الذي اعترفوا به رسميا، وقالوا إنهم طردوا المسؤولين بسبب تلك الاختلالات وأنهم صححوا المسار أو تنظيمهم الداخلي.

إذا رأيت بعض اختيارات الشركة، ورأيت زبناءها وموظفيها تدرك هل هناك تواطؤ أم لا، وهذا يدركه كل عاقل، فأنا لا يمكنني أن أقول لك إنهم قاموا باختلالات معينة لأنني لست حاضرا معهم، ولكنني أعلم أن الطريقة التي يوظف بها الأشخاص إذا دققنا في روابط أولئك الأشخاص يمكنك أن تعرف إذا كانت هناك زبونية أو محاباة.

 

موقع الفكر: ما علاقة الجيش بخدمة المعادن، فهناك ضباط توفوا وقيل حينها أنهم كانوا يحرسون ذهب تازيازت؟

الوزير إسلم بن محمـد: هذا عمل الصحافة فنحن دورنا فقط الأرقام والأمور المشابهة لذلك، والتدقيق في مثل هذه الأمور يحمل طابعا بوليسيا وإداريا أكثر منه تدقيقا علميا، فلو كنا في مجتمع عنده رأي عام وصحافة جادة سيتم تدقيق كل هذا، لأنه لا ينبغي أن ترد شبهات إلى الإعلام وتتم إعادتها إلا وأجري تفتيش وتدقيق، ويتم التحقيق في صحة هذه المعلومات ويقدم بلاغ للرأي العام ينفي الواقعة أو يثبتها، وإذا كان الأمر غير صحيح تكون هناك مساءلة للأشخاص الذين يروجون الإشاعات الكاذبة، لكن هناك يد خفية تود أن يبقى الأمر دائما على هذا الحال.

 

موقع الفكر: هل تملكون معلومات عن أسباب تغاضي السلطة الحالية عن ممارسات شركة تازيازت؟

الوزير إسلم بن محمـد: لا أملك أية معلومات عن الوضعية الحالية، فأنا رأيت حديثا عن الاستراتيجية المعدنية والسياسة المعدنية وتحريك هذه الملفات مهم لأنها هي الطريق التي يمكن من خلالها مراقبة المعادن، وسيكون هناك موقف موحد من جميع الفاعلين في القطاع وهذه بداية جيدة، لأنها بداية شفافة وتخدم الشفافية.

أما الممارسات اليومية والأشخاص والمنفعة والطريقة التي يحصل بها، كل هذا يتطلب إرادة سياسية، والإرادة السياسية تتجلى في ألا يكون المسؤولون الممثلون للدولة قد تم اختيارهم على معايير سخيفة، بل يجب أن تكون هناك معاييرموضوعية ومحترمة، فكل شخص بإمكانه إعداد سيرة ذاتية ولكن هذه السيرة الذاتية لن يدقق فيها ولن يتم التأكد من صحة الشهادات التي بها، والناس كلهم معروفون ومعروف منهم من هو نزيه ومن هم عكس ذلك.

 

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لواقع "سنيم"؟

الوزيرإسلم بن محمـد: جميع من ينظر إلى كل هذه الجزئيات بنظرة شمولية وعامة يعلم أنه إذا كانت الحكامة غير رشيدة فكل هذا يجوز والباب مفتوح لكل هذه التجاوزات، والبشرمتشابهون فنحن لا يمكننا أن نقول إن اليابانيين أكثر نزاهة من الموريتانيين ولا أن الفرنسيين أكثر نزاهة من البريطانيين هذا غير صحيح، والطريقة الوحيدة لسد هذه الفجوات هي أن يكون هناك نظام أغلق الباب أمام مثل هذه التجاوزات، وحتى أنه لو لوحظ أي أمر مخالف للقوانين التي تم سنها معناه أنه شاذ، إما أنه غلط – وحتى الغلط يعاقب عليه –، وإما أنه تواطؤ والتواطؤ  له عقوبة جنائية أقوى من ذلك.

ما دام كل هذا غير مطروح ورؤساء الإدارات لا يسأل عنهم هل فيهم مواصفات الأشخاص الذين يمكن أن يقوموا بهذه المسؤوليات أم لا، فربما يكون هناك شخص نزيه ولكنه جاهل، وربما يكون نزيها وساذجا، وربما يكون نزيها أكبر نزاهة ممكنة ولكنه غير مطلع على الأمور فما الفائدة منه؟!

معنى هذا أنه لا بد من انتقاء الناس على أساس خبراتهم والخبرة لا بد أن تكون معها بعض النزاهة، والنزاهة في حد ذاتها ليست متوقفة عليك بل متوقفة على نظام ومسائل من انتهكها تكون نيته سيئة ومن عمل بهم لن يأخذ إلا القليل، وهذا هو النظام الذي يجب القيام به ونحن بعيدون عنه.

 

موقع الفكر: ألا ترون أن مجالس الإدارة ونواب المديرين ليسوا أكثر من وسائل لتبييض الأموال؟

الوزير إسلم بن محمـد: هم أشكال، فالإصلاح الإداري يتطلب أن تكون هناك مجموعة لا تنظر إلا للمصلحة العامة، وخلال هذا التفكير يكتب ما هو مبرر وغير مبرر لكل هيكل تنظيمي،  وكلما ما هو غير مبرر وليس لديه أي عمل يقوم به يعتبر محاباة وزبونية، ومعناه أن تؤخذ أموال عمومية لتعطى للبعض بغيروجه حق وفي أغلبية بلدان الغرب تكون مثل هذه الأمور جناية، فإذا كنت مدير مؤسسة عمومية أو وزيرا أو مسؤولا عموميا واخترعت وظيفة لا أساس لها، وصاحبها ليس له أي عمل يقوم به ولم تبرر ذلك في هيكلك التنظيمي تحاكم جنائيا لأنك اختلست هذه الأموال، ويقال له بالفرنسية  détournement"".

وهذه مرحلة نحن لم نصل إليها بعد لكنها هي المعمول بها في العالم، ولذلك أغلبية النفقات العمومية إذا نظرت في نجاعتها تجدها ناقصة؛ لأنها لا تراعى فيها المردودية، إما مردودية إدارية أو مردودية مالية، وأحيانا تكون هناك مردودية اجتماعية كأن يؤخذ أحد لا يمكنه كتابة اسمه ليجعل أستاذا وهو غير قادر على الكتابة ولا يمكنه أن يدرس.

 

موقع الفكر: ذكرت المفتشية في تقريرها أن رئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات ممن ساهموا في بيع أرض لتلك المؤسسة؟

الوزير إسلم بن سيدي: هذا موضوع آخر، فإذا كانت هناك إرادة سياسية فجميع الناس الذين يعملون في الإدارة قليل منهم من سيقول لا في ظرفية كظرفية المجتمع الموريتاني، وليس ذلك دفاعا عنه ولكنه دفاع عن الواقع، ومع الأسف من يملك السلطة التنفيذية في موريتانيا يملك من الصلاحيات والامتيازات ما يجعل مقاومته غير ممكنة، حتى القطاع الخاص لا يمكن أن يقاومه ولا يمكن أن يقول لا، وفي النهاية هو المسؤول الأول، فهو يجب أن يرفض، والكل يمكنه أخذ صلاحياته ولكن فقط في النطاق الصحيح و في الطريق التي رسمت له وإذا انحرف عنها تجب مواجهته، ومثال ذلك إذا ذهبت مع سائق وانحرف بك عن الطريق التي رسمت له ستوقفه هناك.

 

موقع الفكر: ما معلوماتكم عن حجم الثروة المائية الموجودة في موريتانيا؟

الوزير إسلم بن محمـد: بصفة عامة ما يسمى عندنا بميزانيات البحث العلمي غير موجودة أو ضعيفة جدا، وسبق أن أجرينا دراسة حاولنا من خلالها تحديد مخصصات البحث العلمي في الميزانيات الموريتانية ووجدنا أنه أقل من 1%، وحتى في المعادن التي يحبها الناس ويبحث عنها المستثمرون، مستوى البحث عنها ضعيف جدا، ونفس الشيء ينطبق على المياه، فنحن لدينا مياه جوفية، والبحيرات المعروفة أغلبها مستغل، ومصادر المياه المعروفة باستثناء مياه نهر السنغال، هناك مثلا بحيرة "إديني"، والتقديرات التي تتحدث عن حجمها ومخزونها غير دقيقة فهناك من يقول إنه لو استغلتها نواكشوط مدة قرن من الزمن لكفتها، ولكن كل هذا بحاجة إلى دقة، وحجمها ليس معروفا بدقة لكنها بحيرة هائلة، وكان لموريتانيا موقف رشيد منها حيث قامت بتخزينها واستغنت عنها بالنهر وكان قرارا صائبا، وهناك أيضا بحيرة " الظهر" التي بدأنا استغلالها ولكن مخزونها غير معلوم، فمخزون المياه الجوفية من الصعب معرفته ويتطلب مجهودا واستثمارا قويا لكي تعرفه بدقة حسب معلوماتي وأنا غير مختص، لكن حسب معلوماتي العامة أن هناك بعض البحيرات التي يمكن استغلالها وأن هناك أيضا الكثير من المياه السطحية التي تغذيها الأمطار وبعضها يغذيه النهر، وحتى النهر أيضا تغذيه الأمطار وتزيد من مستواه، وهي قادمة من غينيا من "فوتاجالو" ويمر بعدة دول ويصلنا نحن كآخر محطاته، والكثير من المياه العذبة إذا لم يتم استغلالها تذهب للبحر قرب انجاكو.

والتحدي الحقيقي الذي نواجهه  ليس هذا، فنحن نحصل على الكثير من المياه في موسم الخريف ولا نستفيد منها، وأغلبية البلدان تستغله فتنشئ له خزانات وتقوم بتخزينه، وتبقى عندها المياه حتى في زمن الصيف، لأن جميع الدراسات الاستراتيجية تقول إن الحروب المستقبلية في العالم ستكون بسبب المياه، وبدأ هذا فعلا كما حدث في السد الأكبر في إثيوبيا والتحدي المطروح أمام السودان ومصر (النيل)، ربما لم يصلوا لمرحلة الحرب ولكنهم قريبون منها لأنهم لم يتوصلوا لأي حل، وفي الحقيقة هذا من الأبعاد الإستراتجية لكياننا ووجودنا على هذه الأرض، لكني أظن أنه يجب أن يكون هناك استغلال رشيد للثروة المعدنية والمائية، بل ربما الماء أكثر أهمية من غيره.

 

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لمستوى الاستفادة من نهر السنغال؟

الوزير إسلم بن محمـد: مشكلة استغلال نهر السنغال هي أنه مشترك بين عدة دول ويتأثر بسياسات تلك الدول، وكل واحدة من تلك الدول تريد أن تستفيد منه أكبر استفادة ممكنة، وهنا تكون قضية خبراء وتسيير وحكامة داخلية في كل دولة، ففي تقسيم الوظائف دائما ترسل بعض الدول موظفا سيء الصيت والسلوك وتتأثر من ذلك المنظمة ومشاريعها، وهذا هو الذي أفسدوا به الطيران الإفريقي "إير آفريك" التي كانت شركة للنقل الجوي مشتركة بين أغلبية الدول الإفريقية في هذه المنطقة ومقرها كان في آبيدجان، وكانت في الحقيقة مشكلتها الأساسية هي التسيير، فكان يرسل إليها من جميع البلدان موظفون تم توظيفهم بمحاباة في وظيفة فنية تتطلب الجهد ولا تمكن معاقبتهم، فكل موظف يفضل مصالح بلده حتى أفلست الشركة وانتهت.

 

موقع الفكر: ما هي المشاكل البنيوية في قطاع الزراعة؟

الوزير إسلم بن محمـد: الزراعة تطرح العديد من المشاكل، ومشكلتها الأولى هي الملكية الأرضية، فالمشكلة العقارية في الحقيقة تشكل تحديات قوية؛ لأن هناك أراضي شاسعة ملكها إما لأفراد أو جماعات قبلية فإذا كان هناك مستثمر يريد استغلالها منعوه وهم ليست لديهم وسائل لاستغلالها ولا يطمحون لذلك.

بالإضافة إلى أن اليد العاملة غير ماهرة وليست موجودة بكثرة، وهناك أيضا مسألة وهي أن التقنيات والوسائل غير متاحة لأن الزراعة اليوم في أساسها تتم بطريقة "ميكانيكية"، بلغ عدد العاملين في القطاع الزراعي  في أوربا مطلع القرن العشرين 30%  من اليد العاملة لسد حاجياتهم الغذائية، والآن يعمل في هذا القطاع مابين 1% إلى 2%، حسب البلدان لأن أغلبية العمل اليوم يتم بصفة علمية عبر استخدام التقانة ، والترشيد، والملكية لاتطرح  إشكالا وهذا هو ما يجب علينا فعله.

فنحن إذا لم نؤمن حماية لزراعتنا ونرسل منتجها في الأسواق لتتنافس مع زراعة المغرب، والجزائر، والصين، وهولاند، وفرنسا، لن نتمكن من منافستهم والظروف غير متساوية والوسائل مختلفة، ونحن كنا في آدرار وروصو في موسم الشتاء إلى بداية موسم الصيف يكون لدينا بعض الخضار والفواكه يمكن أن تغذي سوق نواكشوط، لكن المنتجات التي تدخل سوقنا من الشمال بثمن بخس وبكميات هائلة وفي جميع الفصول فأصحب إنتاجنا غير منافس.

إذا، لا بد من حماية والحماية وحدها لا تكفي، فلا بد أن تصاحبها سياسة حقيقية لتشجيع الزراعة، وألا تكون مثل التشجيع في الفترات الماضية كتشجيع الأرز والبنك والثروات التي استغنت منها جماعات الهدف عندها لم يكن الزراعة بل الهدف عندهم قروض يحصلون عليها ولن يسددوها وهذا هو ما كنا نعيشه؛ فيجب أن تكون الزراعة عندنا مهنة والتعاونيات التي سيتم إنشاؤها تكون تعاونيات مهنية وأن تكون هناك رقابة حقيقية وأن تكون الأمور جدية وأن ينظر للنظام العقاري من زاوية المصلحة العامة ومن الزاوية القانونية وأن يكون هناك حل  للمشكلة العقارية، فقد تم إنشاء قانون عقاري 1983م. لكنه لم يطبق.

 

موقع الفكر:هل توافقون أن ضعف أجهزة الدولة أدى لخروج بعض المستثمرين بسبب كثرة العوائق التي توضع في طريقهم؟

الوزير إسلم بن محمـد: هذا ماذكرته لكم سلفا،  فالدولة أقرت قانونا 1983م. والذي منعها من تطبيقه هو أن البداية يجب أن تكون بتقوية جهاز الدولة وسلطتها، وأن تكون قادرة على تطبيق قوانينها وبغير ذلك سيبقى كل شيء هشا مع الأسف.

والعلاقة بين الحكامة والمجتمع والإنتاج علاقة واضحة، بالإضافة إلى أن عدم خبرتنا وعدم خبرة اليد العاملة تجعل مردودية الإنتاجية الاقتصادية ضعيفة، ففي السابق أمضينا فترة من الزمن ننتج 4 إلى 5 أطنان للهكتار وهناك بعض البلدان تنتج 8 و9 و10 و12 طن للهكتار، وأرضنا ليست أقل شأنا من أرضهم، وبإمكانكم المقارنة بين مردودية منطقتي جنوب وشمال نهر السنغال ومقارنة إنتاجهما، وحتى المقارنة بين حالتهما إذا مررت من هناك على متن طائرة فالجانب الموالي لبلدنا جرز قاحل، والجانب الموالي للسنغال أخضر وهنا تتشكل عندك صورة أننا نحن بحاجة إلى العمل وعندنا مشاكل في العمل.

 

موقع الفكر: نود منكم أن تحدثونا عن النقاط المضيئة في القطاع الزراعي الموريتاني  وتلك المظلمة؟

الوزير إسلم بن محمـد: بالنسبة للنقاط المضيئة، فإن الأرز قد شهد تقدما بطئ مع الزمن والتجربة، حتى أصبحنا لا نستورد منه إلا القليل، 50 إلى 60 ألف طن للسنة، في حين أننا كنا نستورد 300 ألف طن للسنة كحاجياتنا المتوسطة كنا نستوردها كلها أوجلها، وفعلا عرف تقدما، لكن هل هذا التقدم قابل للاستمرار؟ أم غير قابل للاستمرار؟ المهم أنه شهد تقدما.

أما بخصوص الفواكه، وكل الخضروات الغذائية فإننا لم نستطع بعد السيطرة عليها ولا يمكن أن ننافس فيها، ولا زال إنتاجها  ضعيفا جدا، ولكن هناك تجهيزات، وكل ما نقوم به من عمل متعلق بالأرض، إما ناقص الدراسة أو ناقص التنفيذ، وهذا يرجعنا السؤال عنه وإعداد تقويمات حوله إلى مدى الجدية عندنا.

 

موقع الفكر: هل اطلعتم على سبب فساد الأرز في السنة الماضية؟

الوزير إسلم بن محمـد: نعم، فتلك قضية تكلمت عنها الصحافة، والمفروض أن الحكومة  يجب أن تجري في هذه المسألة تدقيقا بشكل مستعجل عن طريق الاستعانة بخبراء يجرون دراسات حول الأمر ويقومون بما يرونه صحيحا بطريقة شفافة وتسلم النتائج للصحافة، فإذا كان سبب الفساد طبيعيا لا تكون هناك عقوبة لأنه أمر الله وليس للإنسان فيه دخل ولم يتسبب فيه ومثال ذلك أنه إذا لم ينزل المطر فلا مسؤولية لأحد عن ذلك، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بتقصير فيجب أن يعاقب المسؤول عنه، وعقوبته تتراوح من الإداري إلى الجنائي.

 

موقع الفكر: هل أظهرت أزمة كورونا و إغلاق الحدود حاجة موريتانيا للسعي في تأمين غذائها بنفسها؟

الوزير إسلم بن محمـد: طبعا أظهرتها "فكورونا" قامت بتعرية جميع البلدان في العالم وأظهرت نواقصها، ومن ذلك ظهر أننا بحاجة إلى سياسة غذائية، وأظن أنني سمعت أن الحكومة الحالية أخذت الدرس بعناية، وأنه يجب أن يكون هناك استثمار وعمل جدي في الاكتفاء الغذائي على الأقل من الخضروات غير المتوفرة كثيرا، ومن بعض الفواكه، من أجل أن يحصل تقدم في سد حاجية المواطن على الأقل.

وهناك أيضا كما أخبرتكم سابقا بعض المشاكل البنيوية التي تحتاج أن تتوفر لها مسائل أقوى، منها إجماع وطني، فلا بد أن يتوافق جميع الطيف السياسي على سياسة تصلح للبلد، فأنا إذا كنت حاكما وقد انتخبني 60% أو 70% من المجتمع فعلا أكون في وضعية قانونية صحيحة، ولكن أخلاقيا وسياسيا لدي مصلحة في أن تكون النسبة الباقية متفهمة لما أقوم به في صالحهم.

 

موقع الفكر: ما هي رؤيتكم لواقع ومستقبل قطاع الصيد؟

الوزير إسلم بن محمـد: قطاع الصيد مثل القطاعات الأخرى التي كنا نتحدث حولها، فمشكلته أن 95% من إنتاجنا يستخرج من البحر ويذهب إلى الخارج، وفي فترة سابقة من الزمن قبل عقدين كان أكثر من نصف الإنتاج لا يصل نواذيبو ولا نواكشوط بل يقومون بصيده من البحر و"يتراسبوردوه" في البحر ويذهب إلى الخارج دون أن نراه، فلا نرى منه إلا بعض الأوراق فقط،ونحصل منهم أحيانا على ضرائب وأحيانا على "ليسانس" وأحايين أخرى لا نراه.

وهناك تحسن يكمن في نقص تلك النسبة فعلى الأقل يكون ما يؤخذ من مياهنا الإقليمية أكثريته ترى في نواكشوط أو نواذيبو أو ميناء تانيت الجديد، وفعلا عرف قطاع التثليج والتبريد تحسنا ليس كبيرا ولكن أصبح المنتوج الذي لم يتم بيعه يمكن أن نصبر عليه فترة من الزمن حتى يرتفع سعره، وأحيانا ينخفض السعر انخفاضا يجعلك غير قادر على بيعه، ويفرض ذلك عليك أن تحافظ عليه في الأرض، فحفظه على الأرض له تكاليف ويتطلب أيضا منشآت قادرة على ذلك، ويمكن أن تكونوا سمعتم أنه في بعض الأحيان إذا كثر المخزون جدا في الأرض نبيعه بثمن بخس وتكون هناك خسارة وهذه أساليب بدائية.

ونحن ما زلنا إلى الآن نعجز عن إيجاد وسائل تمكننا على الأقل من معالجة  بعض أنواع السمك محليا؛ معالجة نتمكن بها من وضعه في أكياس، أو نصنعه تصنيعا بدائيا، لا أن يذهب بطريقة سمكة أخذت من هنا ويتم إرسالها للخارج، وهذه هي المشكلة المطروحة.

والآن في الظرفية الدولية من 3 أيام أو 4 دخلنا في منظمة تجارية جديدة تسمى بالمنطقة الحرة الإفريقية "زليكاف"  تفتح الحدود بين بلدنا وإفريقيا وهي منظمة كبيرة صادقت عليها أغلبية الدول، و34 من هذه الدولة صادقت عليها برلماناتهم وقاموا بما يسمى les instrument de ratification"، وفي هذا النطاق يمكننا نحن وبعض البلدان الإفريقية المجاورة أن نتفق على التصنيع؛ لأننا نعمل من أجل قارة كاملة سكانها أكثر من مليار نسمة فبهذا تكون السوق قد توسعت، فنحن كان من معوقاتنا ضيق السوق، ومع ضيقها في استهلاكها للسمك قليل، والآن لم يعد أمامنا ذلك العائق، ولكن هذا يتطلب سياسة جديدة، ومستوى جديد من التفكير والهمة، والتنظيم، وأن تكون هناك جدية على مستوى كل الأمور التي سنقوم بها، فإنه لا يمكن أن يكون كلما هم أحدهم بإجراء اتفاقية معنا ونظر في ممارساتنا وجد أن أمامه 20 ألف عقبة، وأهم شيء في الاقتصاد هو الثقة.

 

موقع الفكر: ما هو رأيكم في مستوى استفادة موريتانيا من قروض البنك الدولي؟

الوزير إسلم بن محمـد: مشكلة الاستفادة أن بعضها غير ملموس، فأغلبية تدخلات البنك الدولي من أجل الإصلاحات البنيوية، وصندوق النقد الدولي لا يمول المشاريع، فلا يقوم بتمويل الزراعة ولا المعادن، فضندوق النقد الدولي يقوم بما يشبه الحراسة، لكنه حرسي يمكن أن يساعدك في تطبيق القانون، فبعض القوانين الدولية تكون بها أحيانا بعض الإكراهات التي لا يمكن تطبيقها كعجز ميزان المدفوعات، وكقيمة العملة؛ فهذه مسائل إذا لم يتم ضبطها يمكن أن تشوش على بقية دول العالم وهو تشويش غير مسموح به للدول، فأصبحت هناك هيئة تقرض أي دولة عندها مشكلة ظرفية ولكن حين تنتهي تلك الظرفية يجب أن تقوم تلك الدولة بالتسديد، وأي دولة عندها عجز بنيوي يتدخل فيه البنك الدولي ويقرضها مبلغا من أجل أن يقوم بإصلاحات بنيوية تسمح له بأن يكون في الطريق الصحيح.

 

موقع الفكر: هل عملتم مع الرئيس هيدالة؟

الوزير إسلم بن محمـد: أنا بدأت العمل سنة 1980م. مديرا للمكتب الذي صار فيما بعد مكتب الإحصاء، أمضيت فيه 5 سنوات وبعد ذلك في بداية عهد معاوية كنت وزيرا لفترة محدودة.

 

موقع الفكر: هل كان الرئيس معاوية يتدخل لكم في عملكم؟

إسلم بن محمـد: يبدو أن معاوية تغير إلى عدة شخصيات في فترات مختلفة، فالفترة التي عرفته فيها كان مثاليا لم يتدخل في عملنا أبدا، والحكومة تقوم بمناقشة لجميع القضايا بصفة جيدة، وليست هناك مصادرة لوجهات النظر.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

الوزير إسلم بن محمـد: ليست لدي إضافة، فقط أريد أن يكون الرأي العام الموريتاني يقظا وأتمنى منكم أن تلعبوا في ذلك دورا أساسيا، وخلاصتي أن تغيير المجتمعات ومسارها ومستقبلها لا يمكن أن يكون من هرم السلطة فقط وإن كان يلعب دورا أساسيا في التوجيه إلا أنكم تلعبون أنتم أيضا والرأي العام فيه دورا أساسيا، لأنني رأيت بعض الأطر أصحاب نزاهة وجد ولديهم كفاءات عالية مصابون بالإحباط ويقولون إنهم إذا قاوموا وفعلوا كل ما بوسعهم وتم الإضرار بهم، من سيقوم هذا؟ وسيكون مفيدا عند من؟.

 معنى هذا أن الرأي العام ما يزال ضعيف التفكير وغالبا تكون أمام أمرين أحلاهما مر، إما أن تنصاع مكرها لأمر غير جيد، وإما أن تعتزل.

 

موقع الفكر: جزاكم الله خيرا، نتقدم بالشكر الجزيل لمعالي الوزير على تجاوبكم معنا.