المصطفى ولد اعبيد الرحمن في لقاء شامل مع موقع الفكر/ البلاد ليست في أزمة لكنها بحاجة لمستوى من التشاور

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منه إلى إطلاع المتابعين الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد أبرز الاقتصاديين، ممن خبروا دروب الاقتصاد الوطني وعايشوا تحدياته، حيث كان له السبق في التخطيط لبعض المشاريع الاقتصادية الكبيرة بالبلاد، نتابع معه اليوم لنستجلي من خلاله ما وراء الخبر... في لقاء شامل يتناول بعض القضايا المتعلقة بالاقتصاد الموريتاني في المرحلة التي واكبها، والظروف التي تقلد فيها مسؤولية عدة وزارات إضافة إلى عمله محافظا للبنك المركزي، وجهوده في التنسيق مع بعض المؤسسات المالية الدولية التي أفادت البلاد ببعض القروض والمنح التي مكنتها من إنجاز بعض المشاريع الهامة والحيوية، فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم معالي الوزير المصطفى ولد اعبيد الرحمن.

 

 

موقع الفكر: نود منكم أن تعرفوا المتابع بشخصكم الكريم من حيث الدراسة والشهادات المتحصل عليها والوظائف التي تقلدتم؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: بسم الله الرحمن الرحيم، شكرا جزيلا، من عادتي أن لا أتكلم كثيرا عن الأمور التي لها طبيعة شخصية، وعموما أنا درست إلى الباكالوريا بالبلاد، وحصلت على باكالوريا شعبة الرياضيات  عام 1963م وهي أول شهادة باكالوريا تجرى في العاصمة نواكشوط، لأنه قبل ذلك لم تكن توجد إلا إعدادية روصو وبطبيعة الحال كان الحاصلون على الباكالوريا في ذلك الزمن قليلون جدا وقامت الدول بمنحنا، وتم منحي إلى فرنسا لإكمال الدراسات العليا، ودخلت قسما لتهيئة الامتحانات ففرنسا فيها قسم تهيئة امتحانات المدارس العليا للمهندسين، مثل مدرسة المعادن والمدرسة متعددة التقنيات، وهاتان  المنشأتان خصوصيتان، وهناك مؤسسات من نوعهما تملكها الدولة، وكان يقال في تلك الفترة إن المؤسسات التي لا تملكها الدولة مستواها أفضل، وكانت مرحلة التمهيد لها سنتين يدرس الطالب فيها الرياضيات العامة والرياضيات المتخصصة.

 وكان الطالب يجري بعد تلك السنتين مسابقة، وأجريتها في مدرسة تسمى "إيرول" في باريس ونجحت في المسابقة لكني وجهت إلى مدرسة لم تكن هي خياري الأساسي وكانت تلك المدرسة هي مدرسة الأشغال العامة تابعة للدولة الفرنسية ورفضت أن أذهب إليها وذهبت إلى الجامعة، ومع ذلك أنا من صغري في الإعدادية وحتى قبل الإعدادية منذ أن بلغت 13 عاما تقريبا كنت أحتج على الفرنسيين في المجرية، وأيام انتخابات ابن حرمة ربما لم أبلغ سن الشباب ولكنني مدرك للأمور، ووالدي رحمه الله كان من الذين يرون أن المدرسة الفرنسية لا ينبغي أن يدرس فيها الأطفال، وأعطى لممرض من غينيا - كان حينها في  تكانت- واحة من النخيل ليكتب أنني ولدت ميتا، فالفرنسيون في تلك الفترة كانوا يتابعون بعض العائلات متابعة خاصة من أجل إذا ولد لهم مولود يسجلونه في المدرسة لأنهم يعتبرون الدخول في المدرسة خضوعا أو مشاركة، والناس بطبيعة الحال لم يكونوا يفضلون المدارس الفرنسية بل كانوا يفضلون  تولي تعليم أبنائهم بأنفسهم، وأرى أنهم كانوا يعتبرون هذا جهادا وأسرتي كان لها امتياز بهذا الخصوص من الطرفين فجدي من جهة أمي وأبي قد حاول معهما الفرنسيون ولم يكونوا من الذين يحملون السلاح ويجاهدون الفرنسيين لكنهم يتهمون بأنهم يعينون المجاهدين، وأمضيت مع والدتي شهورا  في منزل تحت الأرض في تجكجة وكانت هناك منازل قرب الجامع كل منزل منها بني تحته منزل آخر بسبب الخوف من قطاع الطرق وما شابه ذلك، وكان الناس يسمون تلك المنازل الأرضية ب"كرن" وأنا ووالدتي أمضينا فترة من الزمن في ذلك المكان الذي لا يمكن أن يدخل إليه إلا صاحب المنزل، وقد كتب الممرض أن الوالدة وضعت مولودها ولكنه فارق الحياة، وبالتالي لم أذهب إلى المدرسة حتى حفظت أجزاء من القرآن، وحتى أنني كنت قد بدأت في قراءة الألفية

 وبعض النصوص التي يدرسها الزوايا في تلك المرحلة العمرية، وعندما قدر الله أنه حول إلى المجرية – التي سكنتها عائلتنا آنذاك – أحد أقاربي يسمى محمد الأمين بن لقلال وهو معلم، وسبق أن تشاجر مع الفرنسيين في النعمة، وكان متحررا بعض الشيء، وعندما رآني أنا وعبد الله بن إسماعيل نلعب نادانا وسألنا إن كنا ندرس في المدرسة، فأخبرناه أن أهلنا لا يحبون المدرسة ولا ندرس فيها، فسجلنا في المدرسة وهو الذي فرض علينا التسجيل في المدرسة وهو أيضا الذي زار آباءنا وأكد لهم أن هذا ما يجب فعله، والمهم أنني حصلت على الباكالوريا وبعد توجيهي إلى مدرسة الأشغال العمومية رفضت أن أذهب إليها وذهبت إلى الجامعة، وبالطبع عندما رفضت الذهاب إلى تلك المدرسة تم قطع منحتي وربما الدولة لم تكن مهتمة بمنحي كثيرا؛ لأنني كنت حينها من الشباب المعارض، واتجاهنا في تلك الفترة كان اتجاها قوميا عربيا، كنا مناصرين لعبد الناصر، ونحن الذين كنا في الغرب كنا نناصر جانب الناصرية اليساري الذي يمكن القول إنه لا يختلف كثيرا عن الماركسية، وبالتالي عندما تم قطع منحتي ذهبت للعمل وأمضيت عامين أكنس إحدى القطارات وحصلت منه على ما يمكنني العيش به ودرست في الجامعة بكلية الاقتصاد، وعندما أنشئت الحركة العالمية للطلاب عام 1968م كنت من بين الذين تبحث عنهم فرنسا لتطردهم، وذهبت لأكمل دراستي في جامعة مدينة تولوز وحصلت فيها على شهادة ليسانس  ثم حصلت على الدكتوراه.

 وعندما تم قطع منحتي عدت إلى موريتانيا وتمكنت من العودة إلى فرنسا بعد إجراء امتحان دخول المدرسة الوطنية للإدارة ولكنني لم أكن مهتما بها كنت مهتما فقط بولوج الجامعة واستغليت تلك المنحة، والسبب الذي جعلني لا أهتم بالمدرسة الإدارية هو أنني لا أريد أن أكون حاكما لأنني كنت أرى أن من كان حاكما سيكون معاونا للدولة، ورسبت في المدرسة الإدارية ولكن الحقيقة أنني لم أكن مهتما بها، وبعد أن عدت عام 1971م كان سيدي محمد بن الشيخ عبد الله مدير إدارة التخطيط وتعرفت عليه هناك، وفي تلك الفترة أيضا تكونت حركة الكادحين شيئا فشيئا وأنا كنت من جماعة في حركة الكادحين منها الرئيس السابق  سيدي محمد بن الشيخ عبد الله، وعبد الله بن اباه، ومحمذن بن باباه وتسمى هذه المجموعة ب"التكنوقراط"  لأننا تلقينا تعليما جامعيا، وكنا نوصف أننا لسنا معارضين ولكننا نؤيد الحركات الشبابية كالقومية والكادحين، وكان تأييدي للكادحين خصوصا، وبذلك كنت على صلة بتلك الجماعة التي تكبرني سنا وكنا على تعارف فيما بيننا، وعندما عدت قال لي الرئيس  سيدي محمد بن الشيخ عبد الله رحمه الله إنني يجب أن أعمل معه فقلت له إنني معارض للنظام وأن من كان موظفا للدولة يفرض عليه الالتزام بمقتضيات عملها، فقال لي إن ذلك ليس شرطا ولا ضروريا، وأن الواجب فقط هو أن يؤدي الموظف المهام الموكلة إليه، وبعدها يمكن أن يعبر عن آرائه بحرية فإذا تبعه الناس بها ونعمة وإذا لم يتابعوه ذاك شأنه، وعملت مع الدولة  متعاقدا  فقط ورفضت أن أكون موظفا، وأنا الآن لا أحصل على أجر المتقاعد لأنني لم أدخل الوظيفة العمومية؛  لأنني كنت أرى أن من كان موظفا يكون من رموز الدولة التي أنا معارض لسياساتها، والحقيقة أنه من قدم أوراقه يكون موظفا في السلك الإداري، إذن بلغت في الدراسة الأكاديمية المستوى الذي أخبرتكم عنه وأرى أنني بذلت مجهودا لا بأس  للوصول إليه؛ لأنني أمضيت عامين أعمل كي أتمكن من متابعة دراستي، وعندما عملت هنا اقترحوا علي أن أكون مديرا في عامي الأول ورفضت ذلك؛ لأنني لم أكن أريد إلا أن أكون في موقع لا يفرض علي أن أدافع عن النظام وأمضيت هناك مدة من الزمن.

وعانيت من إقامات جبرية في البلاد، وسجنت عاما في سجن لعيون، وسجن أيضا في باسكنو و ولاتة، والحقيقة أننا كنا نضيق بسبب تلك السجون ولكن نحمد الله على تلك المقادير، وتمكنا فيها من التعرف على البلاد ذلك الأمر الذي ربما لم يتيسر للكثير من الناس الذين درسوا في الخارج وعند عودتهم تقلدوا مناصب كبيرة وهم لا يعرفون البلاد كثيرا.

 

أنا عملت أولا رئيس مصلحة التخطيط في إدارة التخطيط، ثم مديرا للتخطيط في فترة الرئيس المختار بن داده وفي تلك الفترة كانت وظيفة هامة، وقد توليت هذا المنصب بعد أن تمت المصالحة بين ولد داداه والكادحين وبعد ذلك أصبحت وزيرا في فترة الرئيس معاوية بن الطايع.

 

موقع الفكر: ما هي الوظائف التي تقلدتم فترة الرئيس معاوية؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: أمضيت عدة أشهر من فترة الرئيس معاوية وزيرا للإعلام، ثم وزيرا للمياه، ثم وزيرا للتخطيط، ثم عينت محافظا للبنك المركزي، وبعد ذلك أمضيت في مالي 4 أو 5 سنوات وأنا مدير للشركة التي أنشأت الشبكة الكهربائية في موريتانيا، وبعد عودتي تم تعينيني مديرا لشركة "إينير" لصيانة الطرق وأظن أنني أمضيت فيها عامين وتمت إقالتي منها بعد الانقلاب على معاوية.

 

موقع الفكر: ما موقفكم من الانقلاب على الرئيس المختار ولد داداه؟

الوزيرالمصطفى بن اعبيد الرحمن: أيام الانقلاب على الرئيس المختار بن داداه كنت إلى جانب الدولة، لأنه في تلك الفترة تم الصلح الذي تضمن أن ننضم كلنا إلى حزب الشعب، وكنا نمثل اليسار في حزب الشعب، والشباب عموما الذين كانوا يعارضون الدولة بكل تياراتهم تقاربوا بسبب ذلك الصلح لأن الرئيس المختار بن داداه أنجز المطالب الأساسية كلها كتأميم "ميفارما"، وإنشاء عملة وطنية .. الخ وقرر الرئيس المختار التقارب معنا.

 

موقع الفكر: ما سبب تفريط الدولة في الأطر والكفاءات؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: ذلك من الأشياء التي لا تعجبني، فالتكوين لم تنجز له خطة متناسبة مع وضعية البلد لأننا يجب ألا نكون إلا من نحتاج إليه، ومن ذلك التكوينات التي نجريها مجاراة لفرنسا، ففرنسا عندها مدارس وجامعات وهناك سلك معين يدخله الطلاب لكن ربما تكون التكوينات ليست معرفة فنية بل فقط التكوين من أجل المعرفة، وليس لزاما على الدولة توفير فرص عمل للخريجين  لأن الفرص متوفرة في القطاع الخاص، وبما أن إمكانياتنا محدودة فيجب ألا يكون التكوين من أجل التكوين فقط، بل يراعي حاجاتنا.

 فالتعليم من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية يجب أن يكون عاما لكل الناس لأن هذا هو أقل ما يمكن أن توفره الدولة، وغير ذلك يجب أن يكون تكوينا نافعا، لكن وصلنا إلى زمن أصبح مطلوبا أن تكون لنا جامعة وتم إنشاؤها بالفعل.

 

موقع الفكر: حدثنا عن الخلاف الذي حدث بينكم مع العسكر وخاصة الرئيس محمد خونه بن هيداله خاصة؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: لم أختلف مع ولد هيداله لأنه لم يكن هو المسؤول الأول بل اختلفت مع المصطفى بن محمد السالك رحمه الله لأنه هو الذي كان مسؤولا والتقيت به مباشرة، وأنا كنت على علاقة باثنين من منفذي الانقلاب هما جدو بن السالك رحمه الله لأنه كان حركيا ومتحررا، وولد هيداله لأنني وإياه كنا نلعب معا الكرة الطائرة فترة الشباب في "لكوارب"، وكانت السنة التي قدمت فيها إلى "لكوارب" هي آخر سنة قضاها  ولد هيداله هناك، وأنا دائما ما أكون صديقا لمن يكبرونني سنا وربما أوصف بأنني متهور في ذلك الجانب، وبقينا أصدقاء حتى حصل هو على الباكالوريا، وذهب للتكوين في "كويت كيدان" وهي مدرسة الضباط الأساسيين في فرنسا، والتقيت معه أيضا في فرنسا وأنا طالب هناك في تلك الفترة إذا حافظنا دائما على تلك العلاقة لأن المتعلمين كانوا قلة؛ لذلك يعرف بعضهم بعضا، إذا أنا أعرفه ولا أقول لك إننا أصدقاء صداقة كبيرة ولكن يعرف بعضنا بعضا وعندما وقع الانقلاب التقيت به وأخبرته هو وجدو أنني لست مرتاحا للانقلاب، ولست مقتنعا أن العسكريين سيقومون بما هو أفضل مما كانت تقوم به الجماعة الموجودة قبلهم، وأخبرتهم بهذا في قيادة أركان الجيش الوطني في اليوم الثاني من الانقلاب وأنا حينها كنت والي في أكجوجت، ويوم الانقلاب كان لي  لقاء مع الرئيس المختار بن داداه رحمه الله حول وضعية الصحراء، لأن السبب الذي جعلني أقبل أن أكون واليا في أكجوجت هو أنها مفتاح وصلة بالصحراويين الذين كانوا يهجمون في تلك الفترة على البلاد، وأنا أرأى أنه بدلا من الحرب يجب أن نتفاوض معهم؛ لأنهم ليسوا إلا مجموعة من "البيظان"، والرئيس المختار كان قد منحهم جوازات سفر، فقد أعطاها للولي رحمه الله وجماعته من البوليزايو، وقال لهم الجزائريون إننا نحن هم الحلقة الضعيفة في التحالف بيننا مع المغرب، وبالتالي يجب أن تقام الحرب على أرضنا بدل المغرب، وأنا أرى أن هذا غير مناسب وقد قلته لقيادة البوليزاريو، فأنا كنت على صلة برئيس حركة البوليزاريو الولي رحمه الله، وكانت الحركة  قد قررت أن تمد لهم يد العون وأن ترسل إليهم 50 إطارا وكتبنا لائحة بأولئك الأطر وأنا كنت من بينهم، من أجل التأطير فقط، ونحن كان لنا موقف واضح وهو أنه عندما يكون هدفهم الاستقلال وتقرير المصير فإننا نساندهم، ولكننا لن نشارك في الحرب فنحن موريتانيين ولسنا صحراويين، وما أشرتم إليه قام به شخص واحد وهو أحمد باب بن مسكه رحمه الله.

 

موقع الفكر: أحمد باب بن مسكه من تيار الكادحين؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: كان أحمد باب من المناصرين، وأنا أرى أنه أكبر من أن يكون من الكادحين لأنه كان شخصية كبيرة وكاتبا، وهو الذي كان يعيننا أيام كنا طلبة في باريس.

و قد أتيت إلى نواكشوط يوم الأحد مساء لكي أتمكن من لقاء الرئيس المختار صباح الاثنين لأنه كان يجب أن أطلعه على المستجدات، ولأنه كان أيضا سيكلفني بمهمة إيجاد طريقة لإنهاء الحرب مع الصحراء، وبعد الانقلاب قادني جدو بن السالك للقاء بالمصطفى بن محمد سالك رحمه الله، وسلمت له مفتاح سيارة كانت تعطى للوالي، وقلت له أنا أشترك مع الدولة فقط هذه السيارة أو الراتب الشهري، وأنه يمكنهم أن يقطعوا الراتب وأنني لن أعود للولاية، فسألني لماذا؟، فقلت له لأنني غير راض عن هذا الانقلاب، وغير راض أيضا عن سجنكم للجماعة التي كانت تحكم قبلكم ومنها الرئيس المختار، ولا أرى أنكم ستقومون بأحسن مما كانوا يقومون به ولذلك أصارحكم بأنني لست مؤيدا لكم، ولكنني لست ضدكم.

 

موقع الفكر: ما هو رأيكم فيما ذكره المصطفى بن بدر الدين رحمه الله من أن المختار بن داداه سد كل طرق التغيير بالوسائل السلمية، وبالتالي لم يكن هناك خيار للتغيير والتبادل على السلطة غير الانقلاب؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: لا أوافق على ذلك، فالمختار لم يسد طرق التغيير، فالتغيير في جميع بلدان إفريقيا يتم حسب تراكم الحركات أو المطالب فيها وحسب موازين القوى، ولم يكن المهم هو تغيير الفرد بل كان المهم هو تغيير النظام، ونحن الشباب كنا نقول إن النظام كان عميلا للاستعمار، وأنه يفضل المحافظين، وأنه لا يمنح المرأة مكانتها المستحقة، وأنه لم يرسم اللغة العربية وهذه كانت هي مطالبنا وهذه المطالب قد تمت تلبيتها كلها.

 

موقع الفكر: ما تعليقكم على الرأي القائل بأن هذه المطالب تمت تلبيتها بتكلفة باهظة كما حدث في تأميم "ميفارما"؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: ربما لا ينطبق هذا الرأي على بعض القضايا كترسيم اللغة العربية وما شابه ذلك، أما في قضية تأميم "ميفارما" فعلا ينطبق عليه هذا الرأي، وأنا أعتبر أن مبلغ 110 ملايين دولار الذي دفعناه لتأميمها ربما كان بإمكاننا ألا ندفع إلا نصفه أو أقل من نصفه.

 

موقع الفكر: هل تصدقون ماذكره المرحوم باب بن سيدي عبد الله إن الفرنسيين عرضوا على موريتانيا تأميم الشركة ب30 مليون دولار، دينا من الصندوق الفرنسي للتنمية؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: لا أعلم ولكن أرى أن هذا مستحيل عقلا.

وقضية التأميم قضية أساسية والذي جعلها تتم هو أنه في تلك الفترة كانت هناك موجة من التأميمات للقطاعات الأجنبية كالبترول، وكان تأميما بالتراضي، ولو كان ميزان القوة يسمح بالكثير لكان تأميما كتأميم قناة السويس التي كانت تملكها شركة بريطانية، وربما يكون بميفرما شركاء فرنسيون وسبق أن ربحوا منها ما يتجاوز رأس مالها وفرنسا نهبت من بلادنا أكثر من ذلك، ولكن من كان يريد السلامة  ويدرك أنه ليس قويا بما فيه الكفاية ولا يمكن أن يواجه القرارات الدولية ويعيش من قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والهبات التي يحصل عليها من الغربيين، والقروض والهبات المتحصل عليها  من العرب كانت قليلة وأولها مبلغ التأميم الذي تولاه الصندوق الكويتي حتى لا تكون هناك أزمة، ويكون مطلب الشعب الموريتاني قد تمت تلبيته، لذلك يمكن القول إن هذا التأميم أرضانا وأرضى العمال أيضا.

 

موقع الفكر: ماذا حدث بعد تسليمكم مفتاح السيارة للرئيس المصطفى بن محمد السالك؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: ذهبت مباشرة إلى منزلي ولم يتم اعتقالي وأظن أن ذلك كان بسبب أن جدو بن السالك صديقي وهو وزير الداخلية، وأعطاني تصريحا يسمح لي بالمرور.

 

موقع الفكر: متى بدأت المشاكل بينكم مع العسكر؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: بدأت المشاكل بعد 6 أشهر من حكمهم، وكان سببها أنني رفضت أن أظل ساكتا، وكنا في تلك الفترة نكتب المناشير ونقوم بتوزيعها.

 

موقع الفكر: هل التأم طرفا حركة الكادحين في تلك الفترة في بوتقة واحدة؟

الوزير المصطفى بن اعبيد: في تلك الفترة كانت توجد بحركة الكادحين عدة درجات، وكانت هذه الدرجات تجتمع كلها تحت المسمى العام وهو الحركة الديمقراطية، و كان هناك حزب الكادحين وجهاز المناصرين، وهذه المجموعات أمضت عاما كاملا تناقش مسألة التفاهم مع حزب الشعب، وبعد ذلك النقاش تم إجراء انتخابات وأغلب قيادات الحركة رأت أنه يجب عليها الانخراط في حزب الشعب، وبسبب ذلك سميت "شارتيست" من "لا شارت" التي انبثقت عن مؤتمر حزب الشعب ومؤتمر الشباب، ولم يعد فيها من التنظيم إلا الحركة الديمقراطية، وتلك كانت علنية غير سرية.

 

موقع الفكر: من تذكر من قادة الحركة الديمقراطية، الذين انضموا إلى صفوف الدولة وأولئك الذين بقوا معارضين؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: كلهم كانوا في الحركة الديمقراطية، والذين غادروا حزب الشعب بذريعة حرب الصحراء كونوا رسميا حركة، والذي أعرف من مؤسسيها بالأساس محمد ولد مولود وكان في تلك الفترة حديث السن ولا يمكن أن يكون هو المسؤول، ولكن أظن أن المصطفى بن بدر الدين رحمه الله هو الذي كان مسؤولا عنها، واسمها الحركة الوطنية الديمقراطية.

 

موقع الفكر: ماذا أنجزتم في إدارة التخطيط؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: كان من إنجازاتي في إدارة التخطيط أن كتبنا أول خطة لمشروع آفطوط الساحلي، وكذلك تمت في تلك الفترة  دراسة الجدوى لمشروع "فم لكليته" وتم إنشاؤه بتمويل من البنك الدولي، وكذلك مشروع "آفطوط الشرقي" الذي يعرف بمشروع "اظهر" تمت دراسته في تلك الفترة، والتمويلات في تلك الفترة لم يكن موجودا منها إلا التمويل الفرنسي، والألماني، والأوروبي، والصناديق العربية، والبنك الدولي، ومشروع طريق الأمل تم التفكير في إنشائه لأول مرة في فترة إدارتي لإدارة التخطيط وتولت دراسته بعض مكاتب دراسات، والعلاقات الصينية الموريتانية عرفت تطورا كبيرا في تلك الفترة، وأنجزت أول دراسات لتطوير الصيد في تلك الفترة.

 

موقع الفكر: كيف وجدتم وزارة الإعلام، وكيف تركتموها؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: لم أمكث في وزارة الإعلام كثيرا، والحقيقة أنني لم أكن في البداية على وفاق تام مع معاوية؛ لأنه عندما اختلفت مع الجماعة العسكرية التي قامت بالانقلاب على الرئيس المختار بن داداه، غادرت إلى المنفى وأمضيت فيه مدة من الزمن وعدت منه بعد انقلاب الرئيس معاوية وعفوه عن السجناء، وعندما عدت طلبت لقاءه ولكنه رفض ذلك، وأرسل إلي وزير الاقتصاد العقيد "آن مامادو بابالي" بسبب أني كنت تابعا لوزارة التخطيط، وقال لي "بابالي" دون أن يسمح لي بالجلوس: "اللجنة العسكرية قررت تعيينك مديرا عاما لـسونمكس"، وأذكر أنه قال  لي إن راتب مديرها يتجاوز المليون أوقية وفي تلك الفترة كان مبلغا كبيرا و غضبت من طريقة كلامه، وقلت له "العقيد جزاك الله خيرا، وأبلغ سلامي للجنة العسكرية وقل لهم  إنني لم أكن أتصور أنهم مكتب لتشغيل الناس، وأنني لم أرسل لهم طلب توظيف، فقد أرسلت لهم طلبا كي أتمكن من لقاء رئيس اللجنة العسكرية الذي هو رئيس الدولة؛ كي أناقش معه أمور الدولة فإذا كان ذلك ممكنا أنا مستعد لذلك اللقاء وإذا كان غير ممكن "الىسلام عليكم"، وذهبت عنه، وكما قلت لكم فقد اعتذرت له؛ لأنهم رفضوا أن يلتقوا بي  وأن يناقشوا معي أمور الدولة وذهبت إلى نواذيبو وأنشأت فيه شركة للصيد، وأعانني على إنشائها صديقي العمدة الحالي لنواذيبو القاسم بن بلال وأصدقاء آخرون وجمعوا لي مبلغ 12 ألف دولار تمكنت خلاله من شراء قارب صغير وفي تلك الفترة كانت تجارة السمك مربحة وتوجد بكثرة، وربحت منه الكثير وأمضيت في تلك التجارة عامين، والتقيت بأحمد بن الطايع في إسبانيا فسألني لماذا لم أطلب لقاء الرئيس فقلت له إنني طلبت ذلك ولكن الرئيس رفض ذلك وتركته، فسألني إن كنت ما زلت أريد لقاءه فأجبته بنعم وبعد أسبوع من تلك المحادثة التقيت بأحمد بن الطايع مجددا وأخبرني أن الرئيس قبل لقائي وحدد لي موعدا وعدت إلى نواكشوط، والتقيت به وأمضينا فترة في النقاش، وكل الذي قيم به في فترة الرئيس معاوية من  ديمقراطية وتشريع الأحزاب وقوانين إنشائها والتوجيهات العامة والعلاقات الدولية كل ذلك كنت ناقشته مع الرئيس معاوية قبل أن أقبل العمل معه، وعندما رأيت أننا اتفقنا سألوني إن كنت مستعدا للعمل، فقلت لهم إنني مستعد لأي عمل مهما كان، فأعادوني لإدارة التخطيط التي سبق أن عملت فيها قبل ذلك، وأمضيت فيها عدة أشهر ثم عينت وزيرا.

 

موقع الفكر: ما إنجازاتكم في إدارة التخطيط بعد توليكم إدارتها للمرة الثانية؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: قمنا في تلك الفترة بتنظيم جديد للجنة الصفقات العمومية، وكانت اللجنة موجودة غير أننا أعدنا تنظيمها، ومع أنني لم أمكث عليها فترة طويلة كان عملنا الأساسي هو التفاوض مع الممولين تحت وصاية وزير الاقتصاد.

 

موقع الفكر: هل حصلتم في تلك الفترة على موارد مالية؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: نعم في تلك الفترة حصلنا على قدر معتبر من الموارد المالية، وسبب ذلك أنني كنت على معرفة سابقة بالمديرة العامة لصندوق النقد الدولي وكنت على علاقة أيضا بمدير إفريقيا في البنك الدولي، وبالتالي فإن العلاقات مهمة جدا في ميدان العلاقات الدولية، ومن ذلك أيضا أنني سبق أن كنت على علاقة برئيس الصندوق العربي للإنماء وقمت بدعوته إلى هنا وأقام العديد من المشاريع في الزراعة وأهم مشروع قام به هو مشروع تزويد نواكشوط بالمياه.

 

موقع الفكر: بم أعانكم صندوق النقد الدولي في تلك الفترة؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: في الفترة التي عينت فيها محافظا للبنك المركزي لم تكن العملة الصعبة توجد بكثرة، وعندما يكون هناك نقص في العملة الصعبة تختل بذلك التوازنات، فقام الصندوق بإقراض الدولة ما تحتاجه من العملة الصعبة على أساس أن تقوم بإصلاحات، فالدولة كانت عندها شركات في كل المجالات ولكنها شركات مفلسة لأن الدولة كانت ضعيفة كغيرها من دول العالم الثالث والسبب يعود إلى الفساد.

 

موقع الفكر: ما أهم إنجازاتكم في وزارة الإعلام؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: من أهم إنجازاتي في وزارة الإعلام أنني قمت بتحصيل التمويل لأول جريدة حرة، والتي سميت بعد ذلك بجريدة "موريتاني نوفل"، وحرية الصحافة في تلك الفترة لم تكن موجودة، وكان الهدف من ذلك تنوير الرأي العام.

 

موقع الفكر: ماذا أنجزتم في وزارة الاقتصاد؟

 

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: أهم ما تم في  وزارة الاقتصاد هو المفاوضات مع الشركاء الممولين فقد تم التفاوض مع الأوروبيين والفرنسيين والألمانيين بصفة خاصة، ومع الصناديق العربية، ومع مؤسسات التمويل العالمي كالبنك الدولي وما يشبهه، وأذكر من المشاريع المهمة التي حصلنا لها على تمويل في تلك الفترة مشروع كهربة 15 مدينة، وتم من خلال ذلك المشروع  إيصال الكهرباء إلى بعض المدن لأول مرة حيث إنه قبل ذلك كان وجود الكهرباء قاصرا على مدينة نواكشوط، وقد تم هذا المشروع  بتمويل من صندوق الإنماء العربي، وكنت من اقترح فكرة المشروع، وكان الرئيس معاوية منفتحا على كل ما يمكن القيام به، ولكن المشكلة أن الذين يعملون معه منهم من يقترح المشاريع ومنهم من لا يقترحها، وأذكر من ذلك أن  الطريق التي تمر من صنكرافة إلى تجكجة كان إنشاؤها مستحيلا بحسب الدراسة التي أجريت لها – وكان يشرف عليها الوزير محمد بن الناني –  فقد قال  الخبراء إنه لا يمكن أن تكون لها  جدوى، وكل مشروع لا جدوى  له لا فائدة منه وسيمثل خسارة أبدية، وعندما قال الخبراء رأيهم، قلت: لمعاوية إن هذا  خطأ فربما يكون رأيهم صائبا اقتصاديا، نظرا لقلة السيارات التي ستسلك هذه الطريق، فحتى السيارات التي تمر بطريق الأمل  يمكن ألا تكون هناك جدوى من ورائها،  لاسيما طريق صنكرافة تجكجة التي ربما تمر بها سيارتان أو ثلاث أو أربع أسبوعيا، وأن الممولين فعلا لن يمولوا مشروعا بدون جدوى ولكن يمكننا نحن أن نموله نظرا  لجدواه بالنسبة لنا فتلك الطريق  لها نتائج اجتماعية وسياسية  تتمثل في توحيد البلاد، وربط أجزائها، فقال لي هل ترى أن هذا ممكن وأنت تعلم  مبلغ  الميزانية، فقلت يمكنني أن أجد شركة تقوم بتمويله وندفع لها ما يمكننا دفعه من الميزانية، وقلت له إننا لو تمكنا من تحصيل 200 مليون أوقية في السنة سنجد شركة تقوم بتمويله وقبل بذلك، وقام باستدعاء الوزير في تلك الفترة  محمد بن الناني وأخبره بالأمر وقمنا بدراسته، وخلال أسبوع واحد وجدنا  شركة برازيلية قامت بتمويل المشروع على هذا الأساس، وقلت له إن تكلفته ستكون أكبر، ولكن ذلك لم يتم؛ فما إن  بدأت الشركة في أشغال تلك الطريق حتى قبل الممولون الغربيون تمويله.

وكنت قد اقترحت إنشاء أول خط يمكن أن يربط  شرق البلاد بشمالها، فاقترحت أن يتم إنشاء خط يمر بالنعمة، وولاته، وتيشيت، وتجكجه، وأطار، وكتبت عنه وبنيت فكرتي على الجانب السياسي؛ لأن الغرض منه كان توحيد البلاد أما جدوائيته الاقتصادية  وإمكانية إنشائه فذلك أمر آخر

موقع الفكر: هل ترون أن بيع مؤسسات الدولة كان خطأ استراتيجيا؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: ربما لا يتفق رأيي في هذا الموضوع مع رأي الكثير من الأطر فيما يخص بيع مؤسسات الدولة، فأنا أرى أن الدولة تمتلك فقط المؤسسات السيادية فكلما كان مجسدا للسيادة الوطنية يجب ألا تفرط فيه الدولة.

فملك الدولة لأي شركة مثل شركة النقل ليس ضروريا، فمثل هذه المشاريع يمكن أن يملكها  أي فرد؛ لأن المهم أن يظل النقل مستمرا، والدولة لا تهتم بالربح بل مهمتها إيجاد الخدمة وأن تكون بأقل الأسعار، ومن المؤكد أن كل الشركات التي تولتها الدول في بلدان العالم الثالث أفلست كلها، ولذلك تكون أموال الدولة دائما تهدر  بالإنفاق على تلك الشركات بسبب ما يحدث فيها من الفساد، وضعف القدرة على تسيير تلك الشركات، ومن السهل أن يقوم الأفراد الخصوصيون بتسيير تلك الشركات لأنها شركاتهم ولا يريدون لشركاتهم أن تفلس وإذا رأوا أن شركاتهم تتجه للإفلاس سيغيرون تسييرها والدولة ستبقي على الطرح نفسه مهما أفلست شركاتها.

 

موقع الفكر: ماذا بخصوص تصفية شركة "سمار"؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: شركة "سمار" تم بيعها، وأنا لست ضد مبدأ بيعها ولكنني لست راضيا عن صفقة بيعها، وكان يجب عند بيعها أن يقام مزاد علني عمومي وشفاف، وأن تباع لمن يملكون القدرة والإمكانيات، ويكون ناتجهم أكبر وحسب رأيي فإن ذلك لم يحدث، فقد بيعت بطريقة التراضي ولم تكن تلك العملية عملية شفافة.

 

موقع الفكر: لمن بيعت شركة النقل؟ وأين ذهبت حافلاتها وأملاكها؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: شركة النقل أفلست وأغلقت وتولت الدولة الديون المستحقة عليها، حافلاتها وأملاكها أظن أنها ركنت فترة في المخازن حتى تعطلت ثم تم إعطاؤها لمجهول، وتسيير الدولة على كل حال لم يكن تسييرا صحيحا.

 

موقع الفكر: ما الفائدة من الإصلاحات الاقتصادية التي حدثت في فترة معاوية؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: يجب  أن تفرق بين شيئين  المبدأ الاقتصادي ـ  وهو الاقتصاد الحر وأرى أن الاشتراكية لم تفد شيئا في العالم الثالث بما في ذلك  الدول التي كانت تظن نفسها اشتراكية ولديها الكثير من الموارد ـ أعني الدول العربية بصفة خاصة ـ والممارسة فتكوين رأسمال  لا يمكن إلا من خلال خسارة لعامة الشعب، فرأس المال الذي تحصل الدولة لمشاريعها يأخذ  من أفراد المواطنين، وأنا أرى أن "سونمكس" يجب أن تظل موجودة؛ لأنها كانت تشرف على الأسعار لاسيما أسعار المواد الغذائية، وأعتبر تغذية المواطنين من السيادة الوطنية ولا يمكن أن نفقدها ببساطة، ومثال ذلك المشاكل التي سببتها ديون الشيخ الرضا في سوق العقار فقد كانت مشاكل خطيرة لأقصى درجة،  ولو كانت مجموعة من المواطنين تعرضت لخسارة لكانت مسألة  فردية  يؤسف لها  ولكن المشكلة أن سوقا  من أسواق البلاد عانى من اضطرابات.

 

موقع الفكر: يقال إن وزارة الاقتصاد في تلك الفترة كانت تعد تقارير اقتصادية مغلوطة، ما رأيكم؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: هذا غير صحيح، في فترة من الزمن كانت الإحصائيات التي ترسل لصندوق النقد الدولي غير دقيقة، وربما يكون ذلك عام 1989م أو 1990م، وفي الفترة التي توليت فيها إدارة البنك المركزي كانت فيه مشكلة في الإحصائيات وقيمة الأوقية لأننا لم نكن نملك إمكانيات ما نستهلك، وبالتالي كان لا بد من إحداث توازن في الاستهلاك فلا نستهلك إلا ما نملك، ولكي تكون للأوقية قيمة وتبقى قيمتها مستمرة لا بد من أن يتحمل أفراد الشعب تلك الخسارة ومن ذلك ارتفاع الأسعار عبر تعويم العملة.

 

موقع الفكر: ما سبب مغادرتكم لوزارة الاقتصاد؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: استدعاني الرئيس  وأمرني أن أدير البنك المركزي، وكان سبب ذلك أنني على علاقة بمن أخبرتكم عنهم سلفا، وعندما أمرني بذلك ذهبت إلى البنك، وقمنا بالإصلاحات الأساسية، والعملة الصعبة كانت قليلة، وهناك إذن صرف للعملة يتم بيعه كإذن الشراء من "سونمكس"، فكان الناس يذهبون إلى محافظ البنك المركزي ويطلبون  منه إذنا لصرف العملة الصعبة فيمنحهم ذلك الإذن ويقومون ببيعه، وقمت بإنهاء ذلك النظام وأنشأت نظاما شفافا نقوم خلاله حسب الإمكانيات بعرض ما أمكن من العملة الصعبة للناس المعنية، وكل المعنيون يحصلون على نسبة معينة منها، فالتجار بجميع مستوياتهم يحصلون على نسب، وكذلك الصرافات يحصلون على نسبة، وكان ذلك أول تنظيم  للصرافات، وقمنا بتنظيمهم، فأصبح البنك المركزي إذا عرض 100 أو 200 مليون دولار لتموين شهر ما، يتم عرض ذلك ليعلم به جميع الناس وتشارك فيه البنوك أيضا، مع ما كان يدخله الأفراد من العملة الصعبة التي ستدخل إلى البنوك ثم يدخل إلى البنك المركزي بعد ذلك، إذًا أنا  أول من قام بتنظيم هذه الأسواق، وقمت أيضا بمضاعفة رواتب عمال البنك المركزي كي نتمكن من الإشراف عليهم، وأثير أخيرا موضوعا حول أكياس من العملة الصعبة المزورة دخلت إلى البنك المركزي وهي قضية غريبة تماما؛ لأن صناديق البنك المركزي يرفع عنها تقرير يومي مكتوب إلى محافظ البنك المركزي، وهناك ثلاث مصالح متناقضة تشهد عليه، وهناك ثلاثة توقيعات يومية بخصوص تلك الصناديق ولا يمكن أن يحدث فيه أمر كهذا إلا بعد حدوث الفوضى العارمة أو التآمر.

ومن حيث الأساس قمنا بتنظيم داخلي للبنك المركزي، وحسنا من العلاقة مع البنوك، وقمنا بجرد حساب الدولة حتى يبقى حساب خزينة الدولة عند البنك المركزي في مستوى معين، وحصلنا من خلال ذلك على تمويل من صندوق النقد الدولي كان مشروطا بما يقولون له "الإصلاحات"، وتارة يكون إصلاحا وتارة يكون دون ذلك.

 

موقع الفكر: بكم انخفضت العملة في فترتكم؟ ومتى؟

 

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: بنسبة 26%، وأظن أن ذلك كان عام 1993م.

 

موقع الفكر: ماذا قال لكم الرئيس معاوية بخصوص مشروع الكهرباء" خط الجهد العالي"؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: بعد أن غادرت العمل وبعد فترة أخبرني الرئيس معاوية أن رؤساء منظمة نهر السنغال اجتمعوا وقرروا إنشاء شركة دولية للكهرباء وأننا نحن هم المسؤولون عن إدارتها وإن كنت مستعدا للذهاب إليها.

 

موقع الفكر: متى توليتم إدارة شركة الكهرباء؟ وهل قمتم فيها بتنظيم صفقات ومناقصات؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: توليت إدارتها عام 1997م، وكانوا قد أنشأوها قبل ذلك بأشهر قليلة ولم تكن الشركة قد حصلت بعد على مكتب ولا تملك أي موارد؛ لأنها تعتمد في تمويلها على ما ستدفعه الدول، وهم في تلك الفترة كانوا قد اجتمعوا وقرروا إنشاء الشركة وحددوا رأس مالها وما يجب على كل دولة أن تقوم بدفعه وأن أهداف المشروع هو إنشاء شبكة كهربائية في كل من مالي والسنغال وموريتانيا، فبدأت بالعمل، وأنا أرى أن  معاوية عرض علي إدارة الشركة لأنه يعرفني ويعرف مدى علاقاتي الخارجية، وأني على علاقة حسنة مع الممولين في الخارج، ومن فضل الله أن أحد الذين كانوا يدرسون معي وسبق أن دعوته إلى موريتانيا كصديق كان يعمل في الصندوق الفرنسي، وفي مأمورية إدارتي للشركة البالغة 5 سنوات قمنا بتحصيل 1.5 مليار دولارا.

 

موقع الفكر: كيف تمت صفقة الكهرباء في دول نهر السنغال؟ ومن تولى الإشراف على المشروع؟

 

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: أقمنا مناقصات عالمية، وكانت هناك ثلاثة مستويات من الإشراف الأول منها الشركة المنشئة، وتم اختيارها عن طريق مناقصة عالمية، وهناك مكتب خاص يتضمن إشرافا من البنك الدولي، وعلاقتي مع الرئيس معاوية كانت تمنع رؤساء الدول الأخرى من الجرأة علي، فعندما يكون هناك موظف عالمي في شركة كهذه على علاقة حسنة مع رئيسه يهابونه.

 

موقع الفكر: ما أوجه استفادت موريتانيا من شركة الكهرباء؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: في فترة إدارتي للشركة كانت نسبتنا فيها 15% وكانت هي النسبة التي حصلنا عليها خلال المفاوضات الأولي، وأرى أن سبب ذلك هو أن المفاوضين من الجانب الموريتاني كانوا يرون أن الدولة لن تستوعب ذلك لأننا لا نستهلك الكهرباء، وكنا ندفع من القرض مقابل النسبة المخصصة لنا، وتمت زيادة تلك النسبة في تلك الفترة؛ لأنني فاوضتهم عليها، فصندوق النقد العربي عندما أتيتهم فتحوا لنا مركزا لإدارة الكهرباء خاصا بموريتانيا وقبل ذلك لم يكن يوجد إلا مركز واحد في مدينة "ماتام" السنغالية وكان يمكن للسنغاليين حرماننا من الكهرباء إذا اختلفنا معهم، ومولوا لي أيضا مشروع خط كهربائي يمر من "دبانجو" إلى "لكوارب" وقبل ذلك لم يوجد من خطوط الكهرباء إلا خط "روصو " "نواكشوط" وكان تمويل هذه المشاريع على شكل قروض للمنظمة، وبعد ذلك أصبح يمتد إلى "كيهيدي" و"دبانجو" ثم بعد ذلك امتد إلى "بوتلميت" ثم "مقطع لحجار" ثم "صنكرافة".

 

موقع الفكر: برأيكم ما سبب أزمة الكهرباء في موريتانيا؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: سوء التسيير.

 

موقع الفكر: هل خططتم لصيانة منضبطة للمعدات الكهربائية الخاصة بخط الجهد العالي؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: صيانة الأجهزة الكهربائية المتعلقة بالشبكة القادمة من "مانانتالي" ليست مسؤولية موريتانيا بل تتبع لشركة "سوجيم"، وما زلنا نتداول إدارتها مع السنغال، فتقسيم الوظائف الأساسية يتضمن أن من كان المقر في بلاده لا يتولى الإدارة وتبقى الإدارة تتداول بين الآخرين، ومن الصيانة تجديد الأسلاك والأعواد الكهربائية وعندما تتعطل يتم إصلاحها، وتتولى ذلك شركات عالمية، والشركات العالمية دائما ما تحافظ على سمعتها ولا تقوم إلا بعمل جيد، وهناك أيضا مكتب من الخبراء المستقلين يشرف عليها.

 

موقع الفكر: هل زرتم سد "فم لكليته"؟ وهل تم تنفيذه وفق المعايير؟ وما هي استفادة موريتانيا منه؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: نعم سبق أن زرته، والحقيقة أننا لم نتمكن من الاستفادة منه كليا فحسب دراسة أجريت في تلك الفترة كان يمكن أن يكون سدا كبيرا وينتج الكهرباء، ويمكن أن يتم توزيع المياه من خلاله، وكلما كان السد كبيرا كان مخزونه كبيرا وبالتالي عندما يتم تحصيل كمية كبيرة من المياه يمكن توزيعها في مكان آخر، ولم يكن من الممكن زيادة ارتفاعه كثيرا؛ لأنه لو ارتفع لغرقت مدينة "امبود"، ورفضت الدولة في تلك الفترة أن تقوم بترحيل مدينة "امبود"، وكتبت حول ذلك وهو ما أزعج أهل "امبود".

 

موقع الفكر: هل تكلفة سد "فم لكليته" كبيرة؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: ربما تكون تكلفته كبيرة، ولكنها لن تكون أغلى من وجود كمية المياه التي يمكن توزيعها على "كيفه" وربما "تجكجه" .. الخ

 

موقع الفكر: هل فكرتم في الاستفادة من المياه التي تسكب في المحيط؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: فكر في ذلك السنغاليون واقترحوا فيه اقتراحا يسمى الأحواض الناضبة وهو ما رفضناه، وكان يمكن أن يقام به لأنه قيم به في ليبيا، والفكرة كانت أن يقوموا بتغذية الأحواض من المياه الناضبة، فقلنا إن النهر مشترك وإذا قام السنغاليون بأخذ نسبة كبيرة من المياه منه لن نتمكن من استعادته منهم، ولن نحصل على نسبتنا من المياه، ولم نكن نملك الإمكانيات من أجل ذلك، وحتى السنغاليون لا أدري إن كانوا يملكون الإمكانيات فهي كانت مجرد فكرة.

 

موقع الفكر: لم لا تكن هناك سياسة لتقاسم الكمية التي تذهب هدرا في المحيط؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: لا يحول بينهم مع ذلك إلا الإمكانيات، فمخزون "سينلوي" لو تم رفع السد هناك لوصلت المياه إلى "لكوارب"، ومعنى ذلك أن "لكوارب" ستغمرها المياه وستحصل الكثير من المياه يمكن أن يتم استغلالها، وعند إنشاء مشروع لا بد من النظر في جدوائيته وأهميته والمصلحة الآنية للدول المشتركة وربما بعد ذلك ب20 أو 40 سنة يظهر أنه كان يمكن أن يقام بما هو أفضل.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لتقرير اللجنة البرلمانية؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: بكل صراحة لم أكن أصدق أن هذا القدر من النهب يوجد بهذا البلد، وكان يزورني البعض ويخبرني بالكثير من الأمور حول مشاريع معينة كالتي تتعلق بالكهرباء أو الميناء ولم أكن أصدق ما أسمعه، ومهمة البرلمان هو الإشراف على ما تقوم به السلطة التنفيذية وعندما أشرف على التحقيق قام بعمل رائع حسب رأيي، وعندما قرأته انتهبت وحاولت أن أجد الصفقات التي كنت أسمع عنها ووجدتها ومن المؤكد أنه فساد كبير.

 

موقع الفكر: كيف تقومون حجم الفساد في موريتانيا بين فترة معاوية والفترة الحالية؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: غير متشابه تماما، ففي فترة معاوية لم تكن الأموال كثيرة، والذي كانت الأموال توجد كثيرا في فترته هو الرئيس محمد بن عبد العزيز، وسبب عدم كثرة الأموال فترة معاوية هو أنه لم يكن على وفاق تام مع الممولين ومما سبب ذلك قضية الإرث الإنساني التي أحدثت مشكلة قوية داخل الوطن وفي الخارج، وخصوصا أن الغربيين شنوا حملة كبيرة على موريتانيا.

 

موقع الفكر: ألم يكن الغربيون يسمحون للرئيس معاوية بتزوير الانتخابات؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: نعم ذلك كان بسبب تنازلات معينة، وهو كان إيجابيا فيما يخص الديمقراطية أو الحريات العامة، ففي فترته زادت الحريات وتكونت الأحزاب ... الخ. إذا، كانت الإمكانيات في زمن ولد الطايع محدودة جدا.

 

موقع الفكر: البنك الدولي أسقط عنكم 4 مليارات من الديون ولم يسقط عن الرئيس عزيز مبالغ مشابهة؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: لست متأكدا أنهم لم يسقطوا مبالغ من الدين فترة الرئيس محمد بن العزيز، وإسقاط الديون عن دول العالم الثالث أمر عادي، فعندما يكون الغربيون راضين عنك إلى حد ما، وفي مستوى معين من الفقر ويكون الممولون قد حصلوا على أهدافهم الأساسية ويمكن أن يتجاهلوا الباقي.

 

موقع الفكر: إذًا أنتم ترون أن الفساد ما يزال موجودا موريتانيا؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: نعم، الفساد في موريتانيا موجود ويجب أن يتوقف.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم الحالي؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: أرى أنه يجب أن يراجع تماما وأعلم أنه يعاني  مشكلة كبيرة لأنني اضافة لما ذكرنا سابقا، أنا الآن عمدة لبلدية المجرية وأباشر قضية التعليم وحقيقة أمره غريب تماما، ولا بد له من إصلاح، وأعلم أنه يعاني كثيرا من مشاكل عدم ضبط الأمور والمقاييس، وحسب إحصائيات وصلتني أن مستوانا الفني في التعليم لا يتجاوز 4%، مع أن المغرب أيضا لم يتجاوز نسبة 20%.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التنمية المحلية؟ وما أبرز المشاكل التي تعاني منها؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: المشكلة الأساسية للتنمية المحلية هي التمويل، ومن ذلك ما تقوم به وكالة "تآزر" من تسليم مبالغ نقدية للمواطنين وهذ الأمر غير مرضي بالنسبة لي، وأرى أنه خطأ كبير، ويعلم الناس التسول.

والواجب أن يكون هناك تمويل يفتح للناس آفاقا للعمل، فهناك مشاريع تكلفتها بسيطة كفتح مخبزة، أو محل خياطة، أو بئر، أو مزرعة، أو تربية مواش ... إلخ.

ونحن في البلدية عندنا مشروع نسميه مشروع كسكس وتعمل فيه قرابة 200 امرأة وعندما نقرضهن مبلغ 30 ألف أوقية قديمة يتمكن من استثمارها وإعادتها ويحصلن منها على قوت يومهن، وهذا مثال بسيط يمكن القيام به والناس مستعدون لذلك، أما تقسيم المبالغ النقدية فهو أمر خاطئ وبلا فائدة.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد بن الشيخ الغزاوني؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: أنا كما تعلم كنت من المعارضة وانخرطت في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وقد صوت للرئيس الحالي وأنا كنت حينها في المعارضة  وذلك لأنني أرى أن ذلك هو المصلحة العامة من حيث معرفتي به ومعرفتي بما يقوله ومحيطه والأحداث التي كان لي فيها رأي، ومن الإيجابي في حكمه أن الجو الذي كانت فيه الكثير من التجاذبات والاشمئزاز والتباعد بين الطبقة السياسية قد تمكن من توقيفه، وأنصت إلى جميع الناس ويلتقي بهم ويناقش معهم، وهناك مشروع أساسي وهو انتباه الدولة للمحتاجين والفئات المظلومة تقليديا فيتم الرفع من شأنها ويهتم بها، إلا أن كل هذا يتم ببطء وربما يكن ذلك أفضل، وهو بحاجة لرجال يقومون به بإيمان، و ليس فقط موظفون يقومون بمهام موكلة إليهم، وهذا هو رأيي.

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

الوزير المصطفى بن اعبيد الرحمن: أخيرا أرجوا لبلادنا الخير، وأرى أنه في الفترة القليلة المقبلة سيجتمع الفرقاء السياسيون والاجتماعيون، فالبلاد ليست في أزمة ولكن ربما تكون بحاجة لمستوى من التشاور وذلك التشاور تنبثق عنه مسطرة تتضمن عموميات الأمور المتوافق عليها ولكل واحد برنامجه المختلف، وأن تكون هناك انتخابات شفافة في البلاد، هذا هوما أرجوا. بارك الله فيكم.