نسائم الإشراق الحلقة رقم (1639) 9 يوليو 2021م،28 ذو القعدة 1442هـ، مذكرات الشيخ د.يوسف القرضاوي الحلقة رقم (669)

وفاة الأخ الشيخ عبد اللطيف زايد سنة 1992م

في 14/12/1992م ودعت وودع معي أهل العلم والدين في قطر: أخًا حبيبًا، وعالمًا عاملًا، وداعية مخلصًا، ومربيًّا كريمًا، وهو الشيخ عبد اللطيف زايد.

في معسكر التدريب:

وقد عرفت الأخ الشيخ عبد اللطيف أول ما عرفته حين كان طالبًا في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان ذلك في معسكر التدريب، الذي أقمناه في رحاب كليات الأزهر بالدرَّاسة بجوار الجامع الأزهر العريق. وكان هذ المعسكر يستقبل الطلاب الراغبين في السفر إلى منطقة القناة، لمقاومة الاحتلال البريطاني. وهم في هذا المعسكر يتلقون التدريبات الأولية التي لا بدّ منها، ومعظمها نظري، لأننا نعيش في منطقة سكنية، لا تتحمّل تجربة إطلاق النار من بندقية أو رشاش، أو إلقاء قنبلة، أو تفجير ديناميت أو نحو ذلك.

الشباب المتعطّشون للجهاد:

وفي هذا المعسكر بالدرّاسة، التقى عدد من الشباب المتعطّشين إلى الجهاد في سبيل الله، وتحرير الأوطان من كل سلطان استعماري، وكان جل هؤلاء الطلاب من أبناء الكليات، وبعضهم من طلاب معهد القاهرة الثانوي. أذكر منهم الأخ الصالح الطاهر عبد الرحمن الديب ابن قرية «العمار» قليوبية. وكان معنا طلاب من كليات الأزهر الثلاث، ومنا طلاب فلسطينيون.

وكان الذي لفت نظري إلى عبد اللطيف زايد أحد رفاقه من بلدته «ويش الحَجَر» مركز المنصورة، وقد سألوني عنه، وأعينهم تذرف، فقلت لهم: إنه بخير، فقالوا لي: إنك لا تعرفه، إنه شهيد حي. فهو رجل نقي السريرة، طاهر السيرة، مستقيم السلوك، صوّام قوّام، غيور على الإسلام، مُحبٌّ لله ورسوله، مُتَفَان في خدمة إخوانه... إلى آخر ما وصفوه لي، وقالوا: إن مثله أهل للشهادة؛ ولذا نريد أن نلقاه قبل سفره، فقد يكون هذا اللقاء الأخير!

هذه الكلمات من قوم عرفوا الرجل معرفة معايشة ومرافقة طويلة، حبَّبت إلي الرجل، وجعلتني أقترب منه وأجد في حب مثله شفاعة لي يوم القيامة. فأنا كما قال القائل: أحبُّ الصالحين ولست منهم!

ولما سافرت كتيبة الأزهر من القاهرة إلى القناة، أو إلى منطقة الشرقية، أخذنا نستكمل تدريبنا، ونتهيأ للذهاب إلى القناة للقيام بعمليات ضرب الإنكليز في معسكراتهم، وإصابتهم بما يمكن من الخسائر، أو على الأقل إدخال الرعب في قلوبهم. وفي هذه المنطقة الخلوية، التقينا شباب الأزهر وشباب الجامعات المصرية المختلفة.

وبعد مدة من الزمن لا أذكر كم استغرقت، وقد تحدّثت عنها في الجزء الأول، عدنا إلى دراستنا في كلياتنا. وعاد عبد اللطيف زايد الذي زاد حبي له. وبعد ذلك تخرجت، وتخرج هو بعدي، وتفرّقت بنا الأيام، حتى شاء الله أن نلتقي مرة أخرى في قطر، فقد سافر إلى قطر قبلي متعاقدًا لتدريس العلوم الشرعية في مدارسها. وذهبت إلى قطر مُعارًا من الأزهر لأعمل مديرًا للمعهد الديني الثانوي.