نسائم لإشراق الحلقة رقم (1640) 11 يوليو 2021م،30 ذو القعدة 1442هـ، مذكرات الشيخ د.يوسف القرضاوي الحلقة رقم (671)

نبأ وفاة الأستاذ عبد اللطيف زايد:

ولقد قُدّر لي أن أسافر لحضور ندوة في البحرين لمدة يومين، وأعود، لأكون بجوار الأخ العزيز، سافرت صباحًا، وعدت مساء اليوم التالي، وقد استقبلني ابني أسامة واجمًا، وأحسست أنّ وراءه شيئًا، ولكن خطر ببالي كل شيء إلا أن يكون أمرًا يتصل بالأخ عبد اللطيف.

فقلت: هل حدث شيء؟

قال: نعم.

قلت: وما هو؟

قال: توفي الشيخ عبد اللطيف اليوم، وهم الآن يذهبون إلى دفنه في المقبرة؟

قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ولماذا لم تتّصلوا بي؟

قال: فوجئ الجميع بالخبر، وارتبكوا، ولم تكن هناك طائرة يمكن أن تحضر فيها قبل هذه الطائرة.

قلت: فلنسرع إلى المقبرة، عسى أن ندرك الصلاة عليه. وأسرعنا ما أمكننا، ولكن وجدناهم يوارونه التراب. فصلّيت عليه على قبره، مع من لم يُدرك الصلاة عليه.

يا عجبًا لما يصنع القدر! لقد عاش الرجل قريبًا مني، وأنا قريبٌ منه، ثم يأتي الموت بغتة فيختطفه اختطافًا، حتى يحرمني تشييعه والصلاة على جثمانه.

الرجال قليل والصادقون عملة نادرة:

لقد كان عبد اللطيف رجلًا، والرجال قليل، أخًا صدوقًا، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه:

فما أكثر الإخوان حين تعدهم     ولكنهم في النائبات قليلُ!

صادق والصادقون في هذه الدنيا عُملة نادرة، إذا ظفرت بواحد منهم، فقد ظفرت بكنز عظيم. كما قال الشاعر لصديق له:

حسبي من الدنيا صديقٌ صادق      فَرْدٌ، فكُنْ، ولا احتياج لثان!

رحم الله أخانا عبد اللطيف زايد، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى، وتقبله في عباده الصالحين، وجزاه عن دينه وأمته خير ما يجزي به العلماء العاملين والدعاة المخلصين.

عبرات في العين وزفرات في الصدر:

لقد ترك فراق عبد اللطيف: عبرات في العين، وزفرات في الصدر، وحزانًا في القب. وأحيانًا إذا فقد المرء حبيبًا، ذكّره بآخرين من الأحبة ماتوا قبله، فهو إذا بكى فإنما يبكي على الجميع، ولهذا بكيت بموت عبد اللطيف: موت أخي مصباح محمد عبده الذي وافاه المنون في قطر، ودُفن في قريته محلة أبو علي، وبكيت بموته موت أخي محمد الدمرداش مراد، وبكيت أحبّة شتَّى.