د.الشيخ معاذ سيدي عبد الله: أنا من الذين يرون فصل اتحاد الأدباء إلى فصيح وآخر شعبي كما هو شأن بقية الدول العربية

سعيا منا إلى موافاة متابعينا بكل مفيد وجديد ،وحرصا على تناولنا لكل القضايا الحاضرة  بقوة في ساحتنا الوطنية ،.

 نستضيف اليوم قامة ثقافية وأدبية مؤثرة ،وشحصية إعلامية فاعلة ،حاورناه عن راهن  العمل الثقافي في البلد و نقاط القوة والضعف فيه.

 تناول اللقاء كذلك تحديات تقسيم اتحاد الأدباء والكتاب إلى فصيح وشعبي ،ورأي الوزارة الوصية في ذلك،  كما سألناه  عن معالم الاستراتجية الثقافية للقطاع وماذا تحقق منها ، تناولت المقابلة أيضا تقنين التدوين والنشر ورأيه في هذا التقنين..

فإلى المقابلة:

موقع الفكر: من هو الدكتور الشيخ معاذ سيدي عبد الله، الإنسان والباحث والمدون؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : أشكركم على هذه الدعوة، بالنسبة لي من هو الشيخ هناك التعريف المدني وأنا الشيخ بن معاذ بن سيدي عبد الله ولدت في ولاية لعصابة بمدينة كيفه سنة 1975م ودرست فيها الابتدائية والإعدادية وبعضا من المرحلة الثانوية وتابعت دراستي في نواكشوط حتى أخذت شهادة الباكلوريا ثم أنهيت الدراسات الجامعية في جامعة نواكشوط  وسجلت في جامعة محمد الخامس بالمملكة المغربية  حتى حصلت على شهادة الدكتوراه ،هذا على المستوى المدني والعلمي، ولا أصف نفسي بالمثقف ولكن يمكن تصنيفي ضمن  دائرة المهتمين بالمجال الأدبي فقد اشتغلت به منذ صغري وكانت البيئة التي تربيت فيها بيئة أدبية بدءا من الوالد والإخوة وأثر ذلك علي فكان تخصصي في الآداب.

ولا أصف نفسي بالمدون لأني أعتقد أننا في موريتانيا لدينا  خلط في قضايا كثيرة منها التدوين والإعلام وكما تعرف بدأ الأمر يختلط  على الناس من هو الإعلامي ومن هو المدون؟ وأعتقد أنني يمكن أن أوصف بأني صاحب رأي أدبي ـ حتى لاأقول شيئا آخر-  أنشره على صفحتي وأمارس الرأي والنقد السياسي إن كانت قناعتي  تتطلب مني ذلك ،والسياسة تظل بالنسبة لي ثانوية مقارنة باهتماماتي الأدبية والثقافية ومحاولة أن أخدم ثقافة هذا البلد وتاريخه وتراثه.

موقع الفكر : كيف تنظرون إلى راهن العمل الثقافي في البلاد وما هي أبرز نقاط قوته إن كانت موجودة؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : أعتقد أن لدينا حراكا ثقافيا أو دعني أقول حراكا أدبيا في الرواية  مسكوت عنه  لا يجد التغطية الإعلامية المناسبة ـ حتى لا أقول الشعر ـ وهناك شباب بدأوا يصنعون اسما لموريتانيا في الخارج، وبدأوا يكتبون روايات وبدأت تلك الروايات تحصد جوائز، وبدأ المتلقي العربي ينتبه إلى أن موريتانيا ليست بلد الشعر فحسب ويمكن أن تذكر مثلا محمد بن عبد اللطيف وأحمد بن إسلمُ و مؤخرا الدكتور الشيخ أحمد بن البان وغيره من الشباب الذي بدأوا يصنعون اسما نثريا  وتحدثت عن أسماء موجودة وهناك أيضا أسماء داخل سالبلاد فالشيخ بن نوح تصدر له روايات مقروءة وبعض الكتاب الشباب الآخرين وأعتقد أن هذا الحراك مظلوم إعلاميا ولا يهتم به قدر الاهتمام بالأماسي الشعرية أحيانا وهذه المسألة سبق أن تحدثت عنها، وهي غلبة الشعر على الذائقة الموريتانية إلى درجة إهمال كُتَاب الرواية إذ لا يتم الحديث عنهم، وأعتقد أن الحراك الثقافي في موريتانيا يشهد نوعا من اليقظة أو نوعا من الصحوة التي تحتاج منا أن نعطيها حقها من الإعلام حتى يكون هناك إحساس بأن هناك حراكا ثقافيا حقيقيا.

موقع الفكر: تعيش الساحة الأدبية صراعا بشأن تقسيم اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين إلى اتحادين شعبي وفصيح فكيف تنظر الوزارة إلى هذا التقسيم وما آفاق تجاوز هذا الصراع ؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله: هذا الحدث أنا شخصيا من الذين لديهم رأي فيه باعتباري مشتغلا بالأدب وباعتباري أحد أعضاء اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وأقول إنني من الذين يفضلون الفصل وأن يكون هناك اتحاد فصيح وآخر شعبي كما هوشأن بقية الدول العربية، وبالنسبة لموقف الوزارة كانت في مرحلة تفضل الفصل بين الاتحادين وأعتقد أن هذاهو رأيها ، وأنه ينبغي أن  يكون اتحاد للأدباء الفصحاء وآخر للأدباء بنفس الامتيازات وبنفس الحقوق، ولكن الحقيقة أن الذي أثرعلى الاتحاد بغض النظر عمن يرأسه أوالجهة التي تحكمه ،لا تستطيع العمل في ظل الخلط بين إبداعين، وفي الدول العربية والدول القريبة هناك اتحادات شعبية أو روابط شعبية وهناك اتحاد أدبي فصيح.

 يعتقد البعض أن في الأمر تعاليا على الأدب الشعبي وهذا غير صحيح ،وسبق أن أجبت عليه فعظماء الأدب الفصيح الموريتاني بدءا من القرن الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر وحتى اليوم كانوا أصحاب لسانين كما يقال " بوفمين" كانوا يكتبون الأدب الفصيح والأدب الشعبي إذن لا مشاحة في الأمر ولا مشكلة .

المشكلة في أنه لايمكن أن يتطور الاتحاد ولا أن يطورالأدب مالم يحدث فصل الاتحاد.

موقع الفكر: يبدو أن النشر بطيئ والمؤلفات قليلة كيف تنظرون إلى مسيرة الحركة النقدية في البلاد؟ وهل من مؤلفات يمكن اعتبارها مؤلفات تأسيسية؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : أعتقد أن مشكلة النقد الأدبي  في موريتانيا مشكلة قديمة متجددة سبق أن قلت في أطروحة الدكتوراه التي أنجزت أن المحظرة الشنقيطية درست كل العلوم أو أغلب العلوم فدرست  النحو والصرف والبلاغة  ولكنها لم تدرس النقد وهذا السؤال أجبت بافتراضات في الأطروحة وهو أن البعد الديني هو السبب الذي جعلهم ينظرون إلى النقد باعتباره نوعا من نخل الأشخاص وتجريحهم ولذلك ابتعدوا عنه ولذلك يورد صاحب الوسيط  "فلان لم يؤخذ عليه إلا قوله" ولا تجد كلمة النقد مستعملة وأعتقد أن الأمر نعيشه الآن فنحن ما زالت تحكمنا بعض الأفكار والعصبيات تجعل من الصعب أن تقدم نقدا حقيقيا لعمل معين إلا واتهمك صاحبه باتهامات فيها القبيلة والجهة والعرق وغيرها من القضايا الضيقة.

وإن كانت الجامعة بدأت ولله الحمد نظام LMD وبدأ هناك جيل من الشباب يعي أهمية النقد ، ويهتم به.

وبالنسبة للأعمال التأسيسية أعتقد أن الدكتورمحمد المختار بن أباه يعد رائدا للحركة النقدية في موريتانيا من خلال مقدمة كتابه الشعر والشعراء في موريتانيا، ويأتي بعد ذلك جمال بن الحسن عليه رحمة الله ليؤسس مدرسة نقدية معاصرة أسلوبية من خلال أطروحة عن محمد بن الطلبة وأسلوبه ثم جاءت بعد ذلك أجيال أخرى منها أحمد بن حبيب الله ومحمد الأمين بن مولاي إبراهيم ومحمد بن تاتاه وعبد الله بن السيد ومحمد الحسن بن محمد المصطفى وغيرهم ممن يمكن أن تعتبر كتاباتهم النقدية ومساهماتهم أعمالا هامة في مجال النقد الأدبي الموريتاني.

موقع الفكر: ما هي معالم الاستراتيجية الثقافية للقطاع وماذا تحقق منها؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : أنا كما تعلم جديد على القطاع ومنذ مجيئي لم يجد وزير ما يكفي من الوقت كي يقدم البرنامج كاملا، وأعتقد أن هدف القطاع الثقافي هو تطوير المجال الثقافي ومجال التراث اعتمادا على تلك الرؤية التي أوردها رئيس الجمهورية في برنامجهلتطوير الثقافة والتراث اهتماما بالتنوع الثقافي ،وأعتقد أن هذا هو المسار الذي يعمل القطاع عليه، وقد نشرت الوزارة مؤخرا بعضا من روائع المؤلفات لمؤلفين موريتانيين قدماء ولبعض المؤلفين المعاصرين ولا ننسن أن الوزارة فصلت عنها الصناعة التقليدية وأضيفت إليها الشباب والرياضة وهذا يقتضي تحيين الخطة، وأعتقد أن البرنامج الذي تطرحه الوزارة لتطوير الثقافة هو برنامج مبشر إذا أعطي الوقت الكافي لتنفيذه.

موقع : ما هي المواضيع التي تفضلون التدوين عنها وهل تتذكرون أول  تدوينة لكم ؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : أفضل دائما الكتابة في المجال الثقافي كما قلت لك، في العشرية الماضية كنت أكاد أمحض الصفحة للسياسة لأسباب خاصة تجعلني شخصيا لدي موقف من ذلك النظام  وعندما ذهب توقفت حتى عن نقده، وعن نقد غيره وأنا لدي موقف آخر من هذا النظام وهو موقف دعم ومساندة وهذا أقوله الآن لأنني لم أكن من الذين كانوا أيام الانتخابات ينشرون صورهم مع الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني فقد التقيته عدة مرات في حملته الانتخابية ،ودعمته وهذا لم أنشره حينها والبعض يعتقد أني دعمته انطلاقا من تعييني مؤخرا والأمر ليس كذلك ولقاءاتي به معروفة.

أعود إلى سؤالك فأنا أفضل الكتابة في المجال الثقافي والأدبي وإذا وجدت نظاما يفرغني للثقافة وللكتابة فيها،  فهذا ما أفضله، لكن عندما تضطرني ظروف الوطن إلى النقد فسأنتقد وليس الأمر بالنسبة لي مشكلة ولا مشاحة فيه.

موقع الفكر: ما هي الخطوط الحمراء التي ترونها فوق النقاش ؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله: هناك خطوط حمراء بالنسبة لي وأعتقد أن أي بشر سوي لديه خطوط حمراء، والخطوط الحمراء بالنسبة هي العقيدة ووحدة الوطن والبعد الأخلاقي ،هذه القضايا بالنسبة أحرص دائما أن تبقى هي الموجهات لكتابتي وليس مستبعدا أن يتغير موقف ولكن ... التي أتمنى أن أحافظ عليها دائما.

موقع الفكر: في مسيرتكم المهنية هل تؤمنون بالمجاملة؟ وهل تجاملون في بعض ما تكتبون وتناقشون؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : أعتقد أن المجاملة جزء من حياتنا، وليس من الطبيعي إذا كنت شخصا سويا أن يقول شخص كلاما طيبا وتجابهه بكلام غير طيب، لذلك أومن بالمجاملة إذا لم تؤثرعلى حقيقة أو موقف أو لا تكون في سبيل ظلم شخص آخر، فأنا أستطيع أن أجاملك ولكن ينبغي ألا تكون مجاملتي لك على حساب حق شخص آخر أو على حساب الحقيقة، و أعتقد أن اللغة فسيحة ويمكنني أن أوصل فكرتي بأسلوب حسن أو بأسلوب فيه نوع من القبول دون أن أسقط في أساليب التقعر اللغوي أو ما أسميه دائما قاع اللغة.

موقع الفكر: ما رأيكم في وسائل التواصل الاجتماعي هل هي أداة للتوعية والإنجاز أم تضييع  للوقت في أمور نظرية افتراضية؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : هي مثل كل القضايا المستحدثة في العصر، وأكرر المصطلح الشهير هو "سلاح ذو حدين" يمكن أن يستخدم للتنوير ويمكن أن يستخدم للهدم أيضا.

موقع الفكر: التصنيف الإعلامي للمدون أين موقعه بين الصحفي والكتابة؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : أعتقد أن المدون مسألة ينبغي أن يتم حولها نقاش فالتدوين لم يعد مجرد كتابة وأصبح هناك البث المباشر وغيره يعتبر تدوينا، وأنت لم تعد مطالبا بمستوى معين من المعرفة وهذا لا ينفي وجود بعض الإخوة الذين يقدمون بحثا مباشرا أو يكتبون على صفحاتهم وهم من النخبة ولكن أيضا هناك من ليست لديهم أسباب معرفية أو مستويات ثقافية  تمنحهم صفة نخبوية وأعتقد أن الفرق بين المدون والصحفي أن الصحفي يحتاج إلى مستوى معين من المعرفة والثقافة يستطيع أن يميز به ، والمدون أعتقد أنه لم يعد يحتاج إلى ذلك، ويمكن أن يقدم نصحه ويخدم بلده دون أن يكتب نصا نخبويا وبدون أن يضطر إلى أن يستخدم لغة فخمة وإنما يكفيه فقط أن يتحدث في بث مباشر حول رؤيته التي يرى وهناك من هو بمستوى الدكتور الذي يطلق عليه المدون، وهو في النهاية مدون.

موقع الفكر: ما مدى ثقتكم في الفيسبوك كمصدر للأخبار؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : هناك أشخاص أعرفهم معرفة شخصية  عندما يكتبون خبرا أتأكد منه، ونفس الشيء هناك ثلاثة أوأربعة مواقع ألكترونية عندما لا تنشر الخبر لا أستطيع أن أنشره أو أعلق عليه على صفحتي وهذه المواقع إذا نشرت الخبر يمكن أن أنقله على صفحتي ولا أعتقد أن هناك ضرورة لتسميتها.

موقع الفكر: ما موقفكم من تقنين العمل في المنصات الاجتماعية وتقييد التدوين بالقانون؟ وكيف نوازن بين الجرأة في النقد من جهة وسيف الرقابة القانونية من جهة أخرى؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : أعتقد أن الحياة تحتاج إلى التقنين في كل شيء، فالحياة تحتاج إلى تقنين، وتقنين وسائل التواصل الاجتماعي لا أعتقد أن هناك من ينفر منه سواء المشتغلون به أو المستهلكون أو أن يراعى فيه حق أصحاب هذا الإعلام الجديد حق في المعلومة، حق في الخبر وحق في التعبير وينبغي أن يكون هذا القانون موازيا ولا ينبغي أن يكون "شاة بفيفاء" من يستطيع أن يسب شخصا يسبه بدون بينة، ينبغي أن يكون نصا قانونيا يحمي المستهلك ويحمي أصحاب المنصات الاجتماعية وأصحاب المواقع والمدونين الذين ينشرون على الفيسبوك وغيره.

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

د. الشيخ معاذ سيدي عبد الله : كلمتي الأخيرة هي أن أشكركم وأشكر موقع الفكر وأتمنى أن يكون بداية لمنصة أكبر أو قناة تلفزيونية  أكبر فنحن بحاجة إلى هذا النوع من المنصات والمواقع المحترمة.

أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله.