النائب محمد المختار الزامل للفكر: الفساد تجذر في البلد والقضاء عليه يحتاج إرادة سياسية قوية.

قال النائب البرلماني والوزير السابق محمد المختار ولد الزامل إن القضاء على الفساد يحتاج إرادة سياسة قوية وذلك بعدما تجذر في البلد مؤكدا أن أهل الفساد معرفون وهم يفعلونه بقوة على حد تعبيره.

ووصف ولد الزامل القادة العسكريين الثلاثة الذين تعاقبوا على الحكم بعد الانقلاب على نظام ولد دداه (ولد السالك وولد هيداله ومعاوية ) بالوطنية والنزاهة، مقللا في الوقت نفسه من أي دور للحركات السياسية في الانقلابات العسكرية.

وتحدث ولد الزامل في حوار شامل مع موقع الفكر عن مساره الدارسي والمهني وعن ذكرياته عن المهام التي تقلدها بعد عودته من فرنسا مهندسا متخصصا في الإحصاء وعن أحداث 1989 بين السنغال وموريتانيا عندما كان سفيرا بالسنغال وعن علاقته بولد الطايع والرئيس السنغالي عبدو ضيوف..

فإلى نص المقابلة:

موقع الفكر: نود منكم  تعريف القارئ والمشاهد بشخصكم الكريم؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: اسمي محمـد المختار بن الزامل، أنحدر من ولاية آدرار وبالتحديد مقاطعة أوجفت، دخلت المدرسة الفرنسية سنة 1952م. وفي تلك الفترة لا يمكن الولوج إلى الثانوية إلا عن طريق مسابقة، وكان ذلك في شهر يوليو من سنة 1959م. والعدد الذي تتبنى الحكومة الفرنسية هو الذي سيسجل في الثانوية، وكانت آنذاك في موريتانيا حكومة ذاتية برئاسة المختار بن داداه رحمه الله إلا أننا في تلك الفترة لم نكن قد حصلنا على الاستقلال، وأذكر أن الدولة الفرنسية لم تول أهمية كثيرة لموريتانيا؛ فلم تبن فيها إلا منشئات محدودة، فقد أنشأت ثانوية واحدة في روصو، ولم تقم بأي شيء آخر. وقد قررت الحكومة آن ذاك أن تحتفظ ب 25 الأوائل في مسابقة الثانوية، لتفتتح بهم قسما خاصا في نواكشوط، بالثانوية التي تدعى حاليا بثانوية البنات قرب السوق المركزي، وعند قدومنا إليها وجدناها في طور البناء، وانتظرنا حتى أكتمل بناؤها،  ودرسنا فيها سنتين  حتى تم بناء ثانوية نواكشوط الكبيرة نسبيا حيث انتقلنا إليها.

وبعد حصولي على الباكالوريا ذهبت إلى فرنسا، ودرست في الأقسام التحضيرية لمدارس المهندسين؛ لأني حاصل على باكلوريا شعبة الرياضيات، ونجح في الباكالوريا آنذاك 10 تلاميذ، وفي تلك الفترة كان امتحان شهادة البكالوريا حديث النشأة في نواكشوط، وكان من المفترض أن نجري الامتحان سنة 1966 م. إلا أنه بسبب تلك الأحداث التي تسمى "أحداث 1966م." لم نتمكن من الترشح، وكانت سنة بيضاء، ونتيجة لذلك تم تأجيل الامتحان إلى 1967 وهي السنة التي ترشحنا فيها ونجحنا.

 وفي تلك الأثناء حدث تطور يتمثل في بناء ثانويات جديدة في كل من: روصو، وكيهيدي، ولعيون، وأطار.

وبعد ذهابي إلى باريس دخلت الأقسام التحضيرية لمدارس المهندسين، وكان ذلك نظاما صعبا بالنسبة لنا لأن جل التلاميذ هناك كانوا أبناء المهندسين والأساتذة وكان يتم تحضيرهم من الصغر ليدخلوا إلى تلك الأقسام؛ وربما يكون مستوانا في المواد الأساسية كالرياضيات، والفيزياء، والكيمياء متقاربا،  لكنهم متفوقون علينا في الكثير من الأمور الأخرى، والبعض منهم كان عندما لا يحصل على مراده يذهب إلى دولة أجنبية ويدرس فيها. وفي الأقسام التحضيرية المهندسين أجرينا مسابقة بعد العام الثاني ونجحت في البعض منها، واخترت مدرسة الإحصاء، وتخرجت منها بعد ثلاث سنوات من الدراسة، وكانت الدولة آنذاك تحتاج مرتنة وظيفة مدير الإحصاء؛ لذلك أعطتنا عناية خاصة حتى تخرجنا؛ وحين جئت بعد التخرج أذكر أني قدمت لهم وثيقة كشف الدرجات أو شيئا بسيطا، ولم ينتظروا حصولي على الدبلوم، لأن الدبلوم في تلك الفترة كان يتأخر بسبب انتظار توقيع شخصيات بارزة في النظام الفرنسي آنذاك، وتم اكتتابي في تلك الفترة أغسطس 1972، وأذكر أنني وجدت في الإدارة قبلي فرنسيين، تخرجوا قبلي بعام، وكان هناك أيضا خبير هندي تم جلبه من منظمة الأمم المتحدة، ونظمنا أول تعداد لسكان موريتانيا، وبعد ذلك تم دمج إدارة الإحصاء مع إدارة التخطيط، وفي تلك الفترة لم تكن في وزارة التخطيط إلا إدارتان إحداهما  للتخطيط والأخرى للإحصاء، وأذكر أنه كان هناك بداية لمشروع كانا نفكر فيه مع البنك الدولي، وهو استعمال خريجي المحاظر، وتم تسميته "projet education"، والذي كان فيما بعد يتبع لوزارة التربية، وهو المشروع الذي أنفق عليه البنك الدولي الكثير من التمويلات، وهو مشروع معروف، حتى تم انقلاب 1978 حيث دخلت الحكومة، وتوليت فيها العديد من الوظائف، وأذكر أني دخلت الحكومة في أول مرة كوزير للتخطيط والمعادن.

 

موقع الفكر: هل كنتم علة علم بنقلاب 10 يوليو ومن هو حلقة الوصل بينكم وبين قادته؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لم أكن على علم بحدوث الانقلاب، لكن كل الدلائل والمؤشرات كانت تشير إلى ضرورة وقوعه؛ لأن الوضعية آنذاك كانت سيئة، ونحن لم نكن جاهزين للحرب، وخضناها بلا إمكانيات، فعتادنا كان قليلا وسلاحنا كان محدودا وإمكانياتنا ضعيفة، وجيشنا كان جيشا رمزيا فقط، وكان لا بد أن نغطي وندافع عن كل مدننا، من النعمة إلى تيشيت، وآدرار، وتيرس الزمور، ونواذيبو، وكل المدن.

ولم أعد أذكر من اتصل بي من أجل الانضمام إلى إلى التشكيلة الوزارية، لكن أظن أنه كان من جهاز الحكومة القائم آنذاك، وبعد الانقلاب صار رئيس الحكومة المصطفى بن السالك الولاتي رحمه الله، وكل من كان في الرئاسة أصبح تحت سلطته يكلفه بما يريد، عموما لم أعد أذكر من اتصل بي.

 

موقع الفكر: ما أهم انجازاتتكم  في وزارة التخطيط والمعادن؟ 

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لم أعد أذكر، ولكني لم أمض الكثير.

وأذكر أنني ناقشت مع البنك الدولي تمويلا لإنشاء سد "فم لكليته"، أذكر أننا ناقشنا معهم في تلك الفترة الظروف التي سيتم فيها القرض، وكيفية تنفيذ المشروع، ووافقوا عليه.

والباقي كان عمل الحكومة الروتيني.

موقع الفكر: ماهي تكاليف تمويل السد؟ وهل ترون أن موريتانيا استفادت منه؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لم أعد أذكر المبلغ، لكنه موجود ويمكن الرجوع إليه، فما كان مبرمجا فيه لم يحدث، فهو كان مشروعا لتخزين الماء من "فم لكليته" إلى كيهيدي، ويتم زرع كل تلك الأراضي، والماء وحده لا يكفي للزراعة، بل لا بد من اليد العاملة، والآليات، وصار بعد ذلك أهم ما فيه صيادين أظنهم من مالي يقومون بالصيد التقليدي هناك، وأظن أن موريتانيا مرتنته بعد ذلك، والمهم أنه وجدت له نتيجة بعد ذلك وهي سقاية كل تلك المناطق، وخصوصا أن المواطنين في مقاطعة مونكل، وضواحي كيهيدي إلى مقاطعة باركيول كانوا يعانون من العطش.

بعدفترة قصيرة غادرت هذه الوزارة، إلى وزارة الصيد في تلك الفترة ولم أمض فيها إلا 52 يوما، ووزارة الإعلام كانت هي المحطة الأخيرة وبعدها غادرت الحكومة سنة 1983م.

 

موقع الفكر: هل ترون أن ولد هيدالة كان ضحية للتقارير المغلوطة حين قام بطرد بعض المقربين منه، وبعض الكفاءات؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: أنا لا أحب الحديث عن الأشخاص، لكني أعرف أنه في تلك الفترة كان مقتديا بالبعض وهو يعلم أنهم يكذبون عليه، وأنا قلتها له، ولم يغير ذلك شيئا، بل ظل يثق بهم.

 

موقع الفكر: أين  كنتم يوم  16 مارس1983؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: انقلاب 16 مارس كنت قد ذهبت حاملا بعض الرسائل إلى الرئيس عبدو ديوف، والرئيس موسى تراوري؛ لأن الرئيس محمـد خونة ولد هيداله كان على علم بالانقلاب، وذهبت لأعلمهم كي يكونوا على بال من الانقلاب.

موقع الفكر: كيف كان تعليق الرئيسين، عبدو ديوف، وموسى تراوري على الرسالة؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: استنكروها، وقد حدث انقلاب 16 مارس وأنا في تلك الأثناء في باماكو.

 

موقع الفكر: كيف تم تعيينكم سفيرا في سينغال؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: نعم ..استدعاني الرئيس معاوية سنة 1988م. ونحن ننحدر من جهة واحدة، وكانت بيننا علاقات مسبقا لأننا كنا نلتقي عند عائلات من مدينة أطار، وبعد السلام قال لي: فلان، سأكلفكم بمهمة، قلت له: نعم، إن شاء الله تكون خيرا، فقال لي: أنا أريد أن أكلفكم بمهمة سفير في السنغال، وكان هذا مفاجئا بالنسبة لي لأنه لم يسبق أن أشرت إلى رغبتي في الذهاب إلى الخارج، وخاصة أن مهمة السفارة مفضلة عند الناس. وكان للسنغال تقليد يتمثل في أن السفير يرسل للرئيس خطابه الذي سيلقيه في مراسيم تقديم أوراق الاعتماد، كي يحضر له الرئيس جوابا، وسارعنا إلى إعداد ذلك الخطاب، وأرسلناه إلى السفارة الموريتانية هناك، وأوصلته لهم، وصرت ملزما بأن يكون قدومي سريعا، وعندما ذهبت إليهم لم ألبث كثيرا حتى قدمت أوراق اعتمادي، واكتشفت فيما بعد أن السنغال غير ودودة تجاهنا، وأن من سبقني من السفراء  كلهم قدم طلبا بتحويله من السنغال لأن هناك وضعية لا قبل له بها؛ وبدأت أيضا تتضح لي الصورة أن الوضعية هناك ليست سهلة.

موقع الفكر: هل أعطاكم الرئيس معاوية توصيات خاصة ؟ وهل وضعكم في صورة الوضع في السنغال؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: بالطبع استقبلني، لأنه ليس هناك أي رئيس سيرسل سفيرا لبلد إلا واستقبله وأعطاه توجيهات، فهو لم يقل لي شيئا يذكر، وفعلا كان يجب عليه أن يضعني في الصورة، وأن يشرح لي الأوضاع هناك، والمطلوب مني معروف وهو أنني سفير يرعى مصالح بلاده. وذهبت إلى هناك وبدأت تقديم أوراق الاعتماد، وبدأت بالعمل.

موقع الفكر: هل اتضحت لكم الأزمة من البداية وأن هناك نيات سيئة تجاه موريتانيا؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: اتضح لي أن هناك أمورا غير طبيعية، والحقيقة أنه في تلك الفترة كان في السنغال رجل فرنسي توفي لاحقا يدعى "جان كولاه" هو الحاكم الفعلي للبلد، ووظيفته أنه مسؤول عن الأمور الرئاسية كلها، أي أنه كان مدير ديوان الرئيس، والأمين العام للحكومة، وأمور أخرى..الخ. ومن المتعارف أن أي سفير قدم إلى بلد جديد يلتقي كل المسؤولين فيه، ولا أنسى أنه قال لي: إذا واجهتك أية مشكلة يمكنك القدوم إلي، وأنا لم أعر ذلك الكلام أي اهتمام، لأنني كنت أحتسب أنني أقرب إلى السنغاليين من أن أمرر الأمور التي بيننا بإنسان أجنبي، ولو أنه كانت لديه الجنسية السنغالية وكان متزوجا من سنغالية، إلا أن الأمر لم يتضح لي، وفعلا ألزمت نفسي ألا يكون هناك أي حدث في السنغال وخصوصا دكار، إلا وحاولت الحصول على معلومات حوله، فإما أن يكون لائقا بمستواي الوظيفي فأذهب إليه، أو أقوم بإرسال أحد المعاونين حتى يحصل على المعلومات، وبالطبع كانت هناك حملة واضحة، وهناك ملصقات كبيرة في الشوارع مكتوب فيها أن موريتانيا هي دولة "الآبارتايد".

موقع الفكر: من قام بهذا؟ هل هم الموريتانيون أم السينغاليون؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: طبعا لم يقم بهذا إلا السنغاليون، والموريتانيون كانوا قليلين، وإن كانت هناك منهم مجموعة شاركت في هذا ليس لي علم بأمرها ولم ألتق بها.

موقع الفكر: هل قدمتم احتجاجا؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: سبق أن قمت بذلك مرة، ففي تلك الفترة كنت قد ألزمت نفسي الإحاطة بكل ما ينشر في وسائل الإعلام هناك، وكلفت بعض المعاونين بمتابعة وسائل الإعلام وخاصة راديو السنغال وأذكر من أولئك المتعاونين بلال، وفي مرة من المرات كانوا قد صرحوا عبر إحدى وسائل الإعلام، وهي إذاعة السنغال ببعض نياتهم تجاه موريتانيا، ففي تلك الفترة قام ضباط زنوج بمحاولة انقلاب هنا في نواكشوط، وتم إعدامهم، وكان هناك حدث مشابه ومتزامن تم القيام به في جنوب إفريقيا، والذين قاموا به تم العفو عنهم، أو لم يتم إعدامهم، فقامت إذاعة السنغال بالمقارنة بين الحدثين قائلة إن الانقلابيين في موريتانيا تم إعدامهم، ولم يكن حظهم كحظ الانقلابيين في جنوب إفريقيا، فعبرت لهم عن احتجاجي على هذا عند وزير الخارجية، وكان لقاؤه صعبا.

موقع الفكر: هل استشرتم السلطة، أم قمتم بذلك من تلقاء أنفسكم؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: استشرت السلطة هنا، وفي تلك الفترة كان وزير خارجيتهم أستاذا للقانون، ولكن من الصعب أن يلتقي به أي أحد، فكان السفراء يلتقون به فقط عند مجيئهم، أو ذهابهم، وكان احتجاجا شفهيا، فالتقيت به في حفل، وقلت له إن هذه ليست المعاملة التي يجب أن تكون بين دول صديقة يجمع بينها الكثير من الروابط والأخوة، فقال لي: اكتب لي هذا ، وكان أسلوبا غير لائق؛ لأنه يعد تهربا وصاحبه ليست لديه حجة.

ويجب أن نوضح أن موريتانيا كانت هي آخر مستعمرة فرنسية، مع أن فرنسا أطلقت كل شيء من "اندر"، وبالتعاون مع السنغاليين، وكانت موريتانيا هي الأخيرة لأنها كانت بالنسبة لهم غير مهمة، ولا تملك خيرات يمكن أن يستغلوها، فليست لها غابات، ولا زراعة، ولا معادن، ولا شيء؛ واحتلوها كالعديد من المستعمرات بالمعاونين السنغاليين، وصار السنغاليون يستخفون بأهل موريتانيا.

موقع الفكر: هل ما زال السنغاليون يستخفون بموريتانيا؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لا أعلم، ولكن من المتوقع أن يكون كل ذلك بصفة أخف، وأعلم أني في مرات لاحقة عند قدومي للسنغال ألاحظ أن الكثير قد تغير، وصار هناك بعض الشباب الذين يسيرون أمورهم بأنفسهم.

وبعد عودتي كسفير من السنغال عملت مرة أخرى في الحكومة كوزير للصيد في فترة معاوية، وأمضيت على الوزارة عامين أو ثلاثة أو أكثر، وفي تلك الفترة كنت كثيرا ما ألتقي بعبدو ديوف، وكان يقول لي سيدي الوزير: في الفترة التي كنا نقاطع فيها مع موريتانيا كنا نشعر أننا أيتام، فهم كانوا يظنون أننا نعيش من خيراتهم، وأننا نعيش من متاجر الموريتانيين في السنغال، والحقيقية أن التجار الموريتانيين كانت أموالهم قد تفرقت على شكل ديون أخذها زبناؤهم وجيرانهم من السنغاليين، وكتب ذلك مديرهم العام للجمارك آنذاك، ولم يكن إنسانا بسيطا، لأن كتاباته كانت مقصودة من أجل الحملة التي يتم تحضيرها في تلك الفترة.

موقع الفكر: متى بدأت الأزمة بعد ذلك؟ 

الوزير محمـد المختار بن الزامل: الأزمة استمرت حتى تمت المقاطعة، وأنا كنت ألزم نفسي بإرسال تقرير أسبوعي، وإرسال تقرير شهري أيضا لوزارة الخارجية، وتقوم الوزارة بوضعها على جانب عند المسؤول عن الشؤون الإفريقية، وعند حدوث الأزمة كان هناك رجل دبلوماسي وصحافي في الأصل يعمل في وزارة الخارجية اسمه محمـد سعيد بن همدي رحمه الله، جاء إلى مكتب مسؤول الشؤون الإفريقية ووجد كمية من تلك التقارير وذهب بها، وقرأها، فقال لي: فلان، لو أن هذه التقارير وجدت من يقرأها لكانت صورة الأزمة واضحة، وفي المتناول، ولن تتفاقم، ومعنى هذا أننا لم نكن في نواكشوط نهتم كثيرا، ومع كل تقرير أرسله لوزارة الخارجية كنت أبعث أيضا تقريرا للرئاسة، والرئاسة كان فيها آنذاك لوليد، وهو زميلي في الدراسة، أمضينا معا في ثانوية نواكشوط 7 سنوات، حتى اجتزنا مرحلة الباكالوريا، وليس يفوقه في الهرم إلا معاوية، وكل التقارير التي تصله لا يطلع عليها إلا معاوية، ومعنى هذا أن معاوية بالتأكيد كان حاضرا في الصورة.

 

موقع الفكر: أليس السبب المباشر للأزمة عراك بين مزارعين ومنمين؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: سبب بداية الأحداث هو عراك بين مزارعين سنغاليين سونيكيين مع منمين موريتانيين، وأظن أن العراك كان على جزيرة بالنهر، وأظن أيضا أنه كانت هناك إصابات في صفوف السنغاليين أو توفي أحدهم، فقاموا بنهب كل ما تحتويه متاجر الموريتانيين في بلدة "ماتام" التي كانت بقربهم، كما ضربوا أصحاب المحلات، ومن هنا بدأت الأزمة.

موقع الفكر: من اقترح نقل الموريتانيين من السنغال؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: الجالية هناك منظمة، فكل فئة تقوم بأمورها، فالذين يبيعون الماشية منتظمون بينهم، وكذلك التجار، وكنت دائما ألتقي بممثلين عنهم، وأنصحهم بمغادرة السنغال، وأبين لهم أنها لم تعد كما كانت في السابق، وكانوا يقولون هذا رجل من أهل آدرار، ولا يعرف السنغال، وأحد أولئك الممثلين اعتذر مني لاحقا، وصرح لي بذلك.

موقع الفكر:  ماهو رقم  أموال الموريتانيين في السنغال التي استطعتم إخراجها؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لا أذكر، فأنا أمرتهم ألا يبقوا أي دكان مفتوح بعد الحادية عشر، وأن لا يفتحوه قبل السابعة، لكنهم لم يلتزموا بذلك.

وهناك تاجرين توفوا في يوم واحد كلاهما فتح دكانه في الغلس من أجل أن يتوضأ، فيأتيه مجهول ويضربه بآلة حادة على الرقبة ثم ذهبا إلى المستشفى الوطني هناك وتوفيا في يوم واحد، ولم يكن سبب ذلك عملية سرقة؛ لأن الدكانين لم يؤخذ منهم أي شيء، بل كان استهدافا من السنغاليين للموريتانيين كي يستفزوهم ليغادروا بلادهم.

وفي تلك الفترة كان الوضع في السنغال متوترا بسبب انتخابات ادعى عبدالله واد نجاحه فيها ، ومن هناك بدأت "سوبي"، والمدارس، والجامعة مغلقة، والخزينة فارغة، ولديهم أزمة في السيولة، وكانوا يظنون أنهم إذا قاموا بهذه الأزمة سيحققون أهدافا، وكان هدفهم الأول حل مشكلة السيولة عن طريق نهب أموال الموريتانيين، وكانوا يظنون أن الجالية الموريتانية في السنغال تضم 500 ألف مواطن، وأن من بين كل 5 مواطنين هناك مواطن نشط، وأن هناك مائة وظيفة ستكون شاغرة ويوظفون فيها شبابهم العاطل، وفعلا طردوا الموريتانيين، وعمل مقابلهم في تجارة التجزئة الغينيين من فئة "بول فوت".

موقع الفكر:  هل تذكرون قصة سجناء الحق العام من السنغال أطلقت موريتانيا سراحهم كبادرة لحسن النية؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لا أذكر هذا ولكنه أمر عادي، قضية إطلاق سجناء الحق العام أسمع بها من قبل، وعلاقات الدول لا يتم تسييرها بهذه البساطة، ونحن والسنغال جيران، فلا غنى لنا عنهم ولا غنى لهم عنا، ومن المصلحة أن تكون علاقتنا متوازنة، وأذكرك أنها لم تكن متوازنة قبل الأحداث.

موقع الفكر: متى بدأ منح السنغال  امتيازات في مجال الصيد؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لا أعلم، فهم كانوا يأخذونها بشكل فوضوي، ونظمت لهم كي يأخذوها بشكل محدود.

موقع الفكر: هل سمعتم بالسعر التفضيلي  الذي تبيع به موريتانيا سمكها للسنغال؟ 

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لا، لم أسمع به، سعر السمك حر، وموريتانيا ليست هي من يقرره لأنها ليست هي المنتج، بل من اختصاص المنتجين الذي يبيعونه، وحسب من معلوماتي أنهم عندهم الحق أن يكون لديهم  عدد معين من السفن يذهب من السنغال إلى موريتانيا، ولا يقومون إلا بصيد أسماك معينة ثم يعودون، وكان يلزم أن يفرض تفريغ نتيجة صيدهم في موريتانيا إلا أنها قضية صعبة، نستخلص من هذا أن هناك الكثير من الأمور المبالغ فيها يجب أن لا يتم تصديقها، وثانيا يجب أن نعلم أن السنغال بنيت عليها المستعمرات في غرب إفريقيا، وهي من ورثت الإدارة الفرنسية، والمباني الفرنسية، أما نواكشوط فنحن من صنعناه بأيدينا، وأنا كنت من الحاضرين لإنشائه، فأنا قدمت إلى نواكشوط كي أدرس في الثانوية ولم تكن فيه إلا مباني حكومية يسكنها الرئيس المختار، والوزراء، والمسؤولون فقط، أو مائة منزل في مقاطعة لكصر، وهذا كل شيء.

فيجب أن ندرك أننا أتينا من بعيد، وهناك من يظن أنه كانت عندنا مدينة كبيرة، وعاصمة، ودولة، وهذا غير صحيح.

فكما قلت لك سابقا كنت في وزارة التخطيط وهي آنذاك من أهم الوزارات،و ليس فيها سوى إدارتان، وكنت أنا مديرا لتلك الإدارتين، معنى هذا أن الدولة لم تكن موجودة، وتم بناؤها تدريجيا.

موقع الفكر: ما تفسيركم لقطع العلاقات مع السنغال، ثم عودتها رغم الخسارة اكبيرة التي مني بها الموريتانيون؟ وهل صحيح أن الحقوق الضائعة لموريتانيا جراء هذه الأزمة،تتجاوز500 مليار، مقارنة بحقوق السنغاليين  74 مليار؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: ما أعلمه هو أنه بعد الأحداث وبعد تدخل دول شقيقة وصديقة كي تتم عودة العلاقات، بحثنا ما لنا وما علينا، والسنغال لم نجد لهم إلا بعض المنازل لا تبلغ عشرة، لأنهم كانوا ببلدهم الثاني، لا تطلب منهم تأشيرة، ولا أية وثيقة، والخطأ الذي وقع في السنغاليون هو ظنهم أن جاليتهم هنا 10 آلاف فقط، وأن جاليتنا هناك تضم 500 ألف مواطن، وعبدو ديوف هو من قال إنه لا بد أن ترسل إليه جاليته وسيطرد الجالية الموريتانية؛ لأنه لم يعد قادرا على حمايتهم حسب قوله، وأعطت المغرب والجزائر طائرات لحمل الجاليات، وكانت نسبة السنغاليين الذين تم إرسالهم أكبر من الموريتانيين الوافدين، وأظن أنها كانت حوالي 300 ألف، والكثير منهم بقي هنا؛ لأنه تم إخفاؤهم من قبل أرباب عملهم، فقبل الأزمة كنا كشعب واحد، فحتى جهاز الجمارك لدينا كان واحدا، لأنه كان بالإمكان جمركة أي شيء قادم إلى موريتانيا في السنغال ويقومون هنا بإعطائنا نسبة ضئيلة، وفي فترة معينة طالبتهم الحكومة بزيادة تلك النسبة إلا أنهم رفضوا، وهناك قررت موريتانيا أن تفصل العمل الجمركي عن السنغال، وكان هذا زمن الرئيس المختار.

موقع الفكر: ماتعليقكم على مضايفة العمالة السنغالية للعمالة الموريتانية؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: مجتمع البيظان بصفة عامة ليس مجتمعا عمليا، فعندما يمتنع السنغاليون عن الصيد هنا سيتأثر استهلاكنا من السمك، وهناك الكثير لا يمكننا القيام به، والناس التي عادت من السنغال عندما فتح لهم باب التكوين والأعمال فإن الكثير منهم قبل بممارسة تلك الأعمال، وهذا يدل على أننا غير مهنيين، فنحن لا نعرف المهن، ومع ذلك لا بد من تعلمها، وأنا أرى بعض شباب موريتانيا يدخلون في تكوين لصالح الصيادين التقليديين فقط من أجل المنحة التي يتم إعطاؤها مدة التكوين، وبعد ذلك لا يزاولوا النشاط المطلوب منهم.

موقع الفكر: أول مرة تزورون السنغال بعد أحداث 1989،كيف استقبلكم عبد الضيوف؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: قال لي فقط إنهم كانوا يشعرون في الفترة التي قطعنا فيها العلاقات أنهم أيتام.

موقع الفكر: هل التقيتم معاوية بعد رجوعكم من السنغال؟ وماذا كان رده على الأحداث؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: نعم، التقيت به، وبعدها صرت في حكومته، كلما أذكره أنني عندما كنت في دكار وتحديدا فترة الأحداث وقد نظمنا ندوة صحفية، وكان معي رجل شجاع وهو بلال بن ورزك، وأعددنا ورقة ووزعناها على كل الصحفيين الذين حضروا معنا، وألقيت أمامهم مقدمة، ثم فتحت المجال للأسئلة، وخلاصة هذا أن بلال كان بإمكانه كتابة كل ما سمع، وأرسلنا ذلك إلى نواكشوط، وقامت الحكومة هنا فيما بعد بتوزيعها على سفارات موريتانيا في كل البلدان، وأذكر أنه في نسخة من تلك الورقة التي أرسلتها للحكومة، كان مكتوبا على إحدى الورقات: "سنقتلك في اليوم المحدد"، وأنا لم أكن أخشى من أي شيء فالطريق الذي كنت أذهب منه يوميا من وإلى السفارة لم أغيره، مع أنه تزامنا مع الأحداث أرسلوا لي سيارة "r4" وكان فيها اثنان من الدرك كي يؤمنوني، كما أرسلوا لنا فرقة من الدرك إلى المنزل.

موقع الفكر: ما هي انطباعات الرئيس معاوية عند لقائكم به بعد الأزمة؟

محمـد المختار: في فترة الأزمة كان كثيرا ما يتصل بي كي أمده بالأخبار،  وكنا نستغرب أن موريتانيا لم تتفوه بأية كلمة بخصوص الأزمة، وألقى معاوية فيما بعد خطابا.

موقع الفكر: هل تتذكرون مضامين الخطاب؟

الوزير محمـد المختار: لا، فهذا  حدث منذ 30 سنة، ومعاوية عندما قال عبدو ديوف إنه لا بد أن ترسل له الجالية السنغالية، وأنه يجب أن تطرد الجالية الموريتانية لأنه لم يعد قادرا على حمايتها، وقال معاوية إن هذا القرار غير صائب، لأنه إذا ذهبت الجالية الموريتانية عن السنغال، والجالية السنغالية عن موريتانيا، تكون هذه قطيعة صعبة، وقال إنه يمكن أن يسيطر على الوضع هنا حتى لا يتضرر أي سنغالي، وأن على عبدو ديوف أن يسيطر على الوضع هناك، فرفض عبدو ديوف وأصر على أن يتم إرسال الجالية السنغالية إليه، وأنه لم يعد قادراعلى حماية الجالية الموريتانية .

موقع الفكر: هناك من يقول إن القوميين في موريتانيا كانوا  وراء الأحداث ما رأيكم؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لا أعلم، ليست عندي أية معلومات حول ذلك، وأنا لا أرى أن للحركات من القيمة ما يمكنهم القيام بأمور مثل هذه في الدولة، وإن كانوا شاركوا في انقلابات في العراق، وسوريا، وبلدان وأنظمة أخرى.

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لا قيمة لكل هذا، فمعاوية كان من الضباط المتخصصين في جمع المعلومات، ولا يخفى عليه أي شيء في الجيش، ولكن قبل ذلك أرسل لهم تعميما يطلب ممن كان منتميا لتنظيم معين أن يعترف بذلك وينتهي منه.

موقع الفكر: ألا ترون أن للتنظيمات التي كانت موجودة الحق في دخول الجيش؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: ليس لهم الحق في ذلك، ومن كان منهم في تنظيم يجب أن يقوم بتركه.

موقع الفكر: ما هو رأيكم في محاربة الفساد؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: الفساد تجذر في البلد، وللقضاء عليه  فإن ذلك يحتاج إرادة سياسية قوية والمجتمع لا يريد إلا الإصلاح، وأهل الفساد معروفون، وهم يفعلون ذلك بالقوة.

موقع الفكر: بما أنكم عملتم مع محمـد خونه بن هيداله ومعاوية، برأيكم أيهما أكثر نزاهة، وأمانة؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: عملت أيضا مع رجل ثالث وهو المصطفى بن محمـد السالك رحمه الله؛ وسبق أن قرأت في أيام ماضية مقالا لضابط سابق يسمى بن كرمبله أظنه كان من البعثيين، قال فيه إن هناك جيلا  من العسكريين – وقد قام بتسميتهم –  كانوا أصحاب نزاهة وأن كل الذين بعدهم لا خير فيهم، وهذا تقريبا هو قوله.

المهم أن هؤلاء الرجال الثلاثة كانوا أصحاب وطنية ونزاهة، وإخلاص للبلد، ربما لكل منهم أسلوبه، والنسبة الأكبر من خبرتي في معاوية، ومعاوية غادر السلطة وهو لا يملك منزلا، وعندما توفي أخوه الذي يسمى الزاوي ورث منه منزلا؛ لأن أخاه لم يكن لديه أبناء.

موقع الفكر: الناس يحملون معاوية مسؤولية انتشار الفساد؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: ذلك توجه يخصه، ولكنه سا وى الناس في المسروقات، فلم يسرق لوحده، بل ترك كل أبناء موريتانيا الذين يتولون وظائف يسرقون، وهذه وجهة نظره، تشبه وجهة نظر "فوت بوني"، ف"فوت بوني" ترك أهل ساحل العاج ينهبون مال الدولة؛ لأنه يرى أن الناس يجب أن تحصل على رؤوس أموال، ولكن لا يمكن أن تجد أحدا يقول لك إن معاوية أخذ أموالا لنفسه.

 

موقع الفكر: هناك كثيرون  من الحركات الحقوقية يقول أصحابها إن آباءهم تم إعدامهم ويطالبون بالكشف عن قبور ذويهم؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: لا أعلم، لكن قضية "ماو اعل" قد حضرت محاكمته في وزارة العدل التي كانت آنذاك هي قصر العدالة، ونحن في تلك الفترة كنا طلابا في الثانوية، وكلما خرجنا من الثانوية نذهب لحضور المحاكمة، وأستغرب لماذا تم إخفاء قبره.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

الوزير محمـد المختار بن الزامل: أود فقط أن أقول إننا كموريتانيين يسهل علينا أن نعطي لأنفسنا الكثير من الحرية، وأن نقول ما نريد قوله، وليس لنا في ذلك سند.

وأهم شيء هو العلاقات مع الجيران كالسنغال، فالسنغال جيراننا وتلامذتنا، وشيوخنا، وبيننا معهم الكثير من الروابط، ولعلمك الخاص مريم أخت الحاج عبد الله بن الشيخ إبراهيم انياس التي توفيت مؤخرا، كانت أيام الأحداث تقوم بجمع الطعام وتبحث عن الموريتانيين كي تطعمهم، والحاج فتح المسجد لإيواء الموريتانيين، وقال للسنغاليين إن من أتاه بموريتاني يعطيه 10 آلاف من عملة السنغال، وهناك من الموريتانيين من حاول أن يعطيه بعض المال، ولكنه رفض وقال لهم: هذه أموالكم، وسآخذها منكم فقط لأسجلها وأوصلها لكم بعد ذلك بطريقة أخرى، وأشياخهم درسوا في موريتانيا كالشيخ أحمدو بمب، والحاج مالك سي أيضا درس في موريتانيا، معنى هذا أننا تجمعنا معهم الكثير من الروابط، ربما كانوا في البداية يقللون من شأننا؛ لأن السلطات الفرنسية الغازية كانت وراءهم؛ ولكن مع الأحداث والزمن تبين لهم أنه يمكننا فقط أن نكون جيرانا وإخوة، ويجب علينا نحن أن نعي ذلك ونتفاعل معه، ولا ينبغي أن نقبل بعلاقات على حساب مصالحنا، ولكن لا ينبغي أن نقبل أن يكون بيننا والسنغال علاقات غير علاقات الأخوة، والجوار، والعلاقات الطيبة، هذا هو ما يجب أن يكون بيننا، وأتمنى التوفيق لبلدنا.