الوزيرالأول الأسبق اسغير بن امبارك للفكر: النظام مهما كان.. ينجح في أمور ويخفق في أخرى والأساسي هو بقاء سلطة محترمة

السادة القراء يسرنا في موقع الفكر أن نلتقي بكم اليوم في مقابلة شاملة مع شخصية وازنة شغلت مناصب حكومية متعددة وسايرت فترات حساسة ومفصلية في مسار الدولة الموريتانية وأدارت ملفات مهمة ،إنه الأستاذ اسغير ولد امبارك .

وقد تناولنا معه في هذه المقابلة إنجازاته في القطاعات الحكومية التي تولى تسييرها ،كما سألناه عن ظروف نشأة حركة الحر وأهم المؤسسين ومخلفات الرق ، والمحاكمات التي تمت سابقا،كما تناول اللقاء السياسة والا قتصاد والتعليم وأهم التحديات والعقبات التي تواجه الدولة في هذه الميادين.

موقع الفكر: نود منكم أن تعرفوا المشاهد والقارئ بشخصكم الكريم من حيث الاسم، وتاريخ ومحل الميلاد، وأهم الشهادات التي حصلتم عليها، والوظائف التي تقلدتم؟

 اسغير بن امبارك: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبيه الكريم، الاسم اسغير بن امبارك من مواليد 1954م.  بمدينة النعمة، التي بدأت فيها دراستي الابتدائية ثم بعد ذلك التحقت بإعدادية مدينة لعيون عام 1969م.  وقضيت في هذه المدينة سنوات الدراسة، وبعد ذلك التحقت بالتكوين المهني في المدرسة الوطنية للإدارة وتخرجت منها كاتب ضبط، وبعد ممارسة هذه المهنة في مرحلة معينة بالقضاء، صرت بعد ذلك في الخزانة العامة وكيلا قضائيا للخزانة العامة، ثم التحقت بجامعة نواكشوط ودرست فيها 4 سنوات وبعد حصولي على شهادة  الإجازة"المتريز" التحقت بسلك المحامين محاميا متدربا في مكتب نقيب المحامين الأسبق الأستاذ يعقوب جالو، وبعد ثلاث سنوات من التدريب تم اعتمادي محاميا، أما فيما يتعلق بالوظائف فهناك وظائف سياسية حيث تم انتخابي عمدة مساعدا لبلدية نواكشوط مع العمدة المركزي الداه بن الشيخ، ثم بعد ذلك تم انتخابي في بداية المسلسل الديمقراطي نائبا عن مقاطعة الميناء، وفي يوم 4 أبريل 1992م تم تشكيل أول حكومة مدنية وتم تعييني وزيرا للتهذيب الوطني في حكومة الوزير الأول سيدي محمد بن بوبكر، إذًا؛ أسندت لي حقيبة وزارة التعليم، وبعد ذلك وزارة التنمية الريفية، ثم بعد ذلك وزارة الصحة، ثم بعد ذلك وزارة التجارة، ثم وزارة التجهيز والنقل، ثم وزارة التعليم مجددا، وبعد ذلك عينت مديرا عاما لشركة تسويق الأسماك، وهي الشركة الموجودة في نواذيبو وتسمى الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك، وبعد ذلك عينت وزيرا للعدل، وبعد ذلك أصبحت وزيرا أول، ثم بعد ذلك وسيطا للجمهورية في عهد الرئيس سيدي محمد بن الشيخ عبد الله، ثم بعد ذلك في عهد الرئيس محمد بن عبد العزيز عينت رئيسا للمجلس الدستوري، وهي آخر وظيفة أشغلها، وأنا الآن أشغل وظيفة رئيس مجلس إدارة شركة المعادن. هذه بعجالة هي الوظائف التي تقلدتها طيلة حياتي.

 

موقع الفكر: هل أنتم من من مؤسسي حركة الحر؟

 اسغير بن امبارك: كنت قريبا من الجماعة التي أسست حركة الحر، وعلى علم بنشأتها، ولكن لظروف خاصة لم أحضر لحظة نشأتها، هذه الحركة التي نظمت نضالا من أجل انعتاق هذه الفئة، واعتقلت وسجنت في سبيل ذلك.

 

موقع الفكر: من تتذكرون من التيار الذي كان معكم؟

اسغير بن امبارك: كان معي الرئيس مسعود بلخير، سيدي جابر رحمه الله، المهندس بوبكر مسعود، بيجل هميد، بلال ورزك، عبد الرحمن محمود محمد بن الحيمر رحمه الله، وعاشور بن صمب، سيدي عبد الله بن محمود، الكيحل بن محمد العبد، الساموري بن بي، ومجموعة أخرى من الأطر من بينهم بعض السيدات مثل أم العيد افال...

 

موقع الفكر: هناك من يرى أن العبودية ما تزال موجودة، وهناك من يرى أنها اختفت ولكن ما تزال هناك منها مخلفات قوية، فإلى أي الرأيين تميل؟

 اسغير بن امبارك: أنا أحترم لكل شخص رأيه، وأرى أن العبودية بمفهومها البشع غير موجودة ولكن هناك بقايا، والإشكال اليوم المطروح بالنسبة لهذه الفئة هو إدماجها في النسيج الاقتصادي حتى تلتحق بركب الفئات الأخرى ،لأنها عانت كثيرا من التهميش اقتصاديا وعلميا؛ فلم تتح لها الفرصة في مرحلة معينة للتمدرس، وبالتالي أرى أن من واجب النظام القائم أن يعتمد سياسة التمييزالإيجابي لصالح هذه الفئة حتى تلتحق بركب الفئات الأخرى، هذا هو رأيي.

 

موقع الفكر: كم لبثتم في السجن؟ وهل اعترفتم بانتمائكم لحركة الحر؟

 اسغير بن امبارك: سجنت في نواكشوط، وأمضيت في السجن عدة أشهر، وبعد ذلك مثلنا أمام المحكمة العسكرية، وبعضنا تعرض للتعذيب ولكني لم أتعرض له.

طبعا اعترفت لهم بانتمائي فلا يمكنني التنكر لهذا النضال وهذه القضية، وقد كان تنظيما سريا، فنحن أسسنا الحركة في مارس من العام 1978م، وتم اعتقالنا عام 1980م. في عهد الرئيس محمد خونه بن هيداله، وكان سبب اعتقالنا هو أن الحركة نظمت مظاهرات في أطار؛ لأنه تم بيع سيدة هناك، ونظمنا مظاهرات على مستوى نواكشوط للتنديد بهذه العملية؛ وتم اعتقالنا في نواكشوط و أطار و ازويرات و نواذيبو، وعندما تم اعتقال المشاركين في المظاهرات وتم التحقيق معهم، تمكنت الشرطة من معرفة قادة الحركة واعتقالنا، واستجوابنا.

 

موقع الفكر: هل تعرضتم للتعذيب داخل السجن؟

اسغير بن امبارك: أنا شخصيا لم أتعرض للتعذيب، والتعذيب كان من أجل الاعتراف، وأنا كنت من بين الإخوة الذين اعترفوا بتأسيس هذه الحركة والأسباب التي أدت إلى تأسيسها، وقررنا أن نعترف أمام المحكمة بالأسباب التي أدت إلى تأسيس الحركة، وإلى النضال من أجل العدالة والمساواة في هذه الدولة، دولة القانون.

 

موقع الفكر: هل ترون أن حركة الحر تيار سياسي أم حراك اجتماعي؟

اسغير بن امبارك: أرى أنها تيار اجتماعي محض، وكان الغرض والهدف من تأسيس هذه الحركة ،هو القضاء على ظاهرة الرق الاجتماعية، فقد آن الأوان للقضاء عليها.

 

موقع الفكر: كيف كانت ظروف الاعتقال والاقامة في السجن؟

اسغير بن امبارك: كانت ظروف السجن صعبة وقاسية

أولا تم سجننا في بيوت خارج مدينة نواكشوط  على طريق توجنين عام 1980م، وأعتقد أنه في تلك الفترة لم تكن توجنين مقاطعة، وكنا في بيوت عادية، وأمضينا هناك على ما أعتقد 15 يوما أو تزيد قليلا، ثم نقلنا إلى سجن نواكشوط الكبير الحالي وأمضينا فيه أسبوعين أو ثلاثة، ثم بعد ذلك نقلنا إلى مدينة "لكوارب" للمثول أمام المحكمة العسكرية، وكان رئيس المحكمة العسكرية حينها سوماري سولمان، وحكموا علينا بعدة أشهر مع وقف التنفيذ.

 

موقع الفكر: متى صدر قانون الرق؟

اسغير بن امبارك: صدر في فترة الرئيس ابن هيداله وأظنه عام 1980م، وكان نتيجة لنضالنا، والحقيقية أنه لم يكن يمكن للنظام القائم أن يستمر في قبول أو تبني العبودية، لأنها ظاهرة مشينة وغير إنسانية، ومخالفة للشرع؛ لأن الفقهاء في البلد تمت استشارتهم، وتحفظوا على أصول العبودية الممارسة في موريتانيا؛ لأنها مخالفة تماما للشرع، وعلى أساس هذه الفتوى قررت اللجنة العسكرية آنذاك إلغاء الرق بأمر قانوني.

 

موقع الفكر: هل قانون الرق منبثق عن تشاور مع الفاعلين، أم أنه قرار فردي من اللجنة العسكرية؟

اسغير بن امبارك:  أنا شخصيا في تلك الفترة التقيت بالنقيب دحان بن أحمد محمود، وكان الأمين الدائم للجنة العسكرية، وتبادلنا الآراء حول الوضع، وفهمت من خلال ما دار بيننا أنهم بصدد اتخاذ قرار ما، ولم أعرف القرار إلا بعد إصدار الأمر القانوني بإلغاء الرق.

 

موقع الفكر: كيف تلقيتم قرار إلغاء الرق؟

اسغير بن امبارك: كان صداه جيدا، ولكننا استغربنا مبدأ تعويض ملاك العبيد؛ لأنه كان من المنصف تعويض الضحية، لأننا نحن عانينا من الظلم والاستغلال، والكثير من الأمور، وكان المنصف هو تعويض الأرقاء القدامى، وطبعا لم تعوض فئة ملاك العبيد لأن هذا غير منطقي.

 

موقع الفكر: هل فعلا الغى القانون الرق؟

اسغير بن امبارك: كان من أقل إيجابيات هذا القرار هو الاعتراف بعدم شرعية الرق في موريتانيا وهذا أساسي ومهم، ولكن كانت فيه ثغرات كثيرة، منها تعويض ملاك العبيد، والعلماء قالوا بأن ممارسة الرق كانت مخالفة للشرع، فهل يمكن أن يعوض من كانوا يقومون بممارسة غير شرعية؟!، وثانيا لماذا لم نعوض من تعرضوا للظلم والاسترقاق ،وهذه هي العدالة والمنطق، ثم بعد ذلك لم يكن تعويض ملاك العبيد ليخدم الوحدة الوطنية.

 

موقع الفكر: هل دخلتم لائحة الشورى باسم حركة الحر أم باسمكم الشخصي؟

اسغير بن امبارك: دخلت لائحة الشورى باسم مجموعة من أطر "لحراطين"، قمنا بالتفاوض مع السيد الداه بن الشيخ الذي كان في تلك الفترة هو صاحب مبادرة التأسيس، وقبل مطالبنا وبالتالي شكلنا لائحة بحيث يكون هو رأس اللائحة وأنا وكيلها، وبعد نجاح اللائحة، وفي توزيع المناصب أصبح الداه بن الشيخ العمدة المركزي، وأصبحت أنا العمدة المركزي المساعد.

 

موقع الفكر: ماأهم إنجازاتكم في البلدية؟

اسغير بن امبارك: أنجزنا في البلدية ما يمكن حسب الوسائل المتواضعة، فقمنا بفتح بعض المدارس في الأحياء الشعبية، وتولينا بعض الكفالات المدرسية، وسهلنا الكثير من الأمور للفئات الهشة خاصة الكفالات المدرسية، وقدمنا بعض المساعدات لسكان المقاطعات النائية كالرياض، والميناء، ودار النعيم، وتيارت في إطار البلدية، وحسب إمكانياتها المتواضعة.

 

موقع الفكر: ما أهم المشاكل التي وجدتم أمامكم في وزارة التهذيب؟

اسغير بن امبارك: في عام 1992م بعد أن عينت وزيرا للتهذيب كانت المشكلة المطروحة قضية التعريب، وكان يوجد في تلك الفترة نظامان متوازيان، نظام عروبي يريد التدريس بالعربية، ونظام متفرنس لصالح غير الناطقين باللغة العربية، وكان هذا خطيرا جدا؛ لأنه لا يخدم الوحدة الوطنية ويكرس التفرقة بين القوميات، وكان النظام في تلك الفترة يريد توحيد النظام التربوي، وذلك بالتعريب الشامل للموريتانيين، وكانت هذه مهمة صعبة نظرا لرفض بعض المواطنين للغة العربية، وبذلت مجهودا من أجل توحيد النظام التربوي؛ لأن هذا كان خيار الدولة، وأعتقد أنني نجحت في هذه المهمة، ولولا ذلك لما عدت للوزارة مرة ثانية ثم مرة ثالثة ودائما من أجل تعريب وتوحيد النظام التربوي.

فقد قمنا بتدريس اللغة العربية، وقمنا بتعريب المواد العلمية، وقلصنا توقيت اللغة الفرنسية وهذا كان في حد ذاته مكسبا؛ لأنه في النظام السابق كانت اللغة العربية تدرس للناطقين بها، والقوميات الأخرى لها خيار التعلم باللغة الفرنسية، فأولا قمنا بتقليص توقيت اللغة الفرنسية، ثم بعد ذلك قررنا تعريب النظام التربوي نهائيا، وأصبح الموريتانيون يدرسون اللغة العربية.

 

موقع الفكر: لماذا عدتم إلى تدريس المواد العلمية بالفرنسية في إصلاح 1999م.؟

اسغير بن امبارك: كان السبب في ذلك هو أنه بعد ما قمنا بتعريب التعليم أصبح الطلاب الحاصلون على الباكالوريا العلمية من شعبتي الرياضيات والعلوم الطبيعية يصعب عليهم الالتحاق بالجامعات في أوروبا من أجل التكوين في هذه الجامعات، والدولة العربية الوحيدة التي كانت تدرس الطب والهندسة باللغة العربية في العالم العربي هي سوريا أما مصر، وتونس، وحتى المغرب كانت تخصصات الطب والهندسة تدرس فيها باللغة الفرنسية؛ مما أدى إلى أن يخسر طلابنا في أوروبا سنوات عدة لدراسة اللغة، وحتى أن بعض السفارات لا تقبل تسجيل الطلاب الموريتانيين إلا بعد القيام بتحديد مستواهم في اللغة الفرنسية، إذًا؛ أصبحت اللغة العربية عائقا أمام الالتحاق بالكليات العصرية، وبالتالي أصبحنا أمام واقع يفرض نفسه، مما أدى إلى مراجعة الإصلاح وتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية لتمكين حملة الباكالوريا من الالتحاق بالكليات، وهذا هو الواقع الذي أدى إلى هذا إصلاح 1999م.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم بعد إصلاح 1999م؟

اسغير بن امبارك: فيما يبدوا أنه أصبح بعد ذلك الإصلاح أكثر واقعية، وفي الوضع الحالي لم تعد تلك المشكلة مطروحة ،لأن البلد ولله الحمد أصبحت لديه جميع الكليات، فأصبحنا نملك الآن كلية للطب، وأخرى للهندسة، إذاً أصبحت لدينا سيادة مطلقة ،فجميع التخصصات متوفرة على المستوى الوطني.

 

موقع الفكر: بعد كل هذه السنيين كلية الطب الوحيدة لا تتوفر على مستشفى جامعي، وهناك مشاكل في السكن والنقل.

اسغير بن امبارك: أرى بأنه كان لا بد من فتح كليات، أولا من أجل سيادة البلد، ثم بعد ذلك التغلب شيئا فشيئا على النواقص والثغرات.

 

موقع الفكر: هل نظمتم منتديات لإصلاح التعليم؟

اسغير بن امبارك: لا، لم نقم منتديات لإصلاح التعليم، فقد كانت هناك خطة واستراتيجية، قررتها الحكومة باقتراح من قطاع التعليم، كانت لدينا خلايا من الفنيين وهم الذين يفكرون ويقدمون المقترحات، فتدرسها الوزارة ،ثم تقدم الوزارة اقتراحات للحكومة ،وتعتمدها الحكومة ثم تنفذ على أرض الواقع.

 

موقع الفكر: لماذا لم يتم بناء جامعة في تلك الفترة؟

اسغير بن امبارك: في  تلك الفترة بدأ مشروع الجامعة في ظروف صعبة، وكنا نبحث عن التمويلات، وريثما نحصل على التمويلات لبناء جامعة متكاملة اكتفينا بالمدرسة الوطنية للإدارة، والمدرسة العليا للأساتذة، وهناك مباني تم توسيعها كبناء مدرجات في الجامعة ريثما نحصل على تمويلات من ممولين كالبنك الإسلامي والبنك الإفريقي للتنمية، ومشروع الجامعة الذي تحقق في الآونة الأخيرة كان يدرس منذ فترة قديمة.

 

موقع الفكر: متى ظهرت أزمة الكتاب المدرسي؟

اسغير بن امبارك: أزمة الكتاب المدرسي ظهرت قديما، فالمعهد التربوي هو الذي كان مكلفا بتلك المهمة، وكانت لديه مطبعة، ولكن مع طول الزمن، عانى المعهد التربوي من بعض المشاكل ،وما زالت هذه المشاكل قائمة إلى يومنا هذا؛ لأنه لا بد من تجهيز مطبعة،وهذا مكلف جدا.

 

موقع الفكر: متى توليتم وزارة الصحة؟ وما أهم إنجازاتكم فيها؟

اسغير بن امبارك: لا أذكر متى توليتها، ولم أمكث فيها كثيرا، وكانت الإشكالية المطروحة لنا في تلك الفترة هي مرض دودة غينيا المعروفة محليا بـ"بوروتو"، وأذكر أننا استفدنا من دعم جمعية خيرية يترأسها "جيمي كارتير"، وزرته في واشنطن وقدم لنا الدعم، وكنا نحاربها، وأعتقد فيما يبدو لي أننا تمكنا من القضاء على ذلك المرض؛ لأنه لم يعد موجودا، وقد كان منتشرا خاصة في كيدي ماغه والحوضين.

 

موقع الفكر: ما هي أهم إنجازاتكم في وزارة التنمية الريفية؟

اسغير بن امبارك: أمضيت عليها عامين، وكان أهم ما قمنا به في تلك الفترة هو بناء السدود، فقد قمنا ببناء سد قوي يسمى سد بركطاني، في الحوض الغربي، وبنينا سدودا كثيرة في لبراكنه، وبنينا كذلك سدودا في الحوض الغربي، والحوض الشرقي؛ لأنه في تلك الفترة الزمنية  كانت الأولوية على مستوى عمل الحكومة للزراعة المروية، للأرز على مستوى النهر، إلى جانب ذلك بالنسبة للزراعة المطرية الأولوية كانت لبناء السدود، ومساعدة المزارعين، إذًا كانت عندنا الزراعة المروية والزراعة المطرية، والزراعة المروية كانت زراعة الأرز على مستوى النهر، وفي الزراعة المطرية كنا نركز أساسا على بناء السدود، وترميمها، وتقديم المساعدات للمزارعين، وهذه كانت سياستنا في تلك الفترة، وكنا نولي عناية كبيرة لمشروع الواحات على مستوى آدرار وتكانت.

 

موقع الفكر: ما أهم إنجازاتكم  في قطاع  التنمية الريفية؟

اسغير بن امبارك: كانت الإشكالية الأولى هي الصحة الحيوانية، وثانيا تقديم المساعدات المتمثلة في الأعلاف والتغطية الصحية في زمن الجفاف، والثروة الحيوانية أكثرها كان في المناطق الشرقية، وكانت الحكومة ترى أنه يجب إنشاء مصانع لبيع الألبان ،وتعليبها وإدخالها في الحركة الاقتصادية الحديثة، وذلك لا يمكن إلا من خلال بناء مصانع، وتعليب الألبان، وبيعها في المناطق الحضرية لكي نحد من استيراد الألبان من الخارج، لأننا نستهلكها في ظل وجود فائض في الألبان، وتم في تلك الفترة التفكير في مصنع النعمة للألبان وإنجازه، ولكن أعتقد أن التجربة لم تكن - حتى الآن - مرضية.

 

موقع الفكر: ما ذا أنجزتم في مجال تحسين البذور؟

اسغير بن امبارك: نعم، فالبذور كنا دائما نقوم بإنجاز دراسات حولها بالتعاون مع منظمة "الفاو" والبحث عن طرق تحسين هذه البذور، وقمنا بالكثير من المجهود حول هذا في تلك الفترة.

 

موقع الفكر: على أي أساس يتم إعطاء القروض للمزارعين؟

اسغير بن امبارك: في تلك الفترة الزمنية كانت سياسة الدولة هي دعم الزراعة المروية وخاصة زراعة الأرز، وكانت منظمة المزارعين تحتاج في تلك الفترة إلى دعم الدولة لكي تشجعهم على زراعة الأرز، والهدف من هذا أساسا هو الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من هذه المادة التي نستوردها من الخارج، والتي كنا نستوردها بتكلفة كبيرة، ولم تكن جودتها عالية، فقامت الدولة بضخ الكثير من الأموال في هذا المجال، وشجعت رجال الأعمال للتوجه إلى هذا القطاع، وكانت المضاربات كثيرة جدا، فالمحروقات كانت معفية من الضرائب، وكانت اليابان تقدم لنا دعما من الآليات الزراعية، وتمكنت الدولة من زيادة المنتوج الزراعي ولكنها في نفس الوقت واجهت الكثير من المضاربات ،والأمورالتي شكلت عائقا أمام تنمية القطاع.

 

موقع الفكر: لماذا منحتم القروض الزراعية للأغنياء ورجال الأعمال فقط دون الفقراء؟.

اسغير بن امبارك: أولا الزراعة للجميع، والمزارعون من جميع الناس ،وهناك فرق بين المزارعين على مستوى النهر والمزارعين في الريف، فعلى مستوى النهر كانت الزراعة – خاصة زراعة الأرز – مكلفة جدا، ولا بد من تشجيع رجال الأعمال للتوجه نحو الزراعة المروية للأرز، ولكي يطوروها وينتجوا ويحققوا منها نتيجة، وهناك فئتان فئة رجال الأعال، وفئة السكان المحليين الذي يقومون بالزراعة التقليدية، وكلاهما بإمكانه الاستفادة من دعم الدولة، فالفئة الضعيفة تعطى لها الأراضي، ويقدم لها الدعم، ورجال الأعمال يأخذون ساحات كبيرة، وينتجون إنتاجا كبيرا، وحسب ظني أن غرض الدولة من ذلك هو الوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وجميع الفئات سواء رجال الأعمال ،أو الفئات الأخرى تمكنهم المشاركة في هذا كل حسب إمكانياته.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لقانون الإصلاح العقاري؟

اسغير بن امبارك: كان قانونا أساسيا، فملاك الأرض أو من يدعون ملكية الأرض كانوا في تلك الفترة لا يزرعون هذه الأراضي، بل يزرعها آخرون ويتم تقسيم المحصول بين المزارعين وملاك الأرض، ونسبة المزارعين قليلة جدا، إذا ما قورنت بالنسبة المخصصة لملاك الأرض وهم القوة التقليدية، وكان لا بد من القانون، وتم إقراره، ولكن لا أرى أنه تم التغلب على تلك المشكلة حتى الآن وما زالت مطروحة.

 

موقع الفكر: لماذا لم تفكروا في طريقة تستفيد منها موريتانيا من مياه النهر التي تتسرب سنويا في البحر؟

اسغير بن امبارك: المياه التي تسكب في البحر فكرنا فيها ،لأن مشروع آفطوط الساحلي طرح منذ زمن بعيد؛ من أجل تزويد نواكشوط بالمياه الصالحة للشرب، ونواكشوط كانت تتزود بالمياه من إديني، وقبل ذلك كان يوجد هنا مصنع لتحلية المياه ما بين 1972 – 1974م. وعندما يتعطل ذلك المصنع يعاني الناس من العطش قبل إديني، والمهم أن هذا مشروع قديم وأنا كوزير للتنمية الريفية شاركت في الدراسات ،وكوزير أول شاركنا في تنفيذ مشروع آفطوط الساحلي، وأنا شخصيا كنت أترأس اللجنة الوزارية المكلفة بمشروع آفطوط الساحلي ،وأذكر أننا في تلك الفترة درسنا خط الأنابيب ،والأماكن التي ستمر منها المياه بمساعدة الفنيين ، وبدأنا تنفيذه في تلك الفترة، وفيما أعتقد – إن لم تخني الذاكرة – تم تدشينه في عهد الرئيس محمد بن عبد العزيز لكنه كان مشروعا كبيرا ومنذ مدة.

 

موقع الفكر: لماذ ا حرمت التجمعات القروية الواقعة على طريق روصو من الاستفادة من مياه مشروع آفطوط الساحلي؟

اسغير بن امبارك: السبب هو أن هناك مشكلة كبيرة في المياه بيننا نحن وإخوتنا السنغاليين، وسبب سكب المياه في البحر هو أن مستوى السد في مدينة "اندر" منخفض، وعندما ترتفع المياه ستغمر المدينة.

وهناك سد "دياما"، وسد "ماننتالي" والمياه في ضفتنا مرتفعة، ولا بد من قدوم الماء كي يغمر تلك الأراضي الصالحة للزراعة، وعندما تترك المياه تجري نحو تلك الأراضي كي تغمرها، تكون ضفة السنغال منخفضة ،وستغمر المياه مدينة "اندر"، ،وبالتالي كي لا تغمر مدينة "اندر" نقوم بفتح "ليفان" على مستوى سد "ماننتالي"، أو "جاما" ،كي تذهب تلك المياه إلى البحر لينخفض منسوب المياه حتى لا تغمر مدينة "اندر"، والمعادلة صعبة، فأنا سبق أن ذهبت فجرا إلى السنغال ،حتى ألتقي بعبدو ديوف من أجل أن نجد حلا للمياه، فإذا لم ترتفع المياه سيجف أرزنا، وإذا ارتفعت المياه عندنا وصلحت زراعتنا ستغمر مدينة "اندر"، فهناك معادلة يشرف عليها فنيون وأمور من هذا القبيل.

 

موقع الفكر: متى  تم تفكيك مزرعة "امبوريه"؟

اسغير بن امبارك: مزرعة "امبوريه" لم تتفكك، بل كانت نموذجية وقد قامت بها الصين لصالح موريتانيا، فالصينيون عندما رأوا تلك الأرض قالوا إن موريتانيا يمكن أن تتم فيها زراعة الأرض، وأن الأرض خصبة، والمياه كثيرة، وتم في عهد المختار بن داده تأسيس شركة لكي تقوم أولا بهذه التجربة، وتقوم بتأطير الموريتانيين على زراعة الأرز، وهذا هو الذي أتت منه شركة "امبوريه"، وربما تمت تصفيتها لأن الدولة لم تعد بحاجة إليها؛ لأن الموريتانيين اتجهوا لزراعة الأرز وأصبحت لديهم خبرة في ذلك، وجاء في تلك الفترة – كما تعلم – مبدأ الخوصصة، وهو أن الدولة يجب أن تتخلى عن النشاط الاقتصادي لصالح القطاع الخاص، وهي كانت شركة للدولة وبالتالي شجعت الدولة المزارعين وبدأوا يتجهون لهذا النشاط الاقتصادي داخل إطار هذه السياسة وأصبحت لديهم تجربة في الميدان، ولم تعد هناك ضرورة لوجود شركة للدولة.

 

موقع الفكر: الكثير البعض يرى أن "صونادير" لم تبن في الأصل على أسس علمية سليمة، ما هو تعليقكم؟

اسغير بن امبارك: شركة "صونادير" تم تأسيسها في بداية نشأة الدولة الموريتانية لكي تدخل تقنيات جديدة في الزراعة، ولكي تقوم بتأطير المزارعين من أجل أن يتكيفوا مع الزراعة الحديثة ، وأظن أنها كانت تقوم بتقديم مساعدات للمزارعين، وبالطبع فهي تركز أساسا على أصحاب الزراعة المروية على مستوى "لكوارب"، و"كيهيدي"، و"كيدي ماغه"، وقامت هذه الشركة بالكثير من الإنجازات، فأنا في فترة تولي وزارة التنمية الريفية زرت سليبابي ووجدتهم يقومون بعدة مشاريع، وزرت كيهيدي وكان هناك أيضا الكثير من المشاريع تقوم بها الشركة هناك، ولا يمكن أن أعطيك أرقاما ومعلومات مفصلة، ولكن هناك مشروع "فم لكليته" حيث كانت الشركة قد أطرت المزارعين هناك وقدمت لهم دعما كبيرا.

 

موقع الفكر: ما أهم الانجازات التي قمتم بها في  شركة "smcp"؟

 اسغير بن امبارك: توليت إدارة هذه الشركة بعد بيجل بن هميد، وقبل ذلك كان يديرها الداه بن عبد الجليل، والمهم أن دور هذه الشركة أولا هو إدخال رجال الأعمال الموريتانيين في مجال الصيد، وعندما يأخذون السمك يسوقونه في سوق في "لاس بلماس"، ويتعاملون مع شركات أوروبية وشركات يابانية، ودور الشركة أساسا هو أن تتفاوض مع الشركات التي تشتري السمك، لكي تقوم ببعيه بأحسن ثمن، ولا تقبل أن يقوم الخصوصيون بتلك المنافسة التي قد تكون أكثر ضررا على هذه المادة الأساسية والحيوية، هذه هي أول نقطة أن يباع بسعر محترم، ثم بعد ذلك هذه الأسعار التي يشترى بها السمك من العملة الصعبة يجب أن يتم إدخال تلك العملة الصعبة إلى البنك المركزي الموريتاني؛ لأنها تشكل دعما للعملة الوطنية، والمهمة الأولى والأساسية لمدير الشركة هي السهر على إد خال تلك الأموال من العملة الصعبة إلى البنك المركزي، وفي هذا مشكلة لأن بعض المستثمرين يريدون دائما أن تبقى لهم كمية من العملة الصعبة ،لأنهم يحتاجون لصيانة بواخرهم، ويحتاجون في بعض معاملاتهم إلى العملة الصعبة ويصعب عليهم الحصول عليها هنا، وهنا تشرف عليه الشركة بهذه الطريقة، وإنجازاتها كثيرة، منها أولا تحديد السعر وأن يكون السعر محترما، وأحيانا نترك السمك في المخازن لمدة أشهر لنتفاوض مع الأوروبيين، ونفضل أن نخسر السمك على أن نبيعه بثمن لا قيمة له.

 

موقع الفكر: تعامل الحكومة مع الأوروبيين في مجال الصيد يتبع لشركة "smcp"؟

اسغير بن امبارك: هناك اتفاق بين الحكومة والاتحاد الأوروبي بموجبه تأتي البواخر الأوروبية وتقوم بالصيد، وتدفع ضريبة للدولة الموريتانية عن طريق وزارة الصيد، وأما الشركة فهي معنية بالصيادين الموريتانيين الذين يقومون بصيد السمك، وبعد معرفته وتكييفه يتم بيعه في الخارج وتستفيد الدولة من تلك العملة الصعبة.

 

موقع الفكر: كم أمضيت مديرا لشركة "smcp"؟

اسغير بن امبارك: أمضيت 6 أو 7 أشهر مديرا للشركة، والرقابة البحرية تتبع لوزارة الصيد، ولا تتبع ل"smcp" وليس ذلك دورها ف"smcp" يقال لها الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك، وتقوم فقط بتسويق الأسماك.

 

موقع الفكر: ما أهم المشاكل التي واجهتكم في وزارة التجارة؟

اسغير بن امبارك: في وزارة التجارة كنا نسهر أساسا على قضية الأسعار، وهناك معادلة صعبة من ناحية الاقتصاد الليبرالي، ومن ناحية أخرى الدولة لا تقبل الفوضى والمضاربات، والموريتانيون بطبيعتهم تجار وعندهم ميول لأمور من قبيل مضاربة الأسعار ويصنعون أزمات ولا أريد بهذا أن أشن هجمة على التجار، ولكن أقول إن دور الوزارة في تلك الفترة هو السهرعلى أن تظل الأسعار في حدود معقولة، وأن لا توجد مضاربات، وتمويل السوق لأن الأزمة قد تكون مصطنعة كأن يكون السكر غير موجود، وهو موجود في السوق، لأنه حسب المعطيات التي تكون عندنا أننا جلبنا كميات معتبرة من السكر، والشاي الأخضر، وغير ذلك، وهو موجود وفي نفس الوقت لا يوجد في السوق.

 

موقع الفكر: ازدهرت التجارة في فترة الرئيس معاوية وكان التجار يذهبون بالتجارة إلى النيجر لأن الضرائب والرسوم الجمركية كانت منخفضة، فهل كان  لهذا النشاط مردود على الدولة الموريتانية؟

اسغير بن امبارك: الإشكالية في الأسعار هي أن السعر معروف على المستوى الوطني، وسعر الاستيراد معروف أيضا، وتقوم الدولة بتحديد ضريبة على المواد، وعندما تحدد القيمة الإجمالية التي تكلف استيراد البضاعة تحدد له الدولة نسبة ربحية في حدود معقولة، وتحدد الدولة نسبة خاصة بتجار الجملة، ونسبة خاصة بتجار التجزئة، فإذا كانت أسعارنا منخفضة مقارنة مع الأسعار في الدول المجاورة ،نكون قد شجعنا التصدير نحو هذه الدول؛ لأن التاجر الموريتاني يشتري البضاعة هنا بسعر أقل مما هو في دول الجوار، ويبحث عن الربح، فبالتالي سيذهب بطريقة غير شرعية إلى مالي، والسنغال، وغيرها من البلدان، وكنا نحاول أن تكون الأسعار متقاربة مع الأسعار في دول الجوار، ولا أذكر مشكلة كبيرة واجهتنا في وزارة التجارة، وكنت أسير السوق، ولا أذكر أننا عشنا أزمة في أية مادة، وكنا نركز على البضاعة أساسا في شهر رمضان، ففي شهر رمضان يجب أن تكون المواد الأساسية متوفرة، الكثير منها يكون من إنتاجنا، والكثير منها أيضا نستورده من الدول المجاورة، والأمور تسيربانتظام، ولا أذكر في الفترة التي أمضيت هناك أنني واجهتني مشكلة كبيرة.

 

موقع الفكر: ما أهم إنجازاتكم في وزارة العدل؟

اسغير بن امبارك: القضاء صعب جدا، ودائما هناك فئة تهاجمه، لأن القضاء لا بد أن يكون فيه طرف خاسر، وطرف راض، والطرف الخاسر يهاجم القضاء دائما، والقضاء الموريتاني يمكننا الحكم عليه أولا من تكوين، وكفاءة القضاة، ونحكم عليه أيضا من خلال الظروف المادية الموفرة للقاضي ليكون عادلا، وكي لا يكون معرضا للأمور الأخرى، ويجب أن توفر له ظروف عمل جيدة كي يتفرغ لتأدية مهامه، ثانيا طبيعة القاضي أنه لا يمكن للقاضي أن يرضي جميع الأطراف، والطرف الخاسر دائما يهاجم القضاء، وأنا أرى أن القضاء في موريتانيا شبيه بالقضاء في جميع دول العالم الثالث، يحتاج لتحسينات مالية لصالح القضاة، ويحتاج لتحسين ظروف العمل لتكون مرضية، وهناك أيضا جانب النصوص القانونية تجب مراجعتها دائما كي يسهل تطبيقها على القاضي، لأنه عندما يكون في النص القانوني لبس وغموض، فيضطر القاضي إلى تأويل النصوص، وهذه التأويلات قد تنتج عنها مجموعة من الأخطاء، ولكن مع كل هذا هناك درجات التقاضي، الدرجة الأولى والثانية والثالثة، ودرجات التقاضي الغرض الأساسي منها عند المشرع هو الحد من الأخطاء فإذا أخطأ قاض في الدرجة الأولى يمكن أن يصحح ذلك القاضي في الدرجة الثانية، وإذا أخطأ القاضي في الدرجة الثانية يمكن أن يصحح ذلك القاضي في الدرجة الثالثة التي هي المحكمة العليا، وأنا أرى أن الحاجة الملحة كانت في تحسين ظروف القضاة، ثانيا تكوينهم تكوينا جيدا، ثالثا تقريب القضاء من المتقاضين فيجب أن يوجد قضاة في جميع الولايات والمقاطعات، وفي فترة شغلي وزارة العدل ،قمنا بفتح العديد من المحاكم في عدة مقاطعات، وحاولنا أن نقوم بترقية بعض القضاة وهو ما قمنا به، ولا أذكر تفاصيل كثيرة لأن هذا منذ مدة.

 

موقع الفكر:  العدالة اليوم  تخلي سبيل السارق من دون معاقبة، وظروف السجن غير إنسانية، فهل كان هذا موجودا في الفترة التي توليتم  فيها هذا القطاع؟

 

 اسغير بن امبارك: لا يمكن أن أبرئ نفسي، وأرى أن وضعيتنا في تلك الفترة ليست بعيدة من الوضعية الحالية، والاكتظاظ موجود، ونواكشوط أصبح عاصمة كبيرة وكثر سكانه وكثر المهاجرون إليه وتطورت فيه الجريمة، وبالتالي هذه الأمور كلها موجودة نسبيا.

 

موقع الفكر: هل تدخلتم في انتخابات هيئة المحامين؟

اسغير بن امبارك: لا، لم يحدث ذلك، ففي الفترة التي كنت وزيرا للعدل وقعت خلافات حول انتخابات لهيئة المحامين، لكنني رفضت التدخل، ففي تلك الفترة ادعى محفوظ بن بتاح أنه فاز، وادعى المرشح الآخر الفوز، وأصبحت هناك هيئتان، وأنا رفضت التدخل وقلت لرئيس الجمهورية إنه لا يمكنني التدخل في هذا واحترم لي رأيي.

 

موقع الفكر: لماذا لم تهاجموا المعارضة في تلك الفترة؟

اسغير بن امبارك: من طبيعتي ألا أهاجم الناس، وقناعتي في تلك الفترة الزمنية ضرورة وجود معارضة، والديمقراطية بدون معارضة تكون عرجاء، وأتذكر أنه يوجد في تلك الفترة مجموعة من الأساتذة عام 1992م يكتبون في الصحافة، وفي البيان آنذاك منهم ابن عمير، ومحفوظ رحمه الله، وطلب مني كوزير التعليم إرسالهم خارج نواكشوط، ورفضت ذلك، وقلت إن هؤلاء يقدمون خدمة للنظام، لأن أي  نظام بلا صحافة حرة ليس ديمقراطيا، وحميتهم، وكنت ضحية لذلك فقد كتبوا عني وأساؤوا إلي كثيرا، وأنا أرى أن ذلك كان بدون سبب، وهم ربما عندهم ما يبرر ذلك، والمهم أنني دافعت عنهم وعندما غادرت وزارة التعليم تم تحويلهم، ورفضوا ذلك و قرروا التفرغ للصحافة.

 

موقع الفكر: أين كنتم يوم 8 يونيو عام 2003م؟

اسغير بن امبارك: كنت حينها في جزيرة موريس، وكنت يومها وزيرا للعدل، وبعد أن عدت منها أصبحت وزيرا أول، فأيام الانقلاب كنت في جزيرة موريس وعندما عدت استدعاني الرئيس معاوية بن الطايع، وأنا كنت من بين الوزراء الذين لا يطلبون لقاء الرئيس كثيرا، وكنت ألتقي بالوزير الأول احتراما للسلم الإداري، ولا أذكر أنني التقيت بالرئيس دون المرور بالوزير الأول، وكنت أقوم بطرح كل القضايا على الوزير الأول، والرئيس عندما لا يستدعيني لا أذهب إليه، فاستدعاني الرئيس حينها وقال لي قررت أن أوكل إليكم مهمة الوزير الأول، وشكرته على الثقة، وقلت له أرجو أن أكون أهلا لهذه المهمة.

 

موقع الفكر: حدثنا عن الآلية التي اتبعتم حينها في اختيار الحكومة؟

اسغير بن امبارك: ناقشنا الأسماء عند التشكيل، وعندما أكون متحفظا على شخص معين أقول ذلك للرئيس، ولا أذكر أنني اعترضت على أي شخص إلا وترك الرئيس تعيينه، وأعطاني صلاحيات واسعة، وقدرني – جزاه الله خيرا – تقديرا كبيرا.

 

موقع الفكر: ما  أهم إنجازاتكم في الوزارة الأولى؟

 اسغير بن امبارك: أنا قدمت في ظروف صعبة كان البلد حينها يعاني من اضطرابات، والنظام حينها أعداؤه كثر في الداخل والخارج، ومع هذا حاولت أن أقوم ببناء ما أمكنني من المدارس، وحاولت أن أقوم بإصلاح على مستوى الإدارة، وحاولت أن أحافظ – قدر الإمكان – على مبادئ الديمقراطية من حيث حرية الصحافة، وحرية التنقل، وحاولت بصورة متواضعة وأخلاقية وبدون ضجة أن أتعامل حسب الإمكان مع المعارضة، واستقبلت بعضهم، كأحمد داداه، والرئيس مسعود، والتقيت معهما أولا لبحث قضية لمغيطي ،فدعوتهما لأخبرهما بما حدث.

 

موقع الفكر: هل ترون أن الانتخابات الرئاسية 2003 لم يحدث فيها تزوير؟

اسغير بن امبارك: حسب رأيي أنه لم يحدث فيها تزوير، والمعارضة ترى أنها مزورة ولكل منا موقفه.

 

موقع الفكر: هل سبق أن ناقشتم مع معاوية قضية فرسان التغيير، وهل تبادلتم الحديث بخصوص ما حدث في محاكمات واد الناقة؟

اسغير بن امبارك: ما دار بيني مع معاوية لن أقوله أبدا لأنني أنا حينها وزير أول، وأناقش مع الرئيس وأعطيه رأيي، وأقوم بالتأثير عليه حسب الإمكان، لكن اليوم ما قيم به يتحمله رئيس الجمهورية فإذا كان جيدا يحسب لرئيس الجمهورية، وإذا كان – لا قدر الله – سيئا أتحمل منه جزء كوزير أول. وبالمناسبة لم يصدر حكم بالإعدام وهذا يدل على جو التسامح وتأصله لدى المجتمع الموريتاني خاصة في تلك الفترة.

 

موقع الفكر: ما أهم الإنجازات التي قيم بها في تلك الفترة للتخفيف من حدة الفقر؟

اسغير بن امبارك: قمنا بالعديد من الإنجازات، والخطاب الذي ألقيت في تلك الفترة موجود في جريدة الشعب، وذكرنا فيه الكثير من الإنجازات فقد قمنا ببناء سدود، وبناء مدارس وأذكر أن نسبة التمدرس الخام زادت في تلك الفترة على 80%، وعانينا من الاضطرابات، وعانينا من المعارضة، والرئيس معاوية عانى من خلافاته مع بعض الدول كخلافه مع فرنسا، وخلافه مع معمر القذافي، وخلافاته مع السنغال في تلك الظروف – التي لا أريد أن أذكرها – والكثير من الأمور التي جعلته غير مرغوب فيه عند الكثير، وحاولوا زعزعة نظامه وهو ما نجحوا فيه في نهاية الأمر.

 

موقع الفكر: هل صراع ولد الطايع مع الإسلاميين بإرادة منه؟ أم بإرادة من بعض أطراف النظام لزعزعة حكمه؟

اسغير بن امبارك: معاوية قناعته أن الجمهورية الإسلامية الموريتانية ليست بحاجة إلى حزب ديني، وأن الشعب الموريتاني شعب مسلم 100% ولا يحتاج إلى حزب إسلامي، وكان يرى أن الأحزاب يجب أن تكون أحزابا سياسية لا أحزاب دينية؛ ولذا اعترض على إنشاء حزب ذي طابع ديني، وهذا الموقف رأت جماعة التيار الإسلامي أنه موقف معاد، وكان يمكن أن يتفاهم معهم في مرحلة معينة، لولا إقامة العلاقات مع إسرائيل، وفتح سفارة لها في نواكشوط، وهذه العلاقات مع إسرائيل – للأمانة – معاوية قام بها لإنقاذ الدولة الموريتانية، لأن اليهود والصهاينة حاقدون على موريتانيا، ويقولون إن هذه الدولة الضعيفة والبائسة هي التي تضرهم في  إفريقيا والعالم العربي، وبالتالي أقاموا مخططا لدعم المتطرفين من الزنوج، وقضية الرق، ولم يكن الهدف من خطتهم القضاء على النظام فقط ،بل القضاء على الدولة الموريتانية وتفكيكها، وكان بإمكان إسرائيل أن تحقق ذلك الهدف.

 

موقع الفكر: ألم يكن الأولى بكم أن تتفاهموا مع المعارضة لحل مشاكل موريتانيا بدلا من لاستقواء بالخارج خاصة أن المعارضة في تلك الفترة لم تكن تستقوي بالخارج؟

 

الوزير اسغير بن امبارك: أنا لاأريد الدخول في هذا الجدل، والأكيد – وهو ما لا يمكن إنكاره – أن مجموعة من الضباط من قومية معينة بالتعاون مع منظمة "فلام" قاموا بالتخطيط لعملية انقلاب عسكرية في موريتانيا، وتمت محاكمة الضباط المسؤولين عن الانقلاب في "اجريدة" وأنا كنت من بين الحاضرين لتلك المحاكمة، وكان رئيس المحاكمة الشيخ بن بيده، وهي محاكمة نزيهة بحيث إنها محاكمة عسكرية، وهم عسكريون خططوا لانقلاب وفشل في آخر دقيقة، ساعة أو ساعتين قبل انطلاق العملية واعترف الانقلابيون بأنهم قاموا بالتخطيط للانقلاب، وكانوا على وشك تنفيذه، وتم نقل من أدينوا منهم إلى ولاته، وهذه هي حالة الانقلابات، فعندما تنجح تكون بطلا وعندما تفشل يحدث ما حدث، وهل سبق أن سمعتم أناسا يقومون بتكوين مجموعة من فئة معينة خاصة

موقع الفكر: ماذا بخصوص أحداث إينال؟

الوزير اسغير بن امبارك: ما حدث في إينال هو تصفيات قيم بها خارج المحكمة والقانون، وكان في إطار هذه الحركة.

 

موقع الفكر: قلتم إن الإسلاميين كانوا على وشك الاتفاق مع الرئيس معاوية قبل مجيء سفارة إسرائيل هل من إيضاح؟

الوزير اسغير بن امبارك: لا أقول لك إنهم كانوا سيتفقون معه، وكان هناك خلاف، فمعاوية كما قلت لك قناعته وتفكيره أن الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي شعبها 100% مسلم ليست بحاجة لحزب إسلامي، وبالتالي عندما جاءت الديمقراطية رفض تأسيس حزب إسلامي، وكان بإمكان الإسلاميين أن ينشؤوا حزبا طابعه ليس إسلاميا، وكانت الأمور عادية مجرد خلاف سياسي، ولكن تعقدت الأمور عندما أصبحت في موريتانيا سفارة لإسرائيل وأصبحت توجدعلاقات مع إسرائيل، وكان هذا عاملا ودافعا أساسيا في توحيد المعارضين ضد نظام معاوية بن سيد أحمد الطايع، وأعطاهم دفعا وقوة على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي، وبصفة  خاصة معمر القذافي رحمه الله الذي كان يرى أن من حقه ممارسة وصاية على موريتانيا، ويتدخل فيها كما يتدخل في شؤون ليبيا، وعنده الوسائل وقام بدعم المعارضة، وهذه أرى أنها هي النقطة التي زادت الخلاف بين معاوية ومعارضيه، وأقول هنا إن الرئيس معاوية أبرم علاقات مع إسرائيل ليس بغرض استفادة شخصية ولا مادية، وإنما قام بها لإنقاذ موريتانيا لأن الصهاينة أقاموا مخططا لتدمير موريتانيا، وكانوا يعتمدون على نقطتين هما: قضية "لحراطين" والزنوج، ولولا هذه العلاقات المشينة التي أقيمت لدمرت موريتانيا.

 

موقع الفكر: ألم يكن من الأجدى أن يقوم بحل وطني مع حركة "فلام" أو الزنوج بصفة عامة؟

اسغير بن امبارك: فعلا، قام بعدة حلول، فـ"لحراطين" كانت مشكلتهم قضية الرق وقمنا بحلها، وشاركهم المناصب، فقام بتعيين أول "حرطاني" وزيرا وهو الرئيس مسعود بن بلخير في فترة معاوية، وليس في فترة هيداله، ولا فترة المختار، ولا بوسيف، وأصبحوا بعد ذلك وزيرين ثم ثلاثة وزراء ثم الوزير الأول؛ لأن معاوية كان يحرص على لحمة المجتمع  بجميع ألوانه، ويعرف أن الظلم والغبن لا يمكن استمرارهما وأن الدولة لا تبنى على الظلم وهذه هي قناعته.

 

موقع الفكر: ما السبب في استهداف الإسلاميين؟

اسغير بن امبارك: في تلك الفترة، جماعة الإسلاميين عندهم أجندة لإسقاط النظام أو إضعافه، والنظام في صراع معهم، وقاموا هم بما خططوا له، ولم يكونوا بعيدين من المحاولة الانقلابية.

 

موقع الفكر: ما  الآلية التي تعمل بها لجنة المحروقات؟

اسغير بن امبارك: أنا كنت وزيرا أول، ولم يسبق أن كنت وزيرا للنفط كيف أجيب عن هذا بشكل دقيق، والوزير الأول مسؤول فقط عن تنسيق عمل الحكومة، واللجنة تتبع لوزير الطاقة، والمهم أن الأسعار بصفة عامة سواء المحروقات أو غيرها لها لجان هي التي تحدد سعرها، على أساس – كما قلت لكم – السعر على مستوى السوق العالمي، ومن مهماتها أن تعرف تكلفة استيراد المادة عند التاجر أو المستورد الموريتاني وبعد ذلك الربح الذي يسمح له به، وهذه أمور تشرف عليها لجان فنية كي تحدد أسعارا معقولة، لكي لا تكون هناك خسارة للمستورد، ولا يتضرر المستهلك الموريتاني، ويقام بهذا في المواد الأساسية الأولية، وكذلك المحروقات وهناك لجان مختصة بهذا العمل، ولا أملك تفاصيل عن عملهم ولكن هذا هو ما يقومون به، ولا يزال موجودا.

 

موقع الفكر: ما أهم إنجازاتكم في لجنة الصفقات العمومية؟

اسغير بن امبارك: لا أذكر أنه في يوم من الأيام قمت بالتدخل في عمل هذه اللجنة وما يتبع لها، وأنا أمضيت عامين وزيرا أول، ووجدت هذه اللجنة أمامي ويرأسها مولود بن سيدي عبد الله رحمه الله، ولم أغير فيها شيئا حتى غادرت الوزارة.

 

موقع الفكر: بم تردون على من يقول إن المفتشية العامة  يتم توجيهها للناس الضعاف؟ وهل تتذكرون تفتيشا مهما قيم به في فترتكم على الوزارة الأولى؟

اسغير بن امبارك: لم أوجه المفتشية لأي كان، وعندما تأتيني معلومات عن مؤسسة أو هيئة أطلب تفتيشا، ويقام به ثم تأتيني النتائج.

أذكر أننا قمنا بتفتيش لـ"سوكوجيم"، ولم يكن هناك فساد بمعنى الفساد الحقيقي، فهناك فساد يعني اختلاس المال، وهناك سوء التسيير، وعدة مراحل أخرى، وما دام الشخص لا يملك تقريرا حول ذلك لا يمكن الحكم عليه، والعامية يحكون الكثير من الأمور وعندما تقوم الهيئات بالتدقيق في تلك الأمور وتأتيك بالتفتيش تجد أن ما يقوله الناس ليس هو الواقع الحقيقي، وتلقينا وشاية في تلك الفترة عن "سوكوجيم" وقمنا بتفتيش ولم يكن  الأمر مهما.

 

موقع الفكر: لماذا تتبع المدرسة الوطنية للإدارة للوزارة الأولى؟

اسغير بن امبارك: المدرسة الوطنية للإدارة لها وضعية خاصة، وكل هذا ينظمه مرسوم رئاسي ولا أعرف الدوافع الحقيقية التي جعلتها تتبع للوزارة الأولى أو لا أتذكرها.

 

موقع الفكر: ما هو مشروع التهذيب؟ وما أهم إنجازاته؟

اسغير بن امبارك: موريتانيا في إطار التعاون مع البنك الدولي أخذت قطاعين أساسين ومهمين وأقامت فيهما مشاريع  أولا ميدان الصحة، وثانيا ميدان التعليم، وكان هذا المشروع أساسا يقوم ببناء المدارس لأن الإشكالية كانت تتمثل في نقص كبير في البنى التحتية، وقاموا ببناء الكثير من المدارس، وقاموا بتكوين العديد من المعلمين عن طريق دورات تكوينية، وهذا المشروع بتمويل من البنك الدولي، وكان يتبع لوزارة التخطيط؛ لأن التمويل كان يأتي عن طريقها ولكن ميدانيا تعمل فيه وزارة التعليم، وقمنا ببناء العديد من المدارس في الداخل، والمناطق النائية، وأقمنا الكثير من الدورات التكوينية لصالح المعلمين، وبسبب هذا المشروع ارتفعت نسبة التمدرس في البلد، وهذا ما لدي من معلومات حول هذا الموضوع.

 

موقع الفكر: لماذا صادقتم في المجلس الدستوري على استفتاء 2017؟

اسغير بن امبارك: لم نصادق عليه، فالرئيس عندما ينوي تعديل الدستور هناك طريقتان إما أن عن طريق البرلمان، وإما عن طريق استفتاء ولا دخل للمجلس الدستوري في هذه القضية، فالرئيس محمد بن عبد العزيز قام بتقديم مشروع  تعديل للدستور ورفضه مجلس الشيوخ، وعندما رفضه قرر أن يلجأ للاستفتاء، وقام بالاستفتاء وتمت المصادقة عليه ولا دخل في هذا للمجلس الدستوري، فالمجلس الدستوري دوره في هذا هو الإعلان عن نتائج الاستفتاء، وتشرف على ذلك اللجنة المستقلة للانتخابات ويعلنون عن النتائج المؤقتة ثم بعد ذلك يعلن المجلس الدستوري عن النتائج النهائية، إذا لا رأي له في الموضوع.

 

موقع الفكر: هل التقيتم ب محمد بن عبد العزيز أياما قبيل الاستفتاء؟

اسغير بن امبارك: لا، لم ألتق به، ولا دخل لنا في ذلك.

 

موقع الفكر: ما أهم إنجازاتكم كوسيط للجمهورية؟

اسغير بن امبارك: قمنا بالكثير، فوسيط الجمهورية دوره هو أن يحاول أن يجد حلولا للنزاعات القائمة بين الإدارة والمواطنين؛ لأن النزاعات في الإدارة عندما يلجأ لها المواطن في المحاكم القضائية تأخذ الكثير من الزمن وتكلفه الكثير من المال، وقد يموت الشاكي قبل أي يحصل على أي شيء، وفي تلك الفترة جاءتني الكثير من الملفات وكتبت وتدخلت وقمت بالكثير من الاتصالات وسويت ما أمكنني من القضايا.

 

فكنت أتلقى شكايات حول أناس تم طردهم، أو شخص يستحق التقدم ولم يحصل عليه، وبعض من الأمور العادية أقوم بالاتصال على الوزير أو الأمين العام ويتعهد لي بتسوية القضية ويسويها، وليس من الأمور التي تحتاج الكثير.

 

موقع الفكر: هل ترون أن موريتانيا لديها مشكلة تسمى الإرث الإنساني؟

اسغير بن امبارك: أنا أرى أن هذه القضايا لا توجد دولة في العالم إلا ولها صفحة من تاريخها سوداء، والذي يجب القيام به هو طي هذه الصفحة نهائيا، فهذه القضية كثر فيها الحديث، وفي مرحلة معينة حاول معاوية حلها وأقر قانون عفو وانتهت، وجاء سيدي محمد بن الشيخ عبد الله وقام بشيء مماثل، وجاء الرئيس محمد بن عبد العزيز وزار كيهيدي وقام بتعويض المتضررين وما زالت المشكلة مطروحة، وأرى أنه يجب أن يتم طي هذا الملف نهائيا، وإن كانت حدثت هناك تجاوزات أو ارتكبت أخطاء فإن الدولة قد قامت بالتعويض عنها ويجب طي الملف ، و يجب أن نتجاوز هذه المرحلة وأن نفتح صفحة جديدة، وأن نتسامح إن كانت هناك تجاوزات ويتم طي هذه الصفحة، وهذا هو رأيي.

 

موقع الفكر: ماتقويمكم لأداء مندوبية "تآزر"؟

اسغير بن امبارك: لست مطلعا على ما يجري هناك، وفي تصوري حسب ما رأيت في الإعلام أنها مساعدة مقدمة لبعض الناس في ظروف استثنائية، وليس مشروعا، وأعتقد أن مواجهة مشكلة الفقر لا يمكن التغلب عليها إلا بمشاريع اقتصادية وخاصة تشجيع الموريتانيين على العمل والإنتاج، والدعم المالي بهذه الطريقة يقال له الاتكالية وهو أمر خطير.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني؟

اسغير بن امبارك: أنا أرى بأن الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني له أسلوب في التعامل السياسي جيد حيث إن بابه مفتوح أمام جميع الطيف السياسي، ونحن قادمون من مرحلة الصراعات وتبادل الاتهامات بين النظام والمعارضة، واليوم الباب مفتوح أمام الناس، وهذا الانفتاح وهذا فتح الصدر لجميع الناس وعدم تجريم المعارضة في حد ذاته أسلوب جديد وطيب ويخدم الديمقراطية في البلد.

وأرى أن وصوله للسلطة كان عن طريق ظروف صعبة، فعند وصوله للسلطة جاء هذا الوباء على المستوى العالمي والذي عانت منه الدول العظمى، ونحن ولله الحمد بفضل السياسة والخطة التي تم وضعها كنا من أقل الدول المتضررة من حيث الوفيات، وهذا جهد كبير ويتطلب عناية خاصة، وأوجه من هنا الشكر لرجال الأعمال الذين وقفوا وقفة وطنية وقدموا المال دعما للدولة لمواجهة هذا الوباء،فهذا يمثل انتصارا كبيرا.

أما فيما يتعلق بالإنجازات الأخرى أرى أن الرئيس تم انتخابه لمأمورية خمس سنوات ولم يمض إلا سنة ونصف من مجموع هذه السنوات الخمس، إذًا الأمور الأخرى - إن شاء الله - فيما يبدو لي أن هناك نية حسنة وإرادة قوية عند الرئيس وطاقمه لتعرف البلاد نهضة اقتصادية خاصة 2021 – 2022م التي ستكون الفترة الزمنية التي يتم فيها استغلال الغاز وتكون موارد الدولة كثيرة، ولا ننسى أن الرئيس قدم في ظروف صعبة والتركة الذي وجد أمامه ليست جيدة.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لتقرير لجنة التحقيق البرلمانية؟

 اسغير بن امبارك: تقييمي له أن البرلمانيين – حسب ما بلغني – توصلوا لقدر من الفساد، وأرى أن قيام البرلمان بهذه العملية يعد تحولا جديدا في ممارسة البرلمان لصلاحيات الرقابة على السلطة التنفيذية، وكون اليوم يقال إن هذا النظام الذي كان موجودا ،كان نظاما شبه فاسد أو أفسد البلد ففي هذا إنذار للنظام القائم، وهو أنه بدوره بعد خمس أو عشر سنوات يتم التحقيق فيما قام به، ولا أرى أنه موجه لمحاسبة البعض بقدر ما هو موجه للأجيال القادمة، والأنظمة القادمة، وتعد هذه نقلة نوعية نفتخر بها، أننا عندنا برلمانيون يتحملون مسؤولياتهم ويحاسبوا المسؤولين، ومن تقلد مسؤولية يجب أن يحاسب على تأدية مهامه، إذا كان أصاب في تأدية مهامه يشكرعلى ذلك ويكرم، وإذا كان قد أخطأ يحاسب على ذلك، ولا يمكن أن يحصل المسؤول  على حصانة مطلقة ولا أن يتصرف كما يشاء.

 

موقع الفكر: هل القضاء الموريتاني مؤهل لمحاكمة الرئيس محمد بن عبد العزيز؟

اسغير بن امبارك: إذا لم يحاكمه القضاء الموريتاني، فمن سيقوم بمحاكمته؟!، فنحن نملك قضاة أصحاب تجربة وكفاءة عالية وهذا لا يطرح مشكلة، والمشكلة هنا هي أنه من سيمثل أمام القضاء الموريتاني يجب أن تصان حقوقه، وأن يكون القضاء عادلا.

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

اسغير بن امبارك: أولا أريد تنبيه الشعب الموريتاني على ضرورة الوحدة، وأن وحدة شعبنا أساسية ومهمة، ولا ننسى أن هذه النزعات الفئوية والعرقية خطيرة علينا، وشاهدنا دولا قوية وغنية اليوم انهارت وتتخبط في المشاكل، وبالتالي يجب علينا جميعا أن نحرص على وحدتنا واستقرار بلدنا والحرص على تعاطينا مع الديمقراطية، وحتى الآن جميع الانتخابات التي أجريت في موريتانيا منذ 1991 أو 1992م "ما كط انكبت لحد فيها اميهَ"، وترى الأسرة منقسمة على الأحزاب فالوالد في حزب، والبنت في حزب...، وكلهم يشارك في نشاط حزبه ويلتقون في المنزل ويتبادلون الحديث والضحك، و روح التسامح هذه عند الموريتانيين نعمة من نعم الله التي مكنتنا والحمد لله من التكيف مع ديمقراطيتنا، بينما رأينا في دول أخرى حروبا ومشاكل وقتلا إلى غير ذلك.

إذًا، أوصي الشعب الموريتاني بروح التسامح.

 ثانيا: النظام مهما كان، ينجح في بعض الأمور ويخفق في بعض الأمور، والأساسي هو بقاء سلطة محترمة، وبالتالي تبقى الدولة الموريتانية قائمة، وهذه الدولة في الستينات لم يكن أحد يراهن عليها، واليوم أصبحت نموذجا، وأرى أن هذا التناوب السلمي على السلطة الذي وقع أخيرا كان إنجازا عظيما، وأرى أنه يجب ألا نفكر في ثقافة الانقلابات وتغيير الحكم بالقوة، وهذه الأمور يجب أن نتناساها ونطوي تلك الصفحة، ونقتدي بالأمم الديمقراطية المسالمة، والموحدة من أجل بناء موريتانيا وشعبها المتآخي، وأرجوا من الله أن يوفقنا لذلك.