من ذكريات الباكلوريا (٢) الباكلوريا الأصلية سنة 2012/ المختار ولد گاگيه

1-من لطيف ذكريات هذه الباكلوريا الأصلية سنة 2012

من عيوب الأنظمة التعليمية في كثير من البلدان النامية عدم مراعاة المواهب والميول الفطرية للتلاميذ عند توجيههم إلى المرحلة الثانوية؛ لذلك كنت مثل كثيرين ممن وجهتهم معدلاتهم الجيدة إلى الشعبة الرياضية، وتحديدا إلى الشعبة الفنية الرياضية إثر النجاح في مسابقة شاركت فيها في نهاية المرحلة الإعدادية لدخول هذه الشعبة الخاصة.

كانت ميولي إلى الآداب أكثر منها إلى العلوم التجريبية، وهو ما انتبه إليه أستاذي للغة العربية في الإعدادية العربية السالك ولد محمد المصطفى جزاه الله خيرا.

لكن قيم ذلك العهد وتلك المرحلة العمرية كانت تملي بأن المتميز في الرياضيات لا يدرس الآداب.

وبعد التحاقي بالشعبة الفنية الرياضية كما ذكرت؛ حصلت على الباكلوريا سنة 1989 (وحصولي عليها موضوع خاطرة أخرى خاصة: الرابط أسفله).

2-

في سنة 2012، وبعد أكثر من عشرين سنة من تاريخ الباكلوريا الأولى، وبعد الرجوع إلى البلاد والاستقرار الوظيفي فيها، بدا لي أن أترشح لباكلوريا جديدة، هي الباكلوريا الأصلية؛ لتكون فاتحة لمسار جديد توج بعد ذلك بالمتريز في الفقه وأصوله، والماستر في الاقتصاد الإسلامي.

3-حضرت لقاعة الامتحان بأحد مراكز الباكلوريا بمقاطعة عرفات، حاملا استدعائي وبطاقة تعريفي، وقد كان ذلك ضروريا على كل حال؛ لأن الشيبات التي بدأت تظهر في اللحية والرأس تجعل أي مراقب يشك في وضعي كتلميذ.

دخلت إلى قاعة الامتحان قبل حضور المراقبين، وقد تلقاني بالترحاب الزملاء، خاصة في الصفوف الخلفية في القاعة، وبادرني بعضهم قائلا: "أستاذ، حكل حاول تتعاطف امعان".

وقد فاجأ جميع الحضور أن تقدمت إلى وسط التلاميذ واتخذت لي مكانا بينهم.

حينها سمعت خلفي زميلة تهمس إلى زميلتها قائلة: "خليه عنك، هذا امسيكين تلميدي".

وأحدثكم كشاهد من عين المكان، خلال مواد الامتحان المختلفة التي شاركت فيها حدث من تداول الأوراق والكتيبات من فوقي وعن يميني وعن شمالي ما لا يعلمه إلا الله.

وقد كنت محرجا بما يقع حولي؛ فقد يدور في ذهن المراقب أنني جزء من عملية التبادل تلك، وسيجد في "عجزي" عن الباكلوريا في كلما مضى من عمري قرينة لذلك، لكنني عولت على أن الإقبال الظاهر على شأني وهيبة الشيبات في ذقني ستدفع عني الاتهام الصريح.

وبالطبع لم يكن الموقف يسمح بالحسبة على الجماعة التي مارست منكر الغش؛ إذ يسقط تغيير المنكر حين يؤدي إلى منكر أشد منه؛ كما سأعلم فيما بعد ويسري عني.

ومن الطريف، أن من بين الأدوات الرئيسية المستعملة في الغش كتيبات عملية على حجم قبضة اليد، تلخص بخط دقيق لكنه مقروء مختلف المواد الأساسية، وكنت أرى أعدادا منها متداولة من حولي أيام الامتحان ومصادرة أحيانا من طرف بعض المراقبين في القاعات. وعلمت بعد ذلك أنها تسمى "المفخخات" أو ما شابه ذلك.

هذه الكتيبات كنت ممن أقتناها وواظب في إطار التحضير للامتحان على حملها في جيب قميصي، ممتنا، ومشيدا بمستوى "الوعي" و"الحس العملي" عند أصحاب الوراقات؛ ليعدوا لنا، نحن المشغولين، مثل هذه الأدوات العملية الفريدة.

أدام الله علي وعليكم ستره الجميل.

وحفظني وإياكم من كل مكروه.