المفتش لكبيد ولد حمديت في لقاء شامل مع موقع الفكر/ التعليم من أهم القطاعات وهو الوحيد الذي بإمكانه أن يطور هذا الشعب

 

قال الأستاذ لكبيد ولد حمديت إن ضعف وتردي نسب النجاح في الامتحانات الوطنية يعد مظهرا من مظاهر فشل المنظومة التربوية، وأضاف المفتش والخبير التربوي لكبيد في مقابلة مع موقع الفكر – تنشر لاحقا- أن السبب في تردي نسب النجاح في الامتحانات يعود إلى ضعف مستويات التلاميذ إضافة إلى عجز المنظومة التربوية عن استيعاب الأعداد المتزايدة للتلاميذ.

وفيما يتعلق بنسب النجاح في شهادة الباكلوريا قال ولد حمديت: إن نسبة النجاح في شهادة "الباكلوريا" ظلت في تدهور مستمر على مر السنين، حيث وصلت نسبة النجاح في أول امتحان بكالوريا يقام في موريتانيا 57% وبدأت هذه النسبة تتراجع كل سنة حتى وصلت 18% سنة 2005م.

وأكد أن نسبة النجاح قد وصلت في بعض المؤسسات إلى 4%، وفي العام الماضي وصلت إلى نسبة 8% حيث مثلت تلك النسبة تحسنا طفيفا بعد التدهور الذي شهدته خلال الأعوام الماضية.

 

وقال ولد حمديت: إن التعليم من أهم القطاعات وهو الوحيد الذي بإمكانه أن يطور هذا الشعب إذا كتب له التطور ويحتاج هذا لعدة مسائل منها تسييره بالعدل والمساواة بعيدا عن التجاذبات السياسية والمحسوبية ومثل تلك الأمور.

تحدث ولد حمديت خلال هذا اللقاء عن إصلاحات التعليم بموريتانيا، ودافع بالخصوص عن إصلاح 1999م.  

ويعتبر ولد حمديت أحد مهندسي العملية التربوية بموريتانيا لعقود حيث واكب أغلب الإصلاحات التي جرت على مستوى التعليم، وكان ضمن اللجنة التي أشرفت على إصلاح 1999م. وهو أستاذ عربية من قدماء الأساتذة بالبلاد حيث كان ثالث ثلاثة هم أول من قام بتدريس اللغة العربية بالثانويات الموريتانية.

فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم المفتش لكبيد ولد حمديت.

موقع الفكر: نود منكم أن تعرفوا المشاهد بشخصكم الكريم من حيث تاريخ ومحل الميلاد و الدراسة والشهادات المتحصل عليها والوظائف التي تقلدتم؟

 المفتش لكبيد ولد حمديت: بسم الله الرحمن الرحيم، اسمي الكامل محمد لكبيد ولد محمدن ولد حمديت، ولدت في العاصمة نواكشوط سنة 1944م. كما هو مسجل في الأوراق ولست متأكدا من دقة ذلك، بدأت قراءة القرآن بعد السنة الخامسة من عمري وأكملته في السنة التاسعة حيث حصلت على الاجازة من قبل محمد عبدالرحمن ولد آبا ولد جبه الذي درسني رفقة مجموعة من حفاظ "أهل اكد يحيى" وكان ذلك سنة 1949م. وبعد فترة من ذلك توجهت لمحظرة يحظيه ولد عبدالودود في منطقة تسمى "لبيرات" وانتقلنا بعد ذلك إلى منطقة " اندومري " وقضيت في تلك المحظرة 4 سنوات ودرست فيها المعلقات والشعراء الست والألفية، وبعد ذلك انتقلت إلى معهد أبي تلميت وكان معي في المعهد مجموعة من أصدقائي من أبناء "أهل متالي" وحين علم  المدير الشيخ عبدالله ولد الشيخ سيديا بقدومنا للمعهد قام باستدعائنا في الإدارة وأتيناه ورحب بنا وقال لنا ما مفاده "اعتبروا أنفسكم أنكم لستم طلابا هنا وإنما أنتم ضيوف مكرمون ومعززون وسيكون سكنكم في منزل المدير  ولا يجمعكم بالطلاب سوى الفصول"  وكان ذلك سنة 1960-1961 وأتى علينا يوم الاستقلال ونحن هناك، وفي يوم 23 مايو من تلك السنة أجرينا امتحان شهادة الكفاءة التي تسمى "العكارية" وهي شهادة مهنية تؤهل صاحبها لأن يكون معلما في تلك الفترة، وتم تحويلي بعد ذلك إلى مدرسة دار البركة في لبراكنة وتحديدا منطقة "بوكى" حاليا ومكثت هناك سنة دراسية، وعند نهاية تلك السنة سافرت مع مجموعة من المعلمين إلى "اندر" لأخذ رواتبنا التي كانت تؤخذ حينها من هناك ورجعت إلى الأهل في العاصمة وطلبت التحويل بعد ذلك إلى ولاية الترارزة وحولت إلى مدرسة "الخواره" ومكثت فيها سنة أيضا وكانت سنة طيبة فيها الكثير من الثقافة بالإضافة إلى التدريس، وتم تحويلي بعد ذلك إلى مدينة روصو ودرست فيها السنة السادسة الابتدائية، وبقيت هناك حتى أجريت مسابقة الذهاب إلى القاهرة بعد لقاء المرحوم جمال عبدالناصر مع المرحوم المختار داداه في مؤتمر الوحدة الإفريقية، ونجحت في تلك المسابقة وكنت ضمن المجموعة الأولى التي ذهبت إلى مصر ومكثت في مصر 7 سنوات و3 أشهر وحصلت فيها على "الباكلوريا" وكذلك "ليسانس" في الآداب العربية ( الأدب الحديث ) من جامعة القاهرة، وكانت الجامعة المصرية مزدهرة في ذلك الوقت ودرستني أنذاك مجموعة من أشهر الأساتذة المصريين منهم يوسف خليف وكمال جمعة وشكري عياد وحسن حنفي.. الخ. ورجعت إلى موريتانيا سنة 1968م. ووجدت قانون صادر يقرر أن طلاب السنة الثانية والثالثة من كلية الآداب والعلوم الانسانية يتم توقيع عقد معهم بموجبه يحصلون على راتب أستاذ بعد تخرجهم؛ لكن بشرط أن يتعهدوا بالعمل مع الدولة لمدة 10 سنوات وكنت ضمن تلك المجموعة التي استفادت من ذلك القانون وعدت إلى موريتانيا بشكل رسمي بعد تخرجي عام 1971 وكان الأساتذة في تلك الفترة قليلون جدا وكنت ثالث ثلاثة حينها وهم سيد أحمد ولد الدي ومحمد ولد أحمد مسكه، حولت إلى الثانوية الوطنية في نواكشوط وطلبت مني إدارة المدرسة العليا للأساتذة - ابان افتتاحها أنذاك - أن أكون من المدرسين فيها كما طلب مني مدير المدرسة الإدارية ذلك، فكنت أستاذا رسميا في الثانوية الوطنية وأدرس ايضا بالمدرسة العليا للأساتذة وكذلك المدرسة الإدارية وقضيت 5 سنوات بتلك الوتيرة، وكنت10:00 أول من وضع أسئلة الباكلوريا في موريتانيا وكتبتهم بخط يدي وقمت بتصحيحهم وكان سيد أحمد ولد الدي أول من كلف بطرح أسئلة التمهيدي، وبعد تلك السنوات الخمس تم تعيني مديرا لثانوية لعيون عام 1975م. وقضيت فيها سنتين كنت متحمسا فيهما لخدمة الوطن واللغة العربية بكل الوسائل المتاحة، وفتحت في تلك الثانوية مستوصفا ولأول مرة يقع ذلك الأمر واستخدمت فيها علاقاتي بالوزارة وعلاقاتي بالسفارة الإسبانية وهيئة الغذاء العالمية، وتعرفت في تلك الفترة على بعض الأطر منهم والي لعيون أحمد سالم ولد سيدي، ووزير التعليم محمذن باباه، وتم تحويلي بعد ذلك إلى أطار ومكثت فيه سنة حيث بلغني خبر تحويلي إلى الثانوية العربية التي ستفتح وكانت تسمى "ثانوية القذافي" وكنت من المشرفين على انطلاقتها يوم 16 مارس 1979م. وبدأناها بفصول مؤقتة، أذكر أن بناءها لم يكتمل آنذاك وقضيت فيها تلك السنة، وفي السنة الموالية تم تعييني متفشا ومديرا لإعدادية لكصر بالإضافة لذلك، وفي سنة 1982 تم تعييني مفتشا عاما للتعليم الموريتاني وبعد سنتين من ذلك تم تحويلي إلى مفتش عام للتعليم الثانوي والفني ورجعت بعد ذلك كمفتش عام للتعليم، ومكثت فيها حتى عام 1994، وتم تعيني بعد ذلك مستشار وزير التهذيب الوطني مكلفا بالتعليم الحر والمؤسسات الأجنبية، مثل  المعهد السعودي وهيئة الأعمال الخيرية، وبقيت في تلك الوظيفة حتى تقاعدت ولله الحمد يوم 5 يناير 2005م. وحاولت أن أكتب عن تلك التجربة وأصدرت كتابا بعنوان " التعليم الموريتاني من المحظرة إلى المدرسة الحديثة" وركزت فيه على جانب المحظرة نتيجة لاطلاعي عليها أكثر من غيرها، وقمت بعد التقاعد بتدريس مادة النحو في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وألفت بعد ذلك كتيبا هو عبارة عن سيرة ذاتية لحياة الوالد بعنوان "تيسير الحي المقيت في حياة وآثار محمدن ولد حمديت".

 

- موقع الفكر: ما أسباب إغلاق معهد أبي تلميت من وجهة نظركم؟

- المتفش لكبيد ولد حمديت: معهد بتلميت هو معهد أنشأه الفرنسيون  لعبدالله ولد الشيخ سيديا سنة 1947م. وكان البعض يسميه معهد أهل الشيخ سيديا، والقائمون عليه وضعوا له اسما رسميا وهو المعهد العالي للدراسات الإسلامية، فالفرنسيون حين فشلوا في إنجاح مدرستهم الأصلية توغلوا في المعهد وبدأو يدخلون له بعض البرامج التي تخدمهم وفتحوا كذلك مدارس تكميلية للبنات وفتحوا فصول ابتدائية لتكوين المعلمين، وكان هذا المعهد يتلقى التمويل من طرف فرنسا وأذكر أنه في عام الاستقلال كانت السفارة الفرنسية تزوره حتى توصل إليه التمويل، وقضى ثلاث سنوات بعد الاستقلال وهو على تلك الحالة، وتطور بعد ذلك وأصبح مؤسسة رسمية تابعة للدولة وتم فتح قسم شهادة "ابريفيه" وأصبح الحاصل عليها في المعهد معترفا بشهاداته.

 

- موقع الفكر: هل قطعت ميزانية المعهد بعد أن أصبح تابعا للدولة الموريتانية؟

- المفتش لكبيد حمديت: حين أصبح تابعا للدولة أصبح تلاميذه ينطبق عليهم ما ينطبق على جميع تلاميذ المؤسسات الأخرى فجميع الطلاب كانوا يمنحون حتى سنة 1979م. وكان من ضمنهم طلاب المعهد، صحيح أنه حافظ على ما كان يتميز به لكنه لم يعد تابعا لأهل الشيخ سيديا بقدر ما أصبح مؤسسة رسمية تابعة للدولة.  

 

-موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟

المفتش لكبيد حمديت: التعليم في بلادنا يعيش ركودا حقيقيا وقد مر بالكثير من المراحل، فالفرنسيون لم يتركوا لنا تعليما بالمعنى الحقيقي، فالحاكم العام للمستعمرات الفرنسية في غرب افريقيا قال قبل الاستقلال بثلاثة أشهر: "إن موريتانيا التي تستعد للاستقلال في هذه الأيام يوجد فيها درجة من الفقر الشديد فيما يتعلق بالبنى التحتية والإطارات المكونة لا مثيل لها في إفريقيا الغربية كلها" فالمستعمر ترك عندنا 14 مدرسة ابتدائية وكان عدد تلاميذها 11226 ولم يذهب المستعمر إلا بعد إقناعنا أن اللغة الفرنسية هي التي تصلح لنا، وأصبحت هناك تجاذبات لدرجة أنه ظهرت نقابات تختلف حول المشكل اللغوي وأدت تلك التجاذبات إلى تأخر قطاع التعليم وتدهوره، وأنا شخصيا سبق وأن عبرت عن واقع التعليم في موريتانيا بمسألة وهو أنه بمثابة طفل مشلول ولد لأسرة فقيرة وجاهلة وأصبحت تتخبط تبحث عن الدواء في كل مكان

 

- موقع الفكر: ما هي مظاهر الاختلال في المنظومة التربوية ؟

 

- المفتش لكبيد ولد حمديت:  الاختلال في المنظومة التربوية من أول مشاكله أن تكون المنظومة لا تخدم الوطن ولا تنميته، فيما يتم تكوينه من الطلاب يشبه المثل الحساني الذي يقول "دفلت لعم" فنحن نكون الطلاب في شيء ونهذب بهم للعمل في شيء لا علاقة له بما درسوا، من اكبر العوائق التي يواجهها التعليم هو أن تكون اللغة الأجنبية تحتل حيزا أساسيا من البرنامج، فلغتنا الوطنية التي ينبغي أن تكون لغة رسمية قل من يعمل بها للأسف وسبق أن كتبت عن هذا الموضوع، فنحن كنا نكون نسبة 85% من الطلاب باللغة العربية لكننا لا نستخدم في إطار العمل الا تلك 15% المتبقية، وبعد فترة إصلاح 1999م. تم إجراء مسابقة مدرسة تكوين المعلمين فكانوا بحاجة إلى 100 معلم للفرنسية، ولم يتقدم لهم سوى 6 أشخاص، وطلبوا100 معلم للعربية فتقدم لهم 10آلاف شخص للمشاركة، والسبب في هذا أن البطالة كانت تنتشر فيهم إلى حد كبير وكان تكوينهم مجرد تكوين من أجل التكوين، ومن مظاهر الاختلال أيضا في المنظومة التربوية، ضعف التكوين الفني فنحن تعليمنا أصلا قائم على عدة روافد منها خريجي المحاظر؛ لأنه لم يكن لدينا سواهم؛ ولذلك اضطررنا بعد الاستقلال لمنح بعضهم للخارج حتى يتم تكوينهم هناك لأن المشكلة عندنا كانت مشكلة الفقر في الأطر وعدم التشجيع والتحفيز، وكان المشكل اللغوي أيضا عائقا أساسيا ومظهرا من مظاهر اختلال المنظومة التربوية حيث تم إقناعنا باللغة الفرنسية من طرف الفرنسيين.

 

- موقع الفكر: ما هو تقويمكم للإصلاحات التربوية التي قيم بها؟

المفتش لكبيد حمديت:  أرى أن جميع الإصلاحات التربوية لم تنتبه لما ينبغي أن يعتني به الاصلاح، وبالنسبة لإصلاح 1959م. أنا لا أسميه إصلاحا وإنما هو مجرد إجراء تم القيام به نتيجة مطالبة من معلمي العربية لإدخال 4 ساعات ونصف في التعليم الابتدائي للغة العربية والدين و2 ساعتين للعربية في الثانوية، أما إصلاح 1967م. فقد قرر أن يكون التعليم 7 سنوات مزدوجة بين اللغتين ولكن إجراء المسابقة في النهاية يكون باللغة الفرنسية ويصبح كل ما درسه الطالب بالعربية طيلة 7 سنوات لا قيمة له، وهناك إصلاح 1974م. وقد أتى بالتقسيم على أساس التخصصات وأرجع التعليم إلى 6 سنوات وأصبح لدينا بعده شعبة مزدوجة وأخرى عربية، وهناك إصلاح 1979م. ولكنه لم يكن إصلاحا بالمعنى الحقيقي وإنما هو مجرد مداولة، تم تشكيل لجنة له تتكون من 50 شخص من ضمنها الأساتذة والمعلمون وممثلي النقابات بالإضافة للمثلي آباء التلاميذ، وتواصلت دراسته لمدة سنتين، وقد واجه مشكلة وهي أن أكثر المشاركين فيه من أطر التعليم الابتدائي وأغلب أصحاب التعليم الابتدائي تكوينهم فرنسي، وأنشأوا تقريرا وتم تقديمه للجنة العسكرية وقامت برفضه قبل وصوله إلى مجلس الوزراء وذلك أوان انقلاب معاوية ولد الطايع.

 

- موقع الفكر: لماذا رفض؟

- المفتش لكبيد حمديت: لأن الجهة الحاكمة آنذاك لم تكن راضية عنه وقامت بحفظه وقد أراني الوزير لوليد ولد وداد سنة 1995 مفتاحا بيده وقال لي كلمة مفادها "هذا المفتاح الذي تراه هو مفتاح مخزن من مخازن قرب  مستشاري الوزارة وبداخله أعمال لجنة إصلاح 1984" ولم يكن ما تم حينها إصلاحا وإنما هو مجرد مقرر برقم 040 وبتاريخ 18 اكتوبر 1979، وكان من توصياته أن النظام التعليمي ينبغي أن ينتهج نهجا اختياريا بحيث يتم فتح شعبتين، فكل من كانت اللغة العربية هي لغته الأم يتم توجيهه إلى شعبتها ومن كانت لغته الأم ليست اللغة العربية يفتح له مجال اختيار العربية أو الفرنسية، ويتواصل هذا النهج لمدة 6 سنوات حتى نصل إلى إنجاز نظام تعليمي موحد لغته الحاملة هي اللغة العربية، وكان في كل 6 سنوات يأتي إصلاح جديد حتى مرت 20 سنة دون إنجاز شيء يذكر، أما إصلاح 1999 فقد جاء بعد أن ألقى الرئيس معاوية خطابا مطولا وأشار فيه إلى العولمة والانفتاح على الخارج والنمو والتقدم وبعد الخطاب بيومين تم استدعائي من طرف الوزير رفقة أحد المستشارين وقال لنا نحن نود منكم أن تشرفوا على إصلاح التعليم وفق الخطاب الذي ألقاه الرئيس ففكرنا في الأمر وقمنا بدراسة حوله وتضمنت تلك الدراسة زيادة أوقات اللغات، وكذلك زيادة ساعات العلوم والرياضيات والفيزياء على حساب المواد الأدبية، وقدمنا لهم تلك الدراسة فقاموا برفضها وقالو إن المطلوب هو إصلاح كامل وشامل ونحن أصلا لم نتلق التوجيهات وطلبنا منهم ذلك فأعطونا بعض التوجيهات، منها أن المطلوب منا أن ننجز نظاما موحدا حديثا ومنفتحا على الخارج وذو مردودية على التنمية، وتم تشكيل لجنة من 8 وزراء برئاسة الوزير الأول الشيخ العافية، وقضينا 6 أشهر ونحن  ندرس تلك المسألة وكنا نقدم لهم  كل اسبوع نتيجة عملنا ويناقشونه معنا كل إثنين، وكانت اللجنة تضم بعض الأطر المميزين مثل حمدي ولد مكناس وأحمد ولد سيدي باب وسيدي محمد ولد بوبكر ولوليد ولد وداد والداه ولد عبدالجليل، فكانت دراسة فكرة الاصلاح على العموم تابعة لنا نحن لكن تمرير ما نتخذه يتطلب موافقة من اللجنة الوزارية نتيجة الأبعاد السياسية، وقدمنا للرئيس خلاصة حول الأمر ورضي عنها وعرضها على بعض الأحزاب والسياسيين، وأذكر أن أول من استدعى منهم محمد ولد مولود والمصطفى ولد بدر الدين، واستدعانا الوزير بعد ذلك وقال لنا إن الرئيس يرغب في لقائنا وذهبت إليه أنا ومحمد الحافظ ولد الطلبة وصالح بابير رفقة الوزير اسغير، وحين وصلنا وجدناه منبسطا ومنشرحا وأخبرنا أن ما قمنا به هو عمل جبار وأحسن ما فيه أنه تم التخطيط له في وقت يسير ودون تكاليف أيضا، وأخذ ورقة كبرى وكتب فيها عناوين وأعطاني إياها وقال سنقوم برحلات الهدف منها هو شرح هذا الإصلاح وستكون برفقتي لشرح تلك النقاط الموجودة على الورقة في كل بلد أتيناه، وسافرنا في تلك الرحلة التي استغرقت أسبوعا وشملت عدة مناطق من ولايتي الحوض الغربي والحوض الشرقي، وأعتقد أن أسباب فشل ذلك الإصلاح لم تكن سياسية، فقد رضي عنه الجميع حينها وما واجهه من احتجاج ورفض لم يكن موضوعيا، المسألة الأولى هي ما فعله المفتشون ومديري المؤسسات حين نظروا إلى الاصلاح نظرة سيئة بحجة أنهم لم يستشاروا حوله ولم يعلنوا رسميا عن رفضهم له حينها، ولكنهم لم يساهموا في إصلاحه، المسألة الثانية أن هذا الاصلاح جاء في فترة كان يوجد فيها فساد مالي؛ لأن الجهة المشرفة عليه شكلت في آخر اجتماع لها لجنة لتوجيه وتنفيذ ومتابعة الإصلاح وتم رصد 32 مليون أوقية سنويا لدعم الإصلاح لكن لم يتم تنفيذ المخطط الذي رسمناه نتيجة أنه لم يتم توقيعه فكلما قدمناه لوزير يبقى عنده حتى يذهب ويأتي وزير آخر.

 

- موقع الفكر: ألا ترون أن إصلاح 1999 لم ينصف اللغة العربية التي هي اللغة الأم في هذا البلد؟

المفتش لكبيد حمديت: بالنسبة لي إصلاح 1999 هو أحسن إصلاح مررنا به وسبق وأن قلت في مقابلة تلفزيونية إنني أنا من وضعت فكرته وأتحمل المسؤولية الدنيوية والأخروية حول ذلك، نحن كان لدينا تكوين نسبة 85% منه عربية و15% فرنسية وكانت فرص العمل والمنح لا تفتح إلا لأصحاب التخصصات الفرنسية وأصبحت لدينا مشكلة هي أننا ندرس الكثير من الناس في مجال العربية ومع ذلك ليست هناك مردودية مادية لأصحاب تلك التخصصات، ونحن في إصلاح 1967 لم نكن نعتبر اللغة العربية لغة أساسية وإنما كانت مجرد لغة وطنية، واللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية وحين جاء إصلاح 1974 اعتبر أن اللغة العربية لغة رسمية ولكنه قرر أن اللغة الفرنسية أيضا لا يستغنى عنها في ذلك الوقت الحالي،23:00 أما إصلاح 1999م. فقد أعاد تقسيم الازدواجية على أساس الموادهم  على الأقل إلى قضية المواد حيث أصبح أغلبها يتم تدريسه بالعربية

 

موقع الفكر: ما  العوامل التي أدت بجميع الإصلاحات التربوية للفشل؟

المفتش لكبيد ولد حمديت: هي عوامل كثيرة ومن أبرزها:

 -عدم تحديد الأهداف

- عدم استقلالية القرار

- عدم تطبيق القانون فيما يتعلق بمشكل اللغة، فالدستور ينص على أن اللغة العربية هي الرسمية لهذا البلد، ومع ذلك لم تكن اللغة العربية لغة العمل للأسف، ويمكن اختصار كل تلك العوامل في الفساد الإداري والمالي والتأخر في العلوم فنحن لدينا بعض المحفوظات النظرية لكن ليس لدينا كيان علمي حقيقي، وليست لدينا لجان علمية للدراسة ولا مخابر للتطبيق، وقديما قال أحد خبراء التربية إن المدرسة ما هي إلا صورة مصغرة للمجتمع الذي توجد فيه ونجاحها يتعلق بعكس مرآة ذلك المجتمع فحين يكون المجتمع فاسدا ومتخلفا ولا يساهم في نهضة التعليم لن تنجح المدرسة.

 

موقع الفكر: ما العناصر اللازم توفرها كي يبلغ الإصلاح الغايات المنشودة؟

المفتش لكبيد ولد حمديت: سبق وأن تم في سنة 2013م. تنظيم منتديات حول هذا الأمر وبعثوا إلي برسالة - رغم أنني تقاعدت عام 2005 - وكانت تلك الرسالة بتوقيع رئيس اللجنة حمدي ولد حمادي وأجريت لهم دراسة عن موضوع "المتابعة والتقييم" وحين انتهيت منها ذهبت إليهم لأسلمها لهم بنفسي وأخبروني أنها دراسة جيدة وأنه سيتم استدعائي لاحقا لنقاش الدراسة وهو الأمر الذي لم يقع، وكان من أهم النقاط التي تناولت في الدراسة " المتابعة والتقييم :

- جرد شامل لمشاكل المنظومة التربوية

- تحليل مواطن الضعف والقوة في المنظومة

- تحديد الاستراتيجية وخطة العمل المناسبة

 

ويمكن القول إن المنتديات لم تصل إلى نتيجة ويقال إنها حين قدمت للرئيس قال إنهم ليست لديهم ميزانية كافية لتنفيذ هذا التصور.

 

موقع الفكر: هناك من يقول إن تطبيق مخرجات المنتديات لا يحتاج ميزانية كبيرة فهي تقترح إلغاء السنة السابعة من التعليم؟

المفتش لكبيد حمديت: ما أعلمه أن الاصلاح الماضية لم تستغرق جهودا مادية كبيرة وآخرها إصلاح 1999 حيث لم يكلف الدولة أوقية واحدة، وكان من توصياته:

- توطيد مكتسبات النظام في المرحلة الماضية

- تصحيح الاختلالات التي تمت ملاحظتها خلال تطبيق إصلاح 1979 (مثل عدم دستورية النظام )

- الكلفة الباهظة لنظام الشعبتين

- التدني الملحوظ في المستويات

- توحيد النظام التربوي بإلغاء الشعب على كافة مستويات التعليم

- تعزيز مكانة اللغة العربية بجعلها أداة لكافة المواد ذات الصلة بالآداب والعلوم الإنسانية والدينية 

- إنشاء قسم اللغات الوطنية بجامعة نواكشوط..الخ

هذا على مستوى التوصيات، أما الاجراءات فقد أتت كالآتي:

- العناية بالتعليم التقني

- العناية بالبحث العلمي

- تعميم التكوين المستمر لصالح جميع المدرسين

- تدريس التربية المدنية في جميع المستويات

أما الإجراءات المؤقتة والعاجلة فقد كانت:

- زيادة توقيت اللغة العربية

- مراجعة جميع البرامج ووضع برامج جديدة

- إنجاز الكتب بكميات كافية تغطي حاجيات التلاميذ

- إعادة تأهيل المدرسين لغويا

ولو أن هذه الاجراءات والتوصيات صادفت طواقم مستجيبة لها وقادرة على تطبيقها باقتناع وإخلاص لكان هذا الاصلاح هو أجود إصلاح عرفه النظام التعليمي والتربوي في مسيرته

أما العناصر اللازم توفرها كي تبلغ الإصلاحات الغايات المؤملة منه فيمكن تلخصيها فيما يلي:

- تحديد الأهداف العامة والخاصة بصفة واضحة

- توفير الوسائل الكافية لتحقيق ذلك

- وضع المدرس في ظروف مناسبة للعمل

- معالجة الفساد المالي في المنظومة التربوية

- تطبيق قانون المكافأة والعقوبة

 

موقع الفكر: هل المشكل اللغوي تربوي أم سياسي، وما المقاربة الأمثل لحله؟

المفتش لكبيد حمديت: على كل حال أنا لا أعتبر أن الفرنسية لغة موحدة، وأرى أن النظام التعليمي أمام خيارين لا ثالث لهما، الخيار الأول: التعريب الشامل وليس هناك عائق من الناحية القانونية أو النظامية أو العملية يحول دون ذلك، أما الخيار الثاني: فهو تعريب المرحلة الابتدائية وهذا نهج قد انتهجته بعض الدول مثل مصر وماليزيا فالتعليم ينبغي أن يكون عربيا في المرحلة الابتدائية مع تدريس ساعات من اللغات الوطنية في الأماكن التي يوجد بها تلاميذ تدرس لهم، وحين يصل التلاميذ سنة أولى إعدادية تتم إضافة مادة الفرنسية كمادة اتصال، وإذا وصلوا إلى المرحلة الثانوية تتم إضافة لغة ثانية كمادة اتصال مثل الانجليزية، حين يتم تطبيق هذا النظام بدون خلفيات ومع توفر الوسائل لا شك أنه سيثمر، وبالنسبة لي لا أعتبر أن المشكل اللغوي يعد عائقا حقيقيا أمام إصلاح التعليم ويمكن أن يتم حله بما ذكرت لكم آنفا.

 

موقع الفكر: ما ذا تعني المدرسة الجمهورية بالنسبة لكم؟

المفتش لكبيد حمديت: بالنسبة لمصطلح "المدرسة الجمهورية" من المصطلحات الجديدة علينا في السنوات الأخيرة وأعتقد أن المدرسة الجمهورية الحقيقية هي ما كان عندنا قديما حين كانت الثانوية يدرس فيها جميع التلاميذ حيث تجد اثنين يقيمان في مكان واحد وأحدهما ينحدر من منطقة كيهيدي والآخر من منطقة ازويرات ومع ذلك يتفاهمون في ما بينهم ويتخاطبون بينهم كأصدقاء تعليم، هذا هو ما كان موجودا بعد إصلاح 1974 ولم يكن يسمى باسم المدرسة الجمهورية لكن يجسد هذا الاسم فعلا.

 

موقع الفكر: هل يمكن مرتنة مفهوم المدرسة الجمهورية ؟

المفتش لكبيد حمديت: أعتبر أن الإصلاحات ينبغي أن تكون إصلاحات تربوية وتبتعد عن التجاذبات السياسية والأيديولوجية، وأنظر إلى التعليم بصفتي " مدرس قديم "

 

موقع الفكر: كيف للمدرسة الجمهورية أن تحقق أهدافها؟

المفتش لكبيد حمديت: نحن حققناها سابقا كما قلت لك، المدرسة الجمهورية هي التي تكون تحت سلطة الدولة ونظامها واحد ومطبق على جميع الطلاب ويتساوى أمامه الجميع، وهذا كله يحتاج إلى تكوين والتكوين يحتاج إلى وسائل، وأنا أظن - للأسف - أن مستوى النظام التربوي يتراجع مرة بعد مرة خلال ال 40 سنة الماضية، فالأساتذة الذين كانوا عندنا تجد الواحد منهم لديه - على الأقل - مادة يمتاز بها إذا كان لا يعرف المواد الأخرى وتلك ظاهرة بدأت تختفي وللأسف.

 

موقع الفكر: ما ذا عن واقع موظفي التعليم، هل يمكن النهوض بالتعليم والمدرس يعيش واقعا مزريا؟

المفتش لكبيد : كانت لدي هنا وثيقة مكتوبة حول هذا الموضوع وهو أن المدرس والمفتش وأغلب موظفي التعليم ليسوا في وضعية تمكنهم من أداء مهامهم على الوجه المطلوب نتيجة الواقع المزري الذي يعيشونه.

وما أعرفه هو أنني منذ أن دخلت التعليم والمعلم هو الضحية، وأتذكر أن أول راتب كنت أتلقاه بعد دخولي سلك التعليم هو 4460 أوقية وأذكر أن فترتي في  لعيون سنة 1975م. كان سعر البقرة 6000 أوقية وأذكر أنني حين كنت أدرس في دار البركة زارني بعض الأصدقاء من المعلمين وبعثت أحدهم ليشتري لي رأسا من الغنم فكان سعرها 80 أوقية.

 

موقع الفكر: ما السبب في المراجعة المتكررة للبرامج المدرسية؟

المفتش لكبيد حمديت: على كل حال الفترة التي كنت فيها على المفتشية العامة وفي مجلس إدارة المعهد التربوي ورئيس مجلس إدارة المدرسة العليا للأساتذة، كانت مراجعة البرامج في تلك الفترة تابعة للمعهد وعادة لا تقع إلا بعد محاولة إصلاح.

وعلى كل حال هذا السؤال لا يمكن أن يجيب عليه إلا المعهد التربوي وانا عهدي قديم بالوزارة لكن فترتي في الوزارة كان بعض الموظفين يقولون إن الوزارة تقوم بنشاطات غامضة المردودية

 

موقع الفكر: إلى م ترجعون الأزمة المستفحلة في  توفر الكتاب المدرسي؟

المفتش لكبيد حمديت: سبق وأن كتبت تقريرا عن الكتاب المدرسي وعدم توفره لدرجة أنك تجد بعض المواد ليس لديها كتب، وتارة لا يتوفر إلا كتاب لكل تلميذين، وهذا يرجع لعدة أسباب منها ضعف المنظرين التربويين عندنا فكتب المعهد التربوي يعتمدون في إنشائها على بعض الخبراء التربويين من تونس والمغرب مثلا، وأنا أرى أن كثرة مراجعة الكتب دون تغيير البرامج أمر فيه ضبابية والكتاب أساسي بالنسبة للتلميذ لكن لابد أن يلبي حاجته في البرنامج المقرر عليه.

وأعتقد أن السوق السوداء كانت تتوفر فيها الكتب بكثرة مع أنني لست مطلعا على ذلك نتيجة أنني انقطعت في السنوات الأخيرة عن ساحة التعليم ونسيت الكثير من الأشياء المتعلقة به، وعلى كل حال فالكتاب المدرسي أساسي لكن ينبغي أن يكون مطابقا للبرنامج ويحتوي على توجيهات تطبيقية واستيعابية كافية.

 

موقع الفكر: إلى م ترجعون الأزمة المستفحلة في نسب النجاح في الامتحانات الوطنية ؟

المفتش لكبيد حمديت: ربما السبب الأساسي هو ضعف المستويات، ومن الأسباب أيضا عدم توفر الكتب وعدم استيعاب التلاميذ للبرنامج، قديما كان التلاميذ يقيمون في المدرسة ويدرسون في الليل وفي النهار ولا يجدون العطلة إلا في يوم واحد، وكان الأستاذ يحضر للدرس جيدا ويقوم بتلخيصه ويختبر الطالب من حين لآخر وكل هذه المظاهر لم تعد موجودة للأسف.

 

موقع الفكر: هل يعتبرضعف نسب النجاح مظهرا من مظاهر الفشل، أم مظهر من مظاهر الجدية والصرامة؟

المفتش لكبيد حمديت: أعتبر أنها من مظاهر الفشل فأول امتحان باكلوريا يقام في موريتانيا كانت نسبة النجاح فيه 57% وبدأت النسبة تضعف كل سنة حتى وصلت 18% في السنة التي تقاعدت فيها، وأذكر أنني في إحدى المقابلات التلفزيونية أراني أحدهم نسبة النجاح في بعض المؤسسات ولم تتجاوز 4% 8:00

 

موقع الفكر: التدني الشديد في مستوى جامعتنا التي تحتل ذيل الترتيب العالمي هل له علاقة بالفشل في المراحل الابتدائية والثانوية أم في إدارة وتخطيط وزارة التعليم العالي؟

المفتش لكبيد حمديت: التميز في التعليم العالي هو نتاج التميز في التعليم الأساسي والثانوي، فحين يصل الطلاب إلى الجامعة ومستوياتهم ضعيفة فهذا يؤثر كثيرا على مستقبلهم لأن المرحلة الجامعية هي مرحلة أقرب للأكاديمية من كونها مرحلة لزرع المعلومات.

 

موقع الفكر: ما سبب الأزمة المستفحلة في القدرة الاستيعابية لدى مؤسسات التعليم العالي؟

المفتش لكبيد حمديت: قضية التعليم العالي قضية نظم وقوانين ونصوص فالمجلس الأعلى للجامعات في مصر  مؤسسة خارجة عن سلطة الوزارة، وأذكر أنني حين نجحت بمعدل مرتفع أثناء دراستي هناك قاموا بتوجيهي إلى الاقتصاد وأنا أحب التعليم وقضيت فترة وأنا أبحث عن حل ولجأت لاستخدام الوساطة عن طريق الوزير المكلف بالشؤون العربية وكان عضو لجنة تنسيق الجامعة فقام بتحويلي من الاقتصاد إلى التعليم.

 

موقع الفكر: هل أنتم راضون عن مستوى رقابتكم على المدارس الأجنبية؟

المفتش لكبيد حمديت: كان من المفترض أن نراقبهم لكن لم نجد أسسا قانونية تنظم ذلك، وكانت هناك مسألة كنت أعترض عليها ولم نجد لها حلا وهي أن بعض تلك المدارس تدرس ما هو خارج عن المقرر المدرسي مثل المدارس الفرنسية التي تدرس مقررات الفرنسيين.

 

موقع الفكر: ماذا عن رقابة  المدارس الخاصة؟

المفتش لكبيد حمديت: لم تكن لدينا طواقم تفتيش خاصة بهذا الأمر لكن كنا نسأل عن الإذن الذي يتم إعطاؤه لهم ويمكن القول إنهم كانوا يعيشون فوضوية وكنا دائما في صراع معهم.

 

موقع الفكر: من هي جهة الوصاية على المعهد العالي ومعهد ابن عباس؟

المفتش لكبيد حمديت: تلك مؤسسات لها خصوصية فالمعهد العالي أصلا كان يتبع لوزارة الشؤون الإسلامية وبرنامجه أقرب للبرامج المحظرية، وسبق أن طلب مني العلامة محمد سالم ولد عدود رحمه الله حين كان وزيرا للثقافة والتوجيه أن نقوم بإجراء مقارنة بين المعهد العالي ومعهد ابن عباس وقام بتشكيل لجنة حول ذلك ووضعني على رأس تلك اللجنة التي تضم كبار العلماء والأدباء مثل محمد فاضل ولد محمد الامين واسلم ولد سيدي مصطف والدكتور جمال ولد الحسن، وكان الهدف منها هو طرح تساؤل حول هل تمكن معادلة شهادات معهد ابن عباس بشهادة المعهد العالي، وحين وضعنا دراسة للموضوع وأجرينا مقارنة وجدنا أنهما مؤسساتي معارف بالفعل وأن معهد ابن عباس كان أكثر تنظيما وتميزا من المعهد العالي التابع للدولة، وأذكر أنني ترأست أول لجنة للمعهد العالي وكانت تلك اللجنة تشرف على مسابقته وكان من ضمنها علماء كبار مثل محمد سالم عدود ومحمد سالم المحبوبي وولد الشيخ الحسين والناجي ولد محمد محمود.

 

موقع الفكر: متى افتتح المعهد العالي؟

المفتش لكبيد حمديت: تم فتحه سنة 1980م. بإشراف من السعودية وتم تشييده قبل انقلاب 1978 وأذكر أن  فتى ولد اركيبي كان هو المقاول الذي أشرف على بنائه، وقبل أن يفتح بشكل رسمي أذكر أنني استدعاني حسني ولد ديدي وكان معه اليدالي ولد الشيخ وقال إنه يرغب في أن أكون مديرا للمعهد فقلت له إنني أود الاطلاع على الوثائق التي تم إنشاؤه على أساسها والاتفاقية التي وقعت مع السعودية حوله، ووجدت أن بناءه تم بدعم من السعودية وتعهدت بتسييره لمدة سنتين فاعتذرت لهم خشية ألا أتفق مع السعوديين وتم تعيين إسلم ولد سيدي مصطف مديرا له بعد أن كان أستاذا متربصا في الداخل.

 

موقع الفكر: كيف يتم تعيين أستاذ متربص مديرا لمؤسسة كبرى بحجم المعهد العالي؟

المفتش لكبيد حمديت: هذا كان من الأمور العادية بالنسبة لنا ويقع دائما، أذكر أننا ذات مرة كنا في اعتصام أمام إدارة الشغل سنة 1972 وقال أحد النقابيين المتحدثين بالفرنسية كلمة مفادها أن " دولة البيظان كل شي إكد أصح فيها "

 

موقع الفكر: يتحدث البعض عن وجود فساد ومحسوبية في المعهد العالي وارتجالية في التسيير و اكتتاب الاساتذة بشكل  غير شفاف، ما رأيكم في ذلك ؟

المفتش لكبيد حمديت: كما قلت لكم هو يسير سير المحاظر ويبقى في النهاية مؤسسة موريتانية.

 

موقع الفكر: القانون المنشئ للمعهد ينص على أن مسابقته تعادل الباكلوريا ومع ذلك يتم منع خريجي المعهد ممن لا يحملون شهادة الباكلوريا من المشاركة في مسابقات الوظيفة العمومية فما رأيكم في ذلك؟

المفتش لكبيد حمديت: ليس لدي تفاصيل حول هذا الموضوع ولا يمكنني الخوض في مثل هذه القضايا الآن، ولعل النصوص المنظمة تغيرت من بعدي فأنا عهدي به قديم.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في التعامل مع العقدويين ؟

المفتش لكبيد حمديت: يقولون إن الضرورات تبيح المحظورات والقائمون على هذا الشأن أكثر اطلاعا عليه منا، قديما تم فتح مجال الاكتتاب بدون شهادة ودخل الكثير من العقدويين سلك التعليم وقاموا بالتدريس حتى تقاعدوا ومع ذلك لم يدخلوا الإطار؛ لأنهم لا يحملون شهادات.

 

موقع الفكر:  أول مرة يتم فيها  اكتتاب من ليست لهم شهادات؟

المفتش لكبيد حمديت: أول مرة وقع ذلك سنة 1958 وكان الاكتتاب حينها معقلن بحيث أنه لم نفتح المجال فيه إلا لأهل المحاظر، وظهرت بعد ظاهرة " الاكتتاب من الشارع " وكانت سببا في ضعف التعليم للأسف.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في ظاهرة تفريغ بعض الموظفين العموميين؟

المفتش لكبيد حمديت: تلك ظاهرة انتشرت كثيرا للأسف وأذكر أنني حين كنت مستشارا لوزير التعليم تم تشكيل لجنة لهذا الموضوع وكنت عضوا فيها ووجدنا أننا لدينا 1300 موظف قد تسربت من التعليم وتعمل أعمال حرة وكتبنا محضرا حول أمرهم لكن تبين أن الدولة لا تريد إزالتهم من الوظيفة العمومية.

 

موقع الفكر: هناك معهد يسمى معهد اقرأ وقعت خصومة حول الجهة التي يتبع لها وحكمت المحكمة بتبعيته لوزارة التعليم فما هو رأيكم في ذلك؟

المفتش لكبيد حمديت: لم يكن تابعا لوزارة التعليم أصلا ما أعلمه أنه كان تابعا للسعودية وكان تقع فيه بعض المشاكل وكنت أزوره أحيانا وكانت فيه شعبة فنية وكان من أحسن المعاهد من الناحية الفنية، فالمعاهد كانت كثيرة على الورق لكنها في الواقع قليلة وأذكر أننا أجرينا دراسة ذات مرة عن المعاهد ووجدنا أن عددهم 43 لكن ليس من ضمنهم من يدرس بشكل رسمي ويعطي شهادات غير 4 معاهد.

 

موقع الفكر: يلاحظ ضعف التفتيش أوانعدامه، والبعض يقول إن التفتيش لا يترتب عليه شيء فما هو رأيكم في ذلك؟

المفتش لكبيد حمديت: هذا فيه ما هو صحيح وهو ناتج عن ضعف الإمكانيات ولدي 17 تقريرا حول هذا الأمر، أعتقد أننا كنا نقوم بالكثير لكننا نعجز عن أشياء أخرى، انا قضيت 14 سنة في المفتشية العامة وكانت الإمكانيات محدودة جدا وأذكر أن الفترة التي قضيتها فيها كانت ميزانيتها لا تتجاوز 800 ألف، وأعداد المفتشين كذلك لم تكن تغطي الحاجة الكافية للمدارس، والمدارس شهدت تزايدا غير مسبوق في الفترات الماضية من سنة 1978 وقبل ذلك كانت لدينا 14 مدرسة موزعة بين الثانويات والاعداديات.

 

موقع الفكر: ألا ترى أن ظاهرة  التقري العشوائي كانت سببا جوهريا في ضعف التعليم ؟

المفتش لكبيد حمديت: طبعا هذا يعتبر من الأسباب، وكذلك السياسة والوساطة حيث توجد بعض القرى لا بد لأهلها من مدارس ويستخدمون النفوذ لتحقيق ذلك.

 

موقع الفكر: يتحدث البعض عن ضعف التأطير والتكوين في " المدرسة العليا لتكوين الأساتذة "؟

المفتش لكبيد حمديت: أنا قضيت 20 سنة في رئاسة مجلس إدارة "ENS" ولا أذكر أنها وقعت فيها مشاكل ولا احتجاجات وأعرف ان الدفعات الأولى التي تخرجت منها كانت دفعات جيدة فأنا قمت بالتدريس فيها سنة 1972-1973م.

 

موقع الفكر: لماذا يقدح البعض  في شفافية مسابقة تكوين المعلمين دزن المدرسة العليا لتكوين الأساتذة؟

المفتش لكبيد حمديت: لا أعرف بالضبط ولكن ربما لأنها أعلى منها مستوى، ما أعلمه أن الفترات الأولى ل "ENS" كنا ننتهج نهجا وهو أن أي شخص تمت معاينته في وضعية غش أو ما يشبه ذلك يتم إلغاء مشاركته، أما مدرسة تكوين المعلمين فيشارك في مسابقتها الكثير من الناس وربما هذا من أسباب ضعف شفافيتها حيث يخرج الوضع عن  الرقابة أثناء الامتحانات.

 

موقع الفكر: حدثنا عن  مشكلة الباكلوريا سنة 2000؟

 

المفتش لكبيد حمديت: لم أكن على اطلاع بمشكلتها في تلك السنة، وقد مكثت 15 سنة وأنا رئيس للجنة المشرفة على الباكلوريا لكن في تلك السنة بالضبط لم أشرف عليها، واستدعاني الوزير حينها وقال لي إن لديهم مشكلة في المسابقة وستتم إعادتها وهناك مؤسسات مهمة لا يمكن أن نبعث إليها إلا أشخاص يعرفون منطقتها وأنت تعرف منطقة أطار وسنرسلك إلى ثانويته فاعترضت على ذلك بحجة أن المشاكل التي لا علاقة لي بها لا أدخلها، وطلب مني أن أفعل لهم ما يريدون وحين أعود سيناقشونني في الموضوع، وذهبت إلى أطار.

والباكلوريا لا يمكن أن تتسرب إلا عبر الأساتذة الذين يقدمون أسئلة الامتحان، حيث يمكن أن يستدرج التلاميذ الأستاذ إلى الحديث عن مواضيع الامتحان عن حسن نية أو عدم مسؤولية.

 

موقع الفكر: ألا ترى أن التصحيح في المسابقات بعيد عن الشفافية؟

المفتش لكبيد حمديت: أعتقد أن هذا أمر مبالغ فيه في نظام التصحيح الورقة أصلا تمر على أستاذين فإذا كان تصحيح أحدهم غير عادل ينبغي أن يقومه الآخر .

 

موقع الفكر: لماذا لاتوكل مهمو تصحيح البكلوريا لأساتذة الثانوية؟

 

المفتش لكبيد حمديت: في الفترة التي كنت فيها مشرفا لا أذكر أن أستاذا من أساتذة الإعدادية قام بتصحيح الباكلوريا ولا علم لي بما حدث بعدي

 

موقع الفكر: ماتقويمكم لظاهرة الاختلاس التي أضحت تنخر جسم المنظومة التعليمية؟

المفتش لكبيد حمديت: ظاهرة مؤسفة والاختلاس عندنا لم يقتصر على التعليم وإنما وصل حتى إلى الأموال العامة ومن أهم أسبابه ضعف التربية الأخلاقية فالمدرسة في النهاية عبارة عن صورة مصغرة من المجتمع الذي أنتجها فبقدر نزاهة المجتمع ينعكس ذلك عليها.

 

موقع الفكر: ما هي جدوائية إضافة سنة سابعة للتعليم الإعدادي والثانوي في نظركم؟

المفتش لكبيد حمديت: أعتقد أنها خطوة إيجابية ومن فوائدها التوجيه المبكر للتخصص وهدفها الأساسي هو تخفيف المواد عن الشعب النهائية حتى يتم تقريبهم من مجال تخصصاتهم.

 

موقع الفكر: المقررات الدراسية  للباكلوريا مشحونة، هل فكرتم يوما ما في تقليصه؟

المفتش لكبيد حمديت: لم تكن لدينا قناعة أن المقرر يحتاج إلى تقليص، ونحن نظامنا يشتكي منذ زمن من ضعف المستويات وكنا نبحث عن وسيلة لتقويتها ولابد من وضع مواد تضمن ذلك.

 

موقع الفكر: يتحدث البعض عن صعوبة هذه المناهج بالمقارنة مع مناهج الدول المجاورة فما رأيكم في ذلك؟

المفتش لكبيد حمديت: هذا جيد، بالنسبة لي وهو ما نبحث عنه لأنه سيخرج طلاب متيمزون بالمعنى الحقيقي.

 

موقع الفكر:  كيف تكون النتائج، حين تجتمع صعوبة المناهج مع ضعف المستويات؟

المفتش لكبيد حمديت: صعوبة المناهج أظنها أمرا مبالغا فيه، فهي تخضع لكل ما يدرسه التلميذ، والواقع أننا أحيانا نتساهل في التصحيح نتيجة لإكراهات معينة.

 

موقع الفكر: في بعض الدول  لا يوجد امتحان  يسمى البكلوريا وإنما عندهم سنة دراسية عادية فمن تجاوزها يعتبر حاصلا على شهادة الثانوية العامة فالنجاح هو الأصل و الرسوب هو الاستثناء فلماذا لا نعتمد تلك المنهجية؟

المفتش لكبيد حمديت: على كل حال هذا كله ليس إلا بحثا عن الجودة والحد من نسبة الناجحين لأن الدولة كانت تضطر لمنح الكثير منهم، وأنا أعتبر أن هناك مسابقتين فقط يمكن من خلالهما تحديد مستويات التلاميذ وهما مسابقة ختم الدروس الابتدائية وختم الدروس الثانوية أما غير ذلك فالتجاوز فيه لا يحدد المستوى الحقيقي، وإذا وصل الطلاب إلى الجامعة لا نعرف ما ذا سيستفيدون خصوصا في عصر الشبكة العنكبوتية.

 

موقع الفكر: المواد المقررة ما سبب خلوالبرامج المدرسية  من بعض المناشط مثل الرياضة و السباحة ؟

المفتش لكبيد حمديت: لا يمكن أن نكون مثلهم لأن تلك الأمور ليست ثقافة اجتماعية عندنا فكما قلت لك المدرسة هي عبارة عن صورة مصغرة من المجتمع فإذا كان المجتمع لا يمارس تلك الأمور فلا تتوقع أن يتم تدريسها، وهذه الأمور أيضا أنا أعتبرها كماليات فمن لم يكن يكمل ترتيب الأولويات لا ينبغي أن يفكر في الكماليات فنحن لدينا بعض القرى ليست لديها مدارس وإنما يدرس أولادها في الخيام وأذكر أن  بدايتي الأولى مع التعليم كانت لدينا 60 مدرسة تحت الخيام.

 

موقع الفكر: يقول البعض إن الباكلوريا يتم تقسيمها على أساس المناطق فمثلا بعض المناطق لا ينجح فيها إلا من يصل إلى مستوى معين فهل هذا صحيح؟

المفتش لكبيد حمديت: ما يمكنني أن أقوله لك إنني قضيت 37 سنة في التعليم وكنت نشطا فيها وأقف موقف الحياد من الكثير من الأمور،  وهذه النقطة بالضبط لا أذكر أنها وقعت في الباكلوريا وإنما كانت تقع في مسابقة ختم دروس الابتدائية فقد سبق وأن اقترح مدير التعليم الابتدائي في أحد الاجتماعات التي يحضرها الوزير أن النجاح في ولاية الترارزة ينبغي أن لا يكون تحت ال100 بينما يكون النجاح في الولايات ب90 وتم تطبيق تلك المسألة سنة 1987، وأذكر أنني اعترضت على تلك المسألة وناقشتها لكنني لم أجد ردا إيجابيا، وهذا من الناحية التربوية ليس هناك ما يبرره لكن الناحية الواقعية قد يخضع لمعايير تراعي اختلاف ظروف المناطق.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة في نهاية هذه المقابلة ؟

المفتش لكبيد حمديت: ما أعرفه أن التعليم من أهم القطاعات وهو الوحيد الذي بإمكانه أن يطور هذا الشعب إذا كتب له التطور ويحتاج هذا لعدة مسائل منها تسييره بالعدل والمساواة بعيدا عن التجاذبات السياسية والمحسوبية ومثل تلك الأمور، كذلك لابد من تطوير البرنامج وأن ندرك أن التعليم ليس دائما هو الوسيلة الوحيدة للوصول للعمل وإنما أن ندرس العلم لذاته وليس رغبة في العمل ولا التوظيف، ولابد أن نعتمد الشفافية في التعيين والتوظيف فلا ينبغي أن يكون التعيين على أساس المحسوبية والقبلية والجهوية ويتم تهميش الكثير من الكفاءات وحملة الشهادات العاطلين عن العمل، إذن العدل في تسيير التعليم أمر مهم فالحياة العملية لا تقوم إلا على العدل.