الشيخ محمد يحي بن فتى لموقع الفكر: تراجع التعليم سببه اعتماد اللغة الفرنسية(مقابلة)

 الشيخ محمد يحي بن فتى

الفكر( نواكشوط): قال الشيخ محمد يحي بن محمد عالي فتى إن سبب التراجع الحاصل الآن في التعليم هو اعتماد اللغة الفرنسية، لأن الأطفال يصعب عليهم تعلم المواد العلمية بلغة غيرلغتهم الأم، وهو ما سبب تقهقرا في التعليم، و من المعلوم أن الدول لا تتقدم إلا بلغتها، فحين ننظرمثلا إلى الصين أو تركيا وغيرها من الدول، نجد أنها إنما حققت تقدما وازدهارا بسبب إصرارها على التعليم بلغاتها المحلية.

وأضاف فتى أن أي إصلاح في المستقبل للتعليم يجب أن يرتكزعلى جعل اللغة العربية هي لغة التعليم، أما اللغات الأخرى فينبغي تعلمها و الاستفادة منها، لكن لا تدرس بها المواد الأساسية للأطفال.

ونتيجة لأن الفرنسية أصبحت هي اللغة المسيطرة في الامتحانات ،أصبح الاعتماد في تكوين الأطفال على معلمين من السنغال ومالي يعوزهم التأهيل.

لقد تقدم التعليم عندما كانت اللغة العربية هي المسيطرة والفرنسية تبعا لها، وتراجع عندما أصبحت السيطرة للفرنسية.

ويعتبر الشيخ محمد يحي بن فتى أحد الخبراء النابهين، الذين شغلوا مناصب متعددة في قطاع التعليم خلال مرحلة مبكرة من عمر الدولة الموريتانية، وفضلا عن ذلك تولى إدارة التعليم الثانوي لمدة خمس سنوات. 

فإلى نص المقابلة: 

نود منكم تعريف المشاهد بشخصكم الكريم من حيث الدراسة والشهادات وأهم الوظائف التي تقلدتم؟

المتكلم محمد يحي بن محمد عالي بن محمدُ بن فتى، تنقلت بين عدة مناصب في وزارة التعليم من بينها إدارة عدة ثانويات في الداخل مثل ثانوية لعيون و ثانوية أطار وغيرها، بعد ذلك عينت مديرا للتعليم الثانوي لمدة خمس سنوات وكان لي دور في التعريب في تلك الفترة، ثم كلفت بمهمة في وزارة الدولة للمصادرالبشرية والشؤون الإسلامية، بعد ذلك نظمنا في 1976 مؤتمرا لرابطة العالم الإسلامي مؤتمرا إفريقيا وافتتحه الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله و وزير الشؤون الإسلامية الشيخ عبد الله بن بيه ،وكنت أحد المنظمين والمشرفين على المؤتمر، وقد حضره الأمين العام للمنظمة المرحوم محمد علي الحركان ، وقد تسبب إعجابهم بالمؤتمر في افتتاح معهدين لتعليم للقرآن الكريم أحدهما في نيجيريا والآخر في  انواكشوط ، وبعد أن أصبحت أمينا عاما مساعدا لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة مكلفا بالشؤون الإفريقية تابعت افتتاح المعهد وكان له دور مشهود في نشر القرآن وعلومه وكان مديره محمد يحيى بن خيري ، بعد ذلك حولت من مكة المكرمة إلى السنغال وافتتحت أول مكتب جهوي للرابطة على مستوى غرب إفريقيا، وكان بمثابة البوابة التي دخلوا منها إلى إفريقيا، وكنت ذا شغف بالدعوة وكل ما يعني الإسلام رغم أن تكويني كان تكوينا شبه مدرسي و في  نفس السنة 1979م شاركت رفقة مدير الشؤون الإسلامية الأستاذ محمد المختار گاگيه والأمين العام لوزارة الشؤون الإسلامية المرحوم أحمد بن عبد الله في مؤتمر في السنغال عن حياة الشيخ الحاج عمر الفوتي، وقد أعجبنا بطريقة تنظيم السنغاليين للمؤتمر و الجمعيات الموجودة عندهم.

من هنا جاءت فكرة إنشاء الجمعية، بعد عودتنا مباشرة قررنا أن ننشئ جمعية تهتم بالدعوة للإسلام و تعليمه، خصوصا وأنه في تلك الفترة لم تكن توجد جهة تهتم بهذا الشأن، واتخذنا من الآية الكريمة (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) شعارا لنا، وقبلت الحكومة الترخيص للجمعية وانطلق العمل فيها مباشرة، و افتتحنا فروعا في الداخل بوسائل محدودة، كنت يومها أملك سيارة صغيرة من طراز R4 وقد تنقلنا فيها بين فروع واد الناقة والنباغية بتلميت ألاگ ومگطع لحجار.

بعد ذلك أرسلنا وفودا إلى كل من كيهيدي و ازويرات و انواذيبو، وكنا نخاف في البداية من التضييق أو منع بعض الأنشطة، و كنت من أكثرهم علاقات داخل دوائر السلطة ومع بعض الضباط  جزاهم الله خيرا كلما عرفوني قدموا لنا كثيرا من التسهيلات و العون، ففي ازويرات أنزلونا في نزل "اسنيم"، وفي كيهيدي استقبلنا الوالي حينها مسعود ولد بلخير في منزله، وقد قبل أن يحضر افتتاح مهرجاننا بعد أن ألححت عليه في الطلب جزاه الله خيرا؛ بعد ذلك انتشرت الفروع ولقينا قبولا واسعا لله الحمد، رغم أن الناس كانت في غفلة وبعد عن الدعوة في أغلبها.

 وكان معنا الشيخ الداعية الحسن بن مولاي اعل في رحلة كيهيدي وسيلبابي ومقامة وكان يتحفنا بتلاوته العطرة ومزماره الشجي طيلة الرحلة، وأذ كر كذلك أننا استفدنا من جهود العلامة محمد فاضل بن محمد الأمين الذي انتزعناه من التعليم واكتشفناه و شكل إضافة عظيمة نظرا لعلمه وفهمه وخطابته النادرة التي أثرت في كثيرين.

كان معنا كذلك فضيلة القاضي عبد الله بن الرگاد الذي يمتاز عنا بالجرأة و الشجاعة على قول مالا نستطيع  قوله، بالإضافة كذلك لجهود الداعية والأستاذ بون عمر لي الذي أفاد الدعوة كثيرا لعلمه وإخلاصه.

 وفي تلك الفترة كان لنا مجهر نسلطه على المجتمعات و المؤسسات لنكتشف طاقاتها الكامنة و نستغلها لصالح الدعوة، كل هذا بتوفيق من الله تعالى، ولقينا في تلك الجولة الشرقية  الشيخ محمد شيخنا بن اباه بن محمد الأمين وكانت حركة منصورة.

عموما كانت تجربة مبشرة على مستقبل الدعوة ولقيت تجاوبا وتسهيلات من أعلى سلطة في البلادونصرة من عموم الناس، فقد كان توجه الرئيس حينها محمد خون بن هيداله ينحو هذا النحو جزاه الله خيرا وتقبل منه.

 

موقع الفكر:ماهو تقويمكم لواقع التعليم في بلادنا؟

 محمد يحيى بن فتى: تلك الفترة شهدت إصلاحا نادرا للتعليم ، وقد أشرف عليه الشيخ الدكتور محمد المختار بن اباه و الدكتور محمذن بن باباه وكان همنا الوحيد هو سيطرة اللغة العربية لأنها كانت في تلك الفترة  تعتبر لغة أجنبية ،وقد كان الصراع حينها يتركز في إصلاح يعيد للعربية مكانتها في المناهج والشهادات، وقد استطعنا إدخال شهادة الإعدادية بالعربية إلى جانب الشهادة المزدوجة، وكذلك شهادة باكالوريا الآداب الأصلية  التي مكنت كثيرا من طلاب المحاظر من دخول التعليم النظامي، وهذا ما مكّن الطاقم التربوي من الاستفادة من العديد من الطاقات والأطر المتعلمة محظريا ولم يكن ينقصها إلا القليل من التكوين المنهجي و إدخال العربية على المنظومة التعليمية واختصرنا مدة التعليم من سبع إلى ست سنوات ومكننا ذلك من إرسال العديد من الأطر من أجل التكوين في بلدان عربية مثل السعودية و العراق و سوريا و مصر وغيرها ...

وسبب التراجع الحاصل الآن في التعليم هواعتماد الفرنسية، لأن الأطفال يصعب عليهم تعلم المواد العلمية بلغة غير لغتهم الأم، وهو ما سبب تقهقرا في التعليم ، و من المعلوم أن الدول لا تتقدم إلا بلغتها، فحين ننظر مثلا إلى الصين أو تركيا وغيرها، نجد أنها إنما حققت تقدما وازدهارا بسبب إصرارها على التعليم بلغاتها المحلية.

وأي إصلاح في المستقبل للتعليم يجب أن يركز على جعل اللغة العربية هي لغة التعليم، أما اللغات الأخرى فينبغي تعلمها والاستفادة منها، لكن لا تدرس بها المواد الاساسية للأطفال.

وأعتقد أن الأطفال الموريتانيين مقيدون بهذه اللغة لأنهم يستقدم لهم معلمون غير مكونين من السنغال ومالي ميزتهم أنهم يعرفون اللغة الفرنسية فقط، والأهالي يؤجرونهم تأجيرا غاليا لأنها هي اللغة الأساسية في الامتحانات نظرا لضاربها ،وأرى شخصيا أنها تسبب عرقلة أمام الأطفال ولا سيما في المراحل الأولى من التعليم والإعدادية والثانوية ،والتعليم تقدم في تلك الفترة التي كانت فيها اللغة العربية مسيطرة واللغة الفرنسية تتبعها بضارب متوسط.

والإنسان عليه أن يبدأ بنفسه كي يصل إلى محيطه الخارجي.

هل من شهادة في حق المرحوم محمدي بن خيري؟

محمدي شاب نشأ في طاعة الله فيما أعلم ، وقد تكون  في محظرة النباغية حيث أخذ العلم عن شيوخها، وكان شابا مجتهدا، وكان ممن أرسل إلى ليبيا للتكوين مع أخوين له هما أحمد بن الهادي والمنصور بن فتى ثم عاد وشارك في مسابقة المعهد وكان متفوقا فيه وقد تخرج منه برسالة عن العلامة "باب بن أحمد بيبه" أعدها بشكل رصين ومتقن، وكان من العناصرالأوائل الذين حملوا هم الدعوة الإسلامية فكان له نشاط وحيوية حتى قبل إنشاء الجمعية الثقافية. وكان مثقفا وتقيا وله أخ يسمى أحمد بن بدي وكان عالما بما تحمل الكلمة من معنى ،وكان معي في رابطة العالم الإسلامي من الدفعة الأولى في التخرج وحول إلى روصو.

موقع الفكر :نعرف أن الجمعية رخصت باسم كل من عبدو محم و محمد المختار گاگيه إضافة لشخصكم الكريم، لما ذا لا تسعون لرفع المظلمة عن جمعيتكم و تطالبون بفتحها مجددا ، خصوصا في هذه الفترة التي تم فيها إنصاف كثير من أهل المظالم؟

محمد يحيى بن فتى: نأسف كثيرا على وأد الجمعية وهي في مقتبل عمرها و كانت تعمل في مجالات الدعوة والثقافة وتوعية المجتمع وفق القانون ،وأديرت بحكمة بالغة ورزانة ولم تصطدم أبدا بالأنظمة والحكومات المختلفة، وقد بنت مقرابجهود ذاتية و بعلاقات مع بعض الشركاء المعروفين، وقد أغلقت ظلما لأسباب غير معروفة وتمت مصادرة كل ممتلكاتها، والقائمون عليها لم يكونوا صداميين، ولم تلصق بهم أية تهم من التهم التي وجهت لكل ماله علاقة بالتوجه الإسلامي، ونحن نطالب الآن في عهد هذا النظام الذي أعاد الكثير من المظالم وأعطى مستوى من الحرية أن ينصف الجمعية الثقافية ويعيد لها اعتبارها و يرجع لها مقرها و ممتلكاتها التي صودرت منها دون وجه قانوني ولا شرعي، لأن هذا يشكل دعما للتوجه الإسلامي وللنظام وأغلب أعضائها وقادتها ما زالوا موجودين وهم من أبرز الشخصيات العلمية والثقافية المعروفة في الساحة.

ولذلك الشيخ محمد المختار بن كاكيه لما طلبوا منه مفاتيحها سلمها دون اعتراض وسلم لهم الأموال. ونرجو من الحسن بن مولاي ومحمد بن آبواه لأنهما كانا من شبابنا في الجمعية أن يسعيا إلى استرجاع تلك الجمعية لأنها كانت لها أياد بيضاء في الدعوة ،وأتذكر أننا زرنا المشائخ، فزرنا الشيخ أباه بن عبد الله والشيخ سيدي محمد التاكنيتي ،والشيخ شيخان بن الطلبة .وأتذكر أن الشيخ سيدي محمد لما زرناه دفع لنا بعض النقود، فقلنا له إننا لم نأت من أجل جمع المال ،وإنما جئنا زائرين من أجل دعوتكم أن تنجح مساعينا ،وحكى لي حكاية أتذكرها ،وهي أن أبا بكر الصديق رضي الله قال للنبي صلى الله عليه وسلم:" يعجبني إنفاق المال بين يديك والنظر إليك". أو كما قال رضي الله عنه وكأن الشيخ يريد أن يقول إنما أعطى من مال إنما أعطاه لله تعالى.