حمارهم وتبصيلنا/ أبو طارق

ذات ليلة غابرة في زمان الطفولة وضعت عند رأسي صحنا من وجبة شعبية عندنا في بلاد الملثمين تسما باسي من أجل أن تصبحة جافة كي أتناولها في إفطار الصباح، وقبل نومي قلت لجدتي رحمها الله إن أخوف ما أخافه أن يغدر حمار العائلة المدعو لشهب بوجبتي فأضطر في الصباح إلى الإفطار على البسكويت والحليب غير المرغوبين لدي فردت الجدة بإنه مثبت جيدا أو بعبارتها:
مدروك.
وهكذا نمت قرير العين ساعات قليلة لتوقظني صلصلة أرجل الحمار وهي  تدهس الصحن وتقلبه ظهرا على بطن، وصرير أضراسه   تطحن ما فيه بعنف، وحينما حاولت طرده في الوقت الضائع رفسني برجله رفسة أثخنتني فلم أستطع انتظار انبلاج الفجر جراء الأسف والحنق فأيقظت الجدة وخاطبتها قائلا:
هكذا فعلها وقد قلت لي إنه مدروك فردت المرحومة برد فاصل حكيم احمير لخريف ما اتسكنهم الدركة يا اوليدي.
حسبتها كلمة عابرة ونسيتها ونسيت قصتها المتقادمة وظننت أن حمير البادية قد طورت سلوكها البدوي الوحشي  وأنها تخلت عن كثير من همجيتها  وممارساتها العدوانية بفضل اختلاطها  بنظرائها الحضريين، حتى استيقظت فجر  الاثنين الماضي وإذا بأستاذ قانوني يقلب منظومة بلده السياسية ويعبث بدستورها وهو المجبر  ‏بأيمانه المغلظة على ‏احترام الدستور الذي أعلن قبل زهاء عقد من الزمان أنه يخشى عليه  أن يأكله حمار، فتذكرت خوفي على وجبة باسي من حمارنا الهالك واسترجعت الذاكرة ذلك الانقلاب الليلي الغادر الذي أودى بتبصيلها المعدني.
وكانت الأحداث الأخيرة ترجمة أمينة لتلك  القصة الطفولية وكأنها  فيلم وثائقي يعرض  أمامي مشاهدها   ‏بأدق التفاصيل! فأدركت أن حمارنا كان أخف ظلا وأكثر أخلاقية  من حميرهم، إذ كان دقيقا في أهدافه  ولم تطل صولته  الانقلابية أي من الصحون الأخرى الموجودة عند رؤوسنا.
 ثم ترحمت كثيرا على جدتي ووعيت مقولتها إن حمير الخريف لا تكفهم الدركة.