الدكتور محمد بباه محمد ناصر لموقع الفكر: من يريد التفوق والتميز العلمي عليه أن يدرس بلغتة الأم حتى ولو كانت لغة ميتة (مقابلة)

الدكتور محمد بباه بن محمد ناصر

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد الأكاديميين الموريتانيين، ممن عايشوا واقع التعليم ،وخاصة التعليم العالي منه، حيث واكب مسار التعليم العالي بموريتانيا منذ بداياته، فكان من رواده الأوائل الذين واكبوه في كل مراحله، حيث أشرف على أغلب البرامج والمبادرات التعليمية على مستوى التعليم العالي، إضافة إلى عمله في ميدان البحث والنشر،و أنجز العديد من البحوث، وساهم في العديد من تحقيقات الكتب المنشورة، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل حول واقع التعليم بموريتانيا، وخاصة التعليم العالي، إضافة إلى المشاكل التي تعرتض العملية التربوية بموريتانيا وتعيق مخرجاتها  عن بلوغ الأهداف المنشودة..

. فأهلا وسهلا بضيفنا الدكتور محمد بباه محمد ناصر

 

موقع الفكر: حبذا لو عرفتم القارئ والمشاهد على شخصكم الكريم من حيث الاسم وتاريخ محل الميلاد والدراسات والوظائف؟

د. محمد بباه محمد ناصر : الاسم محمد  بباه بن محمد ناصر ولد المهدي تاريخ الميلاد المكتوب 1951م وأما التاريخ الحقيقي فهو قبل ذلك بسنتين أو ثلاث، وقد ولدت في بوادي  مدينة افديرك..

أما فيما يتعلق بمراحل التعليم فقد درست الجزء الأكثر من القرءان الكريم، وأنا صغير على يد فاطمة بنت محمد الحبيب، ومحمد محمود بن الكرار، ثم بعد ذلك درست أغلبية كتاب ابن عاشر في الفقه على يد الوالد محمد ناصر ثم درست بعد ذلك  جزءا من أشعار الجاهليين و إضاءة الدجنة ، والمقصور والممدود وجزء من مختار الشعر الجاهلي على يد محمد الأمين بن أحمد البشير ومحمد محمود بن محمد الحبيب رحمهم الله تعالى،

والتحقت بعد ذلك بمعهد أبي تلميت سنة 1967م وتخرجت منه سنة 1970م. بشهادة ختم الدروس الإعدادية وكنت على رأس لائحة الناجحين، وكانت  آنذاك أعلى شهادة موريتانية. لألتحق بمدرسة تكوين المعلمين وكانت فترة التكوين آنذاك 3 سنوات، لأتخرج منها سنة 1973م وكنت على رأس لائحة الناجحين وقد منحوني فرصة دخول المدرسة العليا لأساتذة للتعليم ودرست فيها سنتين شعبة اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا ثم خيروني بين متابعة الدراسة أو الحصول على منحة دراسية فاخترت الخيار الأخير  ـ ولم أكن الأول في الترتيب ولكني كنت من الأوائل والسبب هو وقوع مشكلة بين الأساتذة المشرفين علي ورحت  ضحيتها ـ وحصلت بعد ذلك على منحة من الدولة  إلى جامعة الرياض التي أصبحت فيما بعد تسمى جامعة الملك سعود،.

وقد حصلت منها على شهادة البكالوريوس في الجغرافيا ولم أكن موجها إلى الجغرافيا ولكنهم خيروني بين اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا ،فاخترت الجغرافيا وقد احتسبوا لي ثلاثة فصول دراسية بالسنتين التي درست في مدرسة العليا لتعليم الأساتذة . ثم سجلت في الدراسات العليا لأحصل على شهادة الماجستير سنة 1984م ، وكان من المفترض أن أنهي فترة الماجستير في ثلاث سنوات إلا أنني عملت مع بعض الشركات الفرنسية فاقتضى ذلك أن تطول إلى أربع سنوات،.

وكان عنوان بحث التخرج هو التحضر في موريتانيا مدينة نواكشوط نموذجا، وهو نفس الموضوع الذي سجلت فيه لنيل شهادة دكتوراه دولة بجامعة محمد الخامس بعنوان التحضر غير المنظم ومدينة نواكشوط نموذجا ،وحصلت من خلاله على شهادة الدكتوراه.

 

موقع الفكر: حدثونا عن أهم البحوث والمؤلفات التي نشرتم ؟

د. محمد بباه بن محمد ناصر: قمت بمجموعة من البحوث حول التحضر بعضها منشور في مجلة تونسية وأخرى مغربية ومجلات موريتانية.

،وقد كتبت مقدمات لمجموعات من الكتب ككتاب الحطاب، وديوان الشاعر محمد بن الطلبة مقدمة ودراسة، ومقدمة لكتاب التسهيل والتكميل لشرح مختصر خليل للشيخ محمد سالم بن عبد الودود ،ومقدمة لكتاب لوامع والدرر لمحمد بن محمد سالم ،كل هذه الكتب أجريت حولها دراسة تتراوح ما بين 30 صفحة إلى 60 صفحة.

وعملت في المملكة العربية السعودية كما ذكرت سابقا مع شركة فرنسية لتصحيح وإنشاء الخرائط في غرب المملكة ،من جازان إلى أبها إلى مكة المكرمة و المدينة المنورة، وشمال شرق ،المملكة السعودية من حائل إلى الحدود العراقية و الكويتية. وأذكر أن الشركة أعطتني سيارة جديدة لم تقطع إلا ألفي كيلومتر فلما أرجعتها إليهم إذا بها قد قطعت خمسين ألف كيلومتر، وكنا أحيانا نقطع خمس مائة كيلومتر في اليوم الواحد في طرق صعبة ووعرة.

وقد قمت بإعداد مجموعة من الخرائط فرسالتي للدكتوراه فيها نحو 65 خريطة، وعملت بعد ذلك مع مجموعات تابعة لوزارة اللامركزية، وأنجزت لهم مئات الخرائط في كل من ولايات داخلت انواذيبو وآدرار وإنشيري وتيرس زمور ولعصابة وتكانت. وأنجزت خرائط لكل بلدية في هذه الولايات.

ولما عدت إلى نواكشوط سنة 1984 اكتتبت أستاذا للتعليم الثانوي؛ لأنه لم يكن هناك إطار للتعليم العالي، وحولت للمدرسة العليا للتعليم ثم جامعة نواكشوط، ، وأنشأت قسم الجغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سنة 1985 ولم يكن موجودا قبل ذلك ومكثت رئيسا له طيلة سبع سنوات ثم أصبحت فيما بعد رئيسا لما يسمى بمختبر الجغرافيا، وألفت فيه كتاب أطلس الهجرات الموريتانية ، يتحدث عن الهجرة من الريف نحو المدينة وهو بنسختين عربية وأخرى فرنسية ونشر سنة 1999م. وبقيت رئيسا لهذا المختبر حتى سنة 2003 ، حيث عينت رئيسا..... للجنة التحضير لنظام LMD . وهذه اللجنة هي من أسس نظام L MD .....  وأنشأنا شعبة الماستر في الجغرافيا، 2007 وأصبحت رئيسا لتلك الشعبة.

ومن سنة 2003  إلى 2008 كنت الأمين العام لنقابة التعليم العالي، وأنجزت دراسة للمقارنة بين الوضعية المالية لأساتذة التعليم العالي في كل من السنغال وتونس والمغرب، كانت سببا في زيادة المخصصات المالية لأساتذة التعليم العالي ، فتضاعفت رواتبهم  ثلاث مرات في فترة قصيرة، وكانت محاولة إقناع أثمرت عن نتيجة ،وركزت على دور أستاذ التعليم العالي باعتباره باحثا ،وليس لديه وقت ليزيد دخله من موارد أخرى، وكما  تعرف يقال إن الإنسان يسعى ليطول عمره أكبر فترة ويكسب ما به يحيا حياة كريمة، ويشارك في القرارات التي تتخذ في شأنه، ويحصل على الأخبار وهذه من أهم الأهداف العامة المتفق عليها عالميا وتتفق عليها الأمم، باختلاف أديانها وتوجهاتها،

 

وعلى مستوى المشاركة في الحراك الثقافي شاركت في  ندوات في الخارج وأخرى في الداخل. منها ملتقى حول الجغرافيا والتنمية سنة 1985م. وهناك ندوة حول المياه في موريتانيا وقد حضرها أساتذة من المغرب والجزائر وتونس و السودان وفرنسا، ومشاركة في ندوة حول المرابطين، وأقيمت هذه الندوات داخليا بمشاركة من أستاذة باحثين من الخارج، وكان ملتقى المياه بالتعاون مع المدرسة العليا للأساتذة.

موقع الفكر: ما أبرز المشاكل التي تواجه النشر بموريتانيا؟

د. محمد بباه بن محمد ناصر:  مشكلة النشر في موريتانيا ندرة الفنيين المقتدرين على نشر ما يعجب الناس ويهمهم ، وأتذكر أنني كنت مكلفا بإعداد مجموعة الخرائط للمرحلة الابتدائية ،وأذكر أن المعهد التربوي نشر تلك المجموعة بصعوبة بالغة، في شكل كتيب للسنة السادسة إعدادية في جملة الكتب التي ينشرها.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟

د. محمد بباه محمد ناصر : التعليم أمر بالغ الخطورة ويترتب عليه إصلاح البنى والمؤسسات  التي تسير الدولة، وإلى عهد قريب نسبيا كان التعليم فيها يشكو من نقص الوسائل البشرية ونقص في التمويل ونقص في الكتب ،ونقص في البرامج على جميع المستويات . وهذا ليس غريبا ففرنسا عندما استعمرت البلاد 1854 ـ إذ أعتقد أن مجيء الوالي الفرنسي فيدرب إلى مدينة   "اندر"  سينلوي و بدء  حربه  مع  الأمير محمد الحبيب  هو  التاريخ الفعلي لبداية الاحتلال الفرنسي للبلاد  لكنه لم يتمكن من السيطرة إلا في  سنة 1903، وهذا يعني أن موريتانيا كانت خلال خمسين سنة (1854-1903) ،كانت في فترة احتلال وتحضير للاحتلال. وفي سنة 1903 احتل الجنوب الموريتاني،  وأما الشرق الموريتاني فكانت هناك محاولات لاحتلاله في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومنذ بداية الاحتلال نبذ الناس التعليم الفرنسي وأدى ذلك إلى نقص في عدد الأفراد الذين تلقوا تعليما نظاميا، وعوض ذلك النقص من  أصحاب التعليم المحظري.

والتعليم المحظري  يجمع بين الحياة  البدوية وممارسة العلم وهذا أمر غير مألوف. فالبداوة في الغالب يصاحبها الجهل والأمية  ،بينما كان يطلق عليها هاهنا البداوة العالمة ، وهذا لا يقتضي أن التعليم يشمل جميع الناس بل تختص به فئات معينة لكن هذه الفئات تنال منها قسطا لم يكن مألوفا أن ينال  في البادية. وكان مؤسسا على التقشف ،ومبنيا على مجموعة من الحريات الأساسية، وهذه الحريات يمكن أن يستفاد  منها في شأن التعليم وهي حرية الطالب في أن يختار الوقت الذي يتعلم فيه والأستاذ الذي يدرسه ورفقاءه في الدراسة ،أو ما يعرف محليا ب" الدولة" ، وهذه الحريات غير متاحة للطالب في المدارس النظامية، ومع أن التعليم الغربي  في الولايات المتحدة ـ وهي الأكثر تطورا في العالم ـ يسعى إلى أن يوفر ما يمكن توفيره من هذه الحريات ،ولما يصلوها بعد وهذه الحريات لا تعوض

فالتعليم المحظري يمتاز بالتقشف، يلخصها الشنقيطي بقوله:

له  تغرب وتواضع واترع                               وجع وهن واعص هواك واتبع

حتى ترى حالك حال المنشد                           لو أن سلمى أبصرت تخددي

ودقة في عظم ساقي ويدي                          وبعد أهلي وجفاء عودي

عضت من الوجد أنامل اليد ..

ويقول آخر:

تلاميذ شتى ألف الدهر بينهم                              لهم همم قصوى أجل من الدهر

يبيتون لا كِناً لديهم سوى الهوى                               ولا من سرير غير أرْمِدة غُبْرِ

 

وكانت هناك استجابة للتعليم المحظري يقف وراءها عاملان أساسيان أحدهما: عامل ديني يحض على العلم والتمسك به، وهو ما تشترك فيه مختلف البلدان الإسلامية، وعامل ثان من خصوصيات المحظرة ،وهو نقص وزن المادة المصاحبة للشخص، والبدوي في انتقاله يكره زيادة الوزن، لأنه ينتقل من مكان إلى مكان  و كان الأجدى  من حمل الكتب والمعارف  حفظها  في صدره ،وهذا من التكيف مع حياة الظعن.

والتعليم لا بد له من التوفير المالي، والأشخاص المكونون إن لم يكونوا علماء فيلزم أن يكونوا متعلمين تعلما جيدا. ويلزم كذلك تشجيع خريجي التعليم لنيل مبتغاهم. وهو ما يطلبه الإنسان من خمس حاجات ضرورية كالصحة والمال الذي ينال به الحياة الكريمة، والمشاركة في اتخاذ القرارات الهامة والحصول على المعلومات.

موقع الفكر : ما السبيل إلى  إصلاح التعليم؟

د. محمد بباه  بن محمد ناصر: إصلاح التعليم يحتاج تخصيص نسبة كبيرة من ميزانية الدولة ، لا تقل عن الربع أو الثلث ،وإتاحة الفرصة للمعلمين كي يعيشوا عيشة كريمة. وقد قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للأطباء في بلادها عندما طالبوها بمساواة رواتبهم مع رواتب المعلمين: "إني لا أستطيع أن أساويكم بمن علمكم"، فلابد من منح المعلم الكفاف.

فلا تنبغي مساواة المعلم مع الآخرين ولا بد من إعطاء المعلمين ما يعيشون به عيشة كريمة، ولا بد من خلق حوافز للخريجين كي لا يساء الظن بالعلم ولكي تحل بعض مشاكلهم.

وكان من فوائد التعليم في المحظرة أن  لخريجيها مكانة في المجتمع ،فإما أن يكونوا علماء أو قضاة ،أو فتيانا مقدرين أو مسؤولين، والمدرسة النظامية خريجوها فاقدوا التوجه إلى الدين، والتوجه إلى حل المشكلات المتعلقة بالمعاملات،  فهم إنما يدرسون من أجل نيل الوظائف فقط، بينما طلاب المحظرة يدرسون للدين والدنيا معا، ومن طرافة الشيخ محمد عالي  بن عدود عليه رحمة الله عندما يسأله دارسو التعليم العصري الدعاء يقول: "رزقنا الله وإياكم العلم والعمل به: ويضحك عند كلمة "العمل به" ،ومعنى هذا أننا إنما ندرس لأجل العمل.

 

موقع الفكر : هل مشكلة التعليم مشكلة منهج ؟

د. محمد بباه بن محمد ناصر : لا بد من إيجاد منهج مبني على تجارب الأمم السابقة وأن تحدد فيه الأهداف والغايات والوسائل لكي ينجح. فعدم وجود الوسائل الضرورية من التحفيز للمتعلمين وبذل ما يمكن أن يحيى به العاملون في قطاع التعليم حياة كريمة ، إضافة إلى نقص البرامج والكتب كفيل بإفشال التعليم.

وتتجلى مظاهر الفشل في تسرب التلاميذ، وعدم قدرة المدرسة على استيعاب كل الطلاب الموجودين في سن التمدرس، ومن لم يتسرب منهم يعاني تدني نسبة النجاح، وعندما يصل إلى الإعدادية تكون  نسبة النجاح  قليلة وبالنسبة للثانوية تصير نسبة النجاح  نسبة كارثية،

فنسبة النجاح في البكالوريا  بموريتانيا نسبة غريبة على مستوى العالم،  فبعد ثلاثة عشر سنة من الدراسة، ست سنوات في التعليم الابتدائي وأربعة في الإعدادي وثلاثة في الثانوي،  من ينجحون في امتحان البكالوريا لا تتعدى نسبتهم 10 % وهذا أمر غريب وكارثي.

فكثير من الدول تصل نسبة النجاح فيها 85% ومن انخفضت عندهم النسبة إلى 70 يكون النجاح منخفضا. وأظن أن انخفاض نسبة النجاح يعود إلى عدة عوامل منها  الخلل في التكوين منذ المرحلة الابتدائية، والنقص الحاصل في الكتب المدرسية التي تمكن من معرفة البرنامج، إضافة إلى عامل تصحيح الامتحانات، إذ يكلف الأستاذ بتصحيح  كثير من أوراق الامتحان، ويطلب منه تصحيحها في فترة وجيزة، وبعض الأساتذة لا يتحمل المسؤولية ،فعلى سبيل المثال يأخذ خمسين إجابة ،وقد تكون الإجابة الواحدة تتكون من عشر صفحات، ومع ذلك خلال نصف ساعة يعطي أصحاب تلك الإجابات نتائج ما بين 0 إلى 5 درجات

، وهناك مشكلة ضعف مستويات الطلبة وطريقة طرح أسئلة البكالوريا وهي من أصعب الأسئلة.

فالأسئلة صعبة والأساتذة لا ينقحون الإجابات والطلبة يعانون نقص التكوين ، فهذه أهم أسباب كارثة التعليم ،ثم تبقى  بعد ذلك  قضية استيعاب الطلاب في التعليم العالي، ومن أسبابها   نقص المؤسسات التعليمية فلا توجد إلا جامعة واحدة هي جامعة نواكشوط أو المعهد العالي وجامعة العيون يعتبر كل منهما بمثابة كلية

وموريتانيا على أقل تقدير يجب أن تكون فيها عشرون جامعة وفي كل عاصمة ولاية يجب أن تتوفر على جامعة،.

وهناك مسألة خطيرة وهي قلة مؤسسات التكوين الفني، يجب أن يوجه 60% من حملة البكالوريا إلى التكوين المهني في تخصصات اللحامة والنجارة والكهرباء والميكانيكا.. إلى آخره ويكون هناك تكوين مهني يحال إليه الطلبة الحاصلون على شهادة الباكلوريا وبعد تخرجهم يدخلون السوق ولهم القدرة على العمل والمنافسة، و يلاحظ العزوف عن التكوين المهني من قبل طلابنا ،ورغبتهم في التكوين النظري وهذا خلل كبير في التصور ، ويجب أن يكون التكوين النظري استجابة للحاجة وهو ما ليس موجودا عندنا.

 

موقع الفكر: ألا يعطي ربط التعليم بالسوق صورة غير جيدة عن التعليم؟ 

د. محمد بباه محمد ناصر: تعلم الإنسان يتنازعه شقان شق العمل والمعاش، وشق الرغبة في تطوير إنسانية الإنسان، والرفع من إنسانيته، والرفع من مستوى معارفه، ووضع الأسئلة التي قد لا تجد أجوبة.

وألاحظ أن المدرسة الاستعمارية كانت توجه المتفوقين إلى التخصصات العلمية الرياضيات والعلوم الطبيعية، وقليل منهم من يتوجه إلى الآداب والعلوم الإنسانية، والآداب والعلوم الإنسانية تحتاج أناسا أكثر ذكاء، وأكثر بحثا عن الحقائق الكونية، فحرمان هذه العلوم والمعارف  من الأذكياء كان نكسة في الفكر والتوجه ووضع الأسس النظرية في تطور بني البشر وخاصة في منطقة معلومة، فمن يوجهون إلى التخصصات العلمية تبقى الطريق أمامهم مسدودة، بخلاف ما لو توجهوا للعلوم الإنسانية التي كثير من موضوعتها لا يحتاج إلى البحث فيها إلى مختبرات، وإن كان نعوم تشومسكي ـ وهو يهودي من مناصري القضية الفلسطينية ـ صاحب النظرية اللغوية  قد ربطها بتطور عقل الإنسان ومخه والحصافة في التفكير،  وبعد النظر تحتاج إلى إنسان متفوق ذهنيا والإنسان المتفوق ذهنيا لا ينبغي أن يلاقي مصير الناس الذين تنسد أمامهم الطرق عندما يصلو إلى مرحلة البحث العلمي في العلوم البحتة،  فمن  المعلوم  أن الذين توجهوا إلى علوم الرياضيات والعلوم الطبيعية عندما يحصلون على "المتريز" أو "الماستر"  تنسد أمامهم الطرق عند الوصول إلى مرحلة البحث في العلوم البحتة فمن تخرج على سبيل المثال بشهادة الماستر أو الدكتوراه ليس أمامه من سبيل إلا التدريس، وبالتالي ينقطع عنه جانب البحث العلمي وهذا أمر بالغ الخطورة، وتجب مراجعته ،ومن الغريب أنه لا يؤرق أحدا ولا ينتبه إليه.

موقع الفكر: هل مشكل التعليم عندنا مشكل لغوي؟

د. محمد بباه بن محمد ناصر: فيما يتعلق بالمشكل اللغوي فمن المعلوم أن الإنسان الذي يدرس بلغته الأم هو الإنسان الأقدر على التكيف مع المعارف كلها، والبحث فيها والاختراع فيها، بينما الإنسان الذي يدرس بلغة ليست لغته الأم لا يستوعب المصطلحات والمفردات، ولا يقف خلف الكلمات، ومن الصعب على من هذا حاله الوصول إلى مرحلة  الاختراع لأن صاحبه يبحث أولا عن فهم المادة ولا يبحث عن الإبداع والاختراع فيها؛ ولذلك من نريد له  التفوق في دراسته وأن يفيد البحث العلمي لا بد أن يدرس بلغة الأم حتى ولو كانت لغة ميتة، ففي شرق أوربا بلدان تدرس بلغتها الأم وفيها طلبة متفوقون حتى ولو تطلب الأمر تطوير معارف الطلاب  فيما بعد، وقد جرتني محاولة فهم التدريس بلغة الأم إلى الحديث مع أحد الزملاء الأساتذة، وكان عميد  كلية العلوم القانونية والاقتصادية  بجامعة نواكشوط ويدرس الرياضيات لطلاب قسم الاقتصاد ،وكانت من بينهم مجموعة ممن درس الباكلوريا باللغة العربية وأخرى درستها باللغة الفرنسية، وقد لاحظ أن نسبة النجاح أكثر في من يدرسون باللغة العربية وبعد سنتين اضطر إلى دمج المجموعتين معا وأصبح يدرسهم جميعا باللغة الفرنسية، لكنه لاحظ تفوق من كانوا يدرسون باللغة العربية على من كانوا يدرسون باللغة الفرنسية،

والسبب يعود في ذلك - حسب وجهة نظري- إلى أن الطلاب الذين كانوا يدرسون باللغة العربية درسوا أساسيات المادة بلغتهم الأم ،بينما من كانوا يدرسون باللغة الفرنسية درسوها بلغة ليست لغتهم الأم.

وكنت قد أجريت بحثا وسألت بعض الطلبة في قسم البيولوجيا عن رأيهم حول فهم المحاضرات بالفرنسية والعربية ،وإمكانية التفوق فيهما، فقالوا إنهم درسوا في مرحلة  البكالوريا وما قبلها باللغة العربية، فلما جاؤوا إلى الكلية تفوقوا على  إخوانهم من الزنوج ،ممن كانوا يدرسون باللغة الفرنسية ،وكان الطلاب الزنوج أكثر منهم جدية ومثابرة، يأتون قبلهم إلى المدرج ويكتبون كتابة واضحة  بالقلم الأحمر والأزرق و  لكنهم كانوا  يدرسون  باللغة الفرنسية، وعند الامتحانات ينجح من كان يدرس باللغة العربية ويرسب من كان يدرس في الأصل باللغة الفرنسية، فقلت لهم إن السبب  واضح جلي ،وهو أنكم درستم المادة بلغتكم الأم، وسيطرتم على أساسياتها وهم لم يدرسوا بلغاتهم الأصلية، فلو درسوا بالبولارية أوالسونوكية لكانوا أكثر استيعابا.

ومن المعلوم أن من أكثر البلدان تقدما في أنظمة التعليم – الذي هو مفتاح التنمية والتطور- بلد صغير يدعى سنغافورة وهي دولة صغيرة لا تمتلك موارد طبيعية، وترأسها امرأة مسلمة ومعروفة بالجد ، ولذلك هي من أكثر البلدان دخلا للفرد، وكذلك مدينة شنغهاي الصينية وكلتاهما  تدرس بلغتها المحلية، إضافة إلى اللغة الإنجليزية التي أصبحت لغة عالمية لا بد من تعلمها،

وأذكر في سنة 1998م. أن مستشارا فرنسيا كان معنا في جامعة نواكشوط، وقد أخبرنا ذات مرة في اجتماع أن الفرنسيين ورغم تدريسهم بلغتهم الأم، إلا أنهم لا يسمحون لمن يريد إجراء الدراسات العليا إلا إذا كان يتقن اللغة الإنكليزية ،لأنها لغة أوربا الموحدة،

ولذلك في مراحل التعليم الأولى لا بد للمرء أن يدرس بلغته الأم؛ لكي يفهم ولا بد في مراحل ثانية أن يدرس باللغة الإنكليزية لكي يطلع على ما هومكتوب ومتاح من معارف وعلوم باللغة العالمية الأكثر تداولا،  ومعنى ذلك أن التعليم بلغة الأم وتعلم اللغة الإنكليزية أمران ضروريان لتطوير التعليم مع ما قلناه سابقا من إعداد برامج وخطط ،ثم إعطاء الخريجين فرصة للحصول على حياة كريمة والمشاركة في اختيار مصيرهم والحصول على المعلومات والصحة الجيدة.

 

موقع الفكر: في مدارسنا قد تكون لغة الأستاذ الأم غير لغة التلميذ، وقد لا يقع التفاهم بينهما؛ مما يؤثر سلبا على مخرجات العملية التربوية ما رأيكم؟

د. محمد بباه بن محم

د ناصر:  أظن أن الأستاذ  يحتاج إلى تكوين وتنبيه وتوجيه؛ كي يوصل لتلامذته ما يستطيعون فهمه باللغة العلمية المتعارف عليها ولا مانع من تدريس أي أستاذ لأي طالب إن كان متقيدا بالمعايير المتعارف عليها ، كما أنه لا بد له من معرفة قواعد علم النفس والتربية، وأن يكون ملما بما يمكن أن يوصل المعارف إلى الطالب؛  ولكي تستقر المعرفة في ذهن الطالب لا بد من ثلاثة عوامل، العامل الأول هو  أهمية المعلومة  عند الطالب ثانيا تسجيلها ثالثا تكرارها، وهذه المسائل ضرورية للمتعلم كي يسيطر على المادة المتعلمة،  والتعليم ليس مجرد تلقين وحفظ لكنه لا يستغني عنهما، فلا يجوز أن نبالغ ونقول إن الحفظ ليس ضروريا، كلا. الحفظ ضروري والفهم ضروري أيضا؛ فمن أجل أن يكون الإنسان في مستوى الاختراع والإبداع لا بد من الحفظ، فالحفظ عبارة عن أداة تستغل عند الحاجة ،مثل مدية الإنسان التي يقطع بها الأشياء، كما أن فهم الأشياء ضروري لمعرفة توجيه الأشياء، وتخمين الأسباب التي أدت إلى الظاهرة.

فنحن نقول إن الطالب ينبغي أن يتعلم كيف يتحكم فيما هو موجود أمامه ،من موجودات قابلة للتحكم فيها. كيف ذلك؟ عليه  جمع معلومات المادة  وبعد جمع المعلومات يقوم بتصنيفها في جداول أو أبواب، وتمثيلها لتقريبها ذهنيا، فيتم تمثيلها إلى دوائر أومثلثات.. الخ. والمرحلة الرابعة وهي أخطرها مرحلة التعليق عليها، عبر وصفها وتحليلها، وفي الوصف ينبغي عليه التحلي بالأمانة فلا يكون مبالغا فيها أو مقصرا، ومن ثم  ينبغي عليه تحليلها بناء على المعطيات السابقة؛  ثم تأتي مرحلة التنبؤ بسلوك الظاهرة انطلاقا مما سبق؛ ليصل إلى المرحلة الأخيرة التي هي  التحكم  في هذه الظاهرة، وهذه المرحلة هي خلاصة لكل الجهود السابقة.

وينبغي أن يكون كل طالب قادرا على جمع البيانات وتصنيفها وتمثيلها ووصفها والتعليق عليها وتحليلها..الخ. وهذا هو عمل كل المختبرات فالمختبرات التي تبحث الآن في كوفيد19 تخضعه لهذه المراحل السبع.

ومن المهم لكل طالب معرفة هذه المراحل معرفة دقيقة، وغيرها من القواعد المماثلة، وهذه القواعد يمكن أن تطبق على كل شيء ومن المهم أن يكون الأستاذ قادرا على توجيه التلميذ بالطريقة التي تناسبها، وجمع المعلومات قد يكون من الوثائق كالكتب أو الأرشيف أو هما  معا، أو من الميدان بواسطة العينة وقد تكون عشوائية غير قصدية، وقد تكون قصدية والعشوائية لها طرقها الكثيرة ،وللعينة القصدية طرق معروفة وهذا الكلام يمكن أن ينبني عليه مشروع متكامل وللعالم كله ،فهذه القواعد أساسية وعندما يكون أهل التعليم غير مدركين لأهميتها  يكون الأمر مشكلا.

موقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل تربوي أم مشكل سياسي؟

د. محمد بباه بن محمد ناصر: هو مشكل تربوي وسياسي معا، مشكل تربوي لأنه منذ قدوم فرنسا إلى هذه البلاد وهي تحاول فرض لغتها لأن استعمارها استعمار ثقافي عسكري واقتصادي في آن واحد، عكس الاستعمار الإنكليزي الذي في أصله استعمار اقتصادي بالدرجة الأولى، أما الاستعمار الفرنسي فهو استعمال ثقافي بالدرجة الأولى وأي مكان استعمره يريد أن يتحدث أهله باللغة الفرنسية ،وأن تنافس لغتها لغاته.

وفي السنة الدراسية   1966 ـ 1967 كان  مدير الثانوية الوطنية فرنسيا ـ  وقد أصدر بعض الطلاب والأساتذة الذين كانوا يشعرون بالغبن الذي تتعرض له اللغة العربية ، بيانا مطالبين أن تكون لغة رسمية ـ  هذا المدير ومعه بعض أصحابه قالوا إن اللغة العربية غير صالحة للتدريس، وهو زعم باطل لكنهم كانوا يخشون منافستها للغتهم الاستعمارية.

ونشروا هذه الدعاية بين بعض الإخوة الذين لم تكن لغتهم الأم اللغة العربية ، وكان من ضمنهم مجموعة 19 التي نشرت بيانا تدعو إلى عدم تدريس اللغة العربية، معتبرة أن اتخاذها لغة رسمية وتدريسها ليس من مصلحة البلاد، وأن زيادة ساعات تدريسها سيحرمهم من أن يكونوا على نفس المستوى العلمي مع زملائهم البيظان، وقد استمات في هذه الدعاية مجموعة من أساتذة اللغة الفرنسية..

هناك أستاذ فرنسي يدعى "جر ابير بيت" وهو مؤلف كتاب انواكشوط العاصمة الموريتانية، يتحدث فيه عن تاريخ العاصمة انواكشوط وكان يدرس في الثانوية الوطنية، وقد زار نواكشوط  منذ زمن قريب وألقى محاضرة بجامعة نواكشوط، ومن ذكرياته أنه أيام كان يدرس بالثانوية الوطنية ،دخل عليه الرئيس المختار بن داداه ذات يوم  أثناء التدريس فاستأذن عليه فقام  له التلاميذ ثم أمرهم الرئيس بالجلوس، وأمر الأستاذ بمواصلة الشرح وأثناء الشرح وقف أحد التلاميذ بشكل سريع وقال: أيه المختار ولد داده رسم لنا اللغة العربية لأنها لغتنا التي نفهم !! وأضاف الأستاذ الفرنسي أن ذلك التلميذ سيدي محمد ولد سيمدع.

واللغة الفرنسية مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لفرنسا، ففي الأربعينات أنشأوا  مدرسة عربية فرنسية، ساعات العربية هي الأكثر فيها، لكنهم كانوا ينقصون ساعات اللغة العربية تدريجيا حتى جعلوها ساعتين. وقد استجلبوا للغة العربية أساتذة جيدين من الجزائر وكان من بينهم  ابن موسى مديرا للمدرسة الابتدائية في بتلميت، والنقلي في إطار،  وما استجلبوهم  إلا لكي يدخل السكان أبناءهم المدارس ثم بعد ذلك يصرف الأساتذة المتميزون باللغة العربية والذين لا يقبلون على المساومة على اللغة العربية حتى يخلو الجو للغة الفرنسية..

وقد نشر "فرانسيس دي شاسي" رسالة دكتوراه بعنوان موريتانيا 1900-1975 خمسة وسبعين عاما من الاستعمار، يذكر فيها ستين سنة من الاستعمار، وخمس عشر سنة من الاستعمار غير المباشر، وقد أنصف فيها المقاومة الثقافية الموريتانية.

ومعنى كل هذا أن المشكل مشكل تربوي وسياسي فبالنسبة لفرنسا فإن وجود اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية بموريتانيا مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم.

وأغلبية حكام موريتانيا كانت لديهم رغبة لتعريب التعليم في موريتانيا غير أن فرنسا لا تقبل ذلك. وكما قلت سابقا فإن لرئيس الجامعة مستشارا فرنسيا يكتب التقارير عن الاجتماعات، وما يقع من التطور في التعليم العالي، فهم يعتبرون التعليم العالي قائدا  للتعليم في موريتانيا وفرنسا لن تدع التعليم يعرب في موريتانيا وإن لم تستطع منعه فستشعل حربا أهلية أو تحدث كارثة في هذه البلاد.

ولذلك فإن الموازنة بين التدريس باللغة الأم وعدم الاصطدام بالرغبة الفرنسية هذا هو المشكل الحالي. ولن يبذل  مجهود لمثل هذا الهدف الكبير إلا ووجد له حلا.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في المدرسة الجمهورية؟

د. محمد بباه بن محمد ناصر : المدرسة الجمهورية  مصطلح فرنسي يعني ثلاثة أمور، الأمر الأول أنها للجميع و ثانيا: مجانيتها  وثالثا: أنها لائكية  فهذا هو معنى الجمهورية لدى الفرنسيين وينبغي علينا نحن إسقاط الصفة الأخيرة عنها.

 

موقع الفكر: ما هي الفروق بين المناهج التعليمية العربية؟

د. محمد بباه بن محمد ناصر: دول الخليج حاليا تتبع المناهج التعليمية في أمريكا، وكانت المناهج الابتدائية والثانوية سابقا تتبع لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما جعل التعليم ذا طابع إسلامي على المذهب الحنبلي، والآن  الدول الغربية وخاصة أمريكا قد أرغمتهم على التخلي عن  الكثير من المفاهيم والمعلومات الإسلامية حتى إنهم يرغبون في أن لا تدرس سورة من القرءان الكريم فيها ذم لليهود،

والأردن صاغت مناهجها التعليمية وفق المناهج الإسرائيلية، وكذلك شيئا ما سوريا، وإن كانت أخيرا لم يعد بإمكانها السيطرة على المستوى الذي كانت عليه،  وأما مصر فتعاني منذ الخمسينات ،من ضعف المستوى الذي يدرس به طلابها، ومع ذلك فمصر كثيرة؛ لذلك يبرز فيها القليل من المتميزين مع الكثير من الرداءة.

وسبب ذلك هو غياب خطة للتفوق في التعليم، ومع غياب دقة المعلومات التي تدرس للطلاب، ولذلك عندما تنظر إلى برنامج السنة السادسة ابتدائية في لبنان ومصر ستلاحظ الفرق الشاسع بينهما.

أما تونس فاستطاعت التركيز على التعليم  ونالت كثيرا من التفوق،  فأغلب خريجي المدارس التونسية يحظون بوظائف سامية بالمؤسسات الدولية

أما موريتانيا أيام الرئيس الأسبق المختار بن داداه فقد كانت تسير في خطى تونس فأغلب الأساتذة كانوا تونسيين والبرامج تونسية.

والفروق بين مناهج الدول العربية يتأثر بالفروق بين المنهجين الفرانكفوني والأنكلوكسوني،.

أما الجزائر فقد خرجت في البداية خريجين دون المستوى لكنها تجاوزت ذلك حاليا والمغرب كانت تجمع بين كل ذلك ففيها التركيز على المستوى، لكن لديها بعض التغاضي عن المستويات  في بعض الأحيان،

 والمشرق  الآن ،وأعني دول الخليج الست ،و شيئا ما جيبوتي،  تشهد دوله حاليا نهضة تعليمية لا بأس بها، والعراق كانت فيه نهضة لكن الحرب التي شهدها، وقتل العلماء وتشريدهم ،وتعذيبهم أدى إلى تراجع مستويات التعليم.

ونحن نواجه مشكلة هجرة الأدمغة إذ أن الطلاب المتفوقين الذين يمنحون إلى فرنسا أو ألمانيا أو غيرهما من دول الاتحاد الأوربي تتاح لهم فرص التعليم ثم تتاح لهم فرص العمل إذا تخرجوا وبالتالي فإن الدول الأوربية تقف في العلن ضد الهجرة  ،إلا أنها  في الواقع تشجع الهجرة الاصطفائية، لكن هذا لا ينشر في وسائل الإعلام ،  فهي تقف ضد هجرة غير المؤهلين، عكس أمريكا لأنها خمسين دولة متقدمة كما هو الحال بالنسبة لكندا، وترغب هاتانا الدولتان  في الهجرة لأن فيها مجالا للتجديد والاختلاف المثمر على عكس أوربا التي هجرتها هجرة اصطفائية.

 

موقع الفكر : ما أهمية السكن الداخلي بالنسبة للطلاب؟ وهل للدوام المستمر تأثير على ضعف التحصيل لدى التلاميذ؟

د. محمد بباه بن محمد ناصر: بالنسبة للسكن الداخلي  مسألة  في غاية الأهمية؛ لأن بعض التلاميذ من أسر فقيرة والسكن عند الأهل قد لا يكون مناسبا لاستزادة من الدراسة، كما أن السكن الداخلي يتيح التعارف والتلاقي بين مجموعة من  التلاميذ ،من مختلف الفئات والجهات قد تكون فيما بعد جيلا يعرف بعضه بعضا عن قرب وتنشأ بينهم صداقة وتعارف.

وهذا النموذج كان موجودا في المدرسة الابتدائية زمن الاستقلال وموجودا في المرحلة الثانوية وموجود في بعض المستويات الأخرى كالمعاهد ومدرسة تكوين الأساتذة ، والآن يوجد بعضه على مستوى التعليم العالي، وإن كان غير شامل إلا أنه على قدر كبير من الأهمية، فهو يكون بيئة حرة تمكن الطلبة من النقاش بحرية.

وأظن أن جامعة نواكشوط ستفتح سكنا داخليا للبنات وسكنا آخر للطلاب، وهذا النوع من الإجراءات يساعد على الرفع من كفاءة البيئة الجامعية،

وأظن أنه منذ سنة 1968م. عندما  وقعت  ثورات الطلاب في أوربا وخاصة  فرنسا والصين وكانت الجامعة يختار لها مكان بقلب المدينة لكنهم لاحظوا خلال تلك الثورات أن الشرطة عندما تريد التدخل تجد صعوبة في ذلك نتيجة لاختلاط الطلبة بالسكان في قلب المدينة، ومنذ ذلك الحين أصبحت الجامعة خارج التجمعات السكنية  ،وفي ذلك بعض الصعوبات بالنسبة لبعض الطلبة ولكن عندما تكون الجامعة خارج المدينة يجد الطلاب متنفسا ،لا يضايقون فيه ويتيح للسلطة ألا تنكشف أمامهم كل الانكشاف.

الدوام الصباحي والمسائي بالنسبة للتعليم أحسن في المجمل ولكنه يحتاج توفر مؤسسة في كل حي يدرس فيها أبناؤه، ونظرا لصعوبة وسائل النقل الحالية لا أرى أنها تناسبنا، فهي تحتاج إلى وسائل نقل فعالة، ففي المدن التي بها "مترو" أنفاق يصعب القيام بدوامين فكيف بنا نحن.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

د. محمد بباه بن محمد ناصر: أرى أن إصلاح الدولة ومؤسساتها يتطلب إصلاح التعليم، وعندما نقول إصلاح شيء معناه أن به خللا يحتاج إصلاحا، وقبل إصلاح التعليم  لن يصلح أي قطاع، سواء في ذلك العدالة أو غيرها من الأنشطة التي يقام بها.