الرئيس السالك بن سيدي محمود الناطق الإعلامي ل"تواصل": "لا يزال الاعلام العمومي كما هو..تطبيل وتصفيق للحاكم"

سنتان من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني: "الحصيلة والسياقات"

يسرنا في موقع الفكر أن نلتقي معكم اليوم في هذه الندوة سعيا لتنوير الرأي العام الوطني، ومعانقة لأهم القضايا المطروحة بإلحاح في الساحة السياسية الوطنية، وللإجابة على تساؤلات تطرح بقوة ويتوق الجميع للإجابة عليها، إجابة دقيقة ومقنعة؛ لرصد جوانب التميز والتعثر في هذه الفترة، وهل ما زالت الأمور تراوح مكانها بحيث لم يحصل تغيير يذكر، بل ما تزال الملفات عالقة تستدعي عملا ملموسا، وإسراعا من السلطات في حلحلة الأمور؛ لأن الموطن مل الانتظار والوعود.. فأصبحت تحاصره الأزمات من كل مكان، وتطحنه المآسي (من بطالة وارتفاع للأسعار، وضعف في القوة الشرائية، وترد للخدمات العمومية في مجال الصحة والتعليم، وغيرهما..) حسب ما يرى معارضون.

أم هو تصالح مع الذات وإصلاح اقتصادي وعدالة اجتماعية، وتقريب للخدمات من المواطنين، وحكامة رشيدة، ونجاح دبلوماسي غير مسبوق، وحضور متميز في المحافل الدولية، حسب ما يرى موالون للنظام الحالي.

وللحديث عن هذه الإشكالات والإجابة على هذه التساؤلات نستضيف بعض قادة الرأي المؤثرين بقوة في المشهد السياسي المحلي؛ ليدلوا بآرائهم بحرية تامة دون حرج؛ لتشكيل رؤية شاملة، وصورة مكتملة تحقق التوازن المطلوب وتجلي الحقيقة دون لبس ولا غبش، فمرحبا بضيوفنا الكرام في هذا اللقاء.

الرئيس السالك ولد سيد محمود: بداية أشكركم على إتاحتكم لي هذه الفرصة وأفضل أن أكون علميا وبالتالي صعب علي إطلاق الأحكام لا سلبا وإيجابا إلا إذا كانت معللة ومبررة.

 وبالنسبة لي في غياب معطيات علمية دقيقة ومراكز بحث دقيقة، يبقى المعول عليه هو التجربة الشخصية وهي الخلطة مع المجتمع ومع السياسيين، ومع الشارع ومع كل مصادر المعلومات، ونحن للأسف، وربما كان ذلك خيرا تاريخنا شفهي أو شفوي كما يقول أهل اللغة.

 وبالتالي معلوماتنا تستقى من وسائل الاستطلاع والاستقراء التاريخي، ومنهجنا في سرد التاريخ غالبا ما نرجع فيه إلى معطيات قد لا تكون موثقة توثيقا مكتوبا وعلميا،  ولكنها تعكس صورة من الحقيقة إن لم تعكس الحقيقة كلها.

 والحالة العادية في مثل هذه الأمور أن تكون هناك دراسات موثقة ومواقع تعطي معلومات علمية دقيقة، مثلا نسبة النمو في هذا الفصل أو نسبة النمو في هذه السنة أو نسبة النمو في السنة الموالية والاستطلاعات الإحصائية، أما القول إن الأمور جيدة فهو أمر سهل  وكذلك القول إن الأمور سيئة سهل هو الآخر، لكن الفيصل والحكم ينبغي أن يكون مجال دراسات علمية موثقة، وللأسف ما يوجد عندنا من توثيق تغيب فيه العلمية وتطبعه الدعاية والأرقام المصطنعة  إن وجدت،  وإن لم توجد فتبقى القضية قضية من هو الأقدر على إقناع الرأي العام برأيه فيصبح حقيقة متداولة. ولذلك في غياب الدراسات وشعور النظام بهذه المسألة أغدق الكثير من المقالات وكثيرا من المقابلات، وكثيرا من التضليل والدعاية الإعلامية حتى يغزو أذهان الناس فيجعلهم يقتنعون بما يجافي الحقيقة وكأنه مسلمات وحقائق.

 وبالنظر إلى ما قلته وبالنظر إلى متابعتي للشأن السياسي وبالنظر لمتابعتي للأوضاع العامة في البلد أعتقد أن الوضعية ليست على ما يرام، ولا يمكن القول إنها مستقرة بل  في تقديري  لو أنها كانت  مستقرة  لكان الأمر أدعى للتفاؤل. لكنها للأسف ليست في وضعية استقرار بل إنها في تراجع في كثير من المجالات.

فإذا نظرنا إلى الوضعية الاقتصادية رغم استفادة النظام من مجموعة من الفرص التي ما أوجفت عليها الحكومة  من خيل ولا ركاب، ولكنها منحة من الله سبحانه وتعالى، وهي تقلبات الأسعار العالمية وارتفاع سعر الحديد  الذي وصل ما يقارب 200 دولار، بفعل عوامل خارجية لا ناقة للحكومة فيها ولا جمل، ومن يلم بالاقتصاد الموريتاني يعرف مكانة صادرات الحديد  في عائدات البلد،  مما يعطي الدولة  الكثير من الموارد يمكن أن تستغلها  - لو أرادت-   أحسن استغلال.

وكان  "كوفيد" منحة في ثوب محنة ووجدت الدولة  ثلاث فرص  بسببه الأولى منها أن الممولين أعطوا لموريتانيا ومثلها من الدول فرصة تأجيل دفع المستحقات من الديون أو فوائد الديون، وكان كاهل الدولة مثقلا بأرصدة تدفع  في الآجال للممولين،  جراء الديون التي بلغت 4 مليارات من الدولار فأعفيت من دفع تلك الدفوعات، وثانيهما أن جائحة كوفيد19 أدت إلى تعاون اجتماعي بموجبه  استفاد الصندوق المخصص  لدعم آثار كوفيد19 بعشرات المليارات، وتتصرف الحكومة فيه كما تشاء  دون رقابة، و حتى إن  الهيئة التي أنشئت لتسييره  كان الآمر فيها  وزير المالية ومساعده  نائب  رئيس الحزب الحاكم وكلها تشكيلة من الموالاة  ليس للمعارضة فيها أي دور، ولا شك أنهم وجهوا كثيرا من مصروفاته  إلى مجالات اجتماعية أخرى، أو إلى مجالات تخدم برامج الحكومة وثالث الفرص  أنه كان مدعاة لتراخي النضال والاحتجاجات ضد الحكومة في فترات معينة بحجة عدم السماح بالتجمعات، وأنه في مرحلة الجائحة لا ينبغي الإكثار والإلحاح في المطالب.

 وفي المجال الاقتصادي ما يزال الموريتاني يدفع أسعار المحروقات أضعافا مضاعفة  على السعر الطبيعي، وتتذكرون أن الموريتانيين يشترون حاليا المحروقات بأسعارها قبل سبع أو ثمان سنوات في الأسواق العالمية، وبالتالي تستفيد الخزينة العامة من  حدود 50 مليار أوقية من جيوب المواطنين العاديين فمن يشتري 100 لتر من المحروقات يدفع من جيبه 20000 أوقية  للدولة، هذا دون أن أتكلم عن الضرائب الأصلية  التي كانت توضع على المحروقات، وأمام هذه الوضعية نجد أن الوضع الاقتصادي في تدهور وأن سعر العملة انتقل من حدود 400 أوقية لليورو إلى حدود 430 أوقية وتدهور قيمة العملة مستمر، والبطالة على أشدها فلا نرى تراجعا يذكر في أعداد الخريجين ،ولا نرى أي تحسن في القوة الشرائية حيث ما يزال جمود الرواتب كما هو فما قيم به حقيقة مهمل، زيادة محدودة في الراتب الأصلي للمتقاعدين، وما سوى ذلك فهي أمور جزئية وبعيدة أن تكون شاملة إذا ما قيس بالزيادات التي سبق أن حصلت  حيث إن العشرية الماضية  شهدت واقعيا  زيادات معتبرة ،أحيانا تزيد على 50% من عموم الراتب إذن ما حصل  في مجال القوة الشرائية ضئيل ولا يمكن أن يساوي شيئا إذا ما قيس بما يسمى بالتضخم، لأن الأسعار مرتفعة ارتفاعا جنونيا، ويتكلم  بعض الناس فيقول إن سبب هذه الارتفاع يعود إلى أسباب خارجية ودولية، ولا دخل للحكومة فيه وهذا صحيح نسبيا ولكن الغريب أن الحكومة عندما يرتفع سعر الحديد وترتفع المداخيل  تغالط الرأي العام، كما لو كان لها دور في هذا الارتفاع  ولكن عندما  ترتفع  الأسعار تقول هذا عامل خارجي لا دخل لنا في هذا .

والحكومة دورها  أن تتدخل لمواجهة الصدمات الخارجية والداخلية إذا كانت لها  تأثيرات سلبية على الاقتصاد ،خاصة الاقتصادات الهشة كالاقتصاد الموريتاني الذي  يتأثر بالصدمات الداخلية والخارجية، والصدمة هي الشيء غير المتوقع الذي يمكن أن يؤثر على المداخيل أو القوة الشرائية للفرد أو على الإنتاج أو على أي من المعطيات الاقتصادية ، فإذا حصل جفاف فهذه صدمة  داخلية وإذا حصلت ندرة في مادة ما في السوق الدولية فهذه صدمة خارجية، وإذا وقعت حرب تأثر بها إنتاج مادة ما فهذه صدمة خارجية ،كذلك والدول الهشة ليست  في منأى عن هذه الصدمات. ودور حكوماتها هو التدخل فماذا قامت به حكومة موريتانيا هل فكرت في أن السعر العالمي للمواد الغذائية سيرتفع وبالتالي  ينبغي أن تعفي  المواد الغذائية من الجمركة ،هل يجب علينا  دعم المواد وفي كثير من الدول تدعم هذه المواد حتى يكون السعر في متناول المواطن ؟ هل يجب أن نعيد تأسيس الشركة الوطنية للإيراد والتصدير حتى نتحكم في السوق وحتى تباع الأسعار بسعر مخفض نسبيا  وتتولى الحكومة الخسارة ،كما هو الحال بالنسبة لدور شركة سونمكس سابقا أو على الأقل تنافس التجار حتى يستقر السوق؟ هل من المناسب توجيه مداخيل كوفيد  لشراء مواد غذائية فنحتفظ بها قبل ارتفاع الأسعار حتى إذا ارتفعت  الأسعار كنا قد أخذنا "تحسباتنا"؟ وهل ينبغي أن نسرع من إجراءات تفريغ البواخر حتى لا يحصل ما يحصل من ندرة بسبب أن باخرة  ما لا تجد فرصة للرسو على الشاطئ والتفريغ فتتجاوزنا إلى ميناء آخر ثم تعود إلينا؟ إلى غير ذلك.

بمعنى أني لا أجد ولا ألمس أي تدخل من أجل مواجهة الوضع الخارجي ،أو إذا قيم  بشيء من ذلك لم يؤت أكله. ولدينا فرصة في مجالين غذائيين هما الصيد والزراعة ولدينا فرصة في زيادة الإنتاج الداخلي من الزراعة ،وبالتالي لا أحد يستطيع أن يقول إن هناك معطيات جيدة في زيادة  الإنتاج من الأرز أو القمح أو حتى من الخضروات والألبان ومنتجاتها  ،وكل هذا يتأثر بالسعر الخارجي ، فلو أنه أنتج محليا بسياسة جيدة ـ ونحن مضت علينا سنتان من هذا الوباء ـ لكنا نستطيع أن نزيد من إنتاجنا أضعافا مضاعفة ولأثر ذلك على الأسعار ولكان للحكومة دور في إنقاذ المواطنين وإسعافهم ومساعداتهم بوجود مواد في متناولهم.

وإذا كانت هناك سياسات زراعية فهي سياسات فاشلة فيما يبدو فالمحاصيل الزراعية إما أن تتأثر بالطيور أو غيرها من الآفات ، والمنتجات الحيوانية سمعنا لها جعجعة  ولم نر طحينا فلم نر ألبانا جديدة أو مصانع جديدة للألبان ،و ليس هناك إنتاج للألبان زاد عن الحاجة فما يزال المواطنون يأتون إلى الحوانيت فلا يجدون حاجتهم من الألبان المحلية  ،وما زلنا في نفس المستوى الذي كنا فيه  قبل سنوات ، ومن الناحية الاقتصادية  ليست هناك ورشات كبيرة وليست هناك مصانع ،وليس هناك ما يمكن أن يتحدث عنه كإنجازات اقتصادية  كبرى ،وهذا ما يكذب الدعاية التي نسمعها من وقت لآخر.

من الناحية السياسية فالتفكير السياسي العادي أن أي نظام ليست لديه وسائل اقتصادية يمكن أن يحسن من خلالها الأوضاع يتجه إلى السياسة حتى يقوم بإجراءات سياسية كبيرة يمكن من الناحية التدبيرية على الأقل، حتى لا أقول التآمرية  أن تلهو الناس بها وتسلو عن همومها الاقتصادية ولا شيء من هذا تحقق.

ويتكلم  بعض الناس عن لقاءات بين الرئيس ومجموعة من الزعامات السياسية وأنها نزعت فتيل التوتر ، والحالة العادية أن الزعامات السياسية  منها  من يتحلى بالنزاهة لا يقيم للعواطف وزنا ، لعداوة بينه وبين رئيس أو نظام والإشكال ليس في التعامل ولا في أريحية التعامل ، ونحن نرحب بالسلوك الحميد لأي شخص ولكننا نريد الفعل الحميد، نريد الإنجاز الحميد ، نريد  أن نرى شيئا أكثر من مجرد لقاءات مجاملة ، ولأني أعتقد أن  السياسيين الذين التقوا بالرئيس يحملون أفكارا وتوجهات ونصائح فلم نلمس شيئا  ترتب على هذه اللقاءات.

وما تزال وسائل الإعلام هي نفس وسائل الإعلام من قبل، التطبيل والتصفيق للحاكم اعتدناها "شنشنة نعرفها من أخزم".

في السنة والنصف التي قضاها المرحوم سيدي بن الشيخ عبد الله في السلطة رغم أنها لم تكن مثالية نجد الترخيص لبعض الأحزاب والجمعيات ،وسن قوانين تتعلق بالعبودية و محاولة لحل الإرث الإنساني ومحاولة لتحريك المياه الراكدة. واليوم بعد مضي سنتين لم نجد تشريعا لحزب سياسي واحد أو جمعيات ولا نجد نقاشا جديا مثمرا لقضايا مهمة ذات بال ، مضت سنتان دون أي عمل سياسي ذي بال، ففي مرحلة سيدي حصل انفتاح على طيف من المعارضة ومحاولة إشراكه وحصل إصلاح إداري، بموجبه تكون التعيينات فيما دون المديرين العامين تأتي عبر ملفات وسير ذاتية  بصورة انسيابية ليس فيها تدخل نظريا،  والآن ليس هناك إصلاح إداري ونرى التعيينات كلها محسوبية ترجعنا إلى الماضي بطريقة لا تدعو إلى الشفافية ولا تبعث على التفاؤل  بالعدل في التعيينات، والقطاعات الأساسية الخدمية كالتعليم والصحة وغيرها، حالها كما هو.

والإدارة الآن أضعف ما تكون وتتفشى فيها الزبونية والمحسوبية بشكل كبير والمسؤولون يفعلون ما يشاءون لا رقيب عليهم اليوم.

إذا تحدثنا عن الفساد فحدث ولا حرج والآن أتيح للمفسدين بصفة رسمية التعامل في صفقات التراضي إلى سقف وصل إلى حدود 400 مليون أوقية ، في حين كان يسمح بسقف محدود بحدود مليون أوقية ،إذن هذا نوع من شرعنة الفساد أما محاربته فلم أر أي اهتمام بها من لدن السلطة الحالية. وكأن المفسدين أقنعوه بأنه ما دامت عندنا موارد  وأرصدة لم تصرف فمعنى ذلك أن الإدارة مكبلة ومقيدة بإجراءات الشفافية ،وبالتالي ينبغي أن نتجاوز إجراءات الشفافية حتى تكون هناك حركية للاقتصاد ،ويكون هناك صرف للموارد وكأني بهم أقنعوه بهذا وبالتالي أطلق لهم اليد وكأن الفساد وتحريك الاقتصاد أمران مرتبطان ، وأما تدوير المفسدين والدفاع عن هذا الخيار فهو أمر مستغرب كما لاحظنا في مقابلات الرئيس الأخيرة ويقول إن  هؤلاء 80%   من الشعب هذا حالهم ،  والرؤساء والحكومات دورهم تغيير الواقع وليس مجاراته، ثم من أين له هذا الرقم والموريتانيون النزهاء كثر ومريدو الإصلاح لا شك أكثر من مريدي الفساد، لكن من لم يبحث عنهم ويسعى إليهم لن  يصل إليهم ، لأنهم في الواقع  مطمورون بطبقة من المفسدين تتعاقب على دفة الحكم ولا تريد إلا أن يظل الفساد هو نهج الحكم وأن يظل أمرا لا مفر منه ،ولا سبيل إلى تجاوزه وهذه القضية محيرة جدا لمن يأتي بعد نظام ولد عبد العزيز، ويعتبر أن التعامل مع الفساد يقتصر فقط على محاكمة شكلية ،أو على ملف آخر لم يتضح بعد التعامل معه ،كملف تحقيق اللجنة البرلمانية وما سوى ذلك من الفساد فاليد مطلقة له.

وفي تقديري أن الفساد اليوم وما يصلنا من معلومات عنه أنه ممارسة يومية  للحكومة سواء كان  فسادا مدنيا أو فساد عسكريا ،ويؤسفني أن المدنيين لا يتكلمون عن الفساد العسكري ،وأقول لكم إن ميزانية الدولة أكثر من نصفها يوجه إلى القطاعات الأمنية والعسكرية ،وفي الواقع أثرى الناس اليوم هم قادة الجيش السابقون والحاليون ،والكثير من الناس يلومنا  إذا تكلمنا عن الجيش والجيش نحترمه ونقدره ونجعله على الرأس والعين، في إطار مهمته الشريفة والنبيلة في الدفاع عن الثغور، ولكن فيه فساد كغيره من المؤسسات، وأغنى الناس اليوم هم قادة الجيش السابقون، وقادة المؤسسة الأمنية وقرابة نصف الميزانية يذهب إلى هذه المؤسسات.

ومحكمة الحسابات عندما تجرم مفسدين تصبح تقاريرها من الترف الفكري الذي لا يترتب عليه شيء ،وهي ليست مفتشية فالمفتشية تتبع الجهاز التنفيذي ويمكن أن تعتبر تقاريرها غير دقيقة، أما محكمة الحسابات فهي محكمة وينبغي أن تحترم وعندما تنشر تقاريرها ولا يترتب عليها شيء فهي رسالة تقول سواء حكمت عليكم المحكمة أم لم تحكم لا يهم ،إذن فالفساد ليس جريمة، بل حتى ليس جريمة سياسية ، ويمكن أن تعتبره جريمة جنائية  فتضع صاحبه في اللسجن وترغمه على  رد  الأموال التي أخذ ،أو على الأقل تعتبره جريمة سياسية فتبعده عن محيطك السياسي

 ومن مجال تعييناتك، والآن تجد من تطالهم أحكام الفساد كأن النظام لا يتحسس من وجودهم إلى جانبه ويعتبرهم مفخرته السياسية.

وأعود إلى المجال السياسي فأقول إن  العمل الذي تقوم به الحكومة الآن بدلا من الاستناد إلى الشفافية وإلى إصلاحات سياسية كبيرة ، وإلى حوارات وطنية تحاول أن توحد الموريتانيين على كلمة سواء ،وتجذر الديمقراطية وتجنب الانزلاق وتذيب الفروق وتقوي اللحمة الاجتماعية ،ونلاحظ أنه ما أشبه الليلة بالبارحة  فالأسلوب الحكومي هو نفس الأسلوب ، فالحكومة تابعة للأجهزة الأمنية وبالنسبة للسياسات الأمنية فهي أن تعمد إلى كل تشيكلة سياسية فتحاول أن تفرقها  من خلال الاعتماد على بعض المقربين وتعطيهم  بعض المعنويات و الفرص، وتعمد إلى أقل المعارضة شأنا فتدفعه لأن يكون قوة معتبرة ونتعامل معه على حساب الواقع ، ففي داخل الحزب الواحد نصنع واقعا وفي الساحة نصنع واقعا من أجل أن نجد من يدعم السياسات الحكومية والخيارات الحكومية على حساب الشأن العام والمعارضة، وهذا  ما نلاحظه اليوم وهذا النهج سائد من مرحلة الستينات إلى اليوم، وحوارات التسعينات والألفين مع ولد الطائع  ،ومرحلة ولد عبد العزيز ولا أريد الخوض في تلك الأمور فالكل يعرفها ، ثم ما يشاع اليوم من تشاور ، و لكن السقف أصبح واطئا جدا   ففي الماضي لم تكن الحكومة تتحرج من كلمة حوار، ولم تكن تقول إنها لا تدخل في حوارات لأن الحوار يعني الشعور بوجود  أزمة ،فكانت تدخل مع (المعارضة) التي انتقتها واختارتها تحت عنوان الحوار،  أما اليوم فقالوا بل  نختار من كل حزب  ومن المعارضة ما يناسبنا ،وسقف كل هذا ليس حوارا وإنما هو تشاور.

 

 ولا شك أن الفرق كبير بين التشاور والحوار ،فالحوار مصطلح سياسي يشير إلى نوعية من الندية ،أما التشاور فمن في الأعلى يشير عليه من هو في الأسفل  فإذا أشار بأمر فإن اقتنعت به طبقة وإلا فهو تشاور، وهذا المستوى هو الذي نصله  ـ في ظل دولة الانفتاح وفي ظل رئيس كذا وكذا ـ وننزل من الدرج عدة درجات  من الحوار الذي تجلس فيه الأطراف على طاولة متساوية ،إلى تشاور من الأعلى إلى الأسفل ينظر فيه إلى بعض الأطراف  على أنهم مجرد أفراد يقدمون آراءهم لسلطة عليا تطبق منها ما شاءت وتترك منها شاءت.

وعلى الصعيد الاجتماعي أعتقد أيضا أنه لا يوجد شيء وما تزال وضعية التجاذ ب الاجتماعي على حالها ،لم يقم بحوار مقنع حول الوحدة الوطنية و ما تزال الأطراف التي لها جدة على الحكومة وعلى أوضاعها التاريخية تشعر بالغبن وتشعر ببعض المظلومية في نفس المستوى، وما تزال اللحمة ضعيفة بين المجتمع، وفي مجال الجريمة حدث ولا حرج وأعتقد أن السنتين طبعهما الكثير من الخوف وغياب الأمان.

وبالنسبة للإدارة في تقديري هي إدارة عاجزة تماما ،وأن عنصر المتابعة من السلطة المركزية غائب ، أما المجالات الخدمية الأخرى ففي مجال الصحة من يأتي إلى المشافي يجد صعوبة في إيجاد أي خدمة أساسية ،والكلام عن التأمين الصحي هو للاستهلاك ،فأنت إذا كنت مؤمنا  فعندما تريد إجراء فحص على سبيل المثال فكثير من الفحوصات لا تجرى في المستشفيات ،كذلك بالنسبة للأدوية لا تباع في المستشفيات منها إلا 10% وفي تقديري أنه دعاية إعلامية أكثر منه حقيقة.

وإذا أتينا إلى التعليم نجد أن قطاعه في وضع سيء جدا ، فالمسابقات تجرى في ظروف غير جيدة ،وكثيرا ما تسرب وقد سربت عدة مرات في هذه المأمورية، والحديث عن تسريب كل مسابقة قبل إجرائها بيوم أو يومين صار أمرا رتيبا. ووضعية المدرسين ووضعية البنى التحية للتعليم  وضعية يرثى لها  وإضرابات المعلمين والأساتذة  شاهد على ذلك.

وإذا أتينا إلى وضعية الحريات وسبق أن تكلمت في مجال السياسة نلاحظ أيضا القمع الشديد للطلاب وسكان تيفيرت. والقمع الذي كان عنوان المراحل السابقة ولكن  بسبب وضعية كوفيد فالناس وتيرة  تصعيدها أو تظاهرها  تناقصت، أوأقلت ولكن في الفرص التي أتيح لها فيها التظاهر وجدت نصيبها من القمع غير منقوص.

إذن فلا أنا أجد مجالا في هذه المرحلة يمكن أن أنظر إلى تحسن فيه، ولا أنا أجد أفقا إيجابيا يمكن أن أعتبر أن البلاد تسير إليه، والبلد إلى حد كبير فاقد للبوصلة. وأوضاعه في تدهور مستمر بشكل عام ، ويتكلم بعض الناس عن بعض البنى والإنجازات ولست من أولئك الذين يستغفلون الناس وينسبون كل خير للحكومات، ويعتبرون أن إنجاز بعض البنى التحتية دليل على نجاعة تلك الحكومات، فبودي أن يترفع الناس عن هذا المستوى ،وأن يكون النقاش حول الأهداف الكبرى لأنه في العالم المتحضر المنجزات أشياء تبرمج في الكومبيوترات فلا تجد حكومة تقدم برنامجها على أساس إنشاء طرق أو مستشفيات أو بنى تحتية ولكن تجدها تناقش السياسة الخارجية أو سياسات الهجرة ، لأن هذه الأمور البدهية، لأن ما يقام به من إنجازات يتم عبر أربعة مصادر للتمويلات واحد منها هو الذي يمكن أن تجعله في حساب الحكومة  وأولى هذه المصادر أن تقرر دولة ما إنشاء منشآت أو مستشفيات في إطار سياساتها الخارجية ،فتنال الحكومة المورتيانية حظها منه كمستشفى الصداقة أو مستشفى الشيخ زايد أو غيرهما، وهذا لا دور فيه للحكومة لأنه قرار خارجي، وثاني المصادر  البرامج الأممية وهي أن العالم إذا قرر محاربة مرض ما أو ظاهرة ما لا يمكن أن يقوم به في الدول الكبرى دون بقية الدول لأن المرض سيتفشى المرض لترابط العالم ،فتنال موريتانيا نصيبها من هذه البرامج بغض النظر عمن يحكمها ،فيقوم بعض الناس بالتطبيل على أساس أن الحكومة أنجزت شيئا.

وهناك صناديق وبنوك تساهم فيها موريتانيا وتقدم تلك الصناديق تمويلات للأفراد المساهمين فيها، فتنال جزءا يسيرا ،وأحيانا تكون معفية من السداد لفترة معينة فتنال موريتانيا نصيبها كغيرها من بقية الدول ،ويوصف هذا وكأنه إنجاز للحكومة وهو أمر اعتيادي، وهناك شعور من بعض الخيرين في العالم الغربي أن العالم الغربي أثرى على حساب العالم الثالث جراء نهب الثروات التي أخذت في الفترة الاستعمارية ،وأنه سوق استهلاكية للمنتجات الغربية فبالتالي إذا أعطت أموالا للعالم الثالث فسيشترون بها منك، وهذا ما يسمى بحوار الجنوب شمال ،وكما قال الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا متيران :"إن أي فرانك تعطيه فرنسا مساعدة يعود لها بسبعة أفرانكات"، وبالتالي فمشاريع الاتحاد الأوربي وغيرها هي في إطار  هذا الاهتمام الغربي بغض النظر عمن يحكم موريتانيا، وبقي إطار واحد للإنجازات وهو الذي يتم عن طريق الميزانية الموريتانية ،لأنه من الطبيعي لأي حكومة تستلم مداخيل كبيرة لا بد لها في المقابل أن تبرر الصرف من خلال بعض المشاريع، وينبغي أن ينظر إلى المنجزات التي تتم عبر ميزانية الدولة الموريتانية ليس إلى المنجز نفسه وإنما إلى  أولويته ، و هل قام الرئيس بمحاباة جهة معينة أم لا؟ وهل كانت معايير الجودة عالية أو رديئة ؟ و من حيث السرعة في الإنجاز وأي مشروع يتأخر تخسر الدولة الفائدة المرجوة منه ؟ وهل  الصفقات كانت شفافة أم كانت صفقات تراض وهل حصلت مناقصات طبيعية؟ وبدلا من التركيز عليها يطبل فقط من أجل المنجز بحد ذاته وهذا خطأ بين لدى المثقفين معارضة وموالاة، أو (معارضة جديدة)، وبدلا من توعية الناس على واجباتهم وحقوقهم فهم ينظرون إلى الأمور نظرة تبسيطية أساسها التصفيق والتزلف ،بدلا من توعية الناس بهذه الحقائق من أن ما يقام به من إنجازات أحيانا لا يكون من ميزانيات الدول ،وهو مقرر من دول أخرى أو هو طبيعي ممول من قبل بنوك تساهم فيها الدولة الموريتانية كما تساهم مختلف الدول، أو أن يكون ما تقوم به الدولة من منجزات أحيانا لا يكون موضعيا والدافع إليه قد يكون الفساد، لأن الإنجازات إذا لم تكن ضمن رقابة تنظر إلى المعايير الأربعة التي تكلمت عنها سابقا ،وهي معايير الأولوية والشفافية والجودة والإنجاز في الوقت ،فتكون وسيلة للفساد فقط لأن الحكومات إذا لم تقم ببنى تحتية لا سبيل لها لأخذ المال العام، إلا ادعت أن الخزينة سرقت ليلا. ووسيلتها إلى ممارسة الفساد هي البنى التحتية ولذلك نرى الكثير من البنى التحتية الهدف الأكبر  منه  هو الفساد وبصفقات تراض  ليست شفافة ،وتنجز في  وقت طويل وفي هذه الوضعية نلاحظ أن رجال الأعمال لديهم قرون استشعار فإذا رأوا أن تمويلات الدولة تتجه إلى الزراعة رأيتهم  مزارعين، وإذا رأوا أن التمويلات تتجه إلى الصيد رأيتهم كلهم صيادين ،أو إلى المقاولات رأيتهم كلهم مقاولين، وينبغي أن نستوعب هذا نحن السياسيين، لأن دورنا هو توعية المواطنين وأنه ما لم يكن هناك رأي عام واع ومستوعب لما يجري في الدولة وتصعب مغالطته ،فسنظل نرى في كل مرة التصفيق وتأليه الحاكم وتضخيم المنجزات، ثم إذا ذهب إذا بالواقع شيء آخر وهذا ما نلاحظه وندركه للأسف، و يقال لنا أنتم  دائما طبيعتكم المعارضة. فلماذا لا يقال لهم أنتم لا تستفيدون من أخطائكم ولماذا  وزير الأمس هو وزير اليوم وسفير الأمس هو سفير اليوم ،والناطق باسم الحزب هو نفس الناطق ؟ ولماذا نبقى نلعن الماضي الذي كنا سدنته بالأمس أليس هذا أدعى للتساؤل ممن حافظ على موقفه لأنه رأى أن الواقع نفسه يتكرر من سنة إلى أخرى ومن نظام إلى آخر!