القيادي الإسلامي محمد الحبيب للفكر: المخرجات السيئة للتعليم تقوض كل إصلاح (مقابلة)

حرصا منا في موقع الفكر على الاستفادة والإفادة ،وسعيا إلى نقل التجارب في كل ميدان، ووضعها بين أيدي المهتمين قصد الاستنارة بها، وترسم خطاها، لتجويد العمل وتحقيق الغرض، والتكامل بين السابق واللاحق، نستضيف لكم اليوم وجها إعلا ميا رائدا ،وشخصية ثقافية وأدبية لها حضورها القوي في الساحة الوطنية، و مرجعية تربوية لها تجربة ثرية متعددة ومتنوعة، وقد تناول اللقاء واقع الاعلام وسبل إصلاحه وتطويره، وموضوع التعليم وكيف نعالج الخلل الحاصل في منظومتنا التعليمية، ونرفع من أداء مقرراتنا حتى تحقق النتيجة المرجوة، شملت المقابلة كذلك واقع المشهد السياسي، ورأيه في اللجنة البرلمانية التي تو لت التحقيق فيما بات يعرف بفساد العشرية ، وفي المقابلة موضوعات أخرى نترك لكم متابعتها..

موقع الفكر: نود منكم  أن تعرفوا  المشاهد بشخصكم الكريم من حيث تاريخ ومحل الميلاد و الدراسة والشهادات التي حصلتم عليها والوظائف التي تقلدتم؟

الأستاذ محمد الحبيب أحمد: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اسمي الكامل محمد الحبيب ولد أحمد ولد منّ، أنتمي إلى مجموعة "أولاد ديمان" وأنحدر من منطقة "المذرذرة"، بدأت ممارسة الإعلام في وقت مبكر من حياتي من خلال إذاعة موريتانيا، والتحقت -ولله الحمد- بركب الدعوة مع بداية الصحوة في منتصف أو نهاية السبعينات، وكانت تلك الفترة -ولله الحمد- فترة صحوة في العالم ووصلت إلى موريتانيا، وأذكر أنني كنت مع مجموعة من الأساتذة الأفاضل والدعاة الكبار الذين كان لهم الفضل في تأسيس العمل الإسلامي، مثل الشيخ محمد فاضل محمد الأمين والأستاذ الحسن مولاي اعلي - الذي كنت أعمل معه بالإذاعة منتج برامج وهو مدير حينها - والأستاذ محمد علي ولد زين رحمه الله، ثم جمعتنا بعد ذلك الجمعية الثقافية الإسلامية التي تأسست عام 1980 م. وكانت في الحقيقة هي الوعاء والرافد الأكبر للصحوة، وكانت أكبر هيئة دعوية، وكلما جاء بعدها إنما هو من آثار عملها أو فروع لها، كل الوجوه المعروفة الآن في الساحة الإسلامية ممن يحملون هذا المشروع كانوا في يوم من الأيام من أبناء هذه الجمعية في ملحقاتها وفروعها ومكوناتها، وأذكر منهم الأستاذ محمد جميل منصور والأستاذ سيدي محمد محم، والأستاذ حبيب ولد حمديت والأستاذ والعمدة الحسن محمد، والأستاذ السالك ولد سيدي محمود والشيخ محمد ولد سيدي يحيى..

جنود أخفياء 

 تلك الوجوه التي تخدم جميعا الآن المشروع الإسلامي في جبهات مختلفة كانت منضوية يوما ما، في فروع الجمعية أو النوادي التابعة لها كنادي مصعب ابن عمير أو نادي عائشة بالنسبة للقطاع النسوي، وبهذه المناسبة لابد أن أذكر بفخر واعتزاز وتقدير بعض من غادروا دنيانا ممن كان لهم السبق في تأسيس هذا العمل وخدمته من أمثال محمدي ولد خير الذي توفي سنة 1986م. رحمه الله وكان من المؤسسين لهذا العمل وإن لم يكن من رجال المنابر والمحاضرات، كذلك الأستاذ سيدي محمد ولد أسيساح الذي توفي قبل أشهر رحمه الله، وكان ممن واكبوا هذا العمل منذ بدايته وكان من مؤسسيه وكان دائما في الطليعة، سواء على مستوى الحركة أو على مستوى الجمعية الثقافية الإسلامية، كما أذكر أيضا الأستاذ عبدالعزيز سي رحمه الله، فقد كان أمة، وشارك في هذا العمل منذ بداياته بمستويات مختلفة، وغير هؤلاء كثير..

ولابد أن أذكر بعض من لا يعرفهم الكثير من الناس وكان لهم الدور البارز في خدمة العمل الإسلامي في بدايات نشأته، مثل رجل يسمى لمرابط ولد الإمام رحمه الله الذي كان موظفا في المكتبة الوطنية بدار الثقافة وكان ممن واكبوا بدايات هذا العمل، وله دور كبير في نشر الفكرة الإسلامية ونشر الكتاب والشريط الإسلامي، وكذلك استقطاب الشباب مع أنه لم يكن له أي ظهور لا في الجمعية الثقافية ولا في غيرها من هيئات هذا العمل قبل أن يتوفى في وسط التسعينات، وكذلك الطبيب محمد فال ولد محمد البوصادي، الذي كان له هو الآخر دور كبير وكذلك عمدة "لفطح" محمد ولد أحمد ولد سيدي محمود الذي أبلى هو الآخر بلاء حسنا في جبهة لعصابة، منذ أن كان في تلميذا بالثانوية الوطنية ثم طالبا بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية من بعد.

 وهناك شخصيات أخرى  كانت لها أياد بيضاء في كل منجز من منجزات العمل الإسلامي والصحوي في هذه المرحلة، وأذكر من أولئك أحمد ولد عبدالله رحمة الله عليه، الذي كان له دور كبير في تأسيس الجمعية الثقافية والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وكان يمتاز بالقوة والشجاعة - رغم موقعه الرسمي السامي في الدولة ورغم أنه لم يكن على علاقة مباشرة بالتنظيم - وكان له يد في كل عمل خيري ودعوي بقوة وفعالية وطالما وقف مع قضايا الإسلام ضد الحركات التنصيرية والماسونية بقوة وحسم، ولم تشغله المناصب عن الوفاء لدينه وخدمته، والدعوة إليه. نسأل الله أن يتقبله في الصالحين، من الشخصيات كذلك التي ينبغي ذكرها في هذا الصدد - ونحن في حديث عن مرحلة التأسيس - الأستاذ والمفتش محمد محمود ولد احمياده أطال الله بقاءه في طاعته، هذا الرجل أيضا لم يكن له علاقة بالتنظيم والحركة بيد أنه كان مثل الأستاذ أحمد ولد عبدالله تماما في تقلده لمناصب سامية في عدة قطاعات من الدولة وكان يخدم الإسلام بجرأة واعتزاز وقوة أينما كان، وكان من وراء إدخال مادة الحضارة الإسلامية في التعليم العالي أيام كان أمينا عاما لوزارة التعليم العالي، وله مواقف مشهودة خاصة في المجال التربوي والتعليمي.

 هذه فقط نماذج والذين ذكرتهم ممن توفاهم الله وعرفناهم على هذا الدرب منذ مرحلة التأسيس أكثر مما ذكرت والله يعلمهم جميعا نسأله أن يتقبل منهم، والذين أيضا ما زالوا على قيد الحياة وكان لهم دور في مؤازرة هذا المسار أكثر مما ذكرت ولكن ذكرت منهم فقط هذه النماذج،.

إذن أقول إن التحاقي المبكر بالإعلام كان سببا في انتمائي للحركة الاسلامية التي اكتشفتها بفضل الله قبل أن أضيع كغيري من الشباب الذين أثر عليهم المد اليساري وأصحاب الميوعة والانحلال؛ لأن أغلبهم في العادة قادم من الأوساط الريفية مثلي وينصدمون بوجودهم في المدينة، ويبهرهم بهرجها وزخرفها، فغالبا ما تتلقفهم التيارات العلمانية سواء كانت يسارية أو قومية، وتوقعهم في مستنقعات الفساد والانحلال، فالله سبحانه وتعالى يسر لي بفضله ومنه الالتحاق بتيار الصحوة في بداية دخولي للمدينة، وكان هذا من العوامل التي جعلتني أواكب هذا المسار في بداياته.

شهادة أعتز بها 

أما عن الجانب الدراسي لدي فهو جانب متواضع جدا فدراستي المحظرية كانت محدودة وكذلك دراستي المدرسية، وحصلت على شهادة المعهد العالي الذي دخلته كمترشح حر؛ لأنني لم أنسجم مع المراحل التعليمية وهذا له سلبياته وإيجابياته فمن إيجابياته أنه اختزل لي مرحلة من الزمن ومن سلبياته أن صاحبه ليس صاحب مسار تعليمي متواصل، ففي سنة 1979 تم الإعلان عن افتتاح المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية والتحقت به ودرست فيه 4 سنوات وفي نفس الفترة تم إنشاء الجمعية الثقافية الإسلامية والتحقت بها جنبا إلى جنب مع الدراسة في المعهد العالي، وكانت اهتماماتي في الإعلام تخدم الدعوة ولله الحمد، أذكر أنني كنت أشرف على بعض البرامج التوجيهية، وكان لها طابع أخلاقي وإسلامي ومن تلك البرامج التي كنت أتولى إعدادها برنامج "أصداء العالم الإسلامي" الذي كان يصدر عن مكتب رابطة العالم الإسلامي وكان له جمهور عريض وأثر كبير في الصحوة الإسلامية؛ لأنه عاصر أحداثا كبيرة كانت مادة  إعلامية له مثل الغزو الروسي لأفغانستان، وكذلك نشاط المؤسسات الإسلامية في دول العالم، ويمكن القول إنه من عوامل الصحوة الإسلامية المعاصرة الانفراج الذي وقع في مصر حين أطلق سراح معتقلي الإخوان، وبهذه المناسبة أسجل هنا شهادة أعتز بها وأدخرها عند الله عز وجل، أنه ما من راية مرفوعة للإسلام اليوم في هذا العصر أو في العقود التالية إلا من ورائها الإخوان أو للإخوان دور فيها، وهي فرصة لأسجل بكل وفاء وصدق اعتزازي وافتخاري بالانتماء للخط الفكري والمشروع الحضاري للمدرسة التربوية التي تسمى "الإخوان المسلمين". وأعتبر أنها هي التي تقف وراء هذه الصحوة التي تجتاح العالم ولله الحمد، وسينتصر هذا المشروع إن شاء الله رغم النكبات التي تعيشها الأمة ورغم تنكر الأقرباء وشماتة الأعداء، وسيندم الذين يشمتون الآن بهذا المشروع ويتسابقون للنيل من جماعة يقبع قادتها خلف القضبان وعلى أعواد المشانق، سيندم هؤلاء يوم يسجل التاريخ أنهم لم يكونوا شرفاء، وأنهم وقفوا مع أعداء الأمة وأعداء مشروعها الحضاري وأنهم اختاروا فسطاط الكذب والبهتان والزور على فسطاط الحق والأمانة والنزاهة، سيندم هؤلاء إذا لم تتداركهم عناية الله ورحمته حين يحاسبون بين يدي الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، سيندمون أيضا حين وقفوا في وجه مشروع نهضة الأمة وكانوا عائقا أمامه فترة من الزمن رغم أنهم لن يستطيعوا طمسه فهو مشروع سينتصر لا محالة وهذا الدين بالغ ما بلغ الليل والنهار، وإذا ضاقت عليه أرض الكنانة تحت تأثير طغاتها فإن أرض الله الواسعة تنفرج له وتنفتح، وفي كل يوم يكسب أرضا في معركة الصراع الحضاري العالمية الخالدة، هذا بين قوسين على ذكر الإخوان المسلمين..

إذن كانت بداية الانفراج الذي حصل وعاد بسببه النشاط الإعلامي والدعوي والدولي ل  "جماعة الاخوان المسلمين" وتأثر به العالم الإسلامي أجمع وأحيا ما كان هناك من تطلع إلى الحياة الإسلامية وعزز ما كان هناك من محاولات لإعادة الناس إلى دين الله وإعادة  الحياة إلى قضايا الإسلام، ففي بلادنا مثلا لم تخل حقبة من تاريخها من محاولة لإقامة الحدود أو إقامة الدولة وإحياء شعائر الإسلام وشرائعه المهجورة ،وذلك بالتنظير أحيانا وبالسعي العملي أحيانا أخرى، فكان هذا كأنه رصيد للحركة الإسلامية وللصحوة الإسلامية ولكل بلد مسلم وهو كذلك، فكانت هذه الصحوة القادمة من الشرق وبلاد الحرمين التي تبوأ مواقع التوجيه والريادة فيها قوم يحملون هذا المشروع القادم من بلاد الكنانة التي فتحت أذرعها للمفكرين والدعاة، وامتدت هذه الجماعة المباركة -ولله الحمد- في بلاد الهجرة في الأمريكيتين وفي أوروبا، وكان ذلك رافدا وحافزا وداعما للتطلعات الأصلية والتجارب التاريخية والكوامن الذاتية في المجتمعات المسلمة المتعلقة بدينها وشريعتها، إذا، هذه كانت هي بداية الصحوة وكانت هذه بداية صلتي بها.

المؤتمر التأسيسي

موقع الفكر: هل تذكرون الاجتماع التأسيسي للحركة الإسلامية، وهل تذكرون الأعضاء الحاضرين له؟

الاستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: بالنسبة لي، أولا لم أحضره للأمانة ولم أكن من المؤسسين في أول اجتماع، مع أن لدي بعض تفاصيل التأسيس في مراحل أخرى، لكن أعتقد أنه أمر يتعلق بحقوق الآخرين؛ وبالتالي لا أعرف كيف أتحدث عنه، ولدي تحفظ حول ذلك وما يمكنني هو أن أتحدث عن نفسي وعن تجربتي و ما شاهدته ولاحظته في تلك الفترة، بالنسبة للمرحلة التأسيسية التي بدأت من مؤتمر الشباب سنة 1977م. ولم أحضر مؤتمر الشباب لكن حضره بعض أفراد التيار الإسلامي مثل عثمان الشيخ أبو المعالي وعبدالعزيز سي وأبو ميه ولد ابياه ومحمدي ولد خيري وأحمد ولد سيدي محمد وآخرون.. ومن ذلك المؤتمر انطلقت فكرة تأسيس كيان وبدأ التواصل بين هذه الجماعة وتبلورت الفكرة فيما بعد، إلى أن وصلت إلى تأسيس تنظيم الجماعة الإسلامية، وكنت من أوائل من التحقوا به سنة 1978-1979م. وحسب معلوماتي فقد نظم مؤتمر تأسيسي للجماعة قبل سنة من ذلك ،والتحقت بها في مؤتمرها الثاني، وقد بدأنا العمل بعد التأسيس بعدد محدود وأظن أن الاجتماعات التي حضرتها كانت تبلغ ال50 شخصا بما فيها جميع هيئات الحركة كالمكتب التنفيذي ومجلس الشورى ولكن كان هناك -ولله الحمد- عضوية عاملة غير منتظمة أكثر من هذا العدد بكثير، أما نحن فقد كنا نتولى تسيير التنظيم السري، وكنا نحاول أن نكتفي بالحد الأدنى الذي لابد منه في تسيير العمل، فكان التنظيم يستهدف نوعيات من الناس، إما أشخاصا ضروريين لقيادة العمل في مناطق أو قطاعات معينة، أو أشخاصا قادمين من تجارب تنظيمية أخرى ونحتاج أن نستوعبهم في إطار غير الإطار العام حتى يشعروا أنهم أصبحوا جزء من الكيان الجديد ونستفيد من خبرتهم.

 

موقع الفكر: هل تذكرون أمير الحركة وأعضاء المكتب التنفيذي في تلك المرحلة؟

 الاستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: الأمير حينها كان الصحفي في الإذاعة الأستاذ محمد الأمين ولد عبدالرحمن الشيخ، أما المكتب التنفيذي فأتذكر منه الشيخ محمد فاضل ولد محمد الأمين والحسن ولد مولاي اعلي، وسيدي محمد ولد أسيساح.

 فالمكتب التنفيذي عادة يكون قليل العدد حتى يتمكن من الاجتماع في كل الظروف.

موقع الفكر: ذكرتكم  عثمان ولد أبو المعالي فهل كان من مؤسسي الحركة؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: عثمان في الحقيقة كان من الذين تداعوا على الحركة منذ البداية التي انطلقت بمؤتمر الشباب وأنا لم أعش تلك المرحلة وإنما سمعت عنها فقط ويقال إنه كان من أولئك الذين حضروا ذلك المؤتمر وكان صاحب طرح ليس قوميا ولا يساريا، ويعتبر في تلك المرحلة من ضمن المؤسسين مع أني لم أدركه في هيئات الحركة، وكما ذكرت لكم ليس كل أعضاء الحركة يدخلون المكتب التنفيذي أو الأجهزة التنظيمية وبعض الشخصيات يتم إبعاده عن التنظيمات حتى يكون حرا في حركته ولا تسلط عليه الأضواء كثيرا، أو إذا سلطت عليه الأضواء كثيرا يبعد من التنظيم نتيجة لذلك، يكون ذلك من سياسة الحركة وتارة يكون من اختيار الشخص نفسه، فبعض الناس ليس لديه طموح أو رغبة في الارتباط بالتنظيمات، لكن يخدم الإسلام مع العاملين له على أساس الثقة بينهما.

 

موقع الفكر: حدثنا عن الفترة التي تبوأتم فيها منصب أمير الحركة الإسلامية ؟

الاستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: على كل حال إمارة الحركة الإسلامية في فترتي ليست أمرا كبيرا، ففي فترتي كنا مجموعة نعمل عملا جماعيا ونجتمع أسبوعيا لمناقشة القضايا الجارية وليست هناك أحداث كبيرة في تلك الفترة تقتضي أن تكون المسؤولية مسؤولية كبيرة، وبالتالي كان أعضاء المؤتمر يجتمعون في كل سنة دراسية ويختاروا من بين النشطين من يتولى إدارة المكتب التنفيذي، ويطلقوا عليه لقب أمير الجماعة لكن القيادة في الحقيقة قيادة جماعية، أذكر أن تلك المهمة أسندت إلي سنة 1984م. وكان العمل حينها قد تطور وامتد إلى الداخل، وعلى كافة التراب الوطني.

تأسيس المعهد العالي 

موقع الفكر: هل كان تأسيس المعهد العالي بعد تخطيط أم أنه جاء بشكل عفوي؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: كان هناك مخاض لكل هذه الأمور، حين تعود إلى تاريخ الإسلام في هذا البلد ومحاولة عصرنة الحياة وربطها بالإسلام تجد أن العمل مر بأكثر من محاولة وأكثر من جبهة، مثلا مؤتمر القضاة الذي نظم سنة 1963م. وشارك فيه خيرة القضاة والعلماء وكانوا يطالبون حينها بتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا الأمر موثق تاريخيا، وكان وزير العدل حينها يسمى "الحضرامي ولد خطري" رحمه الله وكان ممن حضروا هذا المؤتمر كل من تسمعون عنه كبار القضاة في هذا البلد، الشيخ محفوظ ولد بيه ومحمذن ولد محمد فال والحاج أبوبكر سي والشيخ أبو المعالي على ما أظن وحضر أغلب القضاة حينها ووقعوا عريضة للمطالبة بتطبيق الشريعة، وحتى أنه في مرحلة أخرى وبعد ذلك بفترة تقريبا أظنها سنة 1974م. هناك شيخ كبير من مشايخ الطرق الصوفية ربط نفسه أمام البرلمان وعزم على أن لا يتراجع عن تلك الخطوة حتى يتم تطبيق الشريعة الإسلامية، وهذا الشيخ ما زال على قيد الحياة ولله الحمد وهو الشيخ الحاج عبدالله جاه، وخرجت بعد ذلك مسيرات من المساجد تطالب بنفس الأمر، وكان يقودها بعض من ليست لهم علاقة بالحركة الإسلامية، وليسوا معروفين في الدعوة، لكنهم أصحاب غيرة على الإسلام وتعلق به، وأصحاب رفض للمنكرات، مثلا أذكر أنه كان هناك رجل معلم فرنسية من أهل شنقيط يسمى "محمد الهيبة" وكان يعمل في وزارة الثقافة لكن ذلك لم يمنعه حينها من أن يقود مسيرة للمطالبة بتطبيق الشريعة، وقد وجه رسالة إلى أحد الرؤساء الأمريكيين يدعوه فيها إلى الإسلام، ويمكن القول إن تلك المراحل كانت مرحلة صحوة عامة وإن كانت غير منظمة ،وهذا يؤكد أن البلاد في الحقيقة لم تخل في مرحلة من المراحل من الغيورين على هذا الدين من علماء ودعاة، ومن هذا المنطق - حسب وجهة نظري - لا يمكن أن نعتبر أن للمشاريع التي تم القيام بها كتأسيس المعهد العالي عاملا واحدا وأن هناك جهة معينة هي التي ساهمت في ذلك؛ لأنه في تلك الفترة كان هناك تراكم وأصوات تنادي من كل طرف، مثلا الأئمة قضوا فترة وهم يحاولون تأسيس رابطة للأئمة ولم تقبل لهم، وفي ذلك الحين ظهرت الجمعية الثقافية الإسلامية، فكانوا كلما تحركوا من أجل تأسيس رابطة لم تقبل لهم.

الإمام بداه وعطاؤه الدعوي 

موقع الفكر: من كان يقود هذا الحراك، وخاصة منه فكرة تأسيس رابطة ل لأئمة في تلك الفترة؟

الاستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: على كل حال كان هناك علماء وأئمة لهم تأثير قوي في الساحة الدعوية والثقافية والعلمية خصوصا الإمام الشيخ بداه رحمه الله، ولكن الشيخ بداه - مع أنه يرجع له الفضل في النهضة الثقافية العلمية وأنه كان من آباء العمل الإسلامي بصفة عامة - كان ينأى بنفسه عن التموقع وكان يرى أن ذلك أجدى لخدمة المقصد الذي يريده ولذلك كان حريصا على التحفظ من الانتماء لتيار معين لدرجة أنه كان حين يشارك في نشاط أو ندوة للجمعية الثقافية الإسلامية يقول في كلمته الشهيرة "راني ماني منكم ولانكم مني ولاني افطنتو من وزارة الشؤون الإسلامية ولاهي مني، أنا إلاه وانتوم الهيه". ومع ذلك كان محل تقدير لدى الجميع وكلمته مسموعة ومعتبرة وكان يمثل مرجعية بالنسبة للجميع يلتقي عندها الجميع وكلما وقعت مشكلة أو تأزم الوضع في مسألة ما، لدى العاملين للإسلام يتدخل بداه لتهدئة الأوضاع، وحل النزاعات ولعلكم تذكرون خطبه التي كان يقوم بها في فترة الاعتقالات، وهناك ما لا يقوله في الخطب ولكنه يقوله في المجالس ويقوله للمسؤولين، الإمام بداه كان يعمل على جبهات مفتوحة ولم يكن يعمل في إطار مغلق، وكان يعمل على مكافحة التغريب وما يدعوه "مُسْيَ" (Monsieur)، بالنسبة لبداه "مُسْيَ" (Monsieur)، عنده قوانين مرفوضة مخالفة للشريعة الإسلامية القوانين الوضعية؛ ولذلك عمل على جبهة مكافحة القوانين الوضعية، وكذلك "مُسْيَ" (Monsieur)،  لديه أخلاق تخالف أخلاق المسلمين (التفسخ والانحلال الأخلاقي والمجون)، فبداه كان يعمل على محاربة هذه الجبهة، وكذلك في الجانب الآخر يعمل على محاربة الربا ويحاضر حول خطورته ويكلم التجار ورجال الأعمال حول ذلك، يمكن القول باختصار إن بداه كان حاضنة للشباب المسلم الذي يحمل هم الدعوة ولديه رؤية جديدة وفهم عصري للإسلام وكان حين يجالسنا وحدنا ينصحنا وينتقدنا ويقول لنا في بعض الأمور مثلا " ذاك ماه صالح ولا يالل اتعدلوه وانتوم ما فتو عدتو تعرفو العلم" ولكنه في المقابل حين يكون أمام الآخر يدافع عنا ويتبنانا وهذا في الحقيقة هو الذي أمن الله به الصحوة الإسلامية فترة طويلة في حياته رحمه الله، هناك قدرة فائقة على التوازن بين أبوة الصحوة الإسلامية وترشيدها كان يمتاز بها بداه رحمه الله، أذكر أننا كنا نأتيه ونحن شباب متحمسون لتغيير الواقع ونحمل نشريات تتناول المسلكيات المشينة في المجتمع ويأخذها ويقول لنا "هذا انتوم ما يعنيكم، هذا يعنين آنا" وفي الخطبة الموالية يصعد على المنبر ويتناول تلك المواضيع بحكمة ورزانة وتقوم الدولة بإلغاء الكثير من تلك الأمور نتيجة ذلك، أذكر أن أحد الرؤساء - أظنه ولد هيدالة - استدعاه ذات مرة حول خطبة خطبها بداه وتكلم فيها عن أحداث سوريا 1982م. وقال له "إن هذه الخطبة تمس علاقة موريتانيا بدولة صديقة وشقيقة وأن هذا لا ينبغي؛ لأن المنبر منبر رسمي ولا ينبغي أن يذاع فيه ما لا ينسجم مع السياسة الخارجية الموريتانية" فرد عليه بداه بكملته الشهيرة "أنا حينما أقف على المنبر لا أفكر فيك انت ولا في أحد آخر، أفكر في قبري فقط، وما أقوله على المنبر أخاف إن لم أقله أن تسقط عليكم صاعقة من السماء، لكن إن أحببتم ألا أقوله أرسلوا من يخطب لكم، فأنا لا أريد الإمامة ولا أبحث عنها، وإذا انتزعتم المنبر لن أقيم مظاهرات ضدكم، ولن أتحدث في الجرائد، بل سأجلس مكاني، فإذا أتاني طالب يريد الإقراء أدرسه، ولو منعتموني التدريس سأتوقف عنه، وطلبتي الذين تتهمونهم دائما لم يعملوا ضرارا لحد ولو إراقة قطرة ماء، ولا ضرر منهم، ولا طموح لديهم في السلطة، فالسلطة إنما يريدها زملاؤك أيها الرئيس.".

وقد عامله الرئيس ولد هيدالة بأدب، وهذه قصة مشهورة حدثني بها مرارا بداه نفسه وأن استدعاءه جاء بعد أن بعث إليه الرئيس بوزير الشؤون الإسلامية عبدالعزيز ولد أحمد ومعه سيارة وحين جاءه قال له الوزير "أنا وأنت يريدنا الرئيس".

 فقال له " اياك خير ؟ ".

 فرد عليه: " أنت كثيرا ما تطلب لقاء الرئيس ولقاء الرئيس صعب، الآن الرئيس هو الذي يريد لقاءك ". فذهب بداه معه وحين وصلوا إليه وجدوا أمامهم بعض أعضاء اللجنة العسكرية ودخلوا في قاعة انتظار ليس فيها أحد، وأغلقها الوزير دونه قليلا وعاد إليه وقال له "تفضل الرئيس يطلبك" وحين دخل على الرئيس  لم يجد أعضاء اللجنة الذين كانوا معه، وقال له الرئيس "الأمام ألم أقل لك أني أعتبرك مستشارا؛  وبالتالي ما ستقولونه يجب أن تنسقوا معي فيه، أو تنسقوا فيه مع وزارة الاعلام والخارجية؛ لأن الدولة يلزم أن تتحد سياستها، فالتفت بداه إلى وزير الشؤون الإسلامية وقال: "الوزير هل شهدت على أن الرئيس قال أني مستشارا له، وهذا يعني أنني وقت ما أردت لقاءه أجده".

وفطن الرئيس هيدالة أن بداه ربما لا يرغب في الحديث معه بحضور الوزير  فأعطى الرئيس إشارة للوزير بالمغادرة، فخرج الوزير وقال بداه للرئيس: "محمد خونا هذا المقعد الذي تجلس عليه أنا أحق منك بيه؛ لأني منذ 30 سنة أعمل لصالح البلد، قبل أن تدخل أنت إلى المؤسسة العسكرية".

فقال الرئيس بصدر رحب "صحيح والله، تفضلوا واجلسوا على الكرسي".

 فقال له بداه "لا، دعك في مكانك" فقام الرئيس وجلس على كرسي آخر بجانبه فأكد بداه على الرئيس ما قلته لكم سابقا من أنه لا يرغب في الإمامة ولا يخاف في الله لومة لائم وقال له "إن أردتم أخذ المنبر فخذوه وأنا مستقيل منه".

 فقال له الرئيس "لا لا تستقل منه، وليس باستطاعة أحد أن يقول لك شيئا، ولكم كامل الحرية فيما تقومون به، استودعك الله".

 هذه القصة رواها لنا بداه مرارا وتكرارا أحيانا في جماعة قليلة وأحيانا في جماعة كبيرة، كان لمرابط بداه أمة رحمه الله وكان صمام أمان لهذا المجتمع يوفق بين جميع التيارات ومع ذلك يتعرض لمؤامرة من طرف بعض الدوائر والجهات، يعارضه تيار العلمانيين في السلطة ويطلبون من الرئيس المختار عدم الخضوع له ويسخر منه الكادحون بمسرحياتهم؛ لأنه كان حجر عثرة أمام مخططاتهم السيئة ومع كل ذلك ظل بداه صامدا أمام جميع تلك الأمور.

وبخصوص مشروع المعهد العالي فإنه يدخل في إطار التعاون بين السعودية والحكومة الموريتانية، ويمكن أن تكون فكرته قديمة لكن تجسيدها لم يقع إلا أوان افتتاحه، طبعا كانت هناك مطالبة لإيجاد مؤسسة إسلامية تخرج قضاة الشريعة الإسلامية، وكانت مادة التربية الإسلامية محدودة جدا في المناهج التعليمية خصوصا في التعليم الثانوي ووقع حراك للمطالبة بدمج الشريعة الإسلامية مادة رسمية وكان للجمعية الثقافية الإسلامية دور في ذلك، نسيت أن أقول لك أيضا إنه كانت هناك مؤسسة تسمى "لجنة المساجد والمحاظر" لعبت دورا كبيرا وهي هيئة غير مرخصة أنشأها بعض رجال الاعمال المحسنين بغية خدمة المساجد والمحاظر والحقيقة أن وجودها التاريخي سابق على وجود الجمعية الثقافية الإسلامية ،مع أنها واقعيا كان بينها تعاون وتكامل مع الجمعية الثقافية الإسلامية؛ لأن بعض أعضاء تلك اللجنة كانوا ضمن المؤسسين للجمعية الثقافية، وكانت تلك اللجنة وراء فكرة تأسيس معهد ابن عباس الذي كان يعتبر أكبر معلمة غير رسمية من معالم التعليم الشرعي والإسلامي في موريتانيا ،هذا المعهد أسسته لجنة المحاظر والمساجد، بإدارته وميزانيته.

 

الاعتراف بمعهد ابن عباس 

موقع الفكر: لماذا لم يتم الاعتراف بمعهد ابن عباس، وجعله معهدا رسميا مثل المعهد العالي؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: لا أعرف بالضبط وهذا سؤال أطرحه كما طرحتموه، طبعا هو كمؤسسة شعبية قائمة على جهود ذاتية يقتنع أصحابها بالبذل والعطاء لن يكون مثل مؤسسة رسمية تخضع لأمور أخرى، والعمل الإسلامي على كل حال هو عمل شعبي ولا يمكن أن يسلم من بعض النواقص ولن يكون بتلك الصورة الوردية التي يتصورها البعض، ربما لو كان للمعهد بعد أكاديمي لكانت وضعيته أحسن من وضعيته الحالية، وربما لو أخذ ببعض الأعراف الأكاديمية وأصبحت إدارته تنتخبها هيئة التدريس لكان ذلك أحسن.

وما أريد أن أقوله هو إن هذه الهيئات قد أنجزت إنجازا ضخما، ومهما قيل فإن هذا المعهد منذ تأسيسه أوائل الثمانينات حتى الآن وهو يخرج دفعات الطلاب وينبغي من ناحية المنطق لمثل تلك المؤسسة أن تأخذ مسارها في التوظيف.

 وفي الحقيقة لست ملما بحيثياته والمسألة في النهاية لا تخضع للرأي وإنما ينبغي أن تكون هناك استراتيجية للمؤسسات ويطرح سؤال "هل إذا تم الاعتراف به سينجح أم أن وضعيته ستزداد سوءا ؟" فنحن مثلا شاهدنا جامعة لعيون أحسن حالا من المعهد العالي حسب الصورة التي تعطى عنها، مع أن المعهد أعرق من جامعة لعيون وأكثر علاقة بالدولة؛ لأنها هي من أسسه وتتولى إدارته ومع ذلك يحتاج هذا المعهد للمراجعة والتقويم والتطوير.

 

موقع الفكر: حبذا لو تحدثتم بالتفصيل عن ما ذكرتموه عن الحضرامي ولد خطري؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: الحضرامي ولد خطري كان ممن يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا طبيعي؛ لأن الناس في تلك المرحلة لم يكن لديها سوى الشريعة، وكان الحضرامي وزير ا للعدل لكنه لا يمكن أن يطبق ذلك بصفته وزيرا، لأن الأمر يحتاج قرارا سياديا رسميا، لكن تجميعه للقضاة في تلك المرحلة في حد ذاته - خصوصا أن قضاة الشريعة في تلك المرحلة مهمشون ويمنعون من ترأس المحاكم- أمر في غاية الأهمية.

 

موقع الفكر: القضاء في تلك الفترة كرس ثقافة أن القاضي الشرعي ليس بتلك الأهمية ولا يرأس المحاكم، عكس القاضي الوضعي فما هو رأيكم في ذلك؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: على كل حال تقييم مرحلة المختار ولد داداه لا يخضع لمثل تلك الأمور فالرجل قد أسس دولة من العدم في ظروف سياسية وثقافية واجتماعية ينبغي أن توضع في سياقها التاريخي، ولا يمكن أن نقول عنه سوى أنه جزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين فلا شك أن خيره أكثر من شره وأنا شخصيا لا أجد نفسي أهلا لتقييمه، لكن تجدر الإشارة إلى أن النظام بصفة عامة ليس المختار وحده،  فالوزراء الذين كانوا معه لديهم وجهات نظر وثقافات وخلفيات مختلفة ونفس الشيء كان في المعارضة وهذا أمر طبيعي، قد لا تصدق إذا قلت لك إن بعض الحاملين للواء الصحوة الآن كانوا يتبنون الطرح العلماني وكان لهم مواقف شديدة ضد الصحوة الإسلامية في مرحلة من المراحل ولم يكن أحدهم يظن أن الطرح الإسلامي يمكن أن يصل إلى ما وصل إليه فما بالك بالمثقفين الذين تخرجوا من الجامعات الغربية ونهلوا من ثقافاتها..

 

 

موقع الفكر: الكادحون كانوا يتهمون نظام المختار بدعم المحافظين فمن هم المحافظون؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: يمكن القول إنه كان هناك قاسم مشترك بين الرئيس المختار والإمام بداه رحمهما الله، وهو أن كليهما كان يتبنى موقفا وسطا ويقف على مسافة واحدة من الجميع، وينظر إليه المتحمسون للإسلام على أنه مكن للتغريب كما ينظر إليه الكادحون واليساريون والعلمانيون على أنه مكن للرجعية التي هي في نظرهم تطبيق الشريعة الإسلامية وهو في الحقيقة ليس من هذا ولا ذاك.

 

موقع الفكر: هل يمكن أن تذكروا لنا نماذج من  أشخاص كانوا يحملون هم الأهداف الكبرى للإسلام في البلد قبل الاستقلال؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: يمكن القول إن مرحلة الدولة الوطنية لم يكن فيها من يحمل المشروع الإسلامي كما تبنته الصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية في ما بعد لأنها تبنته بمستوى من النضج والتركيز ووضوح الرؤية أكثر من الآخرين، لكن جميع من كانوا يناهضون الاستعمار والغزو الثقافي في البلد كانوا يفعلون ذلك من منطلق إسلامي بحت، ومن أولئك المختار ولد أبلول ومحمد سالم ولد اماه والنين ولد اباه ومحفوظ ولد بيه فقد كانوا جميعهم يدعون للإسلام والتمسك به لكن ما كانوا يدعون إليه لم يتبلور بشكل كامل وشامل وواقعي كما حدث مع الصحوة الإسلامية فهذا لم يكن في زمانهم ولم يبلغه مستوى الوعي عندهم، مثلا قرار تطبيق الشريعة الذي صدر عام 1978م. تبين من خلاله أننا وصلنا إلى مرحلة يمكننا فيها تقديم قوانين بديلة عن القوانين غير الإسلامية حيث قدمت فعلا قوانين بديلة من طرف لجنة الشريعة الإسلامية التي كان يرأسها العلامة محمد سالم ولد عدود أو الشيخ عبدالله ولد بيه، وكان ذلك في زمن المختار ولد داده وتم تطويره في عهد هيداله، وكانت لجنة تضم مجموعة من العلماء مثل محمد يحي ولد الشيخ الحسين وغيره. وقدمت مجموعة من المقترحات والبدائل، فنفس الدعوة التي دعوا إليها هي التي دعا إليها من سبقهم، لكن المختلف فقط هو أنهم قدموا بديلا فكانوا يطرحون مادة بديلة عن مادة ويضعون قانونا بدلا من قانون، بخلاف من سبقهم حيث كانت دعوتهم إلى الشريعة الإسلامية دعوة عامة.

 

موقع الفكر: كم قضيتم في رئاسة لجنة مسلمي إفريقيا وما أهم الإنجازات التي قمتم بها؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: العمل الخيري يمكن القول إنه كان ذراعا من أذرع الصحوة الإسلامية التي رافقت هذه الصحوة المباركة العامة، وما وقع منه في موريتانيا يرجع الفضل الكبير في استيعابه واستقباله وتيسير أموره إلى الجمعية الثقافية الإسلامية وكذلك لجنة المساجد والمحاظر، وقد شهد عقد الثمانين ميلاد  تلك الجمعيات التي افتتحت هنا، وهي عبارة عن فروع للجمعيات الخليجية، وأذكر أن أول بعثة للعمل الخيري جاءت هنا كانت سنة 1983م. وهي بعثة كويتية وقامت بتوزيعات بعضها في العاصمة وبعضها في الداخل، وكان ذلك بالتنسيق مع الجمعية الثقافية الإسلامية من جهة؛ لأنه كان لديها العنصر البشري الذي يستطيع القيام بالتوزيع، ولجنة المساجد والمحاظر من جهة أخرى، فقد كانت لديها الوسائل المادية من سيارات وشراء مواد، إضافة إلى مهمة تذليل الصعوبات مع السلطات، وكان مصدر تلك المساعدات الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية التي كان مقرها في الكويت، وبعد ذلك ظهرت هيئة الأعمال الخيرية التي تتخذ من الإمارات مقرا لها وفتحت ممثلية لها في موريتانيا والسينغال وبدأت  الهيئات بعد ذلك تأتي وجاءت أيضا هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية من السعودية، وفتحت فرعا لها في نواكشوط وكان أول مدير له الأستاذ بونا عمر لي، وجاءت بعد ذلك لجنة مسلمي إفريقيا سنة 1990م. وفتحت مقرا لها هنا وطبعا هذا كله بالتنسيق مع الجمعية الثقافية الاسلامية التي كانت توفر العنصر البشري ولجنة المساجد والمحاظر التي كانت توفر تسهيل الإجراءات الإدارية والجوانب اللوجستية إن كان هناك حاجة لفتح حسابات أو التنسيق مع التجار لتوفير مواد أو تدخل السلطات لتسهي إجراءات إدارية، فكل هذا العمل الخيري يرجع فيه الفضل إلى الجمعية الثقافية ولجنة المساجد والمحاظر.

 وعقب أحداث 1989م. تولى الأستاذ أحمدو ولد الراظي إدارة هيئة الاغاثة ولعبت تلك الهيئة دورا كبيرا في إغاثة الطوارق في الحوض الشرقي فقد شهدت تلك الحقبة الصراعات التي وقعت في مالي وتسببت في نزوح أعداد هائلة إلى موريتانيا وكانت تلك المنطقة أصلا منطقة هشة لذلك ركزت الجمعية عليها، وعموما يمكن القول إن كل الهيئات كانت متعددة الاهتمامات وكانوا يهتمون بكفالة الأيتام وحفر الآبار وبناء المساجد والرعاية الصحية والإغاثة العاجلة وإفطارات الصائم وتوزيع الأضاحي والدعوة، وكان بعضهم يطور عمله في الجانب الاجتماعي بتكوين مراكز مهنية لأمهات الأيتام وتمويل مشاريع مدرة للدخل.

 أما على مستوى إنجازات لجنة مسلمي إفريقيا التي كنت أتولى إدارتها فقد قامت ببناء الكثير من المساجد رغم شح الوسائل فقد كانت أضعف الهيئات من تلك الناحية وتزامن وجودها في موريتانيا مع احتلال العراق للكويت مما تسبب في تعطل نشاطاتها لمدة سنة أو أكثر بعد تأسيسها، وهذا جعل نشاطاتها محدودة بالمقارنة مع أخواتها، وكان سر تميزها أنها كان بها نخبة من الشباب الذين يتبنون العمل الخيري كرؤية ويضحون في سبيله، وقد قضيت  فيها 4 سنوات من شهر يناير من سنة 1990م. حتى ديسمبر 1993م. وأنجزت الهيئة في تلك الفترة العديد من المساجد أذكر منها مسجد الرضوان ببوحديد (المسجد الأحمر) ومسجد الهدى في الرياض ومسجد جامعة نواكشوط ومسجد مدرسة تكوين المعلمين ومسجد الإمام بداه في المشروع ومسجد معهد ورش الذي صلينا فيه قبل أيام على الشاب المنفق المرحوم عالي ولد اخليفة ولد سالم  من إنجازات لجنة مسلمي إفريقيا سنة 1992م. وكان يومها عبارة عن مسجد صغير غير مسقف بالإسمنت ولم يبق الآن من آثار المسجد سوى المئذنة فما زالت مميزة فنحن كان عندنا طراز خاص في المآذن وهو ذلك القوس الذي يشبه القوس الموجود في جامع ابن عباس، ومن عجيب المفارقات أن هذا المسجد الذي تأسس منذ فترة بشكل متواضع وبسيط قيض الله له أن يعمر ويتم ترميمه أكثر من مرة ويصبح مقرا لمؤسسة معهد ورش الذي يعتبر من أكبر المؤسسات في موريتانيا لخدمة القرآن الكريم، ومع كل هذا ما زال ذلك الطراز موجودا ولم يتغير.

سبحان الله!. قلت في نفسي لعل المحسن الذي تبرع به أصلا كان له خبيئة عند الله فبارك في عمله وكتب له الخلود، هذا وأنجزت تلك الهيئة أيضا بعض المساجد في الداخل خصوصا في ولاية لبراكنة وأذكر أن أول مسجد أنجزته الهيئة بالإسمنت المسلح في الداخل هو مسجد بلال الذي يوجد عند مدخل مدينة ألاك عاصمة ولاية لبراكنة، ومن أهم إنجازات اللجنة أيضا على ما أذكر إنشاء مركز تحفيظ القرآن في قرية بوحديدة التابعة لمقاطعة ألاك، ولهذا المركز قصة وهي أن هناك شابا في تلك القرية حضر نشاطا من نشاطات نادي مصعب ابن عمير سنة 1989م. وفي نهاية النشاط أخبرني أن هناك قرية بدأ أهلها يتجمعون وأنها بحاجة إلى إغاثة دعوية وعلمية، فبقيت في نفسي تلك القضية وكان ذلك قبل وجود هذه الهيئة، ونحن في الجمعية الثقافية الإسلامية وسائلنا محدودة، لا أنسى الكلمة التي قالها  والحرقة التي قالها بها وأنا لا أعرفه ولم ألتق به قبل ذلك ولا بعده، إلا أن كلمته بقيت في نفسي ولما ظهرت هيئة لجنة مسلمي إفريقيا كان أول مشروع نقوم به هو فتح ذلك المركز الذي أشراف عليه الداعية سيدي محمد ولد آبكه ،وبذل بذلا حسنا في مجال التعليم والدعوة والتوجيه على مستوى تلك القرية ،وتخرج من ذلك المركز عدة حفاظ وتغير واقع تلك القرية ولله الحمد ،وزرتها قبل سنوات ووجدت حالها أفضل مما كان، فكان من أهم إنجازات اللجنة، لكن أرجع وأقول إن الفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى يعود إلى تضحية كوكبة من الشباب الذين يحملون العمل الخيري كرسالة وليس كوظيفة ويعتبرونه وجها من أوجه الدعوة، وأذكر من هؤلاء الأستاذ الشيخاني بيب الذي كان في ذلك الوقت مشرفا على الأيتام في المكتب لكنه يشغل مهمة نائب مدير المكتب وأذكر أيضا الأستاذ اكليكم ولد أحمد ولد بلاهي ومحمد ولد كلاي وأحمدو ولد أحمد طالب ولد إبراهيم ومحمد الأمين ولد ناصر الدين ومحمد الأمين ساغو ومحمد عالي ولد ابيطات وغيرهم كثير ولله الحمد، فهؤلاء الشباب حينها في الحقيقة هم الذين بفضل تضحيتهم وتفانيهم أنجزت الهيئة ما أنجزته رغم العقبات التي اعترضتها في بداية نشأتها ورغم محدودية الوسائل.

 

موقع الفكر: من قابلتم من الرؤساء  فترة عضويتكم لمكتب الجمعية الثقافية الإسلامية؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: مكتب الجمعية لم ألتحق به إلا بعد رئاسة ولد هيدالة  ولم أقابله هو ولا معاوية من بعده، والواقع أن المقابلات الرسمية يتم فيها انتقاء الأشخاص الذين هم محل اعتبار لدى السلطات ونحن في تلك الفترة ما زلنا شبابا ،وكما تعلمون تنقل عنا المخابرات بعض التقارير للرؤساء؛ ولذلك لم تكن مقابلتنا للرؤساء ضرورية، وأذكر أن الزميل الحسن مولاي اعلي ضمن من قابلو الرئيس معاوية ذات مرة واشتكى منه الرئيس معاوية بقوله: "ولد مولاي اعلي متبري منك" ولذلك كنا نحرص على أن لا يقابل الرئيس إلا أصحاب التأثير والحنكة..

 

موقع الفكر: هل تتذكر اللقاءات التي جمعت قيادة الجمعية الثقافية مع الرؤساء ولد هيدالة ومعاوية وما هي الصورة التي علقت في ذاكرتكم من تلك اللقاءات ؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: على كل حال الصورة طبيعية وعادية والذي يختلف هو الجو الذي يقع فيه اللقاء، هيدالة إنسان فطري طبعيي وعادي وأول لقاء بينه وبين الجمعية كان لقاء بهدف التعريف بالجمعية وطرح بعض القضايا التي تتعلق بها منها ما هو استعداد للتعاون مع الدولة في المصلحة العامة للبلد ومنها ما هو مطالب لدى الجمعية كالحصول على الدعم والتسهيلات، وربما كانت هناك مسألة اعتقال أحد أعضاء الجمعية في إطار الاعتقالات السياسية وأظنه الأستاذ الخليل النحوي الذي كان عضوا في أول مكتب للجمعية، أذكر أن الرئيس في ذلك اللقاء رحب بهم ووعدهم بأن الدولة ستتعاون معهم، وأظن أن ذلك التعاون كان مقتصرا على التسهيلات فالجمعية الثقافية حسب علمي لم تتلق أوقية واحدة من طرف الدولة طيلة 14 سنة التي قضتها، لكنها تتلقى التسهيلات من الدولة.

أما اللقاء مع معاوية غير بعيد من لقاء ولد هيدالة ويتضمن نفس ما تضمنه اللقاء السابق لكن ولد هيدالة - شهادة لله - يمكن القول إنه كان أكثر صدقا ووضوحا مع الجمعية من حيث إنه ليس لديه اعتراض على وجودهم، ومعاوية أكثر عمقا فلم يقل لهم كل ما عنده ولم يعارضهم في ما أتوه فيه، وعموما الجمعية في تلك الفترة كان أكبر مكسب بالنسبة لها أن تظل العلاقة بينها وبين السلطات علاقة ودية بحيث لا تتم مضايقة نشاطاتها ومخيماتها، ويمكن القول إن ثقافة تمويل العمل الخيري والمدني لم تظهر في تلك الفترة عكس ما هو واقع الآن، وما كان موجودا من الدعم حينها يدخل في  إطار علاقات شخصية، مثلا ربما تأتي لوزير تعرفه ويدعم لك مشروعا أو يساهم في تسهيلات معينة، أذكر أن الوزير محمد محمود ولد الديه رحمه الله ساهم مرة في دعمنا بنادي مصعب ابن عمير حيث منحنا كمية كبيرة من الأدوات الرياضية، هناك أيضا وزير العدل السابق مولاي ولد بوخريص فقد ساهم في تأثيث مقر الجمعية بعد انتهائه.

 

موقع الفكر: هل كانت بعض الأقلام تشوهكم  في تلك الفترة؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: نعم بكل تأكيد كانوا يكتبون ضدنا وكانت السلطات الإدارية تضايقنا حين ننزل عندهم في الداخل لممارسة نشاطاتنا،  كنا حين ننزل عند أحد الولاة أو الحكام نشعر أنهم يكرهوننا لدرجة أن أحدهم بمجرد رؤيتنا يصبح وكأنه "كيفت حد شايف حد كاتل بوه" ونشعر ونحن ننزل عندهم أنهم لا يراعون فينا سوى الاعتبارات الإدارية التي عندنا فنحن لا نسافر دون توصية من قبل وزارة الداخلية تتضمن أننا في مهمة ويطلب من السلطات أن تسهل لنا مهامنا وهو ما أتاح لنا فرصة الإقامة في رحلاتنا لدى الحكام والولاة فإن كان في أحدهم خير يعاملنا معاملة باعتبارنا ضيوفا عنده وإن لم يكن فيه خير نحرجه بإقامتنا عنده، أما حين تكون إقامتنا غير محدودة فغالبا يتكفل أعضاء الجمعية من رجال أعمال ووجهاء باستضافتنا.

 

موقع الفكر:  ذكرتم قصة  مسجد بنيتموه  في إحدى القرى واكتشفتم أن منصرة تشغلهم عن الصلاة بمشاريع بسيطة فما  تفاصيل تلك القصة ؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: هما قصتان مختلفتان وإحداهما ليست واقعية وإنما هي خيالية تصورتها أنا فقط، ما قلته ذات مرة أنه من باب أولويات العمل الخيري ينبغي أن تتم مراعاة احتياجات المستهدفين فيه وألا يكون خاضعا فقط لرغبات المتبرعين، هناك بعض الأوساط ربما يكون بناء مسجد بالنسبة لها لا يضيف شيئا، مثلا قرية فيها بعض المتدينين يدرسون القرآن ويصلون تحت شجرة لكنهم يحتاجون بعض أساسيات الحياة الأخرى كالتغذية والدواء، وذكرت مثالا على ذلك أن هناك قرية قمنا ببناء مسجد فيها بتكلفة  600 ألف على ما أظن وأثناء بناء المسجد جاءت منصرة إسبانية توزع نظارات مستعلمة على كبار السن فلاحظت أن اهتمام الناس بتك النظارات وتأثيرها في حياتهم كان أكثر من بناء ذلك المسجد رغم أن الجهد الذي قامت به هذه المنصرة أقل تكلفة مما قمنا به نحن، وتطور نشاط تلك المنصرة حتى أنشأت مشروعا زراعيا لنساء تلك القرية، فقلت أنا فكرة مفادها أنه بإمكان الشخص أن يتخيل القصة التي ذكرتم وهي أنه في يوم من الأيام ربما يتصادف وقت الصلاة مع مجيء  تلك المنصرة لمزرعتها وتطلب من أهل الحي الحضور عندها لتقديم شروح حول الزراعة، ففي هذه الحالة لا شك أن من سيتخلف عن ندائها سيكون أقل ممن سيحضرون للصلاة نتيجة أنها تدعوهم لما يتعلق بحاجاتهم اليومية كالغذاء، هذه المقابلة تصورتها في ذهني وبعضها واقعي كوجود المنصرة وتأثير ها على الناس، أما القصة الأخرى فهي أنني قلت إن هناك منظمة تنصيرية كانت تعمل في لبراكنة ودخلت حياة الناس بوسائل بسيطة جدا في وقت كنا نحن نبني هناك مسجدا بتكلفة باهظة جدا، أنشأت تلك المنظمة التنصيرية مركزا صحيا بنته من الطين واستخدمت نساء الحي في بنائه، يتطوعن بحمل اللبن في الليل، ووفرت فيه الأدوية بأسعار رمزية ووظفت فيه أحد أبناء القرية بعد أن قامت بتكوينه على الإسعافات الأولية مدة ثلاثة أشهر، فكونته على بعض الأمور الطبية السهلة، واعتبرت أنا شخصيا أن هذا مهم في حياة هؤلاء لأنهم كانوا يسافرون عشرات الكيلومترات دون سيارة حتى يجدون الإسعافات الأولية لمرضاهم وبالتالي نجحت المنظمة فيما سعت إليه بجهود لا تصل عشر تكلفة المسجد الذي قمنا نحن ببنائه، وقد اعتمد المنصرون في مشروعهم على الطاقات المحلية، فالشاب الموظف من أهل القرية والطين مأخوذ من تراب القرية، وبجهود السكان، ولم يتكلفوا غير قيمة 10000 من الأدوية.

 هذا في تلك الفترة وقد تطور العمل الخيري عندنا ولله الحمد وأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار، هناك أيضا مسألة أخرى سبق وأن طرحتها - وقد لاحظت من خلال علاقاتي ببعض الهيئات الخيرية أنه وقع فيها تطور لكنه ما زال دون المستوى - وهي أنه ينبغي أن لا ننتظر بالإنجاز في العمل الخيري حدوث كوارث لا قدر الله، وإنما ينبغي أن ندرس البيئات التي نعمل فيها وننظر إلى آفاقها وما يقع فيها من تغيرات مناخية أو اجتماعية ونعمل على ذلك الأساس، مثلا إذا كانت قرية مهددة بالنزوح نتيجة محدودية مقومات الحياة وستصبح خاصرة هشة في إحدى المدن التي بجانبها فلماذا لا نوفر لها مقومات الحياة حتى يثبت أهلها في مكانهم وسيكون ذلك أقل تكلفة من إغاثتهم في حال حدثت لهم كارثة لا قدر الله.

 

موقع الفكر: لم لا يوجد في بلدنا مركز لإدارة الأزمات؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: فعلا نحن بحاجة للكثير، وأنا أتحدث بصفة عامة ولدي نظرة دائما أن العمل الطوعي والخيري ينبغي أن يكون أكثر تطورا من الآليات الحكومية؛ لأن تلك الآليات يتحكم فيها الروتين وبعض الاعتبارات التي نحن نعلمها كالمحسوبية وعدم مراعاة الأكفاء في التعيينات وبالتالي لا يتوقع الكثير من ارتفاع سقف الإنجاز لتلك الآليات، وهذا واقع نعيشه مع الأسف الشديد، في حين أن العمل الطوعي والخيري والدعوي يتحرك أهله بدوافع ذاتية ويتاح لهم من الخبرات ما لا يتاح للآخرين، أذكر أنني مثلا في سنة 2015م. طرحت في إطار نقاش مشروعا أسميه "تطوع بلا حدود" وفكرة هذا المشروع ألا يبقى أي شخص إلا وتطوع بما يستطيع ويملك، مثلا إذا كنت مدرسا وأقيم في حي أتبرع بساعة من وقتي أسبوعيا لصالح من يرغب في التعلم، أو إذا كنت ممرضا وأقيم في حي أحدد وقت من يوم خاص لمعالجة المرضى بالمجان، أو إذا كنت صاحب مغسلة أحدد يوما لغسل ملابس الأيتام والضعاف، وغير ذلك من أعمال الخير الكثيرة لكن يبقى المشكل هو كيف ننسق هذه الجهود وهي موجودة بالفعل والدليل عليها كثرة الهيئات الخيرية والمتبرعين والمتطوعين لها، وقد اكتشفت من خلال متابعتي لهذا الموضوع أنه قائم في بعض دول العالم بطريقة أخرى، مثلا إذا كان أي شخص لديه مسألة وهو في غنى عنها ولا يستخدمها يمكن أن يخبر أصحاب الحي أنه عنده مسألة في غنى عنها إذا كان فيهم من يحتاجها وهكذا يقع التكافل والتعاون.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء مندوبية تآزر؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: في الواقع ليست لدي أي فكرة عنها، لكن أشاهد ما يقال عنها في وسائل الإعلام وأرى أن مشروعها لديه بعدين، أولا مسألة توزيع النقود على المواطنين هو أمر لا يمكن أن يدوم وليس هو الطريقة المثلى، الطريقة المثلى هي أن تحاول أن تجعل المستهدفين بتلك التوزيعات في وضعية لا يحتاج أهلها للتوزيع، وسأعطيك مثالا عشته في هذه القضية وأعتبره نجاحا ففي سنة1992 وجدت بعض رجال الأعمال في الحج وقال أحدهم إنه يملك مخابز في نواكشوط ويتبرع منها يوميا لبعض المحاظر فقلت له "تلك المحاظر إذا جاءها أي شخص بعد 5 دقائق من وصول ذلك الخبز يجد طلابها في حالة جوع شديد ويبحثون عن شيء آخر يأكلونه فالأفضل أن تدخر مداخيل ما تعطيهم وتقوم في كل شهر بفتح بقالة لإحدى المحاظر ودعهم يتولون تسييرها وانظر كيف ستكون نتائج ذلك وبهذا تكون قد ساهمت في تغيير واقعهم بنفس الجهد الذي كنت تساهم به بطريقة عشوائية "وما أريد أن أقوله حول تآزر إن العمل الذي ينقل الشخص من حالة الحاجة إلى التوزيع هو العمل الذي يعطيه الكفاية، ومن البداهة أن يقول الجميع إن أموال تلك التوزيعات لو صرفت في مشاريع قد تعود بالنتيجة أكثر على الفقراء لكن الواقع أن هناك حالات - ونحن للأسف في مجتمع هش ويغلب عليه الفقر - لا يمكن أن تنتظر مشروعا استثماريا سيدر الدخل بعد شهر أو شهرين، وبالتالي تحتاج النظرة التي ينظر بها البعض لما تقوم به تآزر بشيء من الواقعية، ومع ذلك يبقى الناس بحاجة إلى مشايع استراتيجية ومستمرة حتى ينتقل البعض من الوضعية المزرية التي يعيشها إلى وضعية الاكتفاء والاستقرار ولا تعارض بين ذلك وبين حاجة بعض الناس إلى التدخلات المرحلية.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع الإعلام؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: تقويمي له مثل تقويمي لواقع موريتانيا كلها، نحن في دولة لديها طاقات وكفاءات هائلة طبيعيا وبشريا، لكن مع الأسف الشديد القطاع الإعلامي بالذات يغلب عليه الارتجال وعدم المهنية فينبغي لأصحاب المشاريع الإعلامية أن يدرسوا البيئة التي هم فيها ويبدؤوا من حيث انتهى الآخرون من ناحية الجودة والمهنية، وتجدر الإشارة أن المهنية ليست صنما ينافي الأخلاقية أو المثالية وإنما هي ضرورية من أجل أن توصلك للمثالية، وتوجد عندنا الآن مواقع ومشاريع إعلامية رائجة وناجحة رغم تخندقها وتصنيفها الأديولوجي لكن مهنيتها تغطي على الجوانب الأخرى ولا تترك فرصة لمن يتحدث عن انتمائها، ومنها على سبيل المثال موقع وكالة الأخبار المستقلة فالذين يعتبرونها موقعا للإخوان المسلمين يضطرون للتعامل معه ويعترفون بمصداقيته ومهنيته.

و يواجه الإعلام عندنا كذلك طغيان النزعة النفعية سواء كانت نفعية مادية أو نفعية سياسية كالرغبة في الشهرة وكسب الثقة والصعود بسرعة في الساحة، كما يلاحظ ولله الحمد أن هناك جوا من الحريات الإعلامية في هذا البلد لا مثيل له خاصة في المحيط الذي نحن فيه وهذا مكسب كبير، كما لدينا كذلك الكثير من الطاقات المهدرة والمعطلة التي تحتاج تأطيرا كي يستفيد منها الإعلام لكنها تضيع بسبب الإهمال وعدم الاحتضان، مثلا إذا أخذت الآن شابا مثل هذا الشاب الذي يتولى التصوير وجعلته خلف الكاميرا طيلة حياته لا تتوقع منه أبدا أن تتفجر طاقاته الأخرى ويتطور في جوانب أخرى، مثله هو هذا ينبغي من ناحية أن توضع له استراتيجية يأخذ عن طريقها مسارا يتم فيه تفجير طاقاته واستغلال إمكانياته، كما ينبغي من ناحية أخرى أن توفر له الكفاية المادية فمثلا إذا كان هذا الشاب يعمل معك وهو يفكر في العمل مع شخص آخر لأن بقاءه معك لا يضمن له مستقبله، وبالتالي هناك الكثير من الطاقات البشرية المعطلة وأرى أن ضياع الطاقات هي مشكلة العالم ككل.

 

موقع الفكر: هل القضاء  مؤهل للتعامل مع ملف تقرير اللجنة البرلمانية؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: أرى أن القضاء مؤهل طبعا إذا لم تتدخل فيه الإرادة السياسية، القضاء عندنا غير مستقل وأرى أن تسييسه من الخارج أخطر من تسييسه من الداخل، أنا لست من أهل القضاء وبالتالي لا أعرف أشخاصه لكن ما أعرفه أن فيه من الرجال من يمكنه أن يحكم بالعدل إذا شعر أنه ليس مضايقا كما أن فيهم من يمكنه أن يحكم بالعدل دون الخضوع للضغوطات، وبالتالي القضية قضية رفع اليد عن القضاء فينبغي أن يكون القضاء مستقلا فإذا كان كذلك بإمكان القضاء المنحرف أن يحاسب لكن إذا كان القضاء تحت الحجر ويتلقى الأوامر "افعل كذا أو قل كذا " فلا يمكن أن تحاسبه لأنه قاصر وتحت الوصاية، إذن أنا أرى أن قوة الدولة تكمن في قوة عدالتها وأعتقد أن قول البعض إن ملف التحقيق يشمل بعض الأشخاص الذين لا يمكن متابعتهم هو مظهر من مظاهر ضعف الدولة وإذا كان هناك بعض النافذين الذين يمثلون نسبة قليلة من جميع المواطنين فإن بقية المواطنين البالغ عددهم 4 ملايين بإمكانهم أن يلتحموا مع الدولة حتى تكون هناك عدالة واضحة دون وجود محاباة ولا تمييز.

حين تعطي الدولة قيمة لقضائها ويخضع له الصغير والكبير والغني والفقير والقوي والضعيف يصبح ذلك أكبر مصدر لقوتها، وكل الدول القوية تستمد قوتها من القضاء المستقل، لديك مثلا أمريكا ن ففي الأيام الماضية رأينا ما كان يقوله الرئيس ترامب عن السلطة لكن القضاء وقف له بالمرصاد وسيقوم بمحاكمته، فرنسا أيضا ها هي تقدم أحد رؤسائها  للمحاكمة، أما بالنسبة لملف التحقيق البرلماني لم أطلع على تفاصيله وإشادتي بها لا تعتبر تزكية مطلقة لها، كما أنه في حال تحفظي عليه لا يعتبر ذلك طعنا فيها لكن هذه طبيعة الأشياء، أرى أن العدالة لا تتجزأ فحين يكون الرئيس والوزراء والنافذون والضباط العسكريون ورجال الأعمال وسائقو العربات والممرض والطبيب والمعلم.. الخ.. ، حين يكون كل هؤلاء سيخضعون لنفس المعيار الذي يجعل كلا منهم يتحمل مسؤوليته عن أعماله فهذا هو مصدر قوة الدولة، وحين يقع هذا ستعلم الدولة أنه مصدر قوتها، ومعها كل المواطنين، وإذا لم يقع هذا ستبقى الدولة مترددة خائفة.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: واقع التعليم في موريتانيا فاسد وأوجه فساده كثيرة، المناهج ضعيفة جدا والمدرسون أغلبهم ليسوا مؤهلين وينقصهم التكوين والمؤطرون لا يهتمون كثيرا بتأطير القائمين على العملية التربوية، فمنذ عقود من الزمن كل ما يجري في موريتانيا مسيس والاعتبارات السياسية آفة على الموضوعية والكفاءة والنزاهة، هناك الكثير من الأطر في التعليم نعلمهم جميعا كان بإمكانهم أن يشيدوا صروحا في التعليم غير عادية لكنهم حين رأوا أن البقاء في التعليم لا ينتج عنه سوى الفقر وسوء التغذية والمرض، انتقلوا إلى قطاعات أخرى أو قعدوا عن العمل نهائيا؛ لأنهم شاهدوا من هم أقل منهم كفاءة وخدمة للوطن وهم يترقون في المناصب وتحسنت أوضاعهم، إذن التعليم فاسد جملة وتفصيلا وأنا من أهله وتقاعدت منه وأستهلك في مجاله لأن لدي أبناء في مختلف مستوياته، وأرى أن إصلاح التعليم يبدأ بتحسين وضع المعلم فحين يكون المعلم لديه راتب يسد حاجته ولديه منهج يمكنه من خلاله أن يبني العقول والنفسيات، ولديه جهة تأطيرية تتابعه وتقوم بتقييمه وترقيته فهذا هو طريق إصلاح التعليم، كل محاولة للإصلاح لم تبدأ بالتعليم لا فائدة من ورائها وسيكون مصيرها الفشل لأن المخرجات السيئة للتعليم بإمكانها أن تخرب كل إصلاح كما أن المخرجات الجيدة للتعليم بإمكانها أن تصلح كل فساد، لكن هذا كله يتطلب أولا من يؤمن به ويتحمل تكاليفه،  وأن يكون ثانيا: على استعداد لانتظار ثمراته، ثالثا: ولن يكون ذلك على المدى القصير؛ لأن هذه العملية ليست قرارا يصدر اليوم وتظهر نتيجته يوم الغد لأن الأمر لا يتعلق بقرار إزالة مفسد عن إحدى المؤسسات وإنما يتعلق ببناء العقول وبناء الأجيال وبناء النفوس، ومن أغرب الغرائب أننا ليست عندنا إدارة تعليمية فأنت تجد الآن أستاذا للرياضيات أو العلوم أو أي مادة أخرى ومنذ 10 سنوات وهو يدرس وتقاريره الإدارية والتفتيشية جيدة ومخرجاته عمله كذلك حيث ينجح طلابه نجاحا متميزا ومع ذلك تتم مكافأته بجعله مديرا للدروس أو مديرا للمؤسسة، إذن فقدت الحجرة كفاءته وخبرته في التدريس وستدفع الإدارة ثمن عدم خبرته في مجال التسيير.

 حسب معلوماتي إن مناهجنا - وأنا مهتم بالموضوع منذ 20 سنة - ضعيفة جدا عن مستوى طلابنا وليس فيه أي مقرر دراسي إلا ويمكن إنجازه خلال شهرين أو ثلاثة بدل 9 أشهر وهذا يعني أنه بإمكانك أن تنجز مقرر 3 سنوات في سنة واحدة، وهذا بالمناسبة فيه تجارب قائمة بالفعل، هناك مدارس حين ينجح الطالب في السنة الأولى الإعدادية يتم ترشيحه في السنة الموالية لمسابقة ختم الدروس الاعدادية وحين ينجح في ابريفه يدرس سنة أولى ثانوية ويتم ترشيحه للباكلوريا بعد ذلك وحين ينجح في الباكلوريا فيتخرج من الجامعة وبعض زملائه ما زال في الباكلوريا، وهناك أشخاص أبناؤهم لم يدخلوا المدارس ودرسوا جميع المراحل (الابتدائية والاعدادية والثانوية ) في 4 سنوات، هذا يؤكد ضعف المناهج والمقررات وأنها لا تستجيب لاحتياجات التلاميذ ولا تستفيد من طاقاتهم، إذن التعليم مع الأسف الشديد دون المستوى وفاسد بكل المعايير، فاسد أخلاقيا وعلميا وماليا لكن الطريق لإصلاحه تبدأ كما قلت لك من تحسين الظروف المادية للمعلم أولا، والظروف المعنوية، فالمعلم هو الذي يستحق أن يزيد راتبه على المليون أوقية؛ لأنه فعلا يحتاج إلى ذلك، ولا ينبغي أن تكون رؤية الدولة ككيان أنها تعطي للشخص غذاءه اليوم ويرجع غدا للبحث عن غذاء آخر وإنما ينبغي أن توفر له جميع الحاجيات اليوم وتضمن له ذلك غدا وبعد غد.. الخ. فينبغي أن نوفر للمعلم حاجات الغذاء والدواء والترفيه، وحاجاته الاجتماعية، فالمعلم يحتاج أن يتغدى ويتعشى ويتداوى ويلعب، ويدرس أبناءه ويؤدي بعض الواجبات الاجتماعية ويستثمر للمستقبل، هذه احتياجات الإنسان الطبيعي ولا يقوم بها راتب معلم أو أستاذ، والنتيجة أن المعلمين يبقون في تدريس الساعات الخصوصية أو يذهبون إلى التجارة، وعلاقتهم بالتعليم حضور شكلي حتى لا تقطع رواتبهم، يأتي المدرس ليقف أمام 70 أو 100 تلميذ دون أن يفهم شيئا وقد لا يبالي هل فهموا أم لا، بل إنه ليس في وضعية يستطيع معها الإفهام، فالحقيقة أن التعليم فاسد وإصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح التعليم وإصلاح التعليم يبدأ من تحسين ظروف المدرس

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

الأستاذ محمد الحبيب ولد أحمد: قبل الختام أريد أن أسجل ملاحظة وهي أنني توصلت من خلال خبرتي وتجربتي إلى قناعة أن العمل الاسلامي اليوم ينبغي أن يكون مشروع أمة وليس مشروع حركة ولا مشروع حزب، وليس معنى ذلك أن الحركة والحزب لا يمكن أن يطوراه ،وإنما لأنه لا ينبغي أن يقتصر عليهما، أرى أن الاسلام اليوم يحتاج إلى جميع أبنائه ويمكن أن نمثله نحن الموريتانيين "بالخيمة " التي تعتمد على أعمدة متعددة فينبغي للمشروع الإسلامي أن يتجاوز المقولات الضيقة، ويتجاوز نظرة التفريط في طاقات الأمة، ومن مسؤولية القائمين على العمل الاسلامي توظيف طاقات الأمة، ولا ينبغي لمن لديه جهد يمكن أن يخدم الأمة أن يبقى جهده على الهامش ولا ينبغي أن يبقى من لديه أي جهد يمكن أن يخدم الاسلام دون أن تتاح له الفرصة، وأي شخص بقي على الهامش سيكون في النهاية طاقة من طاقات خصوم المشروع، الإسلامي، اليوم مشروع أمة وليس مشروع حركة ولا حزب وبالتالي ينبغي للقائمين عليه أن ينطلقوا من هذه الرؤية ويتعاونوا حولها مهما اختلفت مشاربهم ،ويتجاوزوا الأمور التقليدية مثل المعارضة والموالاة فتلك قضايا متجاوزة الآن، ينبغي أن نعتبر كل شخص يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومستعد لخدمة الاسلام، أن نعتبره جزء من هذا المشروع ومن أعمدته التي يعتمد عليها ،وهنا أذكر قصة شهيرة عن ذلك الرجل الذي كان يعمل منظفا لمرافق القائمين على المشروع الأمريكي لغزو الفضاء، وحين أتاه الرئيس الأمريكي سأله الرئيس"ما ذا تعمل هنا ؟" فقال له إنه يعمل في المشروع الأمريكي لغزو الفضاء فقال له "وما هو عملك بالضبط ؟" فقال له إنه يعمل في تنظيف مرافق المهندسين فقال له الرئيس "إذن أنت لا تعمل في المشروع فالمشروع يعمل فيه المهندسون فقط" فرد عليه عامل النظافة "هؤلاء المهندسون إذا لم يكونوا مرتاحين نفسيا لا يمكنهم القيام بشيء" ونحن كذلك مشروعنا يحتاج الكثير من جمع الشمل وتوظيف الطاقات، وفي النهاية بارك الله فيكم ووفقكم ونرجو أن يكون مشروعكم هذا مشروعا رائدا ،ويسد ثغرة وأرجو أن تلائموا فيه بين الطموح والتواضع، وأقصد بالطموح ألا تقفوا عند حدود وبالتواضع أن لا تعتمدوا على كل شيء