الوزير عمر ولد معط الله لموقع الفكر: إصلاح التعليم 1999م تضمن الكثير مما يلزم استدراكه( مقابلة)

السادة القراء يسرنا في موقع الفكر أن نلتقي بكم اليوم في مقابلة شاملة مع شخصية وازنة شغلت مناصب حكومية متعددة وسايرت فترات حساسة ومفصلية في مسار الدولة الموريتانية وأدارت ملفات مهمة ،إنه الأستاذ عمر ولد معط الله .

وقد تناولنا معه في هذه المقابلة رؤيته لواقع التعليم، وإنجازاته في وزارة التعليم التي كان وزيرا لها لأزيد من ثلاث سنوات، كما تناول اللقاء بعض القضايا المتفرقة والمطروحة علىظزواتلب لات الساحة الوطنية.

فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم الأستاذ عمر معط الله.

 

موقع الفكر: نود منكم تعريف القارئ بشخصكم الكريم من حيث (الاسم تاريخ ومحل الميلاد ، الدراسة و أهم الشهادات ، أبرز الوظائف )

عمر معط الله: أنا اسمي عمر ولد معط الله أنا من مواليد 1962م.  في "اتويدرمي" حصلت على شهادة الباكلوريا، وتخرجت من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية و حصلت على ماستر في الدراسات الإسلامية سنة 2019م.

 تخرجت  أستاذا مساعدا من المدرسة العليا للأساتذة سنة 1983م. ثم أكلمت الدراسة في نفس المدرسة لأتخرج منها أستاذا تاما سنة 1990م.

ومارست التعليم لسنوات، و تقلدت عدة وظائف سياسية وإدارية من أبرزها: (عمدة بلدية الرياض عام 1990م . ثم نائبا في الجمعية الوطنية 1992م. عمدة مساعد لمدينة نواكشوط سنة 1996م . وزيرا للتعليم الثانوي سنة 2010م . )

تقلدت بعض الحقائب في أحزاب سياسية من أبرزها نائب رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وأمينا عاما للحزب في فترة أخرى.

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا ؟

عمر معط الله: لا يمكن تقييم واقع التعليم في موريتانيا بمعزل عن الصورة العامة لبقية المشهد، فالتعليم يتأثر بالحالة العامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

و كثير من الناس يتسرع بإعطاء تقييم سلبي لواقع التعليم وأنا أميل إلى التقييم الموضوعي للتعليم، فكما تعلمون التعليم بدأ يعالج واقعا   تركه فيه المستعمر، وبدأ بأقلية من المدرسين تعكف على مجتمع متوجه إلى التمدن بسرعة هائلة؛ نظرا للجفاف الذي أصاب البلاد، في ظل ما يعرف بالهجرة الريفية إلى المدن الكبرى، ووجد الكادر التربوي نفسه أمام سيلا من المشاكل بسبب الإقبال المتزايد من المهاجرين ولم يصاحب ذلك الإقبال الكبير تكوين الطاقم التربوي تكوينا يتماشى مع الحاجة، ومن هنا بدأت مشاكل بنيوية وعضوية في التعليم، وظلت تتفاقم شيئا فشيئا كغيرها من المشاكل، ورغم كل ذلك تخرجت أجيال من الأطر لا بأس بها هي التي تقوم عليها الدولة الآن من موظفين وأساتذة و أطباء و غيرهم..

أما الآن فإن وضعية التعليم وضعية غير مريحة ويجب التصدي لها، لذلك هناك الكثير من الجهود التي تقوم بها الدولة وتعكف عليها من أجل إيجاد حلول قابلة للتطبيق والاستمرار، من أجل إيجاد إصلاح شامل للتعليم، و ربما نتكلم لاحقا عن تفاصيل ذلك.

 

موقع الفكر: ما هو تقييمكم للإصلاحات التي قيم بها؟

عمر معط الله: كما تعلمون قيم بالعديد من الإصلاحات التربوية وكل من هذه الإصلاحات جاءت في فترة معينة من فترات التعليم، وتلك الإصلاحات من أعمقها وآخرها إصلاح   1999م. فقد جاء في ظروف غيرت الاتجاه السائد في التعليم وأدخلت التدريس باللغة الفرنسية للمواد العلمية، وفصلت بين العمود الفقري للتعليم. ولم تكن الدولة مستعدة لمواجهة تكاليف هذا الإصلاح من حيث الموارد البشرية، وبعد عشرين سنة تبين وجود خلل كبير لا بد من مراجعته، فقد كان في هذا الإصلاح الكثير مما يلزم استدراكه، ولكن الإصلاح قانون يجب تطبيقه، مادام أنه لم يغير، ومادام لم يجري تغيير ستبقى انعكاساته قائمة على مخرجات التعليم، ففي السنين يلاحظ تراجع كبير في نسب النجاح في البكالوريا وذلك لا يعود إلى الإصلاح وحده، بل لعدة أسباب منها أنه لدينا برامج قديمة جدا زستواها قوي بالنسبة لتلاميذنا الحاليين، وأسئلتها قوية، وتدريسها لا يعطى النتائج المرجوة منه؛ لأن البرامج كثيرا ما لا يتم استيعابها في التدريس بل يبقى بعضها أو كلها لم يدرس، إذن فهذا الإصلاح يطرح إشكالا كبيرا وهو من الأسباب الأساسية لتدني التعليم.

 

موقع الفكر: ما الأسس الموضوعية الفنية للإصلاح الجاد والعناصر اللازم توفرها كي يبلغ الإصلاح مداه؟

عمر معط الله: يجب أن يراعى الإصلاح عدة أمور من أهمها البرامج، و تكوين الأطقم التربوية من مدرسين ومشرفين،  وإنشاء البنى التحتية اللازمة من مدارس وجامعات وغيرها من المباني الإدارية للتعليم ، ويجب كذلك الالتفات إلى الوضعية المالية للأساتذة والمعلمين، وينبغي كذلك مراعاة ظروف وضعية عديد من الأطفال الذين لا يجدون ما يعينهم على متابعة الدراسة، نظرا لضعف أسرهم ضعفا ماديا لا يتأتى معه التعليم، فلا بد من نظام الكفالات المدرسية المتضمن للتغذية والزي المدرسي الموحد كما لا بد من   توفير مصادر للدخل  لذويهم  تمكنهم من الاستغناء عن تشغيلهم في سن الدراسة .

ولأن الوسائل تطورت لا بد كذلك من التأقلم مع وسائل الإيضاح والشرح الجديدة ، لأن التعليم تطور ووسائل الإيضاح تطورت ووسائل الاتصال تطورت، فيلزم الدولة أن تراعي ذلك وتوفر معدات ووسائل عصرية.

ولا بد من التفكير في طريقة يكون بها المنهج على مستوى يمكن للتلميذ الاستفادة منه وأذكر أنني زرت السودان ولاحظت أن نسبة النجاح تصل إلى 80 % وطلبت منهم جذاذات للامتحان وعندما عدت إلى موريتانيا استدعيت المسؤولين الفنيين للبكالوريا وطلبت منهم  تقويم هذه الجذاذات فقالوا لي بكل افتخار هذا مستوى السنة الثالثة الإعدادية عندنا. فقلت لهم إن السودانيين عرفوا حقيقة تلاميذهم وامتحنوهم على أساسها  ونحن نريد من تلاميذنا أن يكونوا عباقرة ولم نعطهم الوسائل اللازمة لذلك ولا يمكننا إعطاؤها لهم بالطبع ، فأنت عندما تطرح سؤال على تلميذ تستغرق إجابته من الأستاذ ساعة فكم من الوقت يلزم التلميذ كي يجيب عنه!.

 فيلزم أن يكون السؤال سهلا بالنسبة للأستاذ ويكون على مستوى التلميذ، وليس هذا نقدا للقائمين على الامتحانات؛ لأنهم مقيدون بالإصلاح ومقيدون بالبرنامج، ويطرحون الأسئلة من البرنامج والبرنامج قانون،  وإذا لم يتغير البرنامج سيظلون يطرحون نفس الأسئلة، والنتيجة هي نفسها، لأن المستوى أضعف من الأسئلة التي تطرح، وهذا من أكبر المشاكل المطروحة لأبنائنا، فنحن أبناؤنا أذكياء وكثير من الآباء يستثمرون في الأبناء فيستأجر أساتذة في دروس خصوصية في كل المواد من رياضيات وفيزياء ولكن إذا جاء الامتحان يذهب كل شيء أدراج الرياح؛ لأن الامتحان صعب وبعض الأحيان يكون طويلا وفيه ألغاز وهذا هو نفس المنهج الذي كان سائدا، فنفس الأسئلة التي طرحت علي في البكالوريا  هي نفسها التي تطرح على أبنائي اليوم وهذا ليس موضوعيا.

 فيلزمنا أن نراجع هذا المعضل ونتوقف عن جلد ذواتنا فمن يتجاوز عقبة البكالوريا من أبنائنا ويذهب إلى الخارج يتفوق أحيانا؛ لأن أبناءنا ليسوا بلداء، إذن لا يمكن أن نتابع ونواصل التضحية بالأجيال بعد الأجيال من أجل أمور بسيطة يمكن الاستغناء عنها، ويمكن استبدال البرامج ببرامج أخرى والساعات بساعات أخرى.  

فمثلا لماذا لا يكون امتحان البكالوريا عبارة عن عمل  تراكمي من عمل التلميذ في آخر ثلاث سنين من الثانوية، فتكون ثلاث سنين في كل سنة لديك نسبة من برنامج الباكلوريا، ويبقى ربع هو الذي تمتحن عليه في الباكلوريا، بعد النهاية تكون قد حصلت على شيئا وبعد إجراء امتحان الباكلوريا تكون عندك نتيجة تضاف إلى عملك طيلة ثلاث سنين فما المانع من هذا؟ فبدلا من أن يكون مسار طويل من التعليم من الابتدائية إلى الثانوية يتم تحديد مصير أصحابه والحكم عليهم في أربعة أيام وهذا ليس منصفا.

أظن أن هذه الأفكار وغيرها إن وجدت من يعكف عليها و يستمع إليها بجدية يمكن أن تكون حلا مبشرا للأبناء وللآباء؛ لأننا لا يمكن أن نكون بلداء في التعليم وحده.

فنحن قد تألقنا في  القطاعات الأخرى التي شهدت نهضة و تطورا ملحوظا مثل المجال الأمني و المجال  التجاري و الطبي والتجاري  و حتى الرياضي وتبقى المشكلة في التعليم وحده، فهناك خلل يجب البحث عنه، أين هذا الخلل؟ يجب أن نبحث عنه جميعا.

 

موقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل تربوي أم مشكل سياسي؟

عمر معط الله: المشكل اللغوي إذا كان مشكلا، فليس تربويا ولا سياسيا، لكن أهل السياسة إن كانوا يريدونه مشكلا سياسيا فهو مشكل سياسي وأهل التربية إن كانوا يريدونه مشكلا تربويا فهو مشكل تربوي ، ولكن بالنسبة لنا نحن الموريتانيين فالأمر محسوم بالنسبة لنا وهو أن اللغة العربية هي لغتنا الرسمية وعندنا لغات أخرى ندرس بها طبقا للإصلاح الجاري حاليا، وإذا حدث تغيير في ذلك الإصلاح فليس أكبر خلل نواجهه اللغة لأننا كنا نتألق في دراساتنا وليس لنا من لغة إلا الفرنسية في مرحلة ما قبل إصلاح 1966م. وتألقنا عندما كنا ندرس باللغة العربية فقط، وكما تعلم فأنا دخلت المدرسة سنة 1967م. وكانت الفرنسية هي السائدة آنذاك ولم نجد مشكلة ودرس زملائي وزملاؤنا الذين تخرجوا ودرسوا باللغة العربية كانوا أساتذة محترمين ومتألقين ولم يجدوا مشكلة، فاللغة أو اللغات تسيس أحيانا أكثر من المطلوب وما ينبغي فعله هو إبعاد التعليم عن السياسة لأنها لا تصلح له ولا يصلح لها؛ ولأنه قضية جوهرية قضية أجيال، فقضية التعليم قضية تسيير مدد وسنين وليست المسألة مسألة استحقاقات سياسية فاللغة ليست هي المشكلة الكبرى، وهناك مدارس في التربية تقول إن من تعلم بلغته الأم يكون أداؤها أكبر. وأنا من الناس الذين يميلون إلى أن المسلمين لديهم فرصة أكبر من غيرهم وهي أن من عكف على القرءان الكريم وأخذه يكون لديه حصانة وحصيلة هائلة من اللغة والأمثال والمثل وإذا دخل المدرسة لا تكون لديه أي مشكلة في أي لغة أخرى؛ لأنه تشبع من العربية أسلوبا وبلاغة وحلاوة، وأي لغة أخرى تكون بالنسبة له لغة انفتاح ورافدا وعونا .

 

موقع الفكر: ما المخرج السليم من الإشكال اللغوي؟ هل الحل في تعميم اللغة العربية؟ أم في الإبقاء على اللغة الفرنسية كعامل موحد؟

عمر معط الله: على كل حال أنا أعطي الملاحظات كمراقب من بعيد لأني وإن كنت في الأصل من أهل القطاع إلا أنني قد تقاعدت، وليست لي  معرفة دقيقة جدا بعدد ساعات اللغة العربية والفرنسية، إلا أن تدريس اللغات الوطنية  مطلب قديم والدولة دائما تطرحه خيارا من الخيارات الوطنية وأنا أوافق على ذلك، ولكن من الناحية المنهجية والتطبيقية هناك الكثير من المعوقات في التدريس بهذه اللغات ولدينا مشاكل كبيرة في التدريس باللغة الفرنسية والعربية نظرا لشح الوسائل البشرية والمادية اللازمة للتدريس بهما، فإذا انضافت لهما خيارات لغوية أخرى قد يكون لها انعكاس إيجابي على التعليم وإن كنت ممن يرى الإكثار من التنويع في تدريس اللغات فلغاتنا الوطنية عامل وحدة فيجب أن نفكر فيما يوحدنا لغويا كي نستطيع التفاهم والتفكير معا، وألا تطبينا لغة أخرى رابعة أو خامسة قد لا تكون موحدة بالضرورة،  فالفرنسية قد لا تكون عامل وحدة بل قد يعرفها أشخاص ولا يتكلمون معا وللموريتانيين من العوامل الموحدة ما يستطيعون به التفاهم دون الحاجة إلى اللغة الفرنسية، فالموريتانيون لديهم من العوامل ما يوحدهم ويجعلهم في غنى عن الفرنسية. فالتعليم مسألة فنية جدا والتسرع بوضع أمور غير مدروسة لا يؤدي إلا إلى فسادها، فأي شيء يتعلق بالتعليم يجب أن يدرس ويعرف لماذا أخذ؟ وماهي النتيجة المطلوبة منه، سواء كان فرنسية أو لغات وطنية،  أما إذا كان إدخال المواضيع إرضاء لمجموعة معينة فهذا لن يفيد لأنه ليس لوجه الله ولا لمصلحة التعليم، بل إرضاء لمجموعات يمكن إرضاؤها بمواضيع غير التعليم.

 

موقع الفكر: ماذا عن واقع موظفي التعليم؟

عمر معط الله: على كل المدرس عنصر أساسي في العملية التربوية، وعنصر أساسي في احترام العلم واحترام مهنة التعليم، وجعله في ظروف حسنة تجعل الموظفين الآخرين يغبطونه يجب أن يكون هو الاتجاه وأي استثمار في هذا المجال يعوض كل شيء، ويجعل المدرس لا يطمح إلى أي مجال آخر أفضل من قطاعه، وهذا لا بد له من الوسائل والإمكانيات، ولا يمكن أن يأتي هذا إلا تدريجيا وأشهد أن وضع المدرس بدأ يتحسن مقارنة مع الوضعية التي كان فيها المعلم والأستاذ، وأرجو أن تكون ميزانيات الدولة تعطي أضعافا مضاعفة لوزارات التعليم ويكون نصيب الأسد منها موجه للمدرسين والأساتذة، ويكون للقطاعات الأخرى نصيبها، لكن نصيبها استثماري، وما يوجه للمصادر البشرية هو الأساسي.  وأرى أنها مشكلة بالإمكان حلها لأننا بإذن الله تعالى قادمون على مرحلة من ثروات الغاز وربما البترول وأرى أن توجه إلى قطاعين حيويين هما قطاع التعليم والزراعة وإن كان من قطاع ثالث تلزم العناية به فهو قطاع الصيد؛ لأن المثل الفرنسي يقول إن المعدة الخاوية لا تسمع شيئا سواء كانت معدة الأستاذ أو معدة التلميذ، فلا يمكن أن يستمع إلا إذا كان إذا التفت سيجد الحقول الخضراء من الأرز والذرة وغيرها والسمك والحيوانات فيمكن أن يسمع شيئا وأرى أننا بدأنا في هذا الاتجاه مع مهرجان التنمية الريفية وقد يكون بذرة في اتجاه تطوير هذه القطاعات وأرجو أن يكون التعليم من بين هذه القطاعات وأنا من المتفائلين دائما ومن أصحاب النظرة الإيجابية لقطاع التعليم .

 

موقع  الفكر: إلى ما ترجعون الأزمة المستفحلة في ندرة الكتاب المدرسي؟

عمر معط الله: إن كنتم تتحدثون عن هذه السنة فهي سنة استثنائية؛ لأنها شهدت وباء كورنا، والسوق العالمية مستعصية؛ مما قد يسبب تأخرا في هذا المجال،  أما السنوات الماضية فهي ليست على مستوى واحد، فتارة يتوفر الكتاب في بعض السنوات ويشهد ندرة في بعضها، وربما تكون مشاكل تتعلق بالسوق وتوزيع الكتب على المدارس، لكن لا أرى إشكالا كبيرا في هذا، فأنا أعرف القائمين على الكتب وهم خليات نشطة جدا وتعمل على إعداد الكتب والسوق العالمية مفتوحة، ومن لديه الإمكانيات يستجلب ما يشاء من الكتب ولكن  الكتب في حد ذاتها ليست هي المشكلة، بل قد يكون توفرها هو سبب المشكلة لأن البرنامج الذي كتبت به قد يكون صعبا على التلاميذ، فإذا لم يكن البرنامج على المستوى فالكتاب لا يمكن أن يكون على المستوى، فهذه أمور تحتاج إصلاحا، والكتاب رافد من روافد الإصلاح، ويجب أن ينظر في العوائق التي تجعله توفره مشكلة. 

 

موقع الفكر: إلى ما ترجعون الأزمة المستفحلة في نسب النجاح في الامتحانات الوطنية؟

عمر معط الله: أرى أن الأزمة الكبيرة في الامتحانات الوطنية تعود إلى مستويات التلاميذ التي لا تؤخذ في عين الاعتبار عند طرح الأسئلة. فالأسئلة كثيرا ما تكون مرتبطة بالبرامج والبرامج كما قلت إنها ليست على مستوى التلاميذ، وهناك أمور تخص الرقابة فكثيرا ما تكون مشددة جدا في الامتحانات الوطنية وطيلة سنوات دراساتهم لا يعرفون الرقابة، والواحد طيلة دراسته ينجح وربما يختلس في جميع السنوات السابقة وعند وصوله إلى الامتحان الوطني يجد أمامه رقابة شديدة وكثير من الآباء يعرفون أن أبناءهم يختلسون ويعرفون ضعف مستوياتهم ومع ذلك يأتون إليهم بنتائج ممتازة ولا يسألونهم عن مصدر تلك النتائج، فكأنما التلميذ يخادع بنفسه والمعلم يخادع التلميذ والإدارة تخادع المعلم فإذا جاء الامتحان انقشع الحق وهذا يجب أن يتوفق وأرجو أن يكون تحليلي خاطئا، وبعض من التلاميذ يجعلون في ظروف مقلقة والقلق لا نجاح معه ويجب أن يوضع التلاميذ في ظروف غير ضاغطة ومن وضع في ظروف هادئة  حال الامتحان يمكن أن يعطي ما كان يعطيه في الحالة العادية.

 

موقع الفكر: هل تعتبر نسبة النجاح دليلا على الفشل أم دليلا على الصرامة في الرقابة؟

عمر معط الله: لا يمكن للمرء أن يحكم حكما سريعا بالفشل فلنسبة النجاح الكثير من العوامل قد تكون منها الصرامة المفرطة، وقد تكون من علو مستوى  الأسئلة وقد تكون من  طولها وقد تكون من الإهمال وقد تكون من الإهمال المتكرر للتلميذ، فلا رقابة عليه وقد تعود على النجاح فيما مضى سواء درس أم لم يدرس فيريه الواقع امتحانا جديا قد يكون الأول في حياته لأنه لم يتعود الرقابة، لذلك فهو لن ينجح.

 

موقع الفكر: إلى ما ترجعون الأزمة المستفحلة في القدرة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي؟

عمر معط الله: لا أرى أنها أزمة مستفحلة وقد لا أرى أنها أزمة في الأصل؛ لأن تعليمنا العالي تعليم ناشئ، وحدثت فيه قفزة كبيرة خلال السنوات الماضية الأخيرة،  نظرا لتطور البنيات الجامعية والنقل الذي تم توفيره، وحدثت فيه إصلاحات يجب أن تذكر، وهي إصلاحات سائرة على الطريق، لكن يجب أن نتذكر الوضعية التي كان فيها تعليمنا العالي، فقد كانت في السابق لدينا مدرجات ضعيفة الاستيعاب، من ناحية أخرى فرغم ضعف نسبة النجاح في البكالوريا فتنجح ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف تلميذ سنويا ولا تستوعبها  المنح الدراسية للخارج وهذه النسبة كبيرة جدا  وإن تعجب من التعليم الجامعي فاعجب من التعليم الثانوي الذي يبتلع سنويا 15 أو 16 ألف تلميذ أين تدرس هذه الألوف! ولكي يكون المرء منصفا يجب أن ينزع قبعته احتراما لهؤلاء الرجال  والنساء من المدراء وخاصة مدراء الدروس؛ لأنهم يمارسون عملا جبارا من الناحية التقنية فقط تدخل وتدرس وتتخرج بغض النظر عن مستواها، إن كان جيدا أو غير جيد فتلك مسألة أخرى فتسيير هذه الجموع أمر صعب للغاية، ولك أن تتصور معي أن الأستاذ والمعلم عدد الساعات التي يعطيها لمهنته أقل بكثير من الساعات التي يعطيها غيره من أصحاب الوظائف الأخرى، لأنه من المفروض أنه إذا تغيب أن تحدث ضجة حول غيابه أما أصحاب المكاتب ففي وظائفهم فالله حسيبهم ونرجو أن يكون ملتزمين بالدوام ولا تقل لي إنه تسرب فمن المفروض أن لا يدرس في المدارس الخصوصية إلا بعد انتهاء دوامه الرسمي.

 

موقع الفكر: ما أهم إنجازاتكم في وزارة التعليم؟

عمر معط الله: أمضيت ثلاث سنوات تزيد قليلا في الوزارة ولم تكن إلا محاولة لتحسين ظروف المعلم والأستاذ ومحاولة توفير الطاولات في جميع المؤسسات، ومحاولة إيصال الكهرباء وهذا أمر بدهي وليس إنجازا ولكنه حدث في تلك الفترة، وأكبر الإنجازات في تلك الفترة هو وضع نظام للمفتشين، وكان مفيدا وهاما لأن التعليم الثانوي لم يكن لديه نظام للمفتشين قبل تلك الفترة، وأنا بصفتي أستاذا أعلم أن زملائي كانوا يتوقعون مني أكثر ولكن الدولة مشاكلها أكبر من أن يكون التعليم وحده هو ما لديها من مشاكل وإذا لم تعط الأولوية كل سنة لكل قطاع على حدة ووجهت كل الميزانية لذلك فمن الصعب أن تحدث نهضة كبيرة، فالدولة مثل رب أسرة كثير العيال إن صرف على لباسهم في العيد لا يمكنه أن يشتري أضحية وإن اشترى أضحية لم يشتر اللباس، فقطاعات الدولة تحتاج الكثير من المهارة كي يتم الإنجاز فيها خلال السنة، وأرى أن التعليم ولو بعد حين يجب أن تعطي له لفتة كبيرة من الميزانية حتى يكون على المستوى؛ لأن كل شيء يتعلق به.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني؟

عمر معط الله: تقويمي أنها سنة ونصف من السلم الاجتماعي، من اجتماع كلمة الموريتانيين، وسنة من الإنجازات رغم هذه الكارثة الكبيرة، ولأول مرة المواطنين يكون لديه شبه راتب، ولديه وتأمين صحي رغم أنه ليس موظفا، فهذه أرى أنها خطوات حثيثة على طريق الإصلاح.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء مندوبية تآزر؟

عمر معط الله: على كل حال ما زلنا في بدايتها وقد بدأت في بعض المشاريع التي وصلت المواطنين من بينها توزيع بعض النقود، وإن كان البعض لا يرى هذا الأسلوب، لكن هناك بعض المواطنين الذين يحصلون لأول مرة في حياتهم على مثل هذه المبالغ دفعة واحدة، فأربعة وعشرون أو ثلاثة وعشرون ألف أوقية بالنسبة لأولئك يعتبرون هذا لفتة، وفي هذا تنبيه لبعض الخيرين الذين لم يكنوا منتبهين إلى أن من أعطى إنسانا عشرين ألفا فقد أعطاه مبلغا معتبرا، وهي أفضل من توزيع أكياس القمح التي لا تتجاوز أثمانها خمسة آلاف أو ستة آلاف أوقية.

 إضافة إلى مكونات المشروع الأخرى وأظنها طموحة جدا وإن كانت لم تؤت أكلها.

 

موقع الفكر: هناك من يرى أن الاسترقاق ما زال موجودا وهناك من يرى أن مخلفاته هي الباقية مع أي الرأيين أنتم؟

عمر معط الله: لست مع أحدهما فالرق كظاهرة بشكلها القديم لم يعد موجودا، والآثار ليست وحدها هي الباقية فهناك عقليات وكلمات لها وقع في القلب ما زالت تقال، ومن قالها فقد يعتبر استعبد إنسانا، ولا أدل على ذلك من الضجة الأخيرة التي وقعت في ودان فكلمة خادم أو عبد ما زالت تهز أركان الناس سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة، ما دام أنه موجود من يمكن استفزازه بمثل هذه العبارات فالمشكلة ما زالت قائمة ويمكن حله بشيء واحد وهو الاقتناع بأن الملك جل جلاله واحد وأن الأب واحد وهو آدم عليه السلام وأن الناس سواسية وأن كثيرا من القرصنة واللصوصية التي دأبت عليها البشرية جاء هذا الدين لمحاربتها، فمن خالف الدين  لا يجوز له أن ينسب إليه ذنوب البشر وكون المرء يترك كبائر الإثم كالزنا واللواط وشرب الخمر واستعمال المخدرات ولا يندى لها جبينه وينادي بكلمات الاستبعاد فينبغي إدراج استعباد الناس في الجرائم أما أن ينادي بضرورة محاربة العبودية ويترك محاربة هذه الآثام فهو مما لا يجوز، أحرى إن كان الإنسان يقارف هذه المحرمات، فمن يترك حقوق الرحمن غير مؤهل لاحترام حقوق الإنسان ولن يكون له دور فيها وربما يلعب على حقوق الشيطان، فأنا لست منتميا لإحدى المدارس، فلا أنفي وجود الرق ولا أتحمس للدعايات المغرضة حوله وأرى أن هناك شريحة يجب أن تترك لتعيش بسلام فالواحد يربي أبناءه على أنهم شرفاء مثل بقية الناس  ولم يجدوا ما ينفي لهم ذلك فكل أبنائنا الموجودون في القرى والأرياف لم يستعبدهم أحد و إذا بهم تمتلئ آذانهم من كلمة العبيد ومن يريد أن ينغص عليهم عيشهم  لا يريد لهذا المرض أن ينتهي، والمرض إذا كان على الألسنة ذكره يبقى موجودا إذن يجب على المرء أن يثق في نفسه فالله سبحانه وتعالى كرم الإنسان والنبي عليه الصلاة والسلام وضع من الشروط للعبودية ما يستحيل تطبيقه وقد قال الخليفة عمر رضي الله عنه متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحرارا، وقد جرمت العبودية من قبل الدول الحديثة وكانت دولتنا ممن جرمتها حكما، ومن يحب أن تبقى له ورقة دائمة  يلعب بها فعليه أن يضيف للعبودية ورقة الزنا وورقة الكذب وأكل الغيبة  لكي يجد من يساعده فيها وإذا وجدت من يعينني في إنشاء منظمة تحارب مثل هذه الظواهر فأنا مستعد للعمل معه.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في ميثاق لحراطين؟

عمر معط الله: فيه كثير من الشخصيات المحترمة وكان يقوده المرحوم محمد سعيد بن همدي وهو من كبار مفكري هذا البلد وليس لدي انتقاد للميثاق ولكن نظرتي في الحياة أن الله تعالى خلقني لكل الناس ولن أقبل أن ألحق بمجموعة منهم ضد أخرى  وأنا مع الحقوق لكل مظلوم ولكنني لا أناضل عن أناس بسبب لون عيونهم أو شعرهم أو غير ذلك من الصفات الخلقية فهذا خلق الله  تعالى لكني مع أي مظلوم كائنا من كان حتى ينال حقه  و لكن لا  أعمم مطلقا.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

عمر معط الله لا إله إلا الله محمد رسول الله أدعو الناس إليها حتى يقوا أنفسهم من الله، أوصي مجتمعنا أهل موريتانيا بالوحدة ونبذ النعرات والفرقة، وأوصيهم بالتعلم وأول ذلك كتاب الله فمن اشتغل به لن يجد ما فيه في غيره، وأن تكون لهم نظرة متفائلة في المستقبل في تعليم أبنائهم وصحتهم وأن تقول للناس حسنا وأن تقول لأنفسها حسنا، ويتفاءلوا بالخير لعلم أن ينسوا الشر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.