كوفيد 19: المعلومات المفقودة في موريتانيا / البخاري محمد مؤمل

من الواضح أن الدولة سارية بشكل لم يسبق له مثيل في مكافحة جائحة كوفيد 19 على جميع الأصعدة: التحسيس، التثقيف، التلقيح... ميادين تشهد حملات غير مسبوقة في موريتانيا، مدعومة بإجراءات عملية تفرض التقيد بالإجراءات الاحترازية.

عاجلا، وليس آجلا...

وهذا المجهود الصحي العظيم يدفع الأمل والسرور في أنفسنا، لأنه لا محالة سوف يساهم في كبح وتيرة العدوى، عاجلا أم آجلا. غير أن السرعة هي الرهان: كلمة "آجلا" غير مقبولة.

العمل من أجل تراجع وتيرة العدوى في أسرع وقت ممكن هو المحرك والمقود الذي ينبغي أن يشكل نبراس الخطة المتبعة. وطبعا فعالية العملية وضمان نتائجها في أقل الآجال يقتضيان تبني المواطنين لها واندماجهم الواعي والمسؤول في المجهود الصحي الوطني المبذول بالإضافة إلى متابعة يومية دقيقة للمعطيات الوبائية بشكل يسمح بتقييم سليم لفعالية الاستراتيجية المتبعة. وعدم التراخي في التصدي للجائحة يتطلب طبعا الوقوف على مسار الوباء ومتابعة المنحنيات المتعلقة به لحظة بلحظة.

المؤشرات الوبائية

الأعداد اليومية للفحوص، والإصابات، والوفيات، ولحالات الشفاء تشكل فعلا معلومات مهمة. لكن من اللازم تحليل هذه المعطيات الخام بغية استنباط معطيات واستنتاجات تنيرنا حول نمو الخطر، أو تراجعه، أو ركوده. ويتأتى ذلك من خلال استنتاج معطيات وبائية معترف بها دوليا، نذكر منها أربع مؤشرات تُعتبر رئيسية:

الإيجابية (positivité): هي النسبة المئوية للنتائج الموجبة مقارنة بالعدد الإجمالي للفحوص في حيز زمني معين. ولا ندري هل يُجرى حسابها فقط بالاعتماد على نتائج الفحوص التي تستخدم فيها التقنيات الأكثر مصداقية، أي: فحوص "بي سي ارْ (PCR). إن كان الأمر كذلك، فإن هذه قليلة جدا في بلادنا حسب ما تُظهره البيانات اليومية الصادرة عن وزارة الصحة. وتتباين المراجع المتوفرة على الشبكة العنكبوتية حول مستوى الخطر. فبعضها يشير إلى أنه يبدأ من 2% وكنا قد تبنيناه سابقا. غير أن تحريات أكثر دقة تبين أن مستوى الخطر عندما تزيد الإيجابية على 10%.

نسبة التأثير (taux d’incidence): هو عدد الإصابات في كل مائة ألف مواطن. ويتم حسابه دوريا لفترة زمنية محددة من الأفضل ألا تزيد على أسبوع. ويعتبر الوضع الوبائي خطيرا إن زادت حالات الإصابة على 50 حالة لكل 100000 مواطن. ولسنا ندري هل وكيف يُحسب هذا المقياس الوبائي في موريتانيا. ورجاؤنا أن تتقاسم السلطات المعنية بانتظام هذه المعلومة مع المواطنين.

عامل تكاثر الفيروس (تطور ال: R0): هو العدد المتوسط للأشخاص الذين يمكن لفرد مصاب بالمرض أن ينقل لهم العدوى. ويسمى: "ارْ صفر" (R0)؛ حيث R=reproduction. وله ثلاثة مستويات تتفاوت خطورتها حسب تباين قيمها:

أخضر (عادي): قيمة (R0) بين "ضفر" و 1

برتقالي (مثير للانتباه) : قيمة (R0) بين 1 و 1,5

احمر (خطير): قيمة (R0) تفوق 1,5.

الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في مجال الإنعاش: بصورة مختصرة يعكس هذا المؤشر مستوى الطلب على الإنعاش وكذلك مستوى الضغط على الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في نفس المجال. وهو يعني نسبة المرضى الموجودين في العناية المركزة أو في وحدة المراقبة المستمرة مقارنة بإجمالي الأسِرَّة المتوفرة عادة في المستشفى. ويقاس هذا المؤشر حسب ثلاثة مستويات:

الأخضر: معدل الأسِرَّة المشغولة بين 0 و 30٪ ؛

البرتقالي: معدل الأسِرَّة المشغولة بين 30 و 60٪ ؛

الأحمر: معدل الأسِرَّة المشغولة يزيد على 60٪.

أين نحن من المؤشرات الوبائية ؟

لا يمكننا تقديم جواب دقيق، رغم أن المعطيات دقيقة بطبيعتها، ورغم أن آليات الحصول عليها متوفرة مبدئيا. لكن البيانات الصادرة عن السلطات المعنية لا تتناولها، لا في بياناتها اليومية ولا في تقاريرها الأسبوعية التي توصلنا إلى الولوج لها احيانا.

غير أنه من المرجح أننا فوق مستويات الخطر بكثير فيما يعني المؤشرات الوبائية السابقة الذكر. صحيح ان النسب قد تتفاوت من مؤشر لآخر، إلا أن أعداد الإصابات اليومية في البلد تعد بالمآت بينما الفحوص قليلة؛ مما ينذر بأن ما خفي قد يكون أعظم ! ومن الضروري الآن العمل على تصحيح هذا الخلل المقلق. وأن نقوم تبعا لذلك بتوفير المعطيات وتحليلها واستخراج النسب والأرقام الكفيلة برسم منحنيات الوباء، حتى نقف بشكل صحيح على مساره. ويجب طبعا اطلاع المواطنين بصورة دقيقة ومنتظمة على تلك المعلومات. فالمنحنيات المُبيِّنة لمسار العدوى لا تترك مجالا للشك لدى الناس وبثها يشكل عامل توعية أساسي لدفع المواطنين إلى التقيد بالإجراءات الاحترازية وإلى الاسراع في تلقي اللقاح.

حذار من وباء المعلومات !

ومن المطلوب أيضا توفير المعلومات والشفافية الكاملة حول هذا الجانب: ما هي اللقاحات المتوفرة وبأي كمية؟ وما هي طرق وأماكن استخدامها؟ فمثلا: لقاح " اسْترا زينيكا" غير متوفر في البلد منذ أكثر من شهر. وكثير من الناس أخذوا جرعته الأولى، وقد حان موعدهم مع الجرعة الثانية. فكيف يفعلون مع غياب المادة؟ ومتى وكيف سيتم الحصول عليه؟ وما هي التدابير المتخذة حتى لا يتكرر هذا الأمر مع هذا اللقاح أو مع لقاحات أخرى؟

فالسهر على اليقظة الصحية لدى المواطنين، تقتضي اعلامهم واتباع شفافية تجاههم لا تترك مجالا للمشككين وناشري المعلومات المغلوطة والإشاعات الكاذبة، علما أن هؤلاء يشكلون اليوم أكبر خطر على سبيل مكافحة جائحة كورونا. حتى أن منظمة الصحة العالمية أطلقت في هذا الصدد صفارات انذار ضدهم عبر ما أسمته: "وباء المعلومات" إنفوديمي" (infodémie). وكلنا نعلم ان هذا النوع من الوباء يلقى، مع الأسف، ارضا خصبة في بلادنا بقدر ما هو منتشر في العالم كله.