العضو السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي محمد كوريرا في حوار شامل مع موقع الفكر/ الدولة من الشعب.. تقوى إذا كان قويا وتضعف إذا كان ضعيفا.

حرصا منا في موقع الفكر على الاستفادة والإفادة، وسعيا إلى نقل التجارب في كل ميدان، ووضعها بين يدي المهتمين قصد الاستنارة بها، وترسم خطاها، لتجويد العمل وتحقيق الغرض ،والتكامل بين السابق واللا حق، نستضيف لكم اليوم وجها سياسيا رائدا ،وشخصية لها حضورها القوي في الساحة الوطنية، وأحد رموز النخبة المستعربة في المجتمع السوننكي الموريتاني، نلتقي معه اليوم لنحاوره في جملة أمور من ضمنها واقع العربية والناطقين بها والمتعلمين بها ،وفرصهم في هذا البلد، إضافة إلى بعض الأمور التي تهم ثقافة المجتمع السنونكي، وفي المقابلة أشياء أخرى، نترك لكم متابعة كل ذلك مع ضيفنا الكبير الأستاذ محمد كوريرا.

 

موقع الفكر: موقع الفكر: نود منكم تعريف المشاهد بشخصكم الكريم من حيث الدراسة والشهادات والمناصب التي تقلدتم؟

محمد كوريرا: اسمي هو محمد كوريرا، ولدت في "أكوينت" مقاطعة "سيلبابي" ولاية "كيدي ماغا"، وأنا سليل أسرة لها تاريخ طويل مع المحظرة، فقد أسسنا محظرتنا الأولى قبل ثلاثة قرون على يد جدنا "محمد واريمارو" ثم ابنه "فودي بوبو كوريرا" و"عبد الرحمن كوريرا" و"إدريس محمد كوريرا". وقد درست في هذه المحظرة على عمي فودي بوبو كوريرا، فدرست فقه مالك كما يدرس في المحاظر الموريتانية، ثم انتقلت إلى نواكشوط لمواصلة الدراسة في مدارس الفلاح النظامية.

وحينما حاول معي بعض الإخوة الذي يقطنون في فرنسا وإسبانيا  كي أترك دراسة اللغة العربية وكانوا يقولون لي إن  التعليم في موريتانيا وخاصة تعليم  اللغة العربية غير مهم، توجهت إلى القاهرة حتى لا أتأثر بتلك الدعايات ودرست فيها 15 عاما، وحصلت فيها على باكالوريا ثم الشهادات الجامعية من جامعة الأزهر، وبعد عودتي إلى هنا حصلت على منحة دراسية من الحكومة الموريتانية لمتابعة دراساتي العليا في معهد الدراسات والبحوث التابع لجامعة الدول العربية، وحصلت منه على ماجستير في التاريخ والحضارة وتخرجت منه عام 1994م.

وبعد ذلك  بحثت عن العمل من أجل المشاركة في بناء البلد ثقافيا واجتماعيا ودينيا، ولكن الأمور لم تكن بتلك البساطة فقد واجهت صعوبات جمة وأدركت ما كان يقوله لي أصدقائي من أن تعلم اللغة العربية في موريتانيا غير مهم، فلم أجد وظيفة وناضلت ودافعت ودعمت الرئيس معاوية، لكن خصومي أو خصوم اللغة العربية كانوا أقوى مني فلم أحصل بسبب ذلك على وظيفة منذ 1994م. حتى 2007م.  في زمن الرئيس الراحل سيدي محمد بن الشيخ عبد الله رحمه الله الذي عينني مكلفا بمهمة في الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، ولم ولن أنس أن الشخص الذي لعب دورا عظيما في ذلك التعيين هو محمد محمود بن إبراهيم اخليل جزاه الله عني خير جزاء في الدنيا والآخرة، وهو سفيرنا الحالي في ألمانيا الاتحادية، ثم بعد سنة من ذلك وقع التغيير عبر ما سمي بالحركة التصحيحية برئاسة فخامة رئيس الجمهورية محمد بن عبد العزيز، فدعمته وعينني أمينا عاما للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لمدة 11 عاما فجزاه الله عني خيرا.

 وفي  21 أكتوبر 2020م عينني فخامة رئيس الجمهورية محمد بن الشيخ الغزواني رئيسا لمجلس إدارة مستشفى "سيلبابي" فجزاه الله عني خيرا، ولن أنس  أبدا أن الذي لعب دورا هاما في هذا التعيين هو الأخ سيدي محمد الطالب اعمر رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية فجزاه الله عني خير الجزاء في الدنيا والآخرة، ولم أكن السونينكي الوحيد الذي تخرج من قسم اللغة العربية، فقد تخرجت مع أناس من مجتمعي، ولكنهم لم يستطيعوا أن يصمدوا في مواجهة هؤلاء الذين يحاربون اللغة العربية ومن يتكلم بها ويدافع عنها مثلي.

وأكثر أولئك هاجروا إلى فرنسا؛ لأنهم لم يجدوا آذانا صاغية تستمع إليهم حتى يستطيعوا المشاركة في بناء البلد، فالثقافة السائدة كانت أن المثقف العربي لا يصلح إلا أن يكون في المسجد أو أن يكون "حجابا" أو يغسل الموتى، وما شابه ذلك، وهناك موريتانيون  مخلصون يدافعون عن اللغة العربية، وحتى من الإخوة المتفرنسين الذي يؤمنون بالله وبهذا الإسلام العظيم وبالرسول صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وباللغة العربية،  مؤمنون بهذا وكانوا يحترموننا، ولكن لم تكن لديهم سلطة تمكنهم من مساعدتنا في الحصول على الوظائف التي كنا نتمنى.

وأصبحت ولله الحمد لله   ـ كما يقول البعض ـ صديقا  للدولة  وأدافع عن  اللغة العربية، وليس هذا من أجل فلان أو علان، بل لأنها لغة بلدنا ولغة ودستورنا وقرآننا ولغة صلاتنا ومسجدنا و محاظرنا وكتبنا التي درسنا ولغة نبينا العربي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .

 

موقع الفكر: كم نسبة الذين يتحدثون اللغة العربية في المجتمع السونوكي؟

محمد كوريرا: كثيرون، فربما يكونوا حوالي 50 أو 60 %  أو أكثر من ذلك؛ لأننا من   الأوائل الذين  تعلموا اللغة العربية، فنحن عندما جئنا إلى هنا وجدنا أنفسنا غرباء في بلدنا، وحتى الذين كانوا يهتمون باللغة العربية تركوها؛ لأنها بلا مستقبل، ولأنه لا يمكن للشخص أن  يقضي 20 عاما من حياته في الدراسة وبعد رجوعه إلى بلده  يصير كالأجنبي فيه.

ولذلك صار الناس لا يهتمون بدراسة اللغة العربية، ولكن نحن نشجعهم على دراستها؛ لأن من كان مؤمنا بأمر ما لا بد أن يناضل من أجله وليس هناك من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد ناضل برسالته المقدسة، فحتى ولو كرهها الظالمون فنحن سنبلغ رسالتنا ولا ينبغي أن تنتظر ناقة ولا جملا ولا ثناء ولا مدحا.

ولأن هذا خدمة للمجتمع لأننا لا نمتلك لغة يمكن أن توحدنا غيرها، والله تبارك وتعالى أكرمنا بهذا الإسلام العظيم، وبعض الناس يظن أن اللغة العربية خاصة بمجموعة معينة ك"البيظان" أو "العرب" وهو ادعاء خاطئ فالعربية أكبر من أن تكون لغة للعرب وحدهم؛ لأن الإسلام دين عالمي والرسول صلى الله عليه وسلم أرسل لكافة الناس، والقرآن دستور عالمي، قال تعالى: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْىِۦ وَيُمِيتُ ۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىِّ ٱلْأُمِّىِّ ٱلَّذِى يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِۦ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيرًا}، {﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُۥ عِوَجَا ۜ } ﴿ قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾  ﴿ قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} ﴿ مَّٰكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾  ﴿ وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا﴾ ﴿ مَّا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِءَابَآئِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾}.

 إذن من كان مؤمنا بشيء يجب أن يقوم به، ولذلك نحن نملك هذه الرسالة ومن المؤسف اعتبار المثقف العربي همجيا ومتخلفا وبعض الناس يرى أن المثقف العربي غير قادر على المشاركة في بناء الحضارة الجديدة وأنا أقول إن هذا تصور خاطئ فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير الناس في زمنه كانت للروم حضارة وللفرس أيضا حضارة ولكنهم خضعوا لرسول الله الكريم، وقد كان يجيد هذه اللغة لغة القرآن وخضعت له بذلك الروم والفرس، إذن فالمشكلة ليست في اللغة العربية ولا في الإسلام بل فينا نحن، فلا بد أن نؤمن أنه لا توجد لغة أجمل ولا أفضل من هذه العربية، فنحن كما قال تعالى: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ ﴾، فإذا كان الله وهو الذي خلقنا يشهد لنا بأننا خير أمة فلا نحتاج لشهادة الآخرين ولا وساما لا من الأمم المتحدة ولا من غيرها.

 

موقع الفكر: في أي منطقة تأسست محظرة فودي بوبو كوريرا؟

محمد كوريرا: تأسست قبل استقلال الدولة الموريتانية في دولة مالي، ثم انتقلت إلى "سابو سيري" في موريتانيا حاليا ثم "اكونيت" الآن، فنحن الآن نملك محظرتان إحداهما في "سابو سيري" والأخرى في "اكونيت"، وتخرج منها الكثير من أبناء المنطقة حتى السنغاليون والماليون  والغامبيون  درسوا هناك.

 

موقع الفكر: هل توجد في مجتمع السونينكي طبقية حتى في الدفن؟

محمد كوريرا: مجتمع "السونينكي" مجتمع مغلق ولذلك بعض الموريتانيين لا يمكن أن يدخلوه ولا أن يفهموه وهذا هو ما جعلكم تقولون إنكم سمعتم ذلك، فلا بد أن تدخل في المجتمع حتى تفهمه وهذا خطأ، فنحن في بلد واحد، ومجتمع السونينكي لا يمكن أن  يبقى مغلقا لا يفهم الآخرون ما يدور فيه فمجتمع السونينكي مثل مجتمع "البيظان" و"الفلان" عندنا طبقات وتقاليد وعادات، فأحيانا تكون هذه التقاليد مخالفة للإسلام والإنسانية  وهو ما يجب أن نحاربه عن طريق العلم والتربية الصحيحة بالحكمة، وفي مجتمع السونينكي كل قبيلة لها مسجد وإمام خاص بها، وفيه مثل ما هو موجود في "البيظان" "الطلبة" و"كيري" وفيه رجال مختصون في الدين وفيهم رجال كانوا متخصصين في الجهاد مثل "كاماراد" و"سوماراد" وغيرهم، إذن هؤلاء الناس وحتى لو  تعلموا القرآن   لا يريدون أن يكونوا أئمة فهناك اتفاق بتقاسم الأدوار، وأما من كان يمارس عليهم الرق فلم يكونوا متعلمين ومن لم يكن متعلما لا يمكن أن يكون إماما.

والآن بدأ الأرقاء يتعلمون ومع هذا التعلم أصبحوا يريدون التسوية في جميع الأمور ويريدون أن يكونوا أئمة!

فأنا مثلا أنحدر  من أسرة شريفة في ولاية "كيدي ماغا" وعندنا محظرة لكن لا يمكن أن يكون من أسرتنا إمام ولا يعني هذا أننا مستعبدون  أو ما شابه، ولكن سبب ذلك هو أننا اتفقنا أنه سيكون من بيننا من يهتم بالمحظرة وتقسيم الميراث بين الناس والقضاء بينهم. وآخرون يكونون أئمة في المساجد وآخرون يترأسون القرية، والأسرة المؤسسة للقرية في مجتمعنا هي من يتولى الإمامة في تلك القرية.

 ونضرب مثالا على هذا بدارفور ف"كاماراد" هم من أسسوا هذه المدينة والإمام لا يكون إلا منهم حتى ولو وجد هنالك "درامي" أو "سوماراد" أو "الطلبة" أو غيرهم ولا يمكن لأي من هؤلاء المذكورين آنفا أن يترأس المدينة لأن "كاماراد" هم من أسسها  فمنهم شيخ المدينة  وإمامها وهذا هو ما تواضع  عليه مجتمع "السوننكي" حتى قبل تأسيس  موريتانيا وهذه تقاليد موجودة عند "السونيكي" في "مالي" و"السنغال" و"غامبي"، ولكن أن  القول إن  السونينكي  لا يريدون أن يتولى أحدهم الإمامة لأسباب اجتماعية فغير صحيح، فهناك سوء فهم لهذا الأمر.

 والمجتمع "السونينكي"  ليس مغلقا لدرجة أنه لا يمكن أن تدخله المجتمعات الأخرى، وتظل مصدقة لما يشاع عنهم، كالقول إن أشراف السونينكي  يدفنون في مقبرة خاصة ومن هم دونهم يدفنون في مقابر أخرى، وكل هذا شائعات وادعاءات غير صحيحة، فهم مسلمون، وصحيح أنه عندنا سلبيات ككل المجتمعات الأخرى ولكن عندنا أيضا إيجابيات ولا يعني هذا أننا راضون عن كل ما يقوم به السونينكي. 

وأنا ناضلت في هذا الأمر وقلت إنه لا بد من تقبل الآخرين ولا بد من الانفتاح عليهم لأننا في دولة والدولة لها دستور وقوانين، وقد نترك بعض تقاليد وعادات الدولة، كالتقاليد التي لا تتوافق مع الإسلام، والعادات التي لا تتوافق مع الإسلام يجب أن نتركها، إذن هذا هو المجتمع السونينكي ولكن هناك مبالغة في وصف المجتمع الموريتاني له كأننا في كوكب آخر.

 

موقع الفكر: هل توجد العبودية في مجتمع السونينكي؟

محمد كوريرا: المفروض أن يكون السؤال هل العبودية موجودة في موريتانيا؟ فإذا كانت موجودة في موريتانيا تكون موجودة في مجتمع السونينكي، ولا يمكن أن تكون العبودية غير موجودة في موريتانيا وموجودة عند السونيكي وحدهم، فالسونينكي لا يعيشون في  دولة مستقلة فإذا كانت هناك عبودية في مجتمع السونيكي أو البيظان تكون موجودة في موريتانيا، فموريتانيا لا يمكن أن تقضي على العبودية بهذه الطريقة فنحن يجب أن لا نخدع أنفسنا فالعبودية موجودة لأن المشكلة في الثقافة، ولا يوجد في المجتمع الموريتاني عامل يعمل لسيده بلا مقابل لكن هناك أمور إذا لم نقض عليها لا يمكن أن نقضي على العبودية.

 فالله تبارك وتعالى كان يمكن أن يحرمها بنص واحد صريح ولكنه لم يفعل والإسلام وجد العبودية موجودة قبله واعترف بها، قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ ۗ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ ٱلْكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ ءَاتَىٰكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا۟ فَتَيَٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا۟ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعْدِ إِكْرَٰهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فهذا كلام الله ويتضمن اعترافا بالعبودية، ومعنى هذا أن العبودية لا يتم القضاء عليها إلا بالتدرج، وتحرير الإنسان ليس بالأمر السهل ولا يكفيه يوم واحد بل يحتاج إلى تعليم وإلى إنسان قوي فمن كان ضعيفا لا يملك قوت يومه ولا ما يعالج به نفسه لا يمكن أن يكون حرا.

 وحتى وإن حررناه عن طريق القوانين من سيده الأول سيصير عبدا لسيد آخر، و الفقر والجهل موجودان في موريتانيا فـ90% لا تكتب ولا تقرأ فهل يمكن القضاء على العبودية بالقوانين أو بالمساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة أو المنظمات الخيرية؟ فالقوانين لا يمكن أن تحرر الإنسان، ويوسف عليه السلام وهو من الأنبياء وأبوه يعقوب نبي وجده إسحاق نبي وجده الأول أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام مع ذلك وقع ضحية للعبودية في مصر، قال تعالى: {وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشْتَرَىٰهُ مِن مِّصْرَ لِٱمْرَأَتِهِۦٓ أَكْرِمِى مَثْوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمْرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، وعندما راودته امرأة العزيز عن نفسه قال: {وَرَٰوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلْأَبْوَٰبَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ رَبِّىٓ أَحْسَنَ مَثْوَاىَ ۖ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }، إذا هو اعترف أنه عبد ولكن تحرر من هذه الظاهرة بفضل الله ثم بفضل العلم، قال تعالى: {قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ }، فلم يقل أنا حفيد إبراهيم عليه السلام  فإذا كنا نريد أن نحرر الإنسان لا بد أن نقضي على الجهل والتخلف والمرض والجوع والعطش والأمية ونحن ما زلنا متخلفين في هذا الموضوع.

 إذن وبصفة عامة بعض الناس يقولون إن بقايا العبودية في موريتانيا هي التي ما تزال موجودة، وهذا غير دقيق فالعبودية ما زالت موجودة هنا لأن الإنسان الذي لا يمكن أن يتعلم ولا يملك قوت يومه لا يمكن أن يتحرر وليست موريتانيا وحدها فكل بلدان العالم الثالث توجد فيها العبودية، فظاهرة العبودية الموجودة في مجتمع السونينكي ليست بسبب الفقر بل بسبب مشاكل ثقافية فالعبد عندنا حتى ولو تحرر لا يزوجه الأسياد  بناتهم  وهي مشكلة طبقية، فهو يمكن أن يكون حرا ولكن بسبب قلة ثقافته لا يمكن أن يزوجه أحد بنته وإذا زوجه أحد بنته يهجره باقي المجتمع.

 

موقع الفكر: هل يمكن أن يتولى العبد إمامة الصلاة في مجتمع السونينكي؟

محمد كوريرا: يمكن أن يكون إماما ولكن لن يكون الأمر سهلا، فلا يمكنه أن يحل محل من كانوا معروفين بالإمامة،  أما إذا بنى مسجدا في حيه فربما يمكن أن يكون إماما له.

 

موقع الفكر: هل يدفن العبد مع أسياده في مقابر السنونكي؟

محد كوريرا : تلك الأمور لم تعد موجودة الآن، ربما كان ذلك في الماضي، ففي الماضي كانوا يدفنون في نفس المقابر، ولكن تكون قبور العبيد خلف قبور الشرفاء  وهذا هو الذي لم يعد موجودا الآن.

 

موقع الفكر: هل ترى أن آثار العبودية ما تزال موجودة الآن في موريتانيا؟

محمد كوريرا:  بل ما تزال موجودة  في موريتانيا وليست آثارها  فقط، وهم عبيد بطريقة تلقائية؛ لأن العبيد السابقين  ليست عندهم حرية ولا يمكنهم أن يتصرفوا كما يحلو لهم؛ لأنهم ليست لديهم إمكانيات علمية ولا مادية ولا اجتماعية.

ونحن ندعي وجود آثار العبودية هربا من المسؤولية، فنحن ما زالت فينا نسبة 90% لا تقرأ ولا تكتب، ومن لا يقرأ ولا يكتب لا يمكن أن يكون حرا، و طريق تحرير الإنسان هي بتعليمه، وأما تركهم  في الشوارع وإعطائهم  بعض الحاجيات الغذائية الأساسية فليس ذلك هو السبيل الأمثل إلى تحريرهم، ولا بد أن نكون جادين في القضاء على العبودية، وعلى الذين يعانون من الاسترقاق والعبودية إذا كانوا يريدون أن يصبحوا أحرارا أن يعتمدوا على أنفسهم، فما دام الإنسان يعتمد على الآخرين لن يكون حرا.

 

 

موقع الفكر: هل توجد مشاكل عقارية في مناطق السونينكي في موريتانيا؟ وما هي الآثار السلبية المترتبة عليها؟

محمد كوريرا: تلك المشاكل موجودة في موريتانيا كلها، وآثارها السلبية هي أن يدعي البعض امتلاك أراضي واسعة من دون امتلاك وثائق تثبت ذلك؛ فقط لأن جدك كان هنا ذات مرة، والمدعون لملكية هذه  الأراضي غير قادرين على استغلالها ولا يتركون الآخرين  يستغلونها، والدولة هي من تتحمل المسؤولية في هذا الموضوع وليس الأفراد، ولا بد أن تكون الدولة قوية، وهذه الأمور نعاني منها جميعا، والإدارة والدولة لا بد أن تتحمل مسؤوليتها في هذه المسألة وتُفْهِمَ الناس أن الأرض ملك  للدولة ولمن استغلها .

وهذه هي فكرتي، وأنا دائما أقول للمجتمع إن من يريد ملك الأرض يجب أن يستغلها، والدولة يجب أن تقول لهم إن عليهم أن يستغلوا الأرض أو أنها ستعطيها لغيرهم ليستغلها وهذا هو ما سيحل هذه المشكلة.

وهذا موجود في موريتانيا بصفة عامة وعندنا في الجنوب بصفة خاصة، ولكن نحن نطلب من الدولة دائما أن تتدخل لحل هذه المشاكل بصفة مرضية وقانونية ولو طبق القانون سيفهم الجميع قوة الدولة حتى الأمي يمكن أن يفهم قوة الدولة عن طريق تطبيق القوانين، وفي موريتانيا أحيانا المثقفين لا يفهمون القوانين لأنها لا تطبق عليهم والدستور هنا لا يطبق على أحد إذن مع استمرار هذا الأسلوب لن تكون هناك هيبة للدولة.

وفي مرة من المرات توقفت في مكان غير مخصص للوقوف فأوقفتني الشرطة وفي ذلك الوقت لم أكن أعلم أنه لا يمكن الوقوف في ذلك الموقف ولكني تأثرت بهذه القضية ولم أكررها؛ لأنه طبق علي القانون، إذا لا بد من تطبيق القانون؛ لأن الدولة تحمي الناس أفرادا وجماعات عن طريق القانون ومع القانون لن تكون هناك مشكلة فالدولة لنا جميعا.

وكما قلت لكم فإن نسبة الأمية عندنا مرتفعة، و السونينكي يعتمدون على أنفسهم ولا يريدون أن يعتمدوا على أي كان، فالذين درسوا وتعلموا وتخرجوا وتقلدوا الوظائف السامية أكثرهم لم يستغل الفرص ماديا ولا اجتماعيا ولا اقتصاديا، ولم ينفتحوا على المجتمع، ولذلك المتجمع السونينكي دائما بعيد عن الدولة لأنهم لم يجدوا من يربطهم بها، ولذلك نحن نحاول معهم دائما كي يفهموا الدولة، وأنا دائما ألقي محاضرات حتى في المساجد أقول لهم إن موريتانيا للجميع وأنهم ليسوا أجانب فيها ولا بد أن تفهموا أن الدولة أقوى، وأنه لا يمكنكم أن تكونوا أقوى ماديا من الدولة فالدولة هي التي تحميكم في الخارج والداخل، ولذلك لا بد أن تكونوا منفتحين على جميع المجتمع الموريتاني، وتأخذوا حقوقكم وتؤدوا واجباتكم.

 فربما تكون غنيا لكن لديك حقوق وعليك واجبات، إذن المشكلة تعود إلى المثقفين الذين تعلموا كما ذكرت آنفا ولكن لم ينفتحوا على المجتمع السونينكي حتى يربطوه بالدولة؛ ولذلك هم دائما ما يسافرون إلى فرنسا ويعودون بالأموال، ولا يكترثون بالقوانين؛ لأنهم يعتبرون أن تقاليدهم أهم من الدولة، ونحن المثقفين لا بد أن نلعب دورا في هذه المشكلة لتوعية المجتمع  ولكننا  نستغلهم سياسيا فعندما  يترشح أحد السونينكي يقول إن عليهم أن  ينتخبوه لأنه من السونينكي، فإذا فعلوا ذلك لن يجدوا حقوقهم ولن يؤدوا واجباتهم اتجاه الدولة، وأحيانا أقول لهم أنتم تبنون المساجد والمستوصفات وهذا مهم جدا ولكن هناك ما هو أهم وهو التعليم، فالمستشفى عبارة عن بناية فقط بل لا بد من كادر طبي هو من ينشئ المستشفى، ولذلك لا بد من التعليم الحقيقي ولا بد للدولة من أن تعيينا في ربط مجتمع السونينكي بالدولة وعلى المثقفين السونينكي  فعل ذلك  فيجب أن يربطوا السونينكي بالدولة عكس ما يفعلونه من استغلال العامة في السياسة والنعرات القبلية والجهوية وهو أمر خاطئ.

 وربما نختلف عن باقي المكونات في الألوان أو اللغات ولكن لنا ثقافة واحدة وهي الثقافة الإسلامية وموريتانيا ليس فيها إلا ثقافة واحدة وهي الثقافة الإسلامية العربية الإفريقية واختلاف اللغات آية من آيات الله فكما قال تعالى: {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَٰنِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّلْعَٰلِمِينَ }، وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَٰنُهَا ۚ وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌۢ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلْأَنْعَٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَٰٓؤُا۟ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ  }، ونحن أمة واحدة ويمكن أن نختلف في كل شيء ولكننا جميعا متفقون على محبة وتوقير هذا الإسلام العظيم وعلى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم، إذا اللغة العربية هي الأخرى لا يمكن إلا أن تكون لنا جميعا.

 

موقع الفكر: أين معهد تطوير اللغات الوطنية؟

محمد كوريرا: لا أدري إن كان ما يزال موجودا، فأنا عندما قدمت إلى بلادي  لم أهتم بتطوير اللغات الوطنية، ولكي نكون واضحين لا بد من الاتفاق على اللغة التي سنتعلم بها وأطفالنا تعبوا في التعليم لأنا لا  نملك منهجية واضحة في التعليم وأنا أؤمن أننا في بلد فيه لغات متعددة وألوان مختلفة، وأؤمن في نفس الوقت أن لنا لغة وطنية موحدة وهي اللغة العربية فهي لغتنا، وموريتانيا اليوم فيها أمتان أمة ناطقة بالعربية وأخرى ناطقة بالفرنسية وقبل أن نتكلم عن تطوير لغاتنا الوطنية يجب أن نطور اللغة العربية التي هل لغتنا الرسمية، وأحيانا نسمع عن أناس يطالبون بتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني فأقول لهم يجب أن نعود إلى تفعيل القرآن ولو فعلناه لن نواجه أية مشكلة في اللغة العربية  لأن   الموريتانيين حينها  سيدرسون كتاب الله وسنة نبيه وبهذا نقضي على الأمية، واللغة العربية الآن لغة أجنبية في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا يمكن أن ندعو إلى تطوير اللغات الوطنية قبل أن ندعو إلى تفعيل وتطوير لغة الإسلام والقرآن والدستور، ولو أمرت الإخوة الذين يدافعون عن الفرنسية بالتكلم بالسونيكية أو الولفية أو البولارية لن يستطيعوا  ذلك فمن إذن سيطور هذه اللغات الوطنية؟

وهذه إشكالية ولا بد أن نكون واضحين في الطرح حتى نجد حلا لهذه المشكلة، ولهذا السبب لم أهتم بتطوير اللغات الوطنية ولم أزر أي معهد لها، ونحن ما زالت الوزارة عندنا تراسل الوزارات الأخرى بلغة أجنبية ومع ذلك ندعي الحصول على الاستقلال.

 ففي تونس يوجد الأمازيغ ويوجد البربر في الجزائر وجنوب السودان قبل الاستقلال، وكلهم يتحدث العربية، والوزراء الجزائريون والمغاربة يجيدون الفرنسية أحسن منا ولكن لا يمكن لوزرائهم أن يقفوا ويخاطبونهم باللغة الفرنسية، ونحن كأفراد وجماعات لا بد أن نراجع أنفسنا واللغة العربية ليست لغة "البيظان" كما يدعي البعض وحتى لو كانت لغتهم فليست بإشكالية فهم مواطنون وأغلبية، ولو أننا طورنا اللغة العربية وأصبحنا نتكلم بها يمكن بعد ذلك أن ندعو إلى الانفتاح على اللغات الوطنية الأخرى، ولكن كيف نطور لغاتنا الوطنية ونحن ما زلنا لم نطور اللغة التي اتفقنا عليها وعلى تقديسها واحترامها!

 

موقع الفكر: هل توجد عندكم ظاهرة "آل مودة" تسول الطلاب- ضربهم؟

محمد كوريرا: لا، هذا غير موجود عندنا، فمجتمع السونينكي لا يعرف التسول، وأتحداك إذا نظرت إلى الشارع أن تجد سونينكيا يتسول، وهذه ليست ثقافتنا فنحن لا نتسول وطلابنا لا يتسولون، لأن التلميذ عندما يستول يفعل ذلك من أجل أستاذه فهو يجلب ما يحصل من طعام إلى أستاذه ونحن ضد هذه الثقافة فالتلميذ عندنا يعتمد على المجتمع كله.

ضرب الأطفال ما يزال موجودا وهو متوقف على تطور الإنسان، فهناك من ما زال يضرب التلاميذ ضربا مبرحا ربما يسبب لهم جروحا أو كسورا، وأنا لا أقوم بهذا ولكن هناك من مازا ل يقوم به.

 

موقع الفكر: ما هي فترة دراستكم المحظرية؟

محمد كوريرا: أمضيت هناك 15 عاما أو أكثر.

 

موقع الفكر: كيف تصفون مدارس الحاج محمود با؟

محمد كوريرا: هي أول مدرسة عربية أسست في نواكشوط وجزى الله عنا خيرا الحاج محمد محمود با الذي اهتم بالعلوم العربية والثقافية وخرج أناس كثيرون من هذه المدارس الفلاحية من "البيظان" و"السونيكي" ومن المجتمعات الأخرى، وأنا كنت من بين المتخرجين على يديه، ولا بد للمجتمع أن يقدر تلك الجهود الحثيثة التي قامت بها هذه الأسرة وما زالت حتى الآن مهتمة بالعلوم العربية، وتجاهل شخصية كالحاج محمود با قامت بتلك الجهود العظيمة لا يخدم ثقافتنا ونأسف على هذا.

وقد طلبنا من الحكومات المتعاقبة منذ فترة معاوية بتشجيع الأفارقة الذين درسوا العربية من "الفلان" و" السونينكي" و"وولف" أما تجاهلهم وكأنهم غير موجودين فهو أمر لا يليق، ولو لم أكن مؤمنا لما استطعت الصبر على البطالة منذ العام 1994م. إلى 2007م. والذين تخرجوا من الفرنسية ليسوا أفضل مني لا اجتماعيا ولا ثقافيا ولا علميا لكن هم أقوياء وعندهم شبكة ويحاربون الثقافة العربية بحجة أو بأخرى ومن المؤسف أن الدولة أحيانا تتعاطف معهم لا أدري لماذا!

 

موقع الفكر: هل قابلتم الرئيس معاوية؟

محمد كوريرا: نعم قابلته مرة في "ومبو" في زيارته الأخيرة إلى "كيدي ماغا"، وطلبت منه وظيفة ووعدني بها، وربما تكون نيته سليمة؛ لأنه في ذلك اليوم كان مسرورا بلقائي ولكن كما تعلمون لوبيات الثقافة الفرنسية كانوا أقوى مني ومنه، ورغم أني دعمته دعما ثقافيا وسياسيا إلا أنه لم يوظفني.

 

موقع الفكر: هل قابلتم الرئيس سيدي محمد بن الشيخ عبد الله؟

محمد كوريرا: نعم قابلته في الحملة الانتخابية وكان معي أناس والمهم أنه عينني بعد ذلك مكلفا بمهمة لأنني دعمته سياسيا.

      

موقع الفكر: هل تتذكرون ما قاله لكم معاوية؟

محمد كوريرا: أخذ سيرتي الذاتية وقال لي إن شاء الله انتظر إلى أن أعود إلى نواكشوط وما زلت أنتظر ذلك الوعد إلى اليوم!

 

موقع الفكر: كم مرة قابلتم الرئيس محمد بن عبد العزيز؟

محمد كوريرا: قابلته أربع مرات  في القصر الرئاسي وفي كيدي ماغا، كنت أريد منه أن  يلتقي بأئمة وشيوخ محاظر كيدي ماغا السونينكيين وفعلا تمت المقابلة.

 

موقع الفكر: ما الهدف من مقابلة الرئيس محمد بن عبد العزيز مع أئمة وشيوخ محاظر كيدي ماغا؟

محمد كوريرا: كان الهدف منها أن يقوم الرئيس بدعم مساجد ومحاظر السونينكيين، فنحن كما قلت لك سلفا أصحاب ثقافة جميلة، ونبني مساجدنا بجهودنا الخاصة وجهود المغتربين منا، وأنا لاحظت أن الدولة لا تهتم بهذه  المساجد ولا تقدم لهم حتى مساعدات رمزية ولا مساعدات مادية ولا تعطي للأئمة أي شيء فقلت إن هذا لا ينبغي، وإذا ذهبت إلى كيدي ماغا لن تجد مسجدا بنته السعودية ولا المغرب ولا الإمارات ولا الجزائر، ولذلك  كان لا بد من تشجيعهم وكان الرئيس مقتنعا بما قلت له، وقدم لهم مساعدات سخية وهي 1.600.000 أوقية قديمة، والمشكلة ليست مادية فنحن بنينا مساجد قبل مقابلة الرئيس ولا نريد من الدولة فقط أن تبني لنا المساجد، والرئيس شجعهم بما أنهم قدموا من كيدي ماغا وأعطاهم 1.600.000 أوقية قديمة وهو مبلغ كبير.

 

موقع الفكر: هل تم صرف هذا الدعم من ميزانية الدولة؟

محمد كوريرا: لا أعلم، فهو لم يأتينا بشيك بل سلم لنا الأموال مباشرة عن طريق مدير الديوان، وربما يكون من ميزانية الدولة.

 

موقع الفكر: لماذا لا يقوم  السونينكي ببناء مساجد في المناطق التي تقطنها فئات أخرى من الشعب الموريتاني؟

محمد كوريرا: هناك من يقوم بهذا فعلى سبيل المثال إذا طلب منا أحد الفلان   أن نبني له مسجدا سنتبرع له ولكن سيكون ذلك سرا، ولا يحتاج الأمر إلى أن نعلنه.

 

موقع الفكر: كيف كان عملك كمكلف بمهمة في وزارة العلاقات مع البرلمان عام 2007م؟

محمد كوريرا: عملت فيها كأي موريتاني يعمل في وزارة، وأنا كنت فيها مكلفا بمهمة ولو كلفني الوزير بأي مهمة سأقوم بإنجازها.

 

موقع الفكر: ماذا أنجزتم في فترة عملكم في الوزارة؟

محمد كوريرا: لم أمض في الوزارة أمينا عام إلا عاما واحدا ولم تكن هناك فرصة للإنجازات.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في الانقلاب على الرئيس سيدي محمد بن الشيخ عبد الله ؟

محمد كوريرا: أنا دعمت الانقلاب، ومن دعم أمرا فهو راض عنه وقد يكون مخطئا فيه.

 

موقع الفكر: متى عينتم أمينا عاما للمجلس الاقتصادي الاجتماعي؟

محمد كوريرا: عينت في 30 أكتوبر 2008م وبقيت هناك حتى نهاية المأمورية الثانية للرئيس محمد بن عبد العزيز وهو من أقالني.

 

موقع الفكر: ما أهم الأعمال التي قمتم بها في المجلس؟

محمد كوريرا: لم يكن عندنا في  أحد عشر عاما التي قضيتها أمينا عاما  للمجلس ما يمكننا به القيام بإنجازات ملموسة، فالمفروض كان أن نبدي رأينا في كل ما يتعلق بالمجال الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولكن الدولة لم تطلب منا أي رأي، وأعتقد أنهم الآن بدأوا تفعيل المجلس لأن الدولة طلبت رأيهم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ولكني في الفترة التي قضيت هناك كانت نشاطاتنا شبه منعدمة أو منعدمة إن جاز التعبير لأننا لم نجد ما نقوم به.

 

موقع الفكر: ألم يكن موظفوه يتقاضون رواتب؟

محمد كوريرا: نعم، وفيه 36 عضوا يتقاضون رواتب وهذا أمر مؤسف.

 

موقع الفكر: ما هي وضعية الخدمة الصحية التي يقدمها مستشفى سيلبابي ؟

محمد كوريرا: حتى الآن لم أمض في المستشفى إلا شهرين ولم أباشر العمل، زرت المستشفى لكن هناك أعضاء لم يتم حتى الآن تعيينهم وبسبب ذلك لا يمكن أن نشرع في العمل، ونحن في انتظار تعيين الأعضاء الذين سيعملون معنا.

 

موقع الفكر: أليس في المرسوم أسماء رئيس وأعضاء مجلس الإدارة؟

محمد كوريرا: لا، لا يتم تعيينهم في نفس اليوم، لم يكن في المرسوم إلا اسمي أنا رئيس لمجلس إدارة المستشفى وسألتهم عن الآخرين فقالوا سيتم تعيينهم لاحقا، وحتى الآن لم يتم تعيينهم، وحال المستشفى لا يزال مزريا ونحن لو شرعنا في العمل سنطلب من الدولة تحسين وضعية المستشفى، ومن المؤسف أن الكثير من أهل كيدي ماغا يسافرون إلى السنغال ومالي للعلاج.

 

موقع الفكر: هل هناك ما ستقولونه بخصوص  المستشفى؟

محمد كوريرا: لا يمكنني أن أقول أي شيء بهذا الخصوص فأنا حتى الآن لم أطلب أي شيء.

 

موقع الفكر: ما أهم المشاكل التي يعاني منها مستشفى سيلبابي؟.

محمد كوريرا: المشكلة هي قلة التجهيزات، وهناك نقص في سيارات الإسعاف ففي سيلبابي لا توجد إلا سيارة إسعاف واحدة.

فإذا كانت سيارة الإسعاف مشغولة يمكن أن يذهب في سيارة على حسابه، والسيارات ليست جيدة في نقل المرضى، وهناك أيضا مشكلة كورونا  التي فاقمت صعوبات جمة بسبب تقييد الحركة، ولكني بما أني رئيس مجلس إدارة سأطلب ما يمكننا به تحسين وضعية المستشفى.

 

موقع الفكر: هل يوجد في مستشفى سيلبابي جراحون؟

محمد كوريرا: نعم يوجد فيه جراحون، لكن المشكلة في نقص الإمكانيات المتعلقة بالآليات والكثير من الناس يذهبون إلى نواكشوط.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع الحكامة في موريتانيا؟

محمد كوريرا: مشكلتنا أننا منذ الاستقلال ونحن نتحدث فقط عن الحكامة، وأحيانا نتهم الدولة أنها مسؤولة عن كل شيء، وأنا أعتقد أن الدولة جزء من الشعب، فإذا كانت الدولة قوية يكون الشعب قويا، وإذا كانت الدولة ضعيفة يكون الشعب ضعيفا، ومن أمثلة ذلك أن الرئيس الموريتاني الحالي لم يشرع في بناء البنى التحتية بشكل مستعجل أو مباشر وربما اتهمه بسبب ذلك بعض الناس أنه يعمل ببرود أعصاب ولين، وهذا في حد ذاته مهم لأن المشكلة اليوم هي بناء الإنسان فلو بنينا البنى التحتية تبقى المشكلة الحقيقة وهي البنى الفوقية والبنى الفوقية هي الإنسان، فنحن نتسابق إلى بناء القصور والأسواق والموانئ لكن اهتمامنا ببناء الإنسان ما يزال ضعيفا، ولو عدنا إلى التاريخ  فالرسل والانبياء لم يأتوا لبناء القصور ولا البنى التحتية بل لبناء البنى الفوقية وهي الإنسان، وكل ما في موريتانيا ملك للشعب، والشعب ضعيف لكنه لا يريد أن يعمل، وفي زيارتي لمستشفى سيلبابي ذات مرة لاحظت أن المدير جزاه الله خيرا يعمل بإخلاص ولكن العامة لا يحترمون حتى نظافة حمامات المستشفى بسبب أنها ملك عام للدولة، وهذه هي مشكلتنا اليوم فالدولة لا يمكن أن تكون قوية إلا إذا كان الأفراد أقوياء علميا واقتصاديا  و اجتماعيا و ثقافيا، واليوم يمكن القول إن البنى التحتية جيدة، ولكن البنى الفوقية ليست جيدة. فعندما تمر من طريق عام ترى أصحاب السيارات الفاخرة يشربون المياه المعدنية ويرمون أكياسها في الشارع، ولو نبتهم على ذلك سيقولون لك إنه ليس شارعك ولا يعنيك وهو في الحقيقية شارع الجميع.

 والأزمة هي أزمة ثقافة المواطن، فعندما تقوم الدولة ببناء مستشفى لن يحافظ العامة على نظافته وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحدث في فرنسا، فعندما نلاحظ أي منشأة غير جيدة أو غير نظيفة، فإن المشكلة في ذلك ليست من الدولة بل العامة فالدولة دولة الشعب، وكما قال الرئيس السابق للولايات المتحدة جون كندي: "لا تسألوا عما فعلت لكم الولايات المتحدة الأمريكية بل اسألوا أنفسكم ماذا فعلتم لأمريكا"، والدولة لا يمكن أن تتحمل اعتماد الجميع عليها.

فالناس لا يعملون والمفترض ألا تكون في موريتانيا بطالة، وإذا نظرت إلى عمال البناء والكهرباء أغلبيتهم أجانب ومعنى هذا أن نسبة كبيرة من أموالنا تذهب إلى دول مجاورة وبهذا لا يمكننا أن نكون أقوياء، إذا لا بد لنا نحن أفراد المجتمع أن نراجع أنفسنا فالدولة ملك لنا.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني؟

محمد كوريرا: ربما لم يجد الرئيس فرصة مناسبة، فالناس ينظرون في عدة مشاكل كارتفاع الأسعار، والأسعار  التحكم فيها ليس في أيدينا، والبطالة لا توجد في موريتانيا بل يوجد فيها شعب ضعيف ويتكبر عن العمل.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في تعيين من يوصفون بالمفسدين؟

محمد كوريرا: الثقافة في موريتانيا ضعيفة، والشخص فينا إذا لم يحصل على أموال يتهم زميله الذي حصل عليها بأنه مفسد ولا بد من تغيير هذه العقلية فلو كان مفسدا  فالشعب هو الذي أفسده، وأنا أقول إن هذه السنة لم تجد فرصة يمكن أن نقومها من خلالها؛ لأن جائحة كورونا حالت بين الرئيس مع تنفيذ برنامجه بشكل واضح، ولكن كما ذكرت آنفا الرئيس شرع في بناء الإنسان ولذلك اعتمد سياسة الانفتاح على المعارضة وعلى الجميع ولم يعد هناك تنافس سلبي ولا عداوة.

 

موقع الفكر: هل لديكم أبناء؟ وأين يدرسون؟

محمد كوريرا: نعم لدي أبناء، يدرسون في المدارس الخصوصية، والرئيس سيقوم ببناء المدرسة الجمهورية ولكنه لم يجد حتى الآن فرصة، والمدارس الخصوصية نحن  السبب في وجودها، وكما قلت لكم المشكلة هي أن الشعب غير واع، ولذلك الرئيس يريد أن يبني الإنسان الموريتاني بتصورات وفلسفة جديدة بعيدا عن التجاذبات والخلافات السياسية الغير مبررة، فلا بد من التحاور بيننا حتى نفهم مشاكلنا، فمشكلتنا ليست البطالة وارتفاع الأسعار، فالموجود من البطالة سببه أننا لا نريد أن نعمل، والكثير من أموالنا تذهب إلى دول مجاورة لأن الموريتاني يتكبر على العمل في  العديد من المهن، ولا يمكن لأي رئيس أن ينجح في بناء هذا البلد إذا لم يبدأ في بناء الإنسان، والمهم أن الرئيس شرع في ذلك، ومن ذلك أن فتح الباب للمعارضين ليشاركوا بآرائهم حتى نجد صيغة موحدة لبناء الإنسان، ولو بنينا القصور والمستشفيات ولم نبن الإنسان يفسد كل شيء وهذا ما نعمل عليه اليوم، ولو دخلت في مستشفيات نواكشوط ستجد أن بناءها جيد ولكن المشكلة أن رواده سلوكهم ليس حضاري.

 

موقع الفكر: ماذا عن أحداث العام 1989م.؟

محمد كوريرا: أنا لم أكن موجودا في موريتانيا في تلك الفترة بل كنت في مصر، وهناك من كان يريد أن تكون القضية بين مكون الزنوج والعرب، وهناك أحداث وقعت لا بد من التسامح فيها، وأنا لست قاضيا في هذا الموضوع حتى أحكم فيه لأي طرف بالحق أو الباطل، ولا بد أن نتسامح فيما بيننا وننظر إلى لمستقبل حتى لا تتكرر مثل هذه العمليات لأننا نحن أمة واحدة ولا بد أن نفهم أننا كلنا موريتانيون وأن نهتم بموريتانيا، والعلاقات العرقية التي بين سونينكي موريتانيا والسنغال شيء آخر ولكنني أنا موريتاني، وإذا كان هنالك مواطنون لديهم علاقات عرقية مع المغرب أو البوليزاريو ذلك أيضا شيء آخر ولكن موريتانيا لنا نحن، ولا يمكن لسونينكي السنغال أن يدعموا السونينكي في موريتانيا، بل يجب أن يعيننا فقط إخواننا "البيظان" و"الفلان" الموريتانيون فنحن أسرة واحدة و مصيرنا مشترك سواء في الخير أو الشر، والكل يجب أن يطلب حقه بصفة نزيهة بعيدا عن النعرات القبلية والجهوية التي لا تخدم هذه الوحدة.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

محمد كوريرا: أشكركم مرة أخرى وأشكر الإخوة الذين ساندوني حتى أصل إلى هذه المرحلة، وأنا تحت تصرفكم في أي وقت، ومستعد للدفاع عن اللغة العربية بلا خوف ولا خجل وعن ثقافتنا الوطنية التي هي مبرر وجودنا في هذه الحياة والضامن في استمراريتنا، وهي منبع أمجادنا وبطولاتنا وعقيدتنا ومميزنا بين الأمم وأشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله.