المهندس إسحاق الكيحل في حوار شامل مع موقع الفكر: كان استمرار العمل الدعوي بعد حظر الجمعية الثقافية بجهود أفراد قلائل من الشباب أعطوا وقتهم وجهدهم

حرصا منا في موقع الفكر على الاستفادة والإفادة، وسعيا إلى نقل التجارب في كل ميدان، ووضعها بين أيدي المهتمين قصد الاستنارة بها، وترسم خطاها، لتجويد العمل وتحقيق الغرض، والتكامل بين السابق واللاحق، نستضيف لكم اليوم وجها رائدا من سدنة العمل الخيري والدعوي بهذا البلد، حيث كان مديرا لأنجح وأعرق الجمعيات بهذا البلد قبل أن تطالها يد الحظر والمصادرة، فهو مرجعية تربوية لها تجربة ثرية متعددة ومتنوعة، وقد تناول اللقاء واقع العمل الدعوي والإغاثي بالبلد وتجربة ضيفنا في هذين المجالين، فله فيهما قصب السبق فهو المجلي في ذلك والسابق، وفي المقابلة موضوعات أخرى نترك لكم متابعتها..

فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم المهندس إسحاق الكيحل.

 

موقع الفكر: نود منكم تعريف المشاهد  بشخصكم الكريم من حيث الدراسة وتاريخ ومحل الميلاد وأهم الوظائف التي شغلتم؟

إسحاق بن الكيحل: أشكر موقع الفكر على هذه الاستضافة، ولدت في شهر ديسمبر 1961م. بمدينة أطار عاصمة ولاية آدرار، وبالنسبة للدراسة فقد حصلت على شهادة البكالوريا شعبة العلوم المزدوجة سنة 1982م. ودرست في الخارج بجامعة كندية في تخصص إدارة الأعمال، وتخرجت بشهادة "البكالوريوس" وتلك تعادل ما يعرف عندنا بشهادة "المتريز" وبعد التخرج عملت فترات قليلة في القطاع الخاص، ثم التحقت بالعمل الخيري في غالب الوقت.

 

موقع الفكر: أين أكملتم الدراسة الثانوية؟

إسحاق بن الكيحل : بل كان جزء منها في أطار وجزء في نواكشوط، ودرست المرحلة الإعدادية في نواذيبو، والسنة الأولى والثانية من المرحلة  الثانوية درستهما في مدينة أطار والسنة الأخيرة درستها في مدينة نواكشوط.

 

موقع الفكر: حدثنا عن ظروف الدراسة في كندا؟

إسحاق بن الكيحل: كما تعلمون كندا دولة غربية ولديها نظام  رأسمالي، والدراسة فيها دراسة متميزة؛ لأن نظام التعليم فيها نظام أنجلوسكسوني  وهو نظام  يهتم بالجانب التطبيقي أكثر من اهتمامه بالجانب النظري عكس النظام الفرنسي الذي يهتم بالجانب النظري على حساب الجانب التطبيقي والدراسة لديهم جيدة جدا وهم يستخدمون نظام  LMD .

 

موقع الفكر: كيف كان  سفركم الأول وكيف كانت الغربة؟

إسحاق بن الكيحل: أذكر أنني سافرت لأول مرة إلى دكار؛ لأن موريتانيا لم تكن فيها سفارة كندية؛ ولذلك ذهبت إلى دكار  لكي آخذ التأشيرة؛ لأني كنت ممنوحا من طرف الدولة الكندية من قبل  الوكالة الدولية للتعاون الكندي، وأذكر أنها كانت أول مرة أسافر فيها بالطائرة رغم أني سافرت فيها في المناطق الداخلية لكن السفر فيها على المستوى الدولي أمر يختلف، وأذكر أنهم أعطوني ملاعق للطعام وكنت لا أعرف الأكل بها لكن تعودت عليه فيما بعد، ومررت بالمغرب ومكثت ليلة فيها على ما أذكر، وذهبنا منه إلى مدينة  نيويورك ومكثنا فيها ساعتين وبعد ذلك انتقلنا إلى مونتريال الكندية.

 

موقع الفكر: ماذا عن ظروف الاستقبال في المطار؟

إسحاق بن الكيحل : لم يكن هناك استقبال في المطار  خاصة بالطلاب القادمين من الدول النامية الذين كان   عليهم أن يكملوا إجراءاتهم بأنفسهم ومن ثم عليهم أن يبحثوا عن أماكن إقامة حتى تتصل بهم الجهات  المعنية وهو ما قمت به فاستأجرت  نزلا فيما يعرف بنزل الشباب وهو نزل رخيص الثمن نسبيا،  وأذكر أن سائق سيارة أجرة   من دولة هاييتي حاول أن يختطف قطعة من النقود من جيبي لكنه ولله الحمد لم يفلح، ومكثت ليلة أو ليلتين في ذلك النزل، وجاءني متعاون كندي كان يعمل في موريتانيا حين علم بمجيئي وذهب بي إلى منزله فتغديت أو تعيشت معه مرة أو مرتين ثم ذهبت إلى الوكالة في مونتريال وحولوني إلى مدينة ترار فير التي  تبعد 120 كيلومترا عن العاصمة، وكان فيها مجموعة من الطلاب الموريتانيين تتكون من  خمسة أو ستة طلاب، أذكر منهم محمد محمود بن الميمون كان مدير مركز التكوين المهني وأحد  مستشاري مدير  وكالة الحالة المدنية، وسيد أحمد بن بوبه كان مهندسا في شركة "اسنيم" والشيخ  - لا أتذكر اسمه الكامل- وهو مهندس بشركة "اسنيم" وأتذكر أنهم كانوا يتحدثون أن الوزير  يحيى بن حدمين كان قبلهم، وسكنت مع هؤلاء الشباب ولم أكن  أعرف حينها  الطبخ وطلبوا مني أن أتولى غسل الصحون ومكثت أشهرا وأنا أغسل الصحون فقط، ولكني تعلمت الطبخ فيما بعد، و كنا نطبخ العشاء فقط على الطريقة الموريتانية؛ لأننا كنا نتغدى في الجامعة. وأتذكر أن الشباب قالوا إن ساعي البريد قدم يريد أن يوصل إلي رسالة أتتني من موريتانيا وكانت مجرد حيلة فلما خرجت تجمعوا علي وملأوا ثيابي من الثلج،  وقالوا لي إن هذا من أجل أن أتعود على الثلوج؛ لأن تلك الفترة كانت فترة ثلوج، فقد كانت الثلوج تغطي  مساحات كبيرة و كأنها جبال ولم تكن السيارات تستطيع السير  إلا إذا جاءت الجرافات وفتحت لها الطرقات، ومن لم يتعود على هذا لا يستطيع العيش هناك.

 

موقع الفكر: متى عدتم لأول مرة من كندا؟

إسحاق بن الكيحل: الوكالة كانت تعطينا كل سنة تذكرة ذهاب وعودة.

 

موقع الفكر: هل كنتم تتصلون على الأهل في موريتانيا وهل تصلكم الرسائل المكتوبة؟

إسحاق بن الكيحل : كان لدى الأهل هاتف سلكي في المنزل ولكن الاتصالات الدولية كانت صعبة لأنك حين تتصل من كندا يتصلون على باريس ومن باريس يطلبون الاتصال بنواكشوط، وتمكث ساعتين أو ثلاث ساعات في انتظار الاتصالات وبالنسبة للرسائل فقد كانت تصل.

 

موقع الفكر : هل عدتم لموريتانيا في العطلة الصيفية  الأولى؟

إسحاق بن الكيحل: عدت إلى موريتانيا، وفي العطل  الصغيرة خاصة عطلة نهاية السنة التي تصادف أعياد الميلاد وما يصاحبها من مسلكيات غير ملائمة كأعياد الميلاد، وأذكر أن العطلة الأولى التقيت مجموعة من جماعة الدعوة والتبليغ وقالوا لي إن عندهم مؤتمرا في مدينة أمريكية وأخذنا تأشيرات لأمريكا وذهبت معهم صحبة بعض زملائي واستأجرنا باصا لنقلنا، وأذكر أنه تعطل بنا بعد أن تجاوزنا  مدينة ديترويت وهي مدينة فيها يمنيون وعدد لا بأس به من المسلمين، وعدنا إلى هذه المدينة ومكثنا فيها أربعة أيام ننتظر إصلاح الباص وفي تلك الفترة انتهى المؤتمر وعدنا إلى كندا وبعد ذلك في السنة الأخيرة سافرت  إلى مؤتمر منعقد في مدينة سيسناتي  في أمريكا وتنظمه رابطة تسمى رابطة الشباب المسلم العربي في أمريكا الشمالية وقبل مجيء إلى كندا لم أكن مقتنعا بالتوجه الإسلامي لكن في كندا كنت  مع مجموعة من الناس الخيرين الذين يصلون في المسجد وكانت الجامعة خصصت لنا قاعة للصلاة وهناك مساجد خارجة عن الحرم الجامعي نصلي فيها الجمعة، وكنت خلال فترة مراهقتي يدرسني  في الغالب غربيون في ثانوية البنين خاصة المواد العلمية وكانت النظرة الغالبة  تجاه أهل اللغة العربية ليست نظرة جيدة وعندما أذهب للصلاة في المساجد في تلك الفترة أرى المصلين وأغلبهم مجموعة من كبار السن ، يتيممون ويمتخطون أكرمكم الله والمراهق في تلك الفترة يحتاج إلى من يحبب إليه الدين، لكن عندما ذهبت إلى كندا رأيت أناسا مختلفين من دكاترة ومهندسين وملابسهم نظيفة، حينها فهمت أن المرء يمكن أن يلتزم بدينه ويكون مهندسا ودكتورا وفي الواقع في تلك الرحلة كان الهدف بالنسبة لي هو السياحة، ولكن وجدت شخصيات كبيرة ومحترمة ومن فضل الله علي أني حضرت المؤتمر كل دروسه ومحاضراته، وأذكر من بين الحضور سيد نوح عليه رحمة الله وأحمد القطان وهو رجل كويتي وعبد الله عزام  رحمهم الله وأذكر أنه جاءنا بكتابه آيات الرحمن في حياة جهاد الأفغان ولقيت في هذا المؤتمر  زميلا لي يسمى محمد عبد الله بن المختار السالم وأصبح يشتغل في البنك الإسلامي للتنمية وهو يدرس في أمريكا ويحضر في تلك الفترة لشهادة  الماجستير وكان رجلا محترما وأفادني بكثير من المراجع والكتب،  وكانت فاتحة بالنسبة لي فانتقلت بعدها إلى الى الالتزام والوعي بالفكر الإسلامي.

 

موقع الفكر: عند عودتكم إلى موريتانيا اشاغلتم في  المجال التجاري ؟

إسحاق بن الكيحل: كان عند أخي  محلات لبيع قطاع السيارات عملت فيها ثم لم ألبث أن افتتحت محلا خاصا بي.

 

موقع الفكر: متى التحقتم بالعمل الخيري؟

إسحاق بن الكيحل: أغلب الظن أن ذلك كان 1991م، فقد سافرت إلى أبي ظبي للعمل في السفارة الموريتانية هناك خلال فترة قصيرة وكنت موظفا محليا أعمل أساسا  فيما يتعلق بالترجمة والسكرتاريا والتقيت بمكتب هيئة الأعمال الخيرية في موريتانيا في إطار العمل وكان مكتبهم في عجمان، ولما حدثت أزمة الخليج  سنة 1991عدت إلى موريتانيا ولم أكن ممن يفضل الغربة ثم طلبوا مني أن أعمل معهم في موريتانيا وكان مدير هيئتهم سوداني يدعى خالد حسن إبراهيم وعملت معهم في الهيئة وكلفوني بعد ذلك بإدارة   الشركة العربية للاستثمار والتنمية وهي شركة  لها علاقة غير مباشرة بالهيئة ولها إدارة مستقلة ومثلتها  في موريتانيا وأذكر أن مقرها كان في عمارة ولد المامي من سنة 1991 إلى 1993.

 

موقع الفكر: ما أهم ما أنجزته الشركة؟

إسحاق بن الكيحل: أذكر أنها كانت شركة ناشئة وكانت تعمل في التجارة وتستورد من الصين والسنغال وهي منشأة في الأصل كي يعود رعيها إلى العمل الخيري ، وأذكر أننا اشترينا عمارة " لا إلاه إلا الله " بمبلغ مليون دولار وكان آنذاك مبلغا كبيرا وريع العمارة يذهب مباشرة إلى هيئة الأعمال الخيرية، كما أننا حصلنا من البنك المركزي على إذن باستيراد كمية كبيرة من الإسمنت وكانت ستعود على العمل الخيري بالنفع الكثير؛ نظرا لأهميته وأتذكر أن رجل أعمال كان يستورد الإسمنت وأرسل إلي عبر أحد معارفي وذهبت إليه وطلب مني التخلي عن فكرة استيراد الاسمنت؛ لأن ذلك سيضر بمصلحته وأنه مستعد للتفاهم معي بالصيغة التي أريد فقلت له إننا  مؤتمنون  ولكننا  مستعدون لبيع الكمية التي نعتزم استيرادها له إن  أراد، لكنه رفض قائلا لا يمكن أن يبيع إلا ما يستورده من الخارج ولكن مشروع استيراد هذه الكمية توقف بسبب تدخلات خارجية، وعندما ذهبت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة  قال لي أحد رجال الأعمال في الشركة إنه كان مستعدا لتمويل عملية الاستيراد على حسابه الشخصي دون الشركة؛  لما لها من فائدة على العمل الخيري، لكنه توقف عن ذلك؛ لأن أحد معارف الشركة الثقات تواصل معهم وطلب منهم التوقف عن عملية الاستيراد؛ لأنها ستضر بأحد رجال الأعمال الموريتانيين  الذين له علاقة بهم ويبدو أن مثل هذه التدخلات ليست جديدة على العمل الخيري، وأصبح نشاط الشركة دون المستوى فقلت لهم إننا لا يمكننا الاستمرار بمثل هذه الأنشطة واقترحت عليهم إغلاقها  فأغلقت أواخر سنة 1993م.

 

موقع الفكر: كيف تقترح إغلاق مؤسسة تحصل منها على راتب شهري؟

إسحاق بن الكيحل: ما الفائدة من عمل من لا نتيجة من ورائه!.

 

موقع الفكر:  هل كان الوسيط في شراء عمارة " لا إله إلا الله "  الميناء خو الأستاذ شيخنا بن النني وهل أخذتم عمولة من صاحبها الذي باعها لكم؟

إسحاق بن الكيحل: أنا شخصيا لم آخذ منها شيئا وبإمكانك أن تسأل شيخنا بن النني وإن كان أغلب الظن أن العمولة التي عرض رجل الأعمال عادت إلى هيئة الأعمال الخيرية.

 

موقع الفكر: وماذا عملتم بعد ذلك؟

إسحاق بن الكيحل:  عدت بعدها إلى العمل الخصوصي حتى عام 1996م. أذكر أن إدارة  هيئة الأعمال الخيرية طلبت مني أن أتولى العمل مديرا لمكتبها في موريتانيا ، لأن مديرها في موريتانيا وهو رجل من تشاد يسمى عبيد الله حول  إلى مكان آخر.

 

موقع الفكر: أين كنتم غداة  اعتقالات 1994م؟

إسحاق بن الكيحل: أذكر أنني جئت إلى مكتب الجمعية الثقافية الإسلامية ـ و كنت عضو مكتبها في إحدى أماناتها لعلها أمانة الشباب، وكان يرأس تلك الأمانة محمد الحبيب بن أحمد  وكنت نائبه فيها وأذكر أني كنت أمينا عاما لنادي مصعب بن عمير قبل سفري إلى الإمارات، وكان أخونا محفوظ بن الوالد مسؤولا للتربية فيه ـ و كان معي زميلي محمد بن حمدي عليه رحمة الله،  ولما دخلنا مكتب الجمعية وجدنا  الشرطة بداخله فاعتقلونا  ويبدو أن لديهم لائحة بالأشخاص المطلوب اعتقالهم، ولما سألنا ضابطا شابا عن سبب اعتقالنا قال لنا إنه لا يدري شيئا عن أسباب اعتقالنا وأنه مجرد مأمور طلب منه اعتقالنا فقط.

وذهبوا بنا  إلى منزل ولد أعمر شين قرب مقر الجامعة القديمة  في لكصر ووضع كل منا في  غرفة وحده، وكان كل منا يصلي وحده ويأكل وحده ويحرسه أحد رجال الشرطة، وأذكر أن هذا الضابط جاء إلينا ليكتب أسماءنا فقلت له لماذا اعتقلنا؟. فقال إنه لا يدري شيئا عن سبب اعتقالنا، وأتذكر أنه في آخر يوم من أيام اعتقالنا أني سألته عن سبب اعتقالنا مرة أخرى فقال لي أنتم مشتغلون بأمر الخير ونحن مشتغلون بأمر لا ندري عنه شيئا نتوب إلى الله من أفعالنا.

 

موقع الفكر: هل تعرضتم للتعذيب أثناء الاعتقالات؟

إسحاق بن الكيحل: لم يكن هناك من تعذيب يذكر ومن الطبيعي أن الشرطة تسعى للحصول على معلومات من المعتقلين، وبالنسبة للمعتقلين من أبناء الجمعية الثقافية الإسلامية وأبناء التيار الوسطي لم يتعرضوا للتعذيب وإن كانت ظروف الاعتقال شديدة من حيث أنك لا تكلم أحدا وتصلى وحدك وتأكل وحدك وتجلس دون فراش،  وهذه الأمور تشكل ضغطا بعض الشيء ، وسمعت أن هناك شخصيات من التيار السلفي الجهاد تعرضوا للتعذيب، ولتسمحوا لي بأن أحكي طرفة وهي أن الضابط الذي كان يستجوبني استدعاني للاستجواب وتأخر عني ساعات قبل أن يأتيني فقلت لعلك من منطقة الجنوب لطول نفسك في الاستقصاء، كما أذكر أن الوالدة ذهبت إلى أحد معارفنا من الضباط وطلبت منه التدخل من أجلي فقال لها رأيت اسمه لكني تعجبت ما له ولأهل الجنوب وكأن الفكر الإسلامي حكر على منطقة واحدة !!.

 

موقع الفكر: هل كان يسمح للأهالي بإحضار الطعام؟

إسحاق بن الكيحل: في البداية لم يكن يسمح بإحضار الطعام وكان الطعام الذي يأتي من الشرطة ليس على المستوى ولكنهم سمحوا فيما بعد  للأهالي بإحضار الطعام.

 

موقع الفكر: هل صحيح  أنهم كانوا يدخلون أيديهم في الطعام؟

إسحاق بن الكيحل : كان ذلك في اعتقالات 2003م. لأن السجناء كانوا يوصون ذويهم بإدخال بعض الهواتف في الطعام وكنا نطلب من ذوينا أن يضعوا لنا في بعض الأحيان الهواتف داخل صحون الطعام، وأذكر أن بعض الشرطة لم يكن تعاملهم معنا تعاملا صعبا، فقد ذهبت مع أحد الضباط لكي يفتش منزلي ففتشه تفتيشا بسيطا ومن الغريب أنني كنت قد اشتريت مسدسا قبل فترة طويلة لأني كنت أذهب إلى أماكن للصيد قد يوجد فيها لصوص  فكنت آخذه من باب الاحتياط، وكان مرميا في المنزل ولكني نسيت أمره  ولم يعثر عليه رجل الشرطة، ولله الحمد.

 

موقع الفكر: هل صرحتم  أثناء الاعتقال؟

إسحاق بن الكيحل :  ليس لدي ما أصرح به، ومن الغريب أنني التفت إلى أحد الإخوة وقلت له إن التصريحات التي أخذت يمكن أن تفبرك وهو ما حصل فعلا ولا أذكر أنهم طلبوا مني التصريح، وأذكر أن جميل منصور عندما خرج من السجن عند الساعة الرابعة ليلا لم يعلم به الشرطة إلا مساء عندما سمحوا بأن نجتمع معا وجاء ضابطا شرطة يسألان، فقلنا لهم بصوت واحد إننا لا ندري شيئا عنه وأذكر أن أحد الإخوة قال لهم جميل ذهب الساعة الرابعة فجرا ولكن ولله الحمد لم يسمعه الضابطان فلما ذهبنا قلنا له لماذا قلت ما قال إنه قالها تلقائيا.

 

موقع الفكر: ماذا عملتم بعد الاعتقال؟

إسحاق بن الكيحل : خرجنا من الاعتقال ونحن لا نخاف ولم نكترث للاعتقال، وأذكر أنني جئت إلى الشباب وذهبنا إلى فرع نادي مصعب في "تيارت" وأخذنا الكتب التي كانت فيه وخزناها في مكان مناسب كما ذهبت إلى مقر الجمعية الثقافية الإسلامية وأخذت سيارتي التي ركنتها هناك وقد رفض الحارس في البداية أن آخذها فقلت له إني لا أحتاج إذنا منه ولا من الشرطة ولا من أحد آخر؛ لأن السيارة سيارتي الشخصية، وعملت بعد إغلاق الجمعية الثقافية الإسلامية والنوادي مع مجموعة من الشباب من بينها خالد بن إسلم والشيخ المختار بن أمين الملقب التاه والشيخ بن أبو محمد وإسماعيل بن موسى بن الشيخ سيديا  وفيصل بن يحظيه، وأبي عبد الله  وكانت هناك لجنة دعوية تقوم بالأنشطة الدعوية التي كانت تقوم بها الجمعية الثقافية في الأصل، ونواديها وكانت ظروفنا المالية صعبة للغاية، فكنا نسير على أقدامنا؛ لأننا لا نملك  ثمن تذاكر الحافلات وأذكر أننا كنا نأتي إلى إحدى الوراقات فتصمم لنا إعلان الليالي التربوية ثم نسحبه ثم نشتري اللواصق اللازمة ونلصقه على المساجد،  وبعد انتهاء الليلة التربوية نقوم بالدعوة إلى التبرعات فتغطي تلك التبرعات  ما استلفنا،  وقد قام العمل الدعوي في تلك الفترة على جهود أفراد قلائل من الشباب أعطوا وقتهم وجهدهم وأتذكر أن أخانا جميل منصور والدكتور محمد محمود بن سيدي والدكتور محمد المختار الشنقيطي كانوا متعاونين معنا في لبمنشاط  الدعوية كتنظيم الندوات والمحاضرات والليالي التربوية،  جزاهم الله خير جزائه.

 

موقع الفكر: كانت هذه  الأعمال الدعويو متزامنة  مع قرار التطبيع، وقد وقعت لكم قصة مع الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي، حبذا لو حدثتنا عن تلك القصة؟

إسحاق بن الكيحل: أذكر أننا أتينا إلى الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي وكان آنذاك مدرسا بالمعهد السعودي وطلبنا منه أن يحاضر لنا عن "الموقف الشرعي الصحيح من العلاقة باليهود" فوافق وطبعنا إعلانات المحاضرة وقبل يوم من تاريخها جاء إلي الأخ إسماعيل بن موسى الشيخ سيدي،  وقال لي إن الشيخ يبلغنا  اعتذاره عن الحضور فذهبت إليه وقلت له إني لست من أهل العلم ولكني أريد منه أن يبين للناس موقف الشرع من العلاقة مع اليهود فوافق وكانت هذه المحاضرة بداية فتح في العمل الدعوي لأن الناس كانت تخاف من الكلام آنذاك.

 

موقع الفكر: حدثونا عن أهم إنجازاتكم في هيئة الأعمال الخيرية، في الفترة من 1996 حتى إغلاقها سنة 2003؟

إسحاق بن الكيحل: كانت كفالة الأيتام من أهم أعمال هيئة الأعمال الخيرية إضافة إلى بناء المساجد و حفر الآبار والتدخلات الموسمية في رمضان وغيرها.. وكان الأخ خالد مشرفا على المستوصفات الصحية ومجمعات مدرسية في بوغي و روصو، وكان أول مدير للهيئة بموريتانيا فلسطيني يسمى خالد الحروب ثم جاء السوداني خالد إبراهيم الحسن ثم جاء عبيد الله وجئت أنا بعده، ولم ننجز شيئا يذكر غير أننا سيرنا عمل المكتب كما ينبغي وكان الأخ خالد بن إسلمو مشرفا على العمل التربوي في هيئة الأعمال الخيرية وكان مشرفا على نشاط تربوي تعليمي لصالح الأيتام وأمهاتهم ودروس تقوية ودورات في البكالوريا واستفاد منها عدد لا بأس من الطلاب ودورات البكالوريا لم تكن تخص الأيتام بل كانت مفتوحة، وأذكر أن زوجة أحد أصدقائي كانت من الطالبات اللواتي يردن الاستفادة من هذه الدورات وكان يشترط في الدورات شهادة وبطاقة ميلاد ولم تكن السيدة تحمل البطاقة ويبدو أن الشباب تساهلوا  معها وتركوها تدخل ولكني رفضت ذلك وعندما علمت بسبب منعها  وهو أنها لا تمتلك بطاقة تعريف وطنية كلمت أحد زملائي و استخرج لها بطاقة تعريف وتمكنت من متابعة الدروس، وأذكر أننا بحثنا عن الأماكن التي تحتاج إلى مساجد فبنينا مسجدا في الملعب الأولمبي وما زال قائما ولله الحمد وبنينا مسجدا في المستشفى الوطني ما زال قائما هو الآخر وبنينا مسجدا في مقر الجامعة القديم وكذلك ميناء الصداقة وبنت الهيئة في أواخر أيامها مجمع أسامة وجامع أبي طلحة بمنطقة الرابع والعشرين إضافة إلى عشرات المساجد وعشرات الآبار وكفالة آلاف الأيتام.

 

موقع الفكر: هل سبق أن اعترضتم على بئر ارتوازية طلبها أحد الوزر اء من  الإماراتيين؟

إسحاق بن الكيحل: أذكر أن الهيئة  طلبوا منا حفر ثلاثة آبار وأذكر أن أحد الأماكن التي طلبوا حفرها لم يكن فيها سكان بل كانت بها مقبرة وخاطبنا الهيئة قائلين إن المكان لا يصلح لحفر بئر ارتوازية؛ لأنه لا يوجد فيه سكان وفي نفس الوقت هناك عشرات أو مئات القرى التي تحتاج آبارا ونحن مؤتمنون ويبدو أن هؤلاء الأشخاص راجعوا الهيئة وقالوا إن مشكلة السكان هي انعدام الماء فلو حفرت بها بئر ارتوازية لعمرها السكان فأصرت الإدارة على حفر البئر فحفرناها.

ولله الحمد قليلة هي المناطق التي لم تنجز فيها الهيئة مساجد أو آبار بعضها ارتوازي والغالب فيها أن تكون آبارا سطحية خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية.

 

موقع الفكر: هل كانت لكم في جمعية الخير معايير علمية للانشاءات من حيث الجودة؟

إسحاق بن الكيحل: مررنا في هيئة الأعمال الخيرية بمرحلتين مرحلة كنا ننجز عملا يمكن أن تعتبر جودته متوسطة ليست بتلك الجودة المطلوبة، وكنا مضطرين أن ننجز إنجازا متوسطا بسبب نقص التمويل وإن كنا مصرين على أن أي مشروع سننجزه يكون متقنا من الناحية الفنية وأن يشرف عليه مكتب هندسي وتكون فيه رقابة، وفي يحتاج إجازة مهندس في جميع مراحله ليصل إلى المرحلة الموالية من المشروع، أما في فترة جمعية الخير فكنا نعد دراسات ولا نأخذ من الأعمال إلا ما يمكن تمويله،  والتأكد  من أنه يكون بمستوى الجودة المطلوبة وأصبحنا نعتذر عن أي تمويل لا يستجيب لمعاييرنا المطلوبة في الجودة.

 

موقع الفكر: نريد منكم أن ترووا لنا قصة اعتقالكم  سنة 2003 م؟

إسحاق بن الكيحل: كنت أتوقعه؛ لأن الإسلاميين اعتقلوا سنة 2003م. ونحن لدينا هيئة فيها بعض الإسلاميين وأذكر أنني كنت ذات يوم فجاءني الأخ  الشيخ بن أبي محمد في البيت وكنا نتحدث فاتصلت عبر الهاتف الأرضي  بالمكتب فرد علي أحد الزملاء وقال لي إن الشرطة تنتظرني في المكتب فذهبت إليهم في مكتب الجمعية وطلبوا مني أن أذهب معهم إلى الشرطة فذهبت واعتقلوني مع المشايخ الذين كانوا في مدرسة الشرطة وسألوني عن معلومات عن هيئة الأعمال الخيرية، وأذكر أن  مدير أمن الدولة دداهي بن عبد الله سألني عنها فقلت له إن هيئة الأعمال الخيرية هيئة أجنبية ولديها اتفاقية مقر مع السلطات الموريتانية وعضو في المجلس الاجتماعي والاقتصادي للأمم المتحدة وإذا كنتم تريدون معلومات عنها فبإمكانكم استدعاء فريق من وكالة CIA و KJB  وغيرها من المنظمات إضافة إلى خبراء في المحاسبة وعندها سأعطيهم ما يريدون من المعلومات فقال لي لم أسألك عن هذا  وهددني إن لم أتجاوب معه وأذكر أن أحد مساعديه جاء إلي وقال إن المدير هدد بأنه سيفعل بك كذا وكذا إن لم تتجاوب معه! فقلت له قل له أن يرسلني إلى سجن غوانتنامو وكانوا قبل ذلك قد أرسلوا محمدُ بن صلاحي إلى سجن غوانتنامو.

وأذكر أن أحد الضباط كان يحقق معي فسألني هل أنت من التبليغيين أو السلفيين وعدد عدة مجموعات فلما انتهى سألته لماذا لم تسألني هل أنا من تنظيم القاعدة ولكنه قال إن هذا السؤال غير موجود في أسئلته.

ولأننا ولله الحمد لم نرتكب جرما ولا مخالفة وإنما كان الأمر أمرا سياسيا فأذكر أنني زرت سفارة الإمارة بعد إطلاق سراحنا فحدثني السفير الإماراتي آنذاك أن وفدا أمنيا إماراتيا زار السفارة الإماراتية في نواكشوط فجأة ولم تكن السفارة على علم بقدومه  ونسق مع إدارة أمن الدولة الموريتانية وأخبرته إدارة أمن الدولة الموريتانية بأنها ليست لديها أية ملاحظات حول تسيير مكتب هيئة الأعمال الخيرية وإنما هي أوامر قادمة من الأمريكيين بضرورة إغلاق الهيئات الإسلامية واعتقال أعضائها فقط.

 

موقع الفكر: هل كنتم تقومون بالعمل الخيري دون محاباة؟

إسحاق بن الكيحل: وكما رويت القصة السابقة لزوجة صديقي أذكر أن الإمام حسبنا الله عليه رحمة الله كان وكيلا لأيتام وجاء لسحب كفالاتهم وقدمه الشباب ولكني أمرته أن يعود إلى  الطابور وغضب منها لكنه تفهم الأمر فيما بعد، وكنا نرسل ملفات الأيتام دون تدخل فبعضهم يحصل على كفالات سريعة والبعض تتأخر كفالاتهم وكان العمل عملا عاما ولم يكن عملا خاصا.

 

موقع الفكر: من بنى مقر مكتب هيئة الأعمال الخيرية في السبخة؟

إسحاق بن الكيحل : بنيناه نحن لأنا حصلنا على قطعة أرضية من السلطات و حصلنا على تمويل من صندوق التضامن الإسلامي وقدمنا له دراسة وقلنا إننا نريد أن نبني مقرا للهيئة ومركزا للأيتام ومسجدا وكنا قبله نؤجر مقرات فأرسلوا لنا المبلغ المطلوب على دفعات وبنيناه ولله الحمد في المقاطعة الخامسة قرب مفوضية الشرطة ، وبالمناسبة أتذكر أن رجلا يسمى با هودو عليه رحمة الله كان  مدير هيئة التخطيط وقبلها تولى إدارة الضرائب وأذكر أن عمارة "لا إله إلا الله" التابعة لهيئة الأعمال الخيرية وضعت عليها ضرائب كبيرة وجاء وفد إمارتي وذهبنا معه إلى وزير المالية وقال إنها ستحط عنها تلك الضرائب وأمرنا بالمتابعة مع مدير الضرائب الذي أصبحت لنا علاقة به وأذكر أن هذا المدير طلب منا أن نبني له مسجدا في قريته  بكيهدي فأعجبه ما قمنا به من عمل وجاءني أحد المعارف وقال لي إن "با هودو" قال إنه مستعد أن يعطيني أي قطعة أرضية أريدها في مقاطعة تفرغ زينه فقلت له إني لا أستطيع أخذ هذه القطعة الأرضية لأني لم أنجز العمل من مالي الخاص وما قمنا به نقوم به لأي شخص آخر  وأخبرني صديقي أنه قال له: إنها أول مرة يرى  فيها شخصا موريتانيا يرفض مثل  هذا العرض .