الغلاء يخنق الوضع المعيشي في قرى الضفة (تقرير)

موقع الفكر: "انواكشوط" ،لا صوت يعلو في قرى الضفة فوق صوت الشكوى من ارتفاع الأسعار وتردي الواقع المعيشي، فالجميع في حالة استنفار لتأمين أبسط ضرورات الحياة بعدما وصل الغلاء أوجه وطال مختلف السلع والخدمات بما فيها الماء أعز موجود وأغلى مفقود.

تحت رحمة الغلاء

في التوفيق الغربي 36كلم من روصو ارتفع سعر طن المياه إلى 250أوقية بعدما كان في حدود 150 ويشرح مسؤول القرية محمد سالم ولد عبد القادر كيف أصبح السكان تحت موجة عطش لا ترحم بعد تعطل مضخة القرية الارتوازية، ورغم الاستعاضة عن شراء الوقود بالطاقة الشمسية ،إلا أن أسعار المياه لا زالت باهظة في نظر الكثيرين من سكان المنطقة.

في الطرف الآخر من الطريق المعبد الذي يربط نواكشوط بروصو تتناثر قرى وتجمعات سكانية أغلب من فيها من الشيوخ و النساء ،إنما خلفهم الجهد وأقعدهم العوز حيث تعود البدايات الأولى للكثير من هذه التجمعات إلى سنوات الجفاف الشهباء التي ضربت المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي، ومع مرور الزمن تضاعف عدد النازحين ليشكلوا بؤر فقر تتوزع جنبات الطريق المعبد بحثا عن أي بارقة أمل للعيش الكريم.

جحيم الأسعار

في لبيرد 30كم من روصو تقول خديجة بنت إبراهيم مسؤولة التعاونية النسوية بالقرية إن الغلاء وصل هذه الأيام مستويات غير مسبوقة على مستوى المواد الأساسية، مما جعل دخلها البسيط من ريع الدكان التعاوني لا يفي باحتياجاتها المعيشية، وهي تعيل أسرة من ستة أطفال وزوج مريض طريح الفراش تستجدي الخيرين للمساعدة في علاجه.

عند كلم 26 لم يعد لدى العجوز ألب ولد همت ما يبكي عليه بعدما أقعده العجز والمرض ونفق ما كان يملك من أبقار ليستقر في "واد غير ذي رزع " على حد تعبيره وكأنه ينوء بكل هموم الدنيا من أجل تأمين الحد الأدنى من الضرورات لأفراد أسرته، فالأسعار لا تطاق وتأمين القوت في هذا الأيام أصبح من المستحيلات على حد تعبيره.

على شفا المجاعة

في "سكام2"، 35 من روصو يشكو السكان من عدم استفادتهم من دكاكين أمل، فأقرب دكان على بعد 3كلمترات وغالبا ما يكون خاويا على عروشه ،مما جعل السكان على شفا المجاعة في غير شهورالحصاد كما يقول محمد ولد إبراهيم وهو يشير إلى حجم الموارد المائية المهدرة في منطقة "شمام" بسبب ضعف استصلاح الأراضي وانعدام السدود وبدائية وسائل الزراعة المطرية.

ويتطلع كغيره من وجهاء القرية إلى اليوم الذي تعفيهم فيه متطلبات البحث عن لقمة العيش من أجل التفرغ لتعليم أطفالهم وتحسين وضعهم المادي، فلا غنى عن جهد أي من أفراد الأسرة هنا من أجل كسب معركة القوت ،كما يقولون مما رفع من معدلات تسرب الأطفال من المدارس، وتخلف وسائل الإنتاج.

عزلة خانقة

في بغداد 5كم إلى الشرق من بابابى على طريق بوغى –كيهيدي لا يختلف الواقع كثيرا سوى أن العزلة فاقمت من غلاء السلع الأساسية ،خاصة في موسم الأمطار وقد تصل أجرة التوصيل إلى نواكشوط حدود 7000أوقية قديمة ،وفق أسلم ولد أمبيريك الذي يطالب بدعم تعاونيات القرية واستفادة المزارعين من القرض الزراعي والتكوين على وسائل الإنتاج العصرية على حد تعبيره.

أما المشروع الزراعي للقرية فلا زال أبعد ما يكون من تحقيق الاكتفاء الذاتي للسكان من الحبوب، ومع ذلك يتطلع الجميع إلى أن يكون هذا العام عاما "فيه يغاث الناس وفيه يعصرون"، وذلك بحكم البداية المبشرة لموسم الأمطار.

 

أحزمة البؤس

وفي مدن الضفة يؤكد السكان أن غلاء المواد الأساسية حد من استفادتهم من مشاريع وبرامج مكافحة الفقر ،حيث أصبحت أحزمة الفقر تطوق مدن الضفة وتحيط بها إحاطة السور بالمعصم ،ولا يجد هؤلاء غير الحراثة في حيز ضيق من الأراضي الصالحة  للزراعة، والتي تطوقها المباني الإسمنتية وزحف العمران من كل اتجاه، كما تشرح الزهرة بنت أشبيل من الحي العسكري بسيلبابي، وهي تحاول إلى جانب عدد من النسوة زراعة بضعة أمتار على أطراف المدينة بمعدات بدائية وإمكانات محدودة،، سيتقاسمن غلتها من الدخن والفول السوداني في حال سلمت من الحيوانات السائبة والآفات الزارعية التي تترصدها في كل مرحلة من مراحل العمل.

الغلاء الذي يضرب بأشرعته في قرى النهر من تداعياته انتشار أمراض سوء التغذية لدى الأطفال، والتسرب المدرسي، وضعف الثقة في برامج التدخل الحكومية كما فتح الباب على مصراعيه لوقوع السكان تحت تأثير الدعاية للجماعات المتطرفة والمنظمات التنصيرية التي تنشط في منطقة الضفة، في مقابل عوامل عديدة يرى المراقبون أنها كانت وراء تردي الوضع المعيشي كتداعيات جائحة كورونا، والغزلة الخانقة لبعض القرى، وتجارة التجزئة والتقسيط التي تظل النمط الأكثر حضورا في المنطقة، فضلا عن هشاشة البنى التعليمية والصحية وضعف البرامج الحكومية الموجهة لمكافحة الفقر،والنظرة الانتهازية لبرامج ومشاريع الدعم غير الحكومي ،والتي فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافها لأسباب تتعلق بجمود وتجحر العقليات والنزاعات التقليدية على الأرض ،والماء والمرعى وسطوة العادات والتقاليد البدائية التي تعيق الحراك الاجتماعي،وتدفع بتيار التغيير والتحديث إلى طريق مسدود.