رواية "البراني": خيال علمي يمزج التكنولوجيا والموسيقى الموريتانية

رواية "البراني": خيال علمي يمزج التكنولوجيا والموسيقى الموريتانية

"سأقتلك.." بهذه الكلمة افتتح أحمد ولد إسلم روايته "البراني" التي ستأخذك إلى مزيج من الإثارة الاجتماعية والفكرية معا، مراوحا بين عالم موغل في البساطة والبدائية والأصالة وآخر غارق في المدنية والسرعة والفردانية. وبين هذين العالمين يمر بنا بسلاسة في 222 صفحة لاستقراء مستقبلنا القريب مع التكنولوجيا وربما ليعطينا تحذيرا عما يمكن أن ينقذنا.

تجذبك الرواية بداية من غلافها، حيث ترى آلة موغلة في القدم يحملها روبوت. فكيف لإنسان آلي أن يعزف على آلة "التيدينيت" تلك الآلة الموسيقية المخصصة للرجال في موريتانيا؟ بل كيف وصل عنوان المدنية الأشهر إلى مهد البداوة؟

ثم يدخلك الروائي في مزيد من التشويق بالإهداء الموجه إلى الفنان سيدي أحمد البكاي ولد عوه، ربما لا يكون الاسم مألوفا لديك، لكن لو أجريت بحثا سريعا ستكتشف أنه أشهر فناني موريتانيا، في إشارة إلى أن الموسيقى ستحتل مكانة مميزة في هذه الرواية.

وعلى مدى صفحاتها وفصولها، ستجد مزجا فريدا بين عالمي الموسيقى الموريتانية والتكنولوجيا؛ فالأولى تنفرد بجنباتها ومقاماتها وأوزانها غير المعروفة في غيرها من البلاد، والثانية بعيدة كل البعد عن هذا القُطر الذي لم يسمع سكان كثير من مناطقه كلمة إنترنت حتى الآن فكيف لهما أن يجتمعا؟

بين الواقع والخيال

رغم ذلك التباعد الواقعي الملموس بين موريتانيا في أقصى الغرب الأفريقي و"فيوتيسيتي" حيث الخيال والمستقبل، نسج الكاتب رابطا خياليا كأحداث روايته، بداية من فكرة استخدام لغة الموسيقى -وهي لغة "أزوان"- في تشفير التكنولوجيا التي وضعها البطل بنفسه، في إشارة ضمنية إلى إمكانية تعريب التكنولوجيا وجعلها تعبر عن هوية أصيلة.

إذ إن "ما يخرص" هو إنسان آلي صنعه "مختور ولد احويبيب" ليرعى الغنم ويحلب البقر وينهي مهام راع مجتهد يشقى صباحا في مزرعته بسهول النعمة (أقصى الشرق الموريتاني)، ويتواصل معه في المساء عبر تقنية غاية في التعقيد ليسمع صوت بقراته.

وهكذا يأخذنا الكاتب إلى دنيا الروبوت، ولكن هذه المرة من دون أن يترك عالم البادية وواضعا بين أيدينا مقارنة صريحة بين "مدينة النعمة" وقيمها الضاربة في الكرم والمحبة والمؤازرة و"جزيرة المستقبل" التي ترك أربابها ماضيهم وباتوا جزءا من عالمها الذي تحكمه مفاهيم الرأسمالية والمصلحة؛ فـ"من أنت" في الجزيرة تعني كم تكسب من المال مقابل ما تبيعه من وقتك… هل يذكرك ذلك بشيء؟!