رئيس منظمة مصنفي الأسماك محمد المختار الشريف: أول مطالبنا هو أن تتوجه الدولة إلى تثمين المنتوجات الموريتانية

الفكر (نواذيبو): في إطار مواكبة "موقع الفكر" لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منه إلى إطلاع متابعيه الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع محمد المختار بن محمد الأمين بن الشريف، الأمين العام للنقابة الوطنية للعمال المتخصصين في تصنيف الأسماك ، ورئيس منظمة مصنفي الأسماك، أحد الفاعلين في قطاع الصيد البحري بمدينة نواذيبو لنستطلع معه الإشكالات التي تواجه العاملين في هذا القطاع خصوصا العمال الموريتانيين وأبرز التحديات وكيفية مواجهتها.

وفيما يلي نص المقابلة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الاسم محمد المختار بن محمد الأمين بن الشريف الأمين العام للنقابة الوطنية للعمال المتخصصين في تصنيف الأسماك ، ورئيس منظمة مصنفي الأسماك، وهي منظمة تعمل منذ سنوات للدفاع عن شريحة مصنفي الأسماك، والتعريف بأبرز مشاكل الشريحة والدفاع عن حقوقها.  

وقد تأسست المنظمة سنة 2006 لتؤسس بعد ذلك  النقابة سنة 2008، و من أولوياتنا  تثمين المنتوجات البحرية  والمساعدة في خلق قيمة  مضافة للمنتوج البحري عموما، ونحاول كذلك الدفاع قدر المستطاع عن حقوق هذه الشريحة من العمال التي تكونت بجهود ذاتية، ولم تبذل فيها الدولة شيئا ولم تفتح لها مراكز للتدريب وإنما يظل كل واحد يعمل في قارب أو مصنع حتى يحصل هذه الخبرة بعد عشر سنوات أو خمسة عشر عاما، لكي يحصل خبرة تكفي ليكون مصنفا، وهذه هي الأهداف التي تكونت  على أساسهما هاتان المنظمتان.

موقع الفكر: كم عدد منتسبي النقابة؟

محمد المختار بن محمد الأمين: بلغ عدد المنتسبين 457 منتسبا، 60% منهم تعمل في المصانع العائمة، في البواخر على مستوى السوق الوطني، والسوق الأجنبي و 40%  في المصانع الموجودة على اليابسة.

موقع الفكر: هل تقدمون إفادات للمصنفين؟

محمد المختار بن محمد الأمين: نحن لا نقدم  إفادات لأننا مجموعة من الناس الذين تكونوا بصورة ذاتية، وكان أحدنا يمكث عشر سنوات أو خمسة عشر عاما مع زميله حتى يتكون، وأجريت دورة سنة 2008 واستفاد منها 120 مصنفا، وفي هذه السنة نظمت دورة أخرى لصالح مائة وخمسين ونيف.

موقع الفكر: هل لديكم شركاء في مجال التكوين؟

محمد المختار بن محمد الأمين: ليس لدينا شركاء ولسنا تابعين لاتحادية أو مركزية نقابية، وإنما نحن مجموعة من العمال نعمل وحدنا وشركاؤنا الحقيقيون هم الإدارة المحلية والمنتخبون، و لا نعمل مع المنظمات الدولية مع أنه من المهم بالنسبة لنا العمل معها، ولكننا لم نصل إلى أي مستوى من الشراكة، ولدينا قسم في نواكشوط ومقره في ميناء الصيد التقليدي، ويعمل نفس عملنا، وليست في موريتانيا أية نقابة أو منظمة تتحدث عن هذا المجال غيرنا، ونحن من أحسن المجموعات اتحادا وأكثرها تنظيما، لأننا نعلم أن قوتنا في اتحادنا وتفرقنا لن يفيدنا، ولنا مكتب تنفيذي يتجدد حسب مؤتمر الذي  تعقده الجمعية العامة، ولسنا ممن يتوهم المنظمات ملكية فردية ،فالمكتب الحالي انتخب منذ سنة، ونحن مجموعة مهنية متفقة فيما بينها.

موقع الفكر: هل انتسبتم إلى واحدة من المركزيات النقابية؟

محمد المختار بن محمد الأمين: الأصل أن النقابات المهنية هي أساس المركزيات النقابية، ولكن كما قلت لك إننا لم نر أن هنالك أي مركزية نقابية، يمكن أن تصنع لنا الظروف التي نحاول أن نضع فيها أنفسنا، واعتبرنا أن الانتماء لأي منهم يمكن أن يقيد حريتنا، ونتعامل مع بعض ممثليهم في نواذيبو في بعض القضايا المشتركة، ونتعاون معهم إن كان الأمر يتطلب التعاون، ولكننا لسنا منتسبين لأي منهم، ونحن شركاء جيدون لأي أحد يريد الشراكة معنا، ولكن لن  تكون الشراكة على حسابنا.

موقع الفكر: كيف تقيمون واقع  قطاع الصيد؟

محمد المختار بن محمد الأمين: وضعية الصيد البحري واضحة للجميع ونحن من أقرب الناس منه وأكثرهم لصوقا به، ودافعنا عنه  ونشرنا في وسائل التواصل الاجتماعي المشاكل التي يعاني منها القطاع،  والمتابع للحركة الاقتصادية في القطاع يعرف أنها وصلت مستويات متدنية، بحيث إن التوقيف المقبل والذي يستمر شهرين، بعد انتهائه سيجد الصيادون أسماكا قليلة، وبعد ذلك  يبقى ما يطلق عليه باللهجة الحسانية " اتمكريط"، ويخسر فيه الصيادون التقليديون لأن هذه الوضعية لم تعد لها مردودية اقتصادية، والقطاع يشهد وضعية مزرية واليوم عاد البحارة  فتلقاهم المواطنون ،ولم يجدوا ما يضعونه في قدورهم، فمن المفروض أن يوم الإغلاق هو يوم قدوم كل الأساطيل ويتوفر فيه السمك المستهلك  محليا بكثرة ،وإذا ذهبتم إلى الميناء فلن تجدوا الأسماك كالأخطبوط وغيرها، فوجوده ضعيف جدا ومنذ فترة، والقطاع يتدحرج في هذه الوضعية.

ومنذ سنوات وما يوضع من استراتيجيات إنما يبقى حبيس الأدراج، وهو ما أوصلنا لما نحن فيه، فمنذ سنوات نشهد تراجعا مريعا وإذا سرنا على هذا المنوال ـ لا قدر الله ـ قد نلجأ إلى استيراد الأسماك من الخارج بدلا من تصديرها.

ونحن متأكدون من أن هذه السياسات إذا لم تتغير وتتبع سياسات واضحة، فلن يكون هنالك  ما يمكن أن يتلافى في المستقبل، والجميع في القطاع خاسرون سواء  كانوا مصدرين أو عمالا أو أصحاب مصانع ، ويجب احترام فترات التوقيف البيولوجي فليس من المعقول أن يكون التوقيف ساريا على الجميع ،وبعض السفن تصطاد خلسة، وكذلك  الأساطيل الأجنبية التي يرخص لها دون تبصر، ومن يعرف حقيقة مخزونه يجب أن يعلم أن استنزاف الثروة يؤدي إلى الكوارث، وهو ما قد يوصلنا إلى مرحلة لا نجد فيها ما نأكله.

موقع الفكر: ما أبرز تجليات الحالة المزرية التي تحدثتم عنها؟

محمد المختار بن محمد الأمين: هنالك بعض أنواع الأسماك التي لم تعد موجودة منذ سنوات، وكانت في موريتانيا 212 نوعية من الأسماك القابلة للتصدير ،والآن انخفض العدد إلى 170 أو بالكاد يصل إلى 180 نوعا،  وأظن  أن الشركة الوطنية لتصدير الأسماك أعلنت في آخر إعلان لها  عن 175 نوعا وهذه الأنواع ما يصدر منها قليل، ولكنها ما زالت موجودة ،ولم تعد موجودة بالكمية المطلوبة ومهددة بالانقراض.

موقع الفكر: ما  الأسباب التي أدت إلى الوضع الحالي؟

محمد المختار بن محمد الأمين: من الأسباب التي أدت إلى استنزاف الثروة  الوطنية الصيد الجائرعن طريق السفن العملاقة ،التي تأتي على الأخضر واليابس ،والتي تصطاد خلال يوم أو يومين ما بين 800-900 طن، وهي بالعشرات وهذا ما يقضي على الأنواع المختلفة، إضافة إلى العوامل البيئية، فالمحيط منذ عشرات السنين تتراكم فيه  النفايات السائلة والصلبة،  سواء عن طريق المصانع العائمة وما تلوث به المحيط من زيوت ونفايات منزلية، وسواء نفايات الصيد التقليدي التي تقدر بآلاف العلب التي تستخدم ثم ترمى في قاع المحيط ، إضافة إلى النفايات المنزلية المصاحبة لعمليات الصيد، وليس هنالك من يحافظ على البيئة إضافة إلى مصانع دقيق السمك المعروفة باسم "موكا"، التي عرفتها المنطقة مؤخرا وتسببت هي الأخرى في بعض المشاكل، بحيث تشاهد أسماكا صغيرة ميتة اختناقا، بسبب المواد الكيمائية التي تستخدمها هذه المصانع في طحن الأسماك، لتختنق الأسماك  وتنفق على الشاطئ وهذه العوامل قد تجعل بحرنا ـ لا قدر الله ـ غير قابل حتى لزراعة الأسماك، رغم تكلفتها المرتفعة ومن المعروف أن منطقتنا مثالية لتكاثر الأسماك، ولكننا لم نحافظ عليها للأسف وتركنا نهبا لأنواع التلوث.

موقع الفكر: أين الجهات الرسمية مما يحدث؟

محمد المختار بن محمد الأمين: كما قلت في البداية إنني شهدت أربع استراتيجيات وأبدي رأيي بصفتي مهتما بالقطاع، وأنصح بما أعلم وينصح  العشرات غيري، ومع ذلك تعمل الوزارة على استراتيجيتها الجاهزة ولو أنها تعرف ما يجري وتأخذ به لما وصلنا إلى هذه المرحلة، والجميع يعلم الحقيقة، ونحضر ورشات تستمر أربعة أيام أو خمسة ولكن الوزارة يبدو أنها لا تستقي معلوماتها من هذه  الورشات.

وكما تكلمنا سابقا عن عاملي الصيد الجائر والبيئة هنالك عامل آخر في السابق ، وهو ندرة المصانع فيفسد ويصبح نفايات، وإن كان هذا الأمر لم يعد موجودا في الوقت الحالي، ولله الحمد وحتى إن السمك الذي تستجلبه البواخر التركية والأساطيل الصينية من المفترض أن نسبة منه تذهب إلى التصنيع، ولكن المصانع تتحايل على ذلك  وتترك الكمية المخصصة للتصنيع حتى تفسد لكي لا تصنع، وبالتالي تعود إلى مصانع  دقيق السمك ،وهذا ما شاهدناه في السنوات الأخيرة وهذا من أسباب انقراض السمك وتناقص الأنواع.

موقع الفكر: ما هي أبرز المشاكل المطروحة لمصنفي السمك؟

محمد المختار بن محمد الأمين: نرى أن المنتوجات البحرية في ظل الوضعية المزرية التي نعيشها يجب أن تتدارك، وتفرض تأمين منتوج  اليوم قبل غد ،ومعنى ذلك أن المنتوجات التي نرسلها كمادة أولية للدول المجاورة وتقوم هذه الدول بإعادة تصنيعها، فتجد النتيجة المتوخاة من ذلك،  فيما نخسر نحن القيمة الفعلية للمنتوج رغم وجود اليد العاملة الرخيصة، ورغم توفرنا على عدد من المصانع ذات المعايير.

يجب على الجهات المعنية أن تتخذ قرارا في أن لا  يصدر  أي نوع من الأسماك إلا بعد تصنيعه، وإرساله إلى المستهلك مباشرة، فلماذا نعطي موادنا الجاهزة لأناس آخرين كي يربحوا منها ونظل نحن بلا أرباح، ويجب أن تفهم الدولة أن في هذا القطاع عشرات مصنفي الأسماك  الأجانب تستجلبهم شركات تصنيع السمك، وتسلطهم على رقاب البلاد والعباد ويعطيهم رجال الأعمال ما يطلبونه ،وهم يعملون منذ عشرات السنوات، إضافة إلى أنهم عيون استخباراتية لشركاتهم، بحيث إن الشركات تعرف ما عندنا من الأسماك والأنواع  فتقرر الأسعار التي ستقدم وتعطي أسعارا جيدة للأسماك قليلة التوفر، بينما تقدم أسعارا زهيدة في الأسماك المتوفرة، وبالتالي نفقد القيمة الفعلية للمنتوج، وما من شركة إلا وفيها مصنف أجنبي، فيما يتعلق بالأخطبوط وكل الشركات التي تعمل في السوق اليابانية لديها مصنف أجنبي مفروض عليها، و لا يعترف بتصنيف سمكها إن لم يكن لديها مصنف أجنبي،  ومن الغريب أن الشركات الوطنية إذا كان لديها مصنف وطني تعطيه راتبا قيمته 150 ألف أوقية قديمة وتحرمه من الحوافز أو التأمين، والمصنف الأجنبي الذي تستقدمه شركته الأجنبية  تعطيه الشركة الوطنية مبلغا قيمته 300 إلى 400 ألف أوقية قديمة بدل المعاش والسكن بينما المصنف الوطني لا يجد نصف الراتب المذكور وليس له  من  تعويض للسكن ولا تأمين صحي أو اجتماعي، وإن تكلم أو احتج يفصل عن عمله ويبقى عاطلا عن العمل.

وقد نظمنا يوما تحسيسيا في الشهر الخامس من العام الجاري، لكي نشرح للمواطنين والأطر والدولة الموريتانية  المشاكل الحقيقية التي يعاني منها القطاع، من تهريب قيمة المنتوج ومن عبث اليد العاملة الأجنبية بالقطاع ، و التقينا بعدد من القطاعات الوزارية المعنية بقطاعنا فالتقينا كل وزير على حدة، ودخلنا في نقاش طويل معهم وتعهدوا لنا بتوقيف اليد العاملة الأجنبية، ويجري الحديث عن قانون ينظم العمالة الأجنبية  منذ سنتين، وشكونا إلى السلطات الإدارية والمندوبية الجهوية ووزارة التشغيل، من أجل توقيف هؤلاء الأجانب وقد تقوم السلطات المحلية والمندوبية بتغريم العامل الأجنبي البسيط وتسجنه، ولكن العمال الذين نعنيهم محميون بمصالح وعلاقات رجال الأعمال، وهذه مفارقة غريبة. وحصلنا على تعهدات من وزير الصيد الجديد، وقال لنا إن مشكلتنا مطروحة على الطاولة ويجري نقاشها وستتخذ فيها قرارات نهاية العام الجاري، وأملنا كبير في اتخاذ قرارات توقف نزيف  الثروة، وأن يجد أبناء الوطن فرصا للتشغيل فلدينا مجموعة من الأشخاص العاطلين عن العمل في الوقت الذي توجد فيه يد عاملة أجنبية.

موقع الفكر: هل من خروقات على مستوى تصنيف السمك؟

محمد المختار بن محمد الأمين: كثرت الخروقات في السنوات الماضية، والآن تناقصت بسبب نضالنا نحن المصنفين الموريتانيين، وكان المصنف الأجنبي يخفض تصنيف السمك الموريتاني بدرجة أو درجتين، لكي يفقد قيمته ويشحن إلى الشركة التي تشتريه بسعر غير السعر المتفق عليه أصلا، فالشركة الموريتانية لتصديرالأسماك لديها تصنيف لجميع أنواع الأسماك والأحجام، ولكن يتم التلاعب في الأنواع والأحجام،  بغرض التهرب من دفع  القيمة الحقيقية للضريبة   التي ستأخذها الدولة الموريتانية من هذه المنتوجات، والأخطر من ذلك أن المؤسسات الوطنية كانت تمارس في الماضي نوعا من التهريب، وهو أن تصنف الأخطبوط كله في الصنف الثالث ـ ويصنف الأخطبوط إلى سبعة أقسام ـ  لكي لا تأخذ الدولة الموريتانية إلا ضريبة قليلة، ومن الممكن استمرارمثل هذه الخروقات في حال عدم   وجود اليد العاملة الوطنية المُؤتمَنَةُ ،وأصبحت في مستوى يسمح لها بتحمل مسؤوليتها، وإذا كانت الدولة تريد الاستمرار في فوضى القطاع، فلن يطول الوقت في استمرار القطاع  نفسه إذا استمر على هذا المنوال.

موقع الفكر: لمن تحملون المسؤولية المباشرة، عن هذه الوضعية؟

محمد المختار بن محمد الأمين: بالنسبة لنا المشغلون هم أكثر من يتحمل المسؤولية لأنهم يرون ما يجري وهم شركاء فيه، والمؤسسات المنتجة والعاملة في مجال الصيد، ولأن الوزارة لا تمتلك المعلومات الكافية عما يجري ولأن الإدارات المحلية ليس لديها الإمكانيات للمتابعة، وتنقصها الخبرة ويفوتها الكثير من الأمور، وكان الجدير بالمشغلين أو رجال الأعمال أن يحترموا القيمة الضريبة للمؤسسة، وللدولة ويتركوها تأخذ مجراها الطبيعي، وهذا لا يتنافى مع الأرباح وسيظلون يجنون الأرباح.

موقع الفكر: ماذا عن الرقابة البحرية؟

محمد المختار بن محمد الأمين: الرقابة البحرية موجودة ولكن مشكلتها أنها تكتتب مجموعة من الأشخاص  لا خبرة لهم في القطاع، وعند إرسالهم في عرض البحر أو إلى المصانع يتيهون لأنهم لا يمتلكون الخبرة اللازمة للعمل، ولذلك عند زيارتهم للمصانع يصنفون ما هو صحيح بأنه فاسد والعكس صحيح، لأنهم لم يتكونوا تكوينا جيدا وإن كانوا مكونين فتكوينهم ضعيف، ومن يأتي إلينا في المصانع هم أناس لا يدرون ما الذي يفعلون، ويتخبطون ومن السهل خداعهم وليست لديهم  مختبرات، وإنما تفتيشهم  بالعين المجردة وهم  ناقصوا الخبرة وأغلبهم من العسكريين السابقين، الذين لا علاقة لهم بالقطاع وقد تلقوا تدريبا بسيطا، وأعطيكم مثالا بسيطا فلو أن مصلحة الرقابة  أخذت مجموعة من المصنفين لكان الأمر ذا قيمة، لأن المصنفين يعرفون جميع الأنواع ولا يمكن خداعهم، واالمشكلة أنهم لا يعتبرون أنفسهم ناقصي خبرة، وهذا يتعلق بالإرادة السياسية.

موقع الفكر: هل لدى الرقابة الوسائل اللازمة لأداء مهامها؟

محمد المختار بن محمد الأمين: لديهم الإمكانيات اللوجستية ، لكن المشكلة  في الطاقم البشري الذي يحتاج إلى التكوين، من وجهة نظرنا نحن المصنفين لأنهم عندما يأتون إلينا يبدون آراءً لا تنم عن التخصص، ويتبين لهم فيما بعد أن ما يطلبون وهذا من الأخطاء الكبيرة التي لا تمكن الرقابة من الوصول إلى أهدافها، وقد راسلنا المندوبية الجهوية لكي تعتبرنا شركاء ونتعاون  معها من أجل إبلاغها بما يجري  داخل المصانع، ولكن على مستوى مدينة نواذيبو لم يقبلوا التعاون معنا أو يتخذوا منا مفتشين، ونحن مواطنون وليس في مصلحتنا استمرار نهب ثروات بلادنا ، بينما تم التعاون مع قسمنا الموجود بانواكشوط وأصبحنا نبلغ بطريقة غير مباشرة عن المخالفات التي تجري داخل بعض المصانع.

موقع الفكر: ماذا عن تعاطى الإدارة معكم؟

محمد المختار بن محمد الأمين: في نواكشوط يتعاونون مع مكتبنا، أما في نواذيبو فلا علاقة بيننا وبين خفر السواحل أو الشركة الموريتانية للتسويق، ونحن شركاؤهم أحببنا ذلك أو كرهناه ، ولكننا لم نتوصل بعد إلى طريقة للتعاون، وأخطر ما في الأمر هو أن المصنع الصيني الذي شغل قبل الوقت المعلن عن تشغيله ويمارس فيه نوع من السرقة مهمل فلهم مصنف أجنبي ومعه مجموعة من العمال اليدويين ،ويصنف الأسماك على هواه وتأتي المصانع يوميا ثلاثة قوارب أو أربعة بكميات كبيرة ،ويصنعون أرقى الأنواع وأجودها وأغلاها، وتحرسها فرقة من الدرك ،وحتى إن هذه الشركة لا تضع لافتة تبين عنوانها ،وإنما عملها نهب الأسماك،من خلال تخفيض تصنيف الأسماك إلى درجة أدنى من قيمتها الفعلية، ولم نستطع التعاطي معها.

ونحن لدينا خبرة في التصنيف، ولا يلزمنا إلا مجرد النظر إلى الأسماك لنعرف حقيقة ما يجري، ولكن أين نحن من الرقابة، ونحن لا تقف خلفنا إرادة سياسية وسلطة قوية وصحافة استقصائية، فلو كانت تقف وراءنا  هذه المجموعة لاستطعنا التغيير لأن لدينا إيمانا بدولتنا ونكره أن نرى دولتنا وثروتنا تنهب يوميا، وهذا ما يغيب عنكم أنتم معشر الصحافة بينما نشاهدها نحن تنهب يوميا لمصلحة أجنبي أو لص من لصوص رجال الأعمال، الذين لا يبحثون إلا عما يضعونه في جيوبهم ،ونحن ضد العمالة الأجنبية، ومن المفارقة العجيبة أن الأسطول الوطني منذ ثلاثين عاما لا يعمل فيه غير الموريتانيين، ومع ذلك لم توجد فيه مشاكل في التصنيف، ونفس الشركات التي ترفض التعامل مع المصنف الموريتاني تشتري الأسماك من الأسطول الوطني، تلك الأسماك  التي لا يصنفها غير الموريتانيين، ولكن في قطاع الصيد التقليدي  مافيا ما زالت تنهب القطاع ،وما زال أصحابه يقبلون ذلك بينما في الأسطول الوطني هنالك من يكفهم عن فعل ذلك ويبدو أن رجال الأعمال المواطنين إما  أن الأموال التي يفتحون بها المصانع ليست أموالهم ،أو أن الأمر لا يعنيهم.

وفيما مضى كان المصنفون من الكوريين، ولكن الرواتب التي تعطى لهم  يبدو أنها لم تعد مغرية، فتحول المستثمرون الموريتانيين إلى المغاربة، ولا مانع عندهم من استخدام أشخاص من سيراليون، المهم ألا يكون المستخدمون في التصنيف موريتانيين، وكلهم يتبعون تعليمات  الشركات الأجنبية التي تستخدمهم والبلاد لا تعنيهم في شيء ،لأنهم ليسوا مواطنين وأهل البلد يمكنونهم منه.  

فيما يتعلق بالبيئة البحرية ينبغي إنشاء هيئة معنية بالرقابة، سواء فيما يتعلق بالأساطيل الوطنية والأجنبية، أو الصيد التقليدي والزوارق وهذه الهيئة ستتمكن من تسلم نفيات كل سفينة عند عودتها من الصيد ، وأنا حاليا أرأس منظمة للبيئة  لها مقر في الميناء، وتتسلم هذه الهيئة الزيوت والنفايات المنزلية من السفن عند عودتها من الصيد ،ونعطيها وصلا بتسلمنا لهذه المواد، وبدورنا نعطي السوائل للمصانع لتكريرها وإعادة انتاجها ،ونقوم برمي النفايات في الأماكن المخصصة لها، وتعمل في هذا المجال منظمتان أخريان، وهذه الجهود تساهم في حل المشكلة شيئاما، وإن لم تكن على المستوى المطلوب ،ولكنها أفضل من ترك هذه النفايات ترمى في البحر، ولكن المشكلة في قطاع الصيد التقليدي الذي يستخدم ممارسوه آلاف النفايات من البلاستيك والمراسي  والعلب، ويرمونها في قاع البحر والمشكلة ليست في القوانين وإصدارها وإنما في الآلية التي تمكن من ضبط المجال، ووجود الأشخاص المؤهلين لتنفيذ القرارات وتتوفر لهم المعدات اللوجستية، والقرارات.

موقع الفكر: هل ترون أن الآلية المتخذة حاليا للراحة البيولوجية مفيدة؟

محمد المختار بن محمد الأمين: لست من المتخصصين ولكني أعلم أن الراحة البيولوجية ضرورية ومطلوبة في وقتها، ولكن ما حصل في نواذيبو وعموم المياه الموريتانية هو أننا  كثيرا ما نسمع عن خرقها، فقد فتحوها السنة الماضية  قبل موعدها بخمسة عشر يوما أمام الصيد التقليدي، وسمعنا أن القرار الأوربي كان يقتضي بعدم فتح البحر ولكنه فتح بقرار سياسي فحصل ما كنا نتوقعه، وهو نفاد السمك بعد أيام قليلة ولم تتم ثلاثة أشهر، وسواء تمت هذه المدة أم لم تتم فهنالك خبراء يجب أن يستشاروا في فتح الصيد من عدمه، فإن قالوا بإغلاقه أغلق وإن قالوا بفتحه فتح ،لا أن يكون خاضعا لضغوط الشارع وإذا استمرينا في سلوك نفس الخطوات فسنصل إلى مرحلة لا يجدي معها فتح البحر أو إغلاقه ،ويجب أن يأخذ بعين الاعتبار رأي الخبراء الفنيين الذين يعرفون المجال وأن تكون كلمتهم هي كلمة الفصل.

 و الراحة البيولوجية  لها فترتان في السنة  والتوقف الحالي الذي مدته ثلاثة أشهر  سبقه توقف منذ خمسة أشهر ،وعلى العموم أرى أنه يجب على السلطات أن توقف نشاط الصيد  لمدة سنة أو سنتين، حتى تتعافى الأنواع وتتكاثر، لأن النفايات الحالية تستحيل معها الحياة البيولوجية.

والأخطبوط والسمك بصفة عامة تتناقص أعداده منذ سنوات، لأسباب منها عوامل البيئة والصيد الجائر بمختلف أنواعه، وهنالك سبب آخر وهو أن صيادي الصيد التقليدي منذ عشرات السنين وهم يرمون علبهم في المحيط، وبالتالي أصبح الأخطبوط يجد ملاذات آمنة ولن يستفيد منه إلا البواخر التي تمخر المياه وتلتقط هذه العلب وتنتزع منها الأخطبوط ،وترميها من جديد وبالتالي فأنا أرى أن أصحاب الصيد التقليدي يعملون ضد أنفسهم فهم لا يصطادون إلا بالعلب والعلب مكدسة بالملايين في قاع المحيط، ولم تفكر اتحاديات الصيد العريقة في إيجاد طرق جديدة للصيد وهي بالمناسبة طرق معروفة ومستعملة من أجل التخفيف على بيئة المحيط، وهذا أمر معروف للجميع ولكن الكل لا يبالي، وإنما يعتبرون البحر  كشاة بفيفاء، إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب، والغريب أن صغار ومتوسطي المستثمرين لم يستطيعوا الانتظام فيما بينهم، وهم لا يدرون بأنهم يدمرون البيئة التي يستثمرون فيها أموالهم.

وفيما يتعلق بالموانئ فالموجود منها  يؤدي الخدمة المطلوبة، والميناء اتساعه يمكن الأساطيل من الرسو بأريحية، ولكن الأساطيل أصبحت متوقفة لأنها لم تجد ما تطلبه من الأسماك.

والتعدين أتاح فرصة تنفس الناس من خلالها  الصعداء ،ولو كان  السمك ما زال على سابق عهده لم تجد أحدا يغادر الصيد من أجل التعدين ،ولا أرى أن للتعدين تأثيرا مباشرا حتى الآن على الصيد، لبعد المنقبين نسبيا عن البحر ولكن لا شك أن له تأثيراته  على البيئة الرعوية والمياه الجوفية.

موقع الفكر: ما هي مطالبكم كجهة متخصصة في هذا المجال؟

محمد المختار بن محمد الأمين: أول مطالبنا هو أن تتوجه الدولة الموريتانية إلى تثمين المنتوجات الموريتانية، ولا يمكن  أن نظل نرسل  أسماكنا ونحاسنا وذهبنا مواد أولوية ولا نصنعها، ولدينا اليد العاملة الرخيصة والكثير من المواد الأولية، وهذا أمر لا صبر عليه، والمطلب الثاني  أن يخلو القطاع من اليد العاملة الأجنبية، وألا يكون لها علاقة به بل يأتي الأجانب ويفتشون عن السمك فإن أعجبهم اشتروه وإلا تركوه، وهذا يجب أن يكون قرار سياديا، وهو ما يجري في الأسطول الوطني، ومنتسبونا لديهم مشاكل سواء منهم من يعمل في البحرية التجارية أو من يعمل منهم في البواخر، فكثيرا ما يتم غبنهم في الاتفاقيات الجماعية، وكان من آخر ذلك الغبن الاتفاقية الجماعية التي وقعت سنة 2020 ـ  وهي اتفاقية موقعة  بين رجال الأعمال والعمال برعاية  السلطات ـ و بموجبها يتقاضى المصنف مبلغ 105 آلاف أوقية قديمة، وكانت الشركات تدفع للمصنفين مبالغ تتراوح ما بين  180 ألف أوقة  إلى 200 ألف أوقية، وكل العاملين في قطاع البحرية التجارية مؤمنون، وهذا المبلغ الذي نصت عليه الاتفاقية يمكن للشركات أن تعلن أنها لن تعطي غيره للمصنفين، ولكن المصنفين لن يرضوا بذلك، أما فيما يتعلق بمصانع اليابسة فما من مصنع منها يمتلك اتفاقية مكتوبة، أو لدى عماله عقد أو تأمين صحي أو اجتماعي أو ساعات عمل محددة أو عطل محددة، ولذلك نطلب بوجود عقود وتأمين صحي واجتماعي وتحديد ساعات العمل، والتكوين المستمر،وتواجد أكاديميات للتدريب، ونطالب بافتتاح قسم خاص بتكوين المصنفين لكي يتخرج  لنامصنفون موريتانيون.

وكل ما وجدنا من التكوينات تكوينين فقط، أحدهما  أجري في العام  2006 والآخر في سنة 2021، و في التكوينين المذكورين آنفا أدخل أشخاص لم يكونوا من المصنفين،وهوما يؤثرعلى المصنفين الحقيقيين، وهؤلاء الأشخاص المُدْخَلُون حصل كل منهم على إفادة، ولكنها لن تفيده بشيء،والتكوين الأخير أجري طيلة ستة أيام وهي فترة قليلة لا تفيد من كان على معرفة بالمجال فكيف بمن لم يكن كذلك.