الدكتور محمد مني غلام لموقع الفكر: لا بد من إعادة الاعتبار لمهنة المدرس النبيلة التي تمثل الرافعة الحقيقية للتنمية في هذا البلد

الفكر(نواكشوط) في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد الأطر الموريتانيين، ممن عايشوا واقع التعليم، فكان من رواده الأوائل الذين واكبوه طلية السنوات الماضية، إضافة إلى عمله في ميدان كمفتش مكلف بالتعليم الأساسي، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل حول واقع التعليم بموريتانيا، إضافة إلى المشاكل التي تعترض  العملية التربوية بموريتانيا وتعيق مخرجاتها عن بلوغ الأهداف المنشودة.

فأهلا وسهلا بضيفنا الكبير الدكتور محمد مني غلام المفتش المكلف بالتعليم الأساسي،

موقع الفكر: نود منكم تعريف القارئ والمشاهد بشخصكم الكريم من حيث تاريخ ومحل الميلاد والدراسة وأهم الوظائف التي تقلدتم؟

الاسم محمد ولد مني ولد غلام، الوظيفة مفتش مكلف بالتعليم الأساسي ولدت عام 1970 نواكشوط، والمؤهلات الثانوية العامة،  وشهادة ليسانس من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وشهادة المتريز من كلية القانون والاقتصاد ودبلوم دراسات معقمة من من كلية القانون بجامعة ابن عكنون،  ثم شهادة الدكتوراه من نفس الكلية في القانون الدبلوماسي.

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم في بلادنا؟

د. محمد ولد مني ولد غلام: أعتقد أن ثمة إجماعا على أن التعليم يعاني من اختلالات هيكلية تحتاج إلى مراجعة عميقة و جذرية ، والكل أيضا يرى أن مخرجاته تعاني الكثير من الأسقام بمعنى أن تدني المستويات أصبح ظاهرة مرصودة  وضعف المخرجات وتدني نسب النجاح في المسابقات الإشهادية كلها شواهد على أن المنظومة التربوية في هذه البلاد ليست على ما يرام.

موقع الفكر: ما تقويمكم للإصلاحات التربوية التي قيم بها وما العوامل التي أدت بها جميعا إلى الفشل؟

د. محمد ولد مني ولد غلام: بالنسبة للإصلاحات التربوية السابقة، أرى أن كلا  منها جاء  في بيئة تخصه، خاصة بذلك الاصلاح، فإصلاح 59 جاء حتى قبل نيل البلاد استقلالها وليس بالإمكان تصنيفه على أنه إصلاح وطني  واللغة لم تكن تدرس إلا ساعتين فقط، وكان يهدف إلى جر المواطنين إلى المدارس النظامية، فهوجاء في وقت كانت فيه الإدارة الاستعمارية تغازل الاستقراطيات الاجتماعية بتوجيه  أبنائها إلى المدارس النظامية.

 أما إصلاح 67 فقد حاول الاستجابة للتطورات الاجتماعية والسياسية الحاصلة وقتها، لكنه عالج بعدا واحدا وهو البعد اللغوي حيث اعتبر أن اللغة العربية لغة آداب و يجب الحفاظ عليها فيما تبقى اللغة الفرنسية لغة إدارة ولغة رسمية، صحيح أنه عرب السنة الأولى من المرحلة التعليم الابتدائي ولكن هذا التعريب لم يتوجه إلى التعليم الإعدادي والثانوي، أما  أكبر وأهم الإصلاحات تاريخيا، فهو إصلاح 1973 الذي جاء في إطار مراجعات شاملة للاتفاقية الموريتانية مع فرنسا وهي الاتفاقيات التي تعتبرها المحمية قبل استقلالها كشرط الاستقلال  كانت شرطا لنيل الاستقلال مع أن موريتانيا كانت استثناء حيث أصر المختار بن داداه رحمه الله  على أن يكون توقيع الاتفاقية بعد الاستقلال، وكانت الاتفاقيات كلها تربط المنظومات الموريتانية السياسية والثقافية والتربوية كلها بالمنظومة الفرنسية، وبالتالي جاء الاصلاح 1973، في إطار هذه المراجعات حيث روجعت الاتفاقيات برمتها ومن بين ما روجع العلاقات الثقافية مع فرنسا  وفي هذا الإصلاح عربت السنة الأولى والسنة الثانية وأدخل التعريب بشكل موسع  ثم أنشئ المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية ليكون حاضنة للطلاب القادمين من المحاضر الموريتانية واستحدثت شعبة الآداب الأصلية، وكان إصلاحا مس الجذر والأساس.

وجاء إصلاح 1979 في وقت كان النظام السياسي الموريتاني مأزوما وسط ضغوط داخلية وخارجية وخارجة لتوها من رحم حرب الصحراء وبالتالي فحاول الإصلاح الاستجابة لكل الآراء المتناقضة فجاء الإصلاح متناقضا واهتم بالوعاء اللغوي ولكنه ارتكب خطيئة تقسيم الجيل الموريتاني إلى عدة أجيال وأدى إلى حالة تشظ لغوي فوضع الخيار أمام المنحدرين من منطقة الضفة بأن يختاروا ما بين اللغة العربية واللغة الفرنسية فيما وجه قسرا المنحدرون من الفئة العرب إلى الشعب العربية وحاول اعتبار اللغات الوطنية فأنشأ معهد اللغات  لكنه و مما يحسب له أنه وضع وقتا محددا للفترة الانتقالية في عام 1985 حيث يصار إلى اللغة العربية واللغات الوطنية، بديلا عن اللغة الفرنسية.

أما آخر إصلاح فهو في العام 1999 وحاول أن يتفادى حالة الازدواجية وتعدد الشعب وأن يصهر الجيل التربوي في جيل واحد مما يجعل المنظومة  التربوية تترسم شعبة واحدة،  وأوكل للغة العربية مواد الهوية والروحانيات كالتربية الإسلامية والفلسفة  والتاريخ والجغرافيا فيما أسند تدريس المواد العلمية لللغة الفرنسية وتكاد مخرجاته تكون  كارثية إذ أنهأ لم تحصل ازدواجية حقيقية فعادت الشعب  بشكل مقنع فظلت الشعبة العربية موجودة كما ظلت الشعبة الفرنسية موجودة في المسابقات، هي وذلك  في إطار المسابقات كما لوحظ تدني  المخرجات إلى حد كبير مما أدى إلى أن يتداعي هذا المجتمع لمراجعة عميقة وشاملة لمناهج مدرسته في أيام تشاورية كان موضوعها الأساس الإشكاليات التربوية التي تعاني منها هذه المنظومة.

موقع الفكر: ما الأسس الموضوعية والفنية للإصلاح الجاد (العناصر اللازم توفرها لكي يبلغ الإصلاح الغايات والأهداف المؤملة)؟

د. محمد ولد مني ولد غلام: أعتقد أن الأسس الموضوعية والفنية للإصلاح الجاد ينبغي أن تراعي مجموعة من المعطيات، أن تراعي قواعد علم النفس التربوي فالطفل ليس وعاء قابلا لأن يشحن إلا بمقاييس محددة تخضع لتقييم تربوي ونفسي وما أريد أن أقوله في هذا المجال أن الطفل في مرحلة ما  لا يمكنه أن يدرس بلغتين كبيرتين إضافة إلى محتوى معرفي واسع وهذه وجهة نظر كثير من علماء النفس التربويين، كما ينبغي أن يراعي هذا الإصلاح حقائق المجتمع الاجتماعية والثقافية وتعدده الإثني، وأن يراعي حقوق الجميع وأن  يكون عادلا منصفا للجميع وينبغي أن تبنى أي منظومة تربوية بسواعد  وبعقول وطنية صرفة فالخبير التربوي الوطني أدرى وأكثر خبرة بشعاب منظومته التربوية من غيره.

الموقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل تربوي أم سياسي؟

د. محمد ولد مني ولد غلام: أعتقد أن الإشكال اللغوي عادة ما يكون عنوانا لتوجهات إيديولوجية وسياسية كثيرة وهذا شيء معروف في التاريخ التربوي للمدرسة الموريتانية فأحداث 1966 وقعت فيها أحداث  نتيجة لإدخال ساعات من اللغة العربية في المنظومة التربوية الموريتانية( تعريب سنة أولى) وبالتالي تم استغلال اللغة لأغراض غير تربوية، وكثيرا ما أكرر بأن السياسة إذا مدت يدها للتربية ومدت التربية يدها للسياسة فإنه في هذه الحال تفسد التربية وتفسد السياسة، ولذلك لا بد من مقاربة تعطي الكثير من العناية للغات الوطنية وتعطي ما هو معطى  أصلا من مكانة للغة العربية بوصفها لغة الدستور وتراعي وجود  لغات انفتاح على العالم لئلا نكون معزولين عن تقدم العائلة البشرية بشكل عام ، إذن، فهذا الثلاثي والذي يتمثل في إعادة الاعتبار واحترام المكانة الراسخة للغة العربية، وترقية  ودعم وتطوير اللغات الوطنية باعتبارها لغات وطنية نص عليها الدستور وهي جديرة بالترقية، ومراعاة إدماج لغات انفتاح كاللغة الفرنسية واللغة الإنكليزية كلها تمثل بالنسبة لي الأثافي الثلاثة لأي علاج موضوعي للإشكال اللغوي.

موقع الفكر: ماذا عن واقع موظفي التعليم هل تحقق الدولة كمشغل الحد الأدنى من الرضى المهني- الضروري للمردودية- للعاملين في المجال التربوي مثل الرواتب المجزية الضمان الصحي العناية بالأسرة المعاشات، التحفيز، التكوين المستمر، الترقي في السلم الوظيفي هل يمكن النهوض بالتعليم بموظفين يعيشون واقعا مثل واقع المدرس؟

د. محمد ولد مني ولد غلام: واقع  أوضاع موظفي التعليم وضرورة الرفع  من مستواهم المادي والمعنوي ظل محل إجماع لدى الجميع، والوزير المسؤول عن القطاع عكف على تثمين مهنة المدرس كعنوان لعملية مراجعة شاملة يشترك فيها الطيف النقابي وذلك لاستحداث ما يمكن استحداثه من تحفيزات وترقيات وإعادة اعتبار لهذه المهنة النبيلة التي تمثل الرافعة الحقيقية للتنمية في هذا البلد وبالتالي لا أحد يجادل أو يعترض على تحسين  أوضاع المدرس بشكل عام.

موقع الفكر: إلا م  ترجعون الأزمة المستفحلة في نسب النجاح في الامتحانات الوطنية وهل ترون أن هذه النسب الكارثية للنجاح في الامتحانات مظهر من مظاهر الفشل أم أنها مظهر مظاهر  الجدية والصرامة في التقويم؟

د. محمد ولد مني ولد غلام: أعتقد أني أجبت على هذا السؤال وعللت النسب المتدنية بالاختلالات الهيكلية العميقة التي هدت هذه المنظومة التربوية، وبطبيعة الحال ليس الإشكال فقط إشكالا منهجيا يتعلق بالوعاء اللغوي ولا المناهج فقط  وإنما ثمة أيضا التسيير العبثي الذي هدم المنظومة التربوية خلال العقود الماضية وعشوائية الترقيات والتحويلات، وكذلك عبثية التسيير بحد ذاته وغياب الإنصاف والشفافية  في تسيير الموظف العمومي، والفوضوية العميقة التي طبعت تسيير الموظفين العموميين خلال العقود الماضية، وفي هذا الإطار تم استحدث نظام مرقمن، غايته ضبط المصدر البشري  وترشيده ومعرفة واقعه الحقيقي سبيلا لوضع منظومة ترقيات ومعايير تسترشد بمبادئ العدل والإنصاف للموظفين وإعطاء كل ذي حق حقه.

شكرا لكم على هذه المقابلة.