كَلِمَة سَوَاء / د.رقية أحمد منيه

إذا كان المقصود بالمحاورة بين اتباع الرسالات السماوية، هو اعتبار وحدة مصدر الرسالات السماوية وأنها تخرج من مشكاة واحدة في الأصل قبل التحريف والتبديل المنصوص عليهما كتابا وسنة فلا ضير في ذلك، مع اشتراط البيان دون إغفال أو تأخير عن وقت الحاجة، لئلا يقع اللبس والخلط في مفاهيم لا يعبر عن المفهوم فيها بمنطوق من جنس الألفاظ "المشككة" إن أمكن الوصف..

 وأما إن كان من جهة وحدة الديانة، بمعنى اندماج الرسالات السماوية في دين واحد ونسبتها لأبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام فتلك مهمة تولى القرآن الكريم بيانها ولم يترك منفذا لإعمال التأويل فيها من قبل أي كان، قال الله تعالى:﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعۡتَصِمُواْ بِٱللهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ ۝٧٨﴾. سورة الحج.

 لقد قرر القرآن اعتناقه لدين الإسلام وميله عن كل طريق يؤدي إلى الشرك وأهله، ورفع الإشكال ودعوى كل دعي، قال الله تعالى:﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ۝٦٥ هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ حَٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ۝٦٦ مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ۝٦٧ إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱلله وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ۝٦٨﴾. سورة آل عمران.

 وأما محاورة اتباع الرسالات السماوية على وجه تبيين الحق فهو أمر رباني وقاعدة قرآنية، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ تَعالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكم ألا نَعْبُدَ إلا اللهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضًا أرْبابًا مِن دُونِ اللهَ فَإنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأنّا مُسْلِمُونَ﴾. (سورة آل عمران). 

 يقول ابن عطية في تفسير الآية:" وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَمّا أبى أهْلُ نَجْرانَ ما دُعُوا إلَيْهِ مِنَ المُلاعَنَةِ، دُعُوا إلى أيْسَرَ مِن ذَلِكَ، وهي الكَلِمَةُ السَواءُ. والَّذِي يَظْهَرُ لِي أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في وفْدِ نَجْرانَ، لَكِنَّ لَفْظَ أهْلِ الكِتابِ يَعُمُّهم وسِواهم مِنَ النَصارى واليَهُودِ، فَدَعا النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ يَهُودَ المَدِينَةِ بِالآيَةِ، وكَذَلِكَ كَتَبَ بِها إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُومِ، وكَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يُدْعى بِها أهْلُ الكِتابِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ". (المحرر الوجيز).

 وأما قَوْلُهُ تَعالى: "سَواءٍ" "نَعْتٌ لِلْكَلِمَةِ. قالَ قَتادَةُ والرَبِيعُ وغَيْرُهُما: مَعْناهُ: إلى كَلِمَةِ عَدْلٍ، فَهَذا مَعْنى السَواءِ، وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "إلى كَلِمَةِ عَدْلٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ" كَما فَسَّرَ قَتادَةُ والرَبِيعُ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: مَعْناهُ: إلى كَلِمَةِ قَصْدٍ. وهَذا قَرِيبٌ في المَعْنى مِنَ الأوَّلِ، والسَواءُ والعَدْلُ والقَصْدُ مَصادِرُ وُصِفَ بِها في هَذِهِ التَقْدِيراتِ كُلِّها". قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.

 والعدل والإنصاف والسماحة معان يحتاج إليها حتى بين أبناء الملة البيضاء، وغياب تمثلها في واقع الأمر، سبب لكثير من الزيغ والزلل والرمي بأبشع الأوصاف.. والتنابز بالألقاب..

ثم إنه لا مناص لكل منتسب للدعوة إلى الله عن الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي أحسن، يقول الحق جل شأنه:﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ۝١٢٥﴾( سورة النحل). 
يقول الآلوسي في تفسير الآية:"فَجُمْلَةُ المَعْنى: اسْلُكْ هَذِهِ السَبِيلَ ولا تَلْجَأْ لِلْمُخاشَنَةِ فَإنَّها غَيْرُ مُجْدِيَةٍ، لَأنَّ عِلْمَ اللهِ قَدْ سَبَقَ بِالمُهْتَدِي مِنهم والضالِّ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: هَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ القِتالِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هي مَحْكَمَةٌ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ويَظْهَرُ لِي أنَّ الِاقْتِصارَ عَلى هَذِهِ الحالِ، وألّا يَتَعَدّى مَعَ الكَفَرَةِ مَتى احْتِيجَ إلى المُخاشَنَةِ وهو مَنسُوخٌ لا مَحالَةَ. وأمّا مَن أمْكَنَتْ مَعَهُ هَذِهِ الأحْوالُ مِنَ الكَفّارِ، ويُرْجى إيمانُهُ بِها دُونَ قِتالٍ، فَهي فِيهِ مَحْكَمَةٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وأيْضًا فَهي مُحَكَّمَةٌ في جِهَةِ العُصاةِ، فَهَكَذا يَنْبَغِي أنْ يُوعَظَ المُسْلِمُونَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ".

 ثم إن القرآن قد قرر عدم الإكراه على المعتقد، يقول الله سبحانه وتعالى:﴿لا إكْراهَ في الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ ويُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقى لا انْفِصامَ لَها واللَّهُ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾. (سورة البقرة). يقول صاحب التحرير والتنوير في تفسير الآية:"ونَفْيُ الإكْراهِ خَبَرٌ في مَعْنى النَّهْيِ، والمُرادُ نَفْيُ أسْبابِ الإكْراهِ في حُكْمِ الإسْلامِ، أيْ: لا تُكْرِهُوا أحَدًا عَلى اتِّباعِ الإسْلامِ قَسْرًا، وجِيءَ بِنَفْيِ الجِنْسِ لِقَصْدِ العُمُومِ نَصًّا، وهي دَلِيلٌ واضِحٌ عَلى إبْطالِ الإكْراهِ عَلى الدِّينِ بِسائِرِ أنْواعِهِ، لِأنَّ أمْرَ الإيمانِ يَجْرِي عَلى الِاسْتِدْلالِ، والتَّمَكُّنِ مِنَ النَّظَرِ، وبِالِاخْتِيارِ..".

 وبين التباين في اعتناق الدين والثبات على الدين الحق، يقول الله تعالى في محكم التنزيل:﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ ۝١ لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ ۝٢ وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ ۝٣ وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ ۝٤ وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ ۝٥ لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ ۝٦﴾.(سورة للكافرون).

 ووجه باحترام معتقدات الآخرين رغم فسادها، يقول الله تعالى:﴿وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱلله عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ۝١٠٨﴾.(سورة الأنعام).

ثم إن البحث عن قيم جامعة بين الإنسانية جمعاء والمعاملة بالحسنى بين البشر والتعاون والتعارف من المقاصد العامة للتشريع، قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى وجَعَلْناكم شُعُوبًا وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إنَّ أكْرَمَكم عِنْدَ اللَّهِ أتْقاكم إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.( سورة الحجرات)، يقول صاحب التحرير والتنوير:" والمَقْصُودُ: أنَّكم حَرَّفْتُمُ الفِطْرَةَ وقَلَبْتُمُ الوَضْعَ فَجَعَلْتُمُ اخْتِلافَ الشُّعُوبِ والقَبائِلِ بِسَبَبِ تَناكُرٍ وتَطاحُنٍ وعُدْوانٍ".

 ثم إن القول بانتفاء إفشاء السلام وبذل المعروف لكل من كف يده وجنح إلى السلم من الاعتداء في القول ومن دواعي التناقض البين؛ لأن أفواج اللاجئين من أبناء الأمة وغيرهم من أصحاب جنسيات الدول الغربية من المسلمين الباحثين عن أساليب مواتية للعيش الكريم؛ لتعطي صورة واقعية عن التناقض بين التصور والواقع، يضاف إلى ذلك استمرار الاستمداد الغربي في المجالات الاقتصادية والتنلوجية والعلمية والغذائية من قبل الدول المسلمة، وإن كانت أسبابه عائدة في معظمها إلى التخلي عن المساهمة في صناعة الحضارة العمرانية، وتراجع الفكر عن مواكبة التطور الصناعي، وتفشي الجهل والاستبداد والغبن، ولكنه واقع مرير يصب في حاجة الضعيف الذي لا يصنع إبرة إلى القوي المتحكم في الأقوات والأدوية والألبسة والآلات والصناعات..

إن الذب عن المعتقدات والتمسك بالأصول والثوابت مبدأ لا محيد عنه ولا خيار فيه، كما أن المحاورة في تبادل المعارف والتجارب، والسعي في ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، فرع عن الأصل لا ينفك عنه؛ تمثلا للجمع بين الثبات والمرونة.

 إن الإنسان المسلم يعيش في عالم تضيق دائرة التأثير فيه يوما بعد يوم، وعليه أولا القيام بالتبليغ وفق منهج الاعتدال، وثانيا العمل على اكتساب المعارف والمهارات والاستفادة من تجارب الآخرين دون ذوبان في خصوصياتهم الثقافية.

 وما أزمة " كوفيد- 19" عنا ببعيد، فقد أظهرت عجز البشر عن مواجهة أضعف الكائنات غير المرئية بالعين المجردة، وحاجتهم إلى التعاون في المجال الطبي، وتغليب جانب المصلحة الإنسانية في العلاقات الدولية والمجتمعية، دون التماهي أو التنازل عن الخصوصية الحضارية، أو ترك المحافظة على الأصول والثوابت، امتثالا للأمر الرباني:
﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا﴾. (سورة البقرة)

ولكنه غير باعث على التحلل من ربقة الدين الحق، أو تغيير الأصول و الثوابت أو تمييع الاعتقاد، أو إطلاق الألفاظ أو الأحكام أو فتح أبواب التفريط في أصول الدين، قال الله تعالى:﴿۝ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ۝١٩﴾. (سورة آل عمران).

ثم إن المسألة إن كانت من قبيل وحدة الأصل والمقاصد، لكان أولى بأهل البيت الواحد إكمال بنائه ووضع آخر لبنة ليتم بنيانه وفق المنهج الرباني، واختيار اتباع آخر الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولما وسع أحدا منهم إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-: ((إنَّ مَثَلِي ومَثَلَ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنى بَيْتًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النّاسُ يَطُوفُونَ به، ويَعْجَبُونَ له، ويقولونَ: هَلّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ؟ قالَ: فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتِمُ النَّبيِّينَ)). صحيح البخاري.

وإن قيل بوحدة الدين فكيف السبيل إلى نقاش قطعي الدلالة؟، 

-ولا أظن منتسبا للعلم الرباني يقول بذلك-..

 ثم لم لا يقر باقي أتباع الرسالات بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وقد أخذ العهد على الأنبياء جميعا بالإيمان به ونصرته، فما بالكم بأتباعهم، قال الله تعالى:﴿وإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ۝٨١ فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ۝٨٢ أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ ۝٨٣﴾. (سورة آل عمران).

 ومن المعلوم ضرورة أن أهل الإسلام مأمورون بالإيمان بالرسل وكذا غيرهم من اتباع الرسالات السماوية، يقول الله سبحانه وتعالى:﴿قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ۝١٣٦ فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ۝١٣٧﴾.(سورة البقرة).

ومع ذلك فإن المجادلة بالتي هي أحسن، وحماية المقدسات ومنع العدوان، والمعاملة بالبر والقسط لكل إنسان مسالم، واحترام الكرامة الإنسانية لجميع البشر دون تمييز، هي المشتركات الإنسانية الجامعة بين التمسك بالثوابت والتعامل مع الواقع، وغير ذلك من التصورات مجانب للصواب، محقق لرغبات أهل الأهواء، صاحبه قد وافق حاجة في نفوس أصحاب الشهوات، وعكسه المتنطع المتقصد لإخراج البعض من الملة دون دليل برهاني يستند إلى حكم قضائي مستوفي الأركان والشروط وحائز على قيام الدواعي وانتفاء الموانع..

 وقد يجانب عالمية رسالة الإسلام التي بشر نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه ببلوغها إلى مشارق الأرض ومغاربها، فعن تميم الداري-رضي الله عنه-: (( لَيَبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ، ولا يَترُكُ اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلّا أدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ، يُعَزُّ به الإسلامُ، وبذُلِّ ذليلٍ يُذَلُّ به الكُفرُ)). إسناده صحيح على شرط مسلم.

 وذلك إخبار من الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بانتشار رسالة الإسلام الحاملة لمعاني العزة والسماحة والرحمة والعدل والإنصاف.. 

والله أعلم وأحكم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك.