باتت الحواسيب تتخذ قرارات رئيسية بالنيابة عن الإنسان على نحو متزايد. فهل يجب أن يسمح لها بفعل ذلك؟ في وقت كشف فريق أبحاث من معهد “إيدياب” السويسري أن جزءا كبيرأ من الذكاء الاصطناعي ليس إلا مجرد وهم.
وفي سنة 1950 افتتح عالم الرياضيات البريطاني، آلان تورينغ مقالته العلمية الأشهر بسؤال، “هل يمكن للآلات أن تفكر؟ “، وهي المقالة التي وضعت أسس مفهوم الذكاء الاصطناعي وتعريفه. وللإجابة على السؤال، اخترع تورينغ “لعبة التقليد”، التي لا تزال تستخدم حتى يومنا هذا بغية الحكم على ذكاء آلة ما.
وتضم اللعبة، التي تعرف باسم “اختبار تورينغ” ثلاثة لاعبين: اللاعب “ألف” هو رجل، واللاعب “باء” هي امرأة واللاعب “جيم”، يقوم بدور المُستجوِب ولا يستطيع رؤية اللاعبيْن الآخريْن، لكنه يطرح عليهما سلسلة من الأسئلة كتابة بغرض تحديد أي من اللاعبين رجل وأيهما امرأة. وهدف المجيب الذكر هو خداع المستجوب وإعطاء إجابات مضللة، في حين يتعين على المرأة أن تسهل تحديد هويتها على نحو صحيح.
وكتب تورينغ حينها، لو استُبدل اللاعب “ألف” بالحاسوب. ولم يتمكن المستجوِبُ من التمييز بين الحاسوب والشخص، ينبغي حينها اعتبار ذلك الحاسوب كيانا ذكيا، لأنه سيثبت أنه مشابه للإنسان من ناحية الإدراك.
وبعد مرور سبعين عاما، مازالت نتائج ذلك الاختبار مُذهلة. إذ يقول هيرفي بورلار، الذي يدير معهد “إيدياب” للأبحاث السويسري “في الوقت الحالي، لا يوجد نظام ذكاء اصطناعي واحد، ولا أي واحد، استطاع اجتياز اختبار تورينغ الأول”.
مصطلح الذكاء الاصطناعي لم يكن – حسب تقرير نشر في موقع swissinfo.ch – مرغوبا فيه في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، واعتبر آنذاك سخيفا وغير مواكب للعصر. ويرى رأي بورلار ( أستاذ في الهندسة الكهربائية) أن المصطلح عاد في تسعينيات القرن الماضي ليصبح رائجا من جديد لأسباب إعلانية وتسويقية وتجارية، رغم عدم إحراز أيّ تقدم حقيقي، عدا في قوة النماذج الرياضية.
ويقول هيرفي بورلار، ليس ثمة شيء اسمه “الذكاء الاصطناعي” على اعتبار أنه لا يوجد نظام يعكس أدنى درجة من الذكاء البشري. فحتى الطفل البالغ من العمر شهرين أو ثلاثة أشهر، باستطاعته أن يفعل ما لن يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله أبدا.
ويضيف هيرفي بورلار، “لا يوجد أي ذكاء في الذكاء الاصطناعي. من الخطأ إطلاق هذه التسمية عليه، يجب أن نتحدث بدلا من ذلك عن التعلّم الآلي”، مشيرا إلى أن الذكاء يكمن في البيانات، وأن ثلاثة أشياء تجعل الذكاء الاصطناعي قويا بطريقته الخاصة وهي: قدرة المعالجة، والنماذج الرياضية، وقواعد البيانات الواسعة والمنتشرة في كل مكان.
وبالفعل، كان لكل من الحواسيب المتزايدة القوة وعملية رقمنة المعلومات الفضل في تحسين النماذج الرياضية تحسينا هائلا. ثم تولى الإنترنت بواسطة قواعد البيانات اللامتناهية إنجاز باقي المهمة، معززاً بذلك قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي أكثر فأكثر.