ليس معنى هذا أن تلفظ أمتنا الحضارة الغربية كلها لفظ النواة، وأن تقف موقف الرفض لكل منجزاتها العلمية والعملية، بدعوى أنها حضارة مادية الوجهة، علمانية النزعة، نفعية الصبغة، عدوانية الحركة.
فالواقع أن في هذه الحضارة جوانب إيجابية لا بدّ لنا من الاستفادة منها، ومن ذلك:
1 – العلم، وتطبيقاته التكنولوجية، وهو في الحق بضاعتنا تردّ إلينا، فأسسه قد اقتبست من حضارتنا، ولكنه اليوم بوثباته الهائلة علم غربي بلا ريب.
2 – حسن الإدارة والتنظيم لشؤون الحياة، وقد بلغدوا فيه مبلغا عظيما. وهو السرّ وراء نجاحاتهم في شتى الميادين.
3 – العناية بحرية الإنسان الفرد وحقوقه، والشعوب وحقوقها في الرخاء والأمن والحرية، ووضع الضمانات العملية اللازمة لحمايتها، من مخالب السلطات الحاكمة، وتجاوزاتها، وهذا من حسنات الديمقراطية السياسية الغربية،وإن كان لدينا في أصول حضارتنا ما يغنينا، ولكن لا بأس بأخذ الأساليب والضمانات من القوم ،والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحقّ الناس بها.
فهذه جوانب من حضارة القوم لا يسعنا إغفالها أو الإعراض عنها، وإن كان علينا أن نحوّر في كل ما نأخذه منهم، بالحذف والإضافة والتعديل، وإضفاء روحنا الإيمانية والإسلامية عليه، حتى يتلاءم مع عقائدنا وقيمنا، وينسجم مع أوضاعنا وتقاليدنا، ويفقد نسبه الأول، ويندمج في كياننا الثقافي ومنظومتنا الحضارية.
وقدد أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم أشياء كانت في الجاهلية، مثل بعض أنواع النكاح، والبيوع كالسلم، والشركات كالمضاربة، والعقوبات كالدية، ولكنه أدخل عليها من الشروط والقيود، ما جعلها إسلامية صرفا، كما اقتبس المسلمون من الحضاارت المجاورة ما انتفعوا به، بعد أن تركوا من (بصماتهم) عليه، ما جعله جزءاً من النُّظم الإسلامية.