ما إن يقترب شهر رمضان حتى تنفلت أسعار اللحوم من عقالها وتسجل مستويات غير مسبوقة لكنها هذا العام تظل الأغلى من نوعها بعدما شارف كلغ لحوم الأغنام حدود 3000أوقية قديمة، وتخطى في حدوده الدنيا ولأول مرة حاجز 2000أوقية بالنسبة للحوم البقر والإبل....
مبررات كثيرة يسوقها أصحاب محلات الجزارة في أقدم أسواق اللحوم بنواكشوط من قبيل غلاء أسعار المواشي والانعام، وحالة النقص في الامطار التي شهدتها مناطق رعوية هذا العام، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف والنقل وتدني قيمة العملة الوطنية بسبب تداعيات الجائحة والحرب في أوكرانيا..
في المقابل لدى المستهلكين رؤيتهم الخاصة للأمور عندما يشيرون بأصابع الاتهام إلى فوضى أسواق اللحوم وتجذر ممارسات الاستغلال والتربح في هذا القطاع الذي كان الأكثر جذبا لاستثمارات الوافدين من دول الجوار باعتبار اللحم كالخبز لا غنى للمواطن الموريتاني عنه وبشكل يومي، ما يهمه هو توفيره وبأي ثمن.
لكن يظل غياب أي تدخل من طرف السلطات المعنية للجم طموحات تجار اللحوم في تحقيق مزيد من الأرباح أكثر أسباب الغلاء ترددا على ألسنة رواد السوق، ومن المثير للحيرة أن تحرك السلطات الإدارية في الداخل كان أفضل على مستوى ضبط أسعار اللحوم وذلك من خلال إبرام اتفاقيات مع اتحاديات الجزارين يسهر الجميع على احترامها.
أما في نواكشوط فإن إطلاق اليد لباعة المواشي والأغنام وللجزارين للتربح على حساب المستهلكين يظل أحد ثوابت سوق اللحوم يعلق أحد المواطنين.
في أسواق اللحوم ليست الأسعار وحدها مصدر شكوى المواطن بل البحث في مصادر اللحوم المعروضة في منافذ البيع وعدم الجزم بخضوعها للكشف البيطري، حيث لم يعد الخاتم البيطري الأزرق علامة فارقة على صلاحية اللحوم صحيا، فيما يذهب أحد المتسوقين إلى أن الأسعار نفسها تفضح غياب الرقابة البيطرية على اللحوم عندما تجد فروقا في التسعيرة لدى باعة نفس اللحوم وبطرح الأمر على الجزارين أرجعوا الأمر إلى الاختلاف في نوعية الذبائح من المواشي فعجاف الأبقار لحمها لا يقارن بلحوم العجول، وهكذا تتفاوت الذبائح وأسعارها لكن المستهلك الذي لا يجد أمامه غير قطع اللحوم والعظام يجد صعوبة في التمييز بين أصناف اللحوم تحت ضغط الحاجة ، وضيق ذات اليد.
غير أن التوسع غير النوعي في محلات الجزارة بنواكشوط والتي أصبح بعضها يتباهى بعرض الذبائح حية قبل الإجهاز عليها، وتوفير كلفة نقلها إلى المسالخ المعدة في الأصل لمهام الذبح والسلخ والتقطيع يمثل شاهدا على آخر على فوضى المجازر في نواكشوط كما يقول أحد المهتمين.
في نواكشوط لا يجد بعض باعة اللحوم دليلا على أن لحومهم طازجة سوى بتعليق رؤوس الذبائح من الإبل والبقر على واجهة المحل، حيلة ترجع بارعة اختراعها إلى الجزارين المغاربة، لكن منظر رأس البعير أو البقر وهو يتدلى من على واجهة المحل قد لا يبدو أمرا مرغوبا ولا مألوفا ويولد شعورا بالرحمة اتجاه هذه الأنعام التي ظلت إلى وقت قريب هي مبعث الفخر والوجاهة لدى الكثير من الموريتانيين.
لم تسلم اللحوم البيضاء هي الأخرى من تأجج نار الأسعار خاصة في ظل الاقبال عليها في رمضان، وهكذا تجاوزت أسعار الدجاج المحلي نظيراتها المستوردة بأضعاف لكن ما يشعل مخاوف المستهلكين أن تؤثر الحرب في أوكرانيا على واردات البلاد من الدجاج التركي الذي أكتسح الأسواق في السنوات الأخيرة لاطمئنان المستهلك الموريتاني إلى ظروف ذبحه وتجهيزه بخلاف الدجاج المستورد من أوروبا وأمريكا الجنوبية.
ورغم الحديث عن الثروة السمكية والفوائد الصحية لاستهلاك الاسماك إلا أن سكان العاصمة والتي تولي ظهرها للمحيط الاطلسي ما زالوا بعيدين عن إدخال الاسماك بقوة في نظامهم الغذائي خلال شهر الصيام لأسباب منها: غلاء النوعيات الجيدة والتي تزيد عن مثيلتها من اللحوم الحمراء، ومشاكل الحفظ والتخزين مما يجعل الاسماك سلعة سريعة التلف، إضافة إلى انعكاسات سنوات من النهب المتواصل لهذه الثروة وفي ظل التوسع في مصانع انتاج السمك والتصدير الجزافي للنوعيات الأقل جودة إلى دول الجوار الأفريقي والتي كانت إلى وقت قريب بمثابة الفتات الذي يحصل عليه المواطن الموريتاني من ثروته السمكية..
السلطات وأمام الأزمات المستفحلة في أسعار اللحوم وفي محاولة –على ما يبدو- لحفظ ماء الوجه وجدت ضالتها في مخزون الأسماك المهربة أو تلك المضبوطة خلال مهام خفر السواحل وحتى تلك الممنوحة في إطار اتفاقيات الصيد مع الاساطيل الاجنبية، ولتصريف هذا المخزون افتتحت السلطات منافذ لبيع السمك بسعر مدعوم في نقاط عدة بنواكشوط ، وذلك رغم ضغط الاقبال على هذه المنافذ والتذبذب في تزويدها بالنوعيات الجيدة من الاسماك، لكنها مبادرة تذكر وتشكر قلصت نوعا ما من الاعتماد شبه الكامل على اللحوم الحمراء..يعلق أحد المواطنين.
وبين غلاء أسعار الحوم بشكل عام في رمضان، وغياب أي مؤشرات على جودة المتوفر منها بل وحتى صلاحيته للاستهلاك الآدمي يواصل المواطن رحلته الدائبة للبحث عنها وتوفيرها بأي ثمن حتى ولو كان المقابل إفلاس جيبه، وإرهاق تفكيره، وتدهور صحته..!