تمر هذه الأيام ذكري السَّابع من مايو ذكرى رحيل الإمام الأكبر ومفتي موريتانيا البارز، الشَّيخ العلَّامة محمدُّ بن محمدُّ بن حبيب الملقَّب "بدَّاه" ولد البصيري.
ولد رحمه الله عام (1338ه _ 1919م) في ولاية اترارزة في الجنوب الغربي الموريتاني، وبدأ مسيرته العلمية بحفظ القرآن الكريم وقد حفظه رحمه الله في سنٍّ مبكِّرة من عمره، ثم أخذ بعد ذلك من العلوم الوافرة على كثيرٍ من علماء البلاد، واهتم بدراسة الحديث ومراجعة المدونة الفقهية وربطعا بأصولها وردها إلي أدلتها من الكتاب والسنة..
وقد عرف رحمه الله منذ صغره بالورع والصَّرامة في الحقِّ والذب عن الوحيين ، ودفاعه الثابت عن الدُّعاة إلى الله والعاملين للإسلام.
توفي رحمه الله (في الثَّاني عشر من جمادى الأولى 1430هجرية / السَّابع من مايو 2009 ميلادية).
وقد اشتغل رحمه الله بالعلم والتدريس والتأليف والإمامة وكرس حياته لذلك حتي صار "بداه "علما.
إنه الإمام الأكبر بداه ولد البصيري، وتلك صفة حصرية لا تطلق في بلادنا على سواه .. ولا ينبغي لها ذلك.
صفة هو أحق بها وأهلها لأنه كان كبيرا في العلم وفي الموقف وكان كبيرا في التجديد وفي الإصلاح وكان كبيرا في الورع والتخفف من الدنيا.
واكب الإمام بداه نشأة الدولة الموريتانية وعاش مع مختلف التحولات لكنه بقي طودا شامخا وعلامة بارزة ونبراسا يهتدي به السائرون على دروب التجديد والإصلاح.
كان فذا في تعامله مع الأنظمة الحاكمة التي لم تكن عل مسافة واحدة من الدين وأهله.
وكان أمة وحده في احتضانه للتوجهات الإصلاحية والحركات الدعوية المختلفة .
أم الناس في أول جامع واصطف خلفه القطر الموريتاني برمته وأمنوا على دعائه أجمعين دون أن يكون من بينهم نكير ولا معارض يعتد به .
كان سابقا لزمانه وسباقا في ميدانه ومن ألقي السمع وهو شهيد لكلمته الخالدة:
"دين بلا سياسة لا يستقيم وسياسة بلا دين عار الدنيا ونار الجحيم " يدرك بجلاء شمولية طرح الإمام وإدراكه المبكر للدعوات العلمانية الساعية إلي طمس هوية المجتمع والإجهاز على كل بقية من الالتزام والتقوي.
ومن تبصر في موقفة من التصفيات المتكررة بين القوي الانقلابية يتصور مدي ماكان يتميز به الإمام الأكبر من قوة يسددها علم ومن موقف يحدوه ورع.
فقد ظل يصدع بالحق لا يخف في الله لومة لائم ولا مضايقة في الرزق ولا تقييدا للحرية.
كان في خطبه الأسبوعية يتحين الفرص ينكر ما استجد من المنكرات في بحر الأسبوع دون مواربة
ولا تمييع . فسارت بخطبه الركبان وتلقفها عبر المذياع المواطنون في كل مكان وحفظوها عن ظهر قلب.
وماخطبته التي استشهد فيها بقول القائل- أبلغ نَصيِحَةَ أن رَاعِيَ أَهْلِهَا ... سَقَطَ العَشَاءُ بِهِ على سِرْحَانِ- منا ببعيد.
وفي درسه المحظري الذي استمر زمنا طويلا و في منبره المورود في لكصر كان الفئام من الناس وأهل العلم والصلاح والطلاب يأوون إليه ويترددون عليه فينهلون من معينه فتشرق نفوسهم وتتسع مداركهم وتثري معارفهم.
يزدحم الناس على بابه والمنهل العذب كثير الزحام.
وفي مجال التعفف والأعراض عن الدنيا حدث ولا حرج.
ولمهابته ولصولته في الحق لم تكن في تلك الحقب تتجرأ الرويبضة من الناس علي الكلام في الدين ولا علي ارتقاء المنابر ولا يتجرؤ المندس من أهل الباطل علي رفع عقيرته كما هو واقع اليوم.
كأن الشاعر عناه بقوله: وقد أنصف الدهر إذ لم يجئ بأكرم منه ولا أشرفا
مكارمه كسفت غيرها وللنجم بالصبح أن يكسفا
وما ملكت يداه ارتضى سبيل الإله مصرفا
وأخفى من السر مالم يذع وإن عظم السرعز الخفا
وقد قام يسعى للتقى وما حارفيه وماحرفا
رحم الله شيخ شيوخنا إلى نبي الرحمة وأحلهم في النعيم المقيم.
ومن طرائف ما يذكر في هذا الصدد مساجلة رائعة بينه وبين الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمة الله عليهما.
حيث قال الشيخ محمدسالم بن عدود في حق الشيخ بداه:
الشيخ بداه الإمام دون شـــــك * مصنف مــدرس مفـــــت مــزك
موئل ذي حاج منير في حلك * شفــــيع جان مرشد مـــن ارتبـك
يجمعه والعذب قدر مشتــرك * لولاهما لمصـــــــرنــــا هذا هلك
شهادة ليست كتسليم بفــــــك * من باب أسلفنـــي على أن أسلفك
قصدت شيخنا بها أن أنصفك * ....................................
فرد عليه الشيخ بداه:
أنصفتني فرمت أن أعرفك * بشيمة الأشراف كي أشرفك
شيمتهم الإنصاف قولة بفك * لم يكن القصد بها أن أسلفك
في الخمر بعد هذه لن أجلدك * ..............................
وفي الختام
امش عــــدود وخلعّن * ومش بداه وانــــا لله
وبكات الناس ابلا عدود * وبكات الناس ابلا بداه