لمرابط محمذن فال ولد متالي ..إمام الغرب الشنقيطي وشيخ "فتح الحق"
لا يعرف لهذا المرابط العلامة الذي ملأ دنيا الغرب الشنقيطي وشغلت الناس معارفه ومؤلفاته وفتوحاته الربانية شيخ معروف أخذ عنه، ولا محظرة ثنى فيها الركب طلبا للعلم، بل يجمع كل من كتب عنه أو روى أن معارفه الواسعة وموسوعيته الثرية، وتربيته الصوفية الرائقة، كان كل ذلك فتحا من الله "ولا يقال لفضل الله ذا بكم"
ابن متالي.. اليتيم الذي تفجرت على لسانه ومداده المعارف
ولد الشيخ محمذن فال بن المختار (متالي) بن محمذن بن أحمد بن أعمر بن أبيج سنة 1205، ونشأ في أحضان بيت إيماني رفيع، فقد كان والده عالما صالحا ذا كرامات وخوارق مشهودة، وقد اختار الزواج من فتاة رضيعة لبان الخير وبنت محاضن التقوى وهي السيدة جليت بنت محمذن بن حابيب.
ومن هذا الزواج المبارك ولد الشيخ محمذن فال، وتتوارد الروايات المتواترة في محيط أسرته، أن والده حجبه عن أعين الناس ستين يوما فلم يره فيها غير والديه، وأنه أيضا رفض المراضع سوى والدته وامرأتين من صالحات عشيرته.
ولم تطل إقامة متالي مع بيته الصغير، فقد طوت الأقدار مسيرته، وتوفي وابنه محمذن فال في الثالثة من عمره، أما شقيقه انجبنان، فقد كان يومها حملا صغيرا، وبقي البيت الوديع تحت ظلال لطف الجليل وتسيير أم رؤوم، لم يخف عليها توارد البركات واتساع الأرزاق على بيتها الذي لم يكن محط ثراء.
كـــــــــــــان في صــــــــــــ ـباه مـــــــــــــا في الـــــــــــــبروالبحــــــــــــــر ياتــــــــــــــ ـيه بــــــــــــــأمر الـــــــــــــــبر
فكــــــان يعطــــــي الأهــــــل حــــــوت البحــــــر يقــــــــــطر مــــــــــاء بــــــــــل ومــــــــــا كالـــــــــــتمر
فكـــــــــــان مـــــــــــن فـــــــــــضـل الإهل جـــــــــــلا يلفـــــــــــــي الطـــــــــــــ ـعام أينمـــــــــــــا تـــــــــــــولى
وبـــــــــــــــــــدل االله لهـــــــــــــــــــم أشــــــــــــــــــياء بــــــــما مــــــــن الــــــــرزق لهــــــــم قــــــــد شــــــــاء
وقد ربطت هذه البركات بالطفل محمذن فال الذي شب هادئا غير عابث ولا مهذار، وكأن القدر يختط له مسارا من الخير ضافي الظلال.
فكان كما يقول تلميذه و ابن أخيه ناظم سيرته حيمده بن انجبنان
تلــــــــك المراتــــــــب لهــــــــا حــــــــال الــــــــصـغر حـــــــاز فجـــــــاز الغـــــــير كيـــــــف في الكـــــــبر
فمــــــــن عجيــــــــب أمــــــــره حــــــــال الكــــــــبر منـــــــــــه وذا في عامـــــــــــه الثـــــــــــاني عـــــــــــشر
أن كـــــــــــــان في العلـــــــــــــم والاستـــــــــــــقامه لـــــــــــيس يبـــــــــــارى نعمـــــــــــت الكرامـــــــــــه
ورغم التواتر أن الشيخ محمذن فال لم يأخذ العلم عن شيخ ولا محظرة، إلا أن بعض المصادر والروايات تتحدث عن محاولته الدراسة على أحد الشيوخ، وأن هذا الشيخ لم يأبه له، فشق ذلك على المرابط محمذن فال، ليعوضه الله فتوحات لدنية وموسوعية علمية نادرة.
وسوى ذلك لا يعرف للرجل شيخ سوى ما يقال عن لقاء علمي بينه والشيخ أحمد بن العاقل الذي أهدى إليه بعض نوادر الكتب وأمهات التصانيف.
ثم انطلقت محظرته وتآليفه وفتاواه، وتربيته وتوافد عليه الطلاب من كل حدب وصوب حتى قيل إنهم ناهزوا في بعض الأحيان 600 طالب، وقد كان حي المحظرة ينتجع مع الشريط الساحلي، وربما أقام في ضواحي نواكشوط، وخصوصا منطقة اطويلة سنوات عند منهل واحد، يستقي التلاميذ حوله من معين الشيخ الذي كان من أول من حمل لقب لمرابط، وهو لقب علمي رفيع حملته ثلة قليلة من علماء هذه البلاد، ويعني الشيخ المربي الجامع بين موسوعية العلم وجلال الاستقامة وسمو التربية.
تلاميذ شتى ألف العلم بينهم
وقد أخذت عن الشيخ أجيال من العلماء من جهات متعددة، ومن أشهرهم:
أبناؤه العلماء: أحمد ومحمدو وعبد الرحمن، وحبيب، وابن أخيه
- وابن أخيه العلامة حيمده بن انجبنان التندغي.
- أحمد ولد الحسن وغلام بن أحمد بن همر.
- أمغر وابنه أحمد،
- لكبيد بن جب
- الحبيب بن محمدو
- أحمد بن أيوب
- المصطفى بن بصري
- أحمدو بابه بن حامدتو
- ومينوك ولد الطاهر
- محمد مولود بن أحمد فال
أبو محمد بن مولود بن أحمد الجواد
صلاحي بن الشيخ محمد المامي
المختار بن ألما
غالي ولد المختار فال البصادي
وعبد الله بن مختارنا
ومحمذ فال ولد بوفر الحاجيان،
الطبيب الشهير أوفى بن أتفغ مصر الألفغي
وغيرهم كثير من العلماء
وإلى جانب هؤلاء فقد عاصر الشيخ محمذن فال ولد متالي عددا كبيرا من أجلا العلماء بل كان عصره عصرا ذهبيا للمحظرة الشنقيطية، فكان ذا علاقات خاصة ومراسلات دائمة، وكان الشيخ محنض باب يجل لمرابط محمذن فال بن متالي ومن ذلك قوله:
الحمد لله رب العالم العالي على موافقة الحبر ابن متالي
فمن يوافقه مثل ابن متالي فلا يبالي بمن في الخلف من تال
والمعضلات إذا أتتك فأغد بها إلى ابن بجدتها محمذن فال
حلال معضلها وضاح مشكلها جالي غياهبها فتاح أقفال
وظل الشيخ محمذن فال يبادل صديقه محنض باب مشاعر الود وراسخ الأخوة في الله، وفي ذلك يقول مقرظا كتاب الميسر لمحنض باب
ليبلغ كل منطلق عجول دؤوب بالغداة وبالأصيل
إلى اقطار كل العصر عني مغلغلة بذي صدع قؤول
حمدت الله ربي أن هداني لدين الحق منهاج الرسول
وقلدني جواهر خير حبر حذامي القول عائشتي النقول
لئالئ بحر نادرة اللئالي وهاديها المدير إلى السبيل
ثقيب الفهم قطب رحا المعاني فرات القطر شافية الغليل
وباب خزائن المعقول طرا ومفتاح الكنوز من الأصول
ومن لم يأت باب البيت يحرم من الغرض المؤمل بالدخول
دائرة معارف الفقه والتربية
ترك الشيخ محمذن فال ولد متالي موسوعة معرفية متكاملة شملت مؤلفات كبيرة ونصوصا علمية وفتاوى وأنظاما متعددة، وقد ضاع جزء كبير من تراث هذا العالم إثر المحرقة التي نفذها الفرنسيون بحق حي آل أعمر أكدبيجة (قوم المترجم له) أثناء هجرتهم عن مضاربهم مقاومة للاستعمار ومن مؤلفات لمرابط محمذن فال
− فتح الحق في حقوق الخالق والخلق
− مختصر فقهي على منوال مختصر ابن عرفة
− اختصار شرح المواق على مختصر خليل في الفقه
− قرة عين النسوان في العقيدة والسيرة والفقه
− الظل الممدود في العقيدة
− صلاح الآخرة والأولى في علوم القرآن
− حكم الهمزة في القرآن في المقرئ
− نظم في الأصول وشرحه
تسديد النظر شرح مختصر السنوسي في المنطق
− نظم الشهداء في السيرة
− نظم المعجزات والخصائصفي السيرة
− الحميل بسعادة المحيا والممات في التصوف
− اختصار شهية السماع في كشف القناع في التصوف
− سرا ج العلماء المنقذ من الظلماء في التصوف
- هل جزاء الإحسان إلا الإحسان في التصوف
− تبيين المرادبالتصوف في التصوف
- وصيته للمسلمين
- نظم أسماء االله الحسنى
− شافية الأبدان في الطب
− نظم الأذكار في الفوائد
− مسألة الفلانية في الفقه.
- فتاوى ورسائل وأجوبة فقهية
ومن آثار الشيخ لمرابط محمذن فال بن متالي الشهيرة أنظامه في العقيدة ومنها على سبيل المثال:
ومــــــــــــوقن وجــــــــــــود رب واعـــــــــــــترف بـــــــالعجز عـــــــن إدراكـــــــه فــــــ ـقد عـــــــرف
ولــــــيس ذنــــــب فــــــوق ذنــــــب الخــــــائض بــــــــــــالفكر في ذات العــــــــــــلي الخــــــــــــافض
مــــــا انفــــــك حــــــادث عــــــن الجهــــــل بــــــه مـــــــــن أيـــــن للمــــــــ ـخلوق علـــــــــم ربـــــــــه
غايـــــــــــــة علـــــــــــــم العلـــــــــــــما ومنتـــــــــــــهى إدراك أربــــــــــــاب العــــــــــــقول والنهــــــــــــى
أن يقطعــــــــــــــــوا أن لهــــــــــــــــذا الخـــــــــــــــــلق مخــــــــــــــــــــترعا أوجــــــــــــــــــــده بــــــــــــــــــــالحق
متــــــــــــــــــــصفا بــــــــــــــــــــصفة الكـــــــــــــــــــــمال منزهــــــــــــا عــــــــــــن ضـــــــــــدها المحــــــــــــال
إذ طــــــــــــــــــرق المعرفــــــــــــــــــة الكبـــــــــــــــــــار عــــــــــــــــــــيان أو مثــــــــــــــــــــال أو آثــــــــــــــــــــار
فـــــــــــــــــــــــأول منعـــــــــــــــــــــــه الجبـــــــــــــــــــــــار إذ قــــــــــــــــال لا تدركــــــــــــــــه الأبــــــــــــــــصار
والثــــــــــاني أيـــــضا لم يجــــــــــز في العقـــــــــــل لقولـــــــــــه لـــــــــــيس لـــــــــــه مـــــــــــن مثـــــــــــل
لم يبـــــــــــــق بعــــــــــــــد ذا ســـــــــــــوى آثـــــــــــــار قدرتـــــــــــــــــــه في العـــــــــــــــــــالم الـــــــــــــــــــسـيار
وله أيضا مبينا فضل تعلم اللغة العربية
تعلّم اللغة شرعا فضّل على التخلّى لعبادة الجل
يؤخذ ذا من قوله وعلم آدم الأسماء الزم التعلم
وله في فضل العلم
قد فضلوا للذكر في وقتين على التلاوة بدون مين
قبل غروب الشمس بعد الفجر والعكس بالعكس لباق الدهر
والعلم في الوقتين أو سواهما على سواه فضلته العلما
وقد ظل هدف التعلم وحث الناس عليه ركنا ثابتا من أركان التربية والتوجيه عند لمرابط ومن ذلك قوله
هَذا وفضلُ الفِقْهِ فيهِ ما تَرى مِنْ قَوْلِهِ جَلَّ: فَلَوْ لَا نَفَرَا
وَقَدْ رَوَى مَنْ يُرِدِ الْإِلهُ بِهْ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ الْبُخَارِي الْنبهْ
وَفيهِ قالَ عُمَرُ الْمُؤَيَّدُ تَفَقَهُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُسَوَّدُوا
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةٍ لِكُلِّ شَيْءٍ دِعامةٌ فَخُذْ بِالْعَدْلِ
فَإِنَّما الْإِخْلَاصُ في الْأَعْمالِ وَالْعِلْمِ قَدْ أَعْيَى ذَوي الْكَمالِ
وَكُلُّ مَنْ يُنْسَبُ لِلْإِسْلامِ غَيْرُ غَنِيٍّ عَنْهُ بِالدَّوامِ
إِذْ كُلُّ فِعْلٍ مَا مِن الْأفْعالِ يُريدُ أوْ قَوْلٍ مِن الْأقْوالِ
يُمْنـعُ الاقْـدامَ عَليْهِ حَتَّــى يَعْلَـمَ حُكْــمَ اللهِ فيهِ بَتَّا
ومن درره في التربية والتوجيه قوله:
والظن أحسن بالعباد تسلم فلست محتاطا بنيل المنعم
فالله قد ستر أسرار العباد فلست تدري تائها من ذي رشاد
ومحسنوا الظن مصيبون ولو لم يتصف موصوفهم بما رأوا
ومن أساء الظن قد أساءا ولو بسوء من يظن جاءا
ولا تخل لك العلا ولو على ذي الكفر إذ ختم الأمور جهلا
الفاضل الفاضل عند الله وإنما يعرف بالتناهي
رحيل في محراب السجود
توفي لمرابط محمذن فال ولد متالي ساجدا في صلاة نافلة قبل العصر سنة 1287 عن 82 سنة حافلة بالعلم والتربية والإصلاح، وقد أرخ لوفاته تلميذه العالم الجليل المختار بن ألما حين قال
وأشرف) باب العلم والحلم والتقى = على الموت من موت الإمام المبجل
سلالة متالي الذي عاش (طائعا) = بعيد صلاة الظهر وسط التنفل.
وقد حضر لوفاته الشيخ المختار بن ألما، الذي أم جموع المصلين عليه، وقد دفن لمرابط في مقبرة انوعمرت التي تحولت إلى مزار شريف ومثوى للمئات من أجلاء العلماء والصالحين وعامة الناس، وخلدت في ذاكرة الشعر والأدب على نحو ما نسمع من المؤرخ المختار بن حامد في زيارة إلى ضريح لمرابط
ﻋﺸﺮﻭﻥ ﻋﺎﻣﺎ ﻭﻣﺎ ﺯﺭﺕ ﺍﺑﻦ ﻣﺘﺎﻝ ﻭﺍﻟﺬﻧﺐ ﺫﻧﺒﻲ ﻭﺍﻹﻫﻤﺎﻝ ﺇﻫﻤﺎﻟﻲ
ﻭﻟﻠﻌﺬﻭﻝ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻟﺞَّ ﻓﻲ ﻋﺬﻟﻲ – ﻋﺬﺭ، ﻭﻻ ﻋﺬﺭ ﻟﻲ ﻓﻲ ﻋﺬﻝ ﻋﺬﺍﻟﻲ
ﻟﻮ ﺯﺭﺗﻪ ﺣﺴﻨﺖ ﺣﺎﻟﻲ ﺑﺰﻭﺭﺗﻪ ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺟﺌﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﺷﺘﻜﻲ ﺣﺎﻟﻲ
ﺃُﺩﺭُّﻩ ﺑﺒﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻭﺩﻫﻢُ – ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﻲ ﻓﻴﻪ ﻭﺃﻗﻮﺍﻟﻲ:
ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﺑﺘﻘﻮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺘﺎ ﻟﻲ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﻤﻘﺪﻡ ﻭﺍﻟﻘﺮﺑﻰ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ
ﻣﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻡ ﺩﻭﻥ ﺗﻘﻰ ﺑﺄﻭﻟﻴﺎﺋﻲ ﻭﻳﺎ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺃﺧﻮﺍﻟﻲ
ﺇﻥ ﺃﻭﻟﻴﺎﺋﻲ ﺇﻻ ﺍﻟﻤﺘﻘﻮﻥ ﺇﺫﺍ ﻓﺄﻭﻟﻴﺎﺋﻲ ﺣﻘﺎ " ﺁﻝ ﻣﺘﺎﻝ"
ﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺟﺪﻫﻢ ﺟﺪﻱ ﻳﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺘﻘﻲ ﻣﺤﻤﺬ ﻓﺎﻝ:
ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﻓﻘﺔ ﺍﻟﺤﺒﺮ ﺍﺑﻦ ﻣﺘﺎﻝ
وقد خلف لمرابط في محظرته أبناؤه وأحفاده المكرمون، واستمرت حضرته ومحظرته مورودة المصدر،فواحة أريج المعارف، يحمل عبقها وعهدها من كل خلف عدوله، وينتمي إليها الآن عدد من العلماء والعباد وفتيان العلم، وما تزال مكانة لمرابط وذكره في العالي من راسخ الأيام والخالدات في ضمائر التاريخ.