تحديات الأمن الغذائي في موريتانيا/ الدكتور الامام بن محمد عبد الله

تعاني موريتانيا كغيرها من دول الساحل الإفريقي من تحديات كبيرة في مجال الأمن الغذائي، وقد تفاقمت هذه التحديات خلال جائحة كورونا، حيث تسبب التعطل في حركة الملاحة الدولية وتقلص عمل الموانئ الدولية إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية مسببا ضغطا كبيرا على ميزانية هذه الدول، وقد اختلف مستوى تأثير هذه الجائحة من دولة لأخرى، حيث كانت الدول التى تعاني من ضعف في قطاعها الزراعي والصناعي أكثر تأثرا من هذه الأزمة.
في موريتانيا تصنف التحديات التى تحول دون تحقيق الأمن الغذائي إلى: ضعف الاستثمارات في القطاع الزراعي، غياب السياسات الرقابية في هذا القطاع، غياب الاستراتيجيات التطويرية للقطاع، سنحاول من خلال هذا المقال التطرق لهذه التحديات بالتفصيل وسبل مواجهتها لتحقيق المستوى المطلوب من الأمن الغذائي الذي يعتبر أحد الركائز الأساسية لأي تنمية.

ضعف الاستثمارات في القطاع الزراعي 
بالرغم من أن الدولة الموريتانية تحقق مدخلات هامة من خلال القطاع المعدني (الحديد، الذهب، النحاس) وقطاع الصيد البحري (اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوربي – اتفاقية الصيد مع الصين)، فإن أثر هذه المدخلات على القطاعات الأخرى وخاصة القطاع الزراعي ظل ضعيفا ودون المستوى، وقد تسببت هذه الاختلالات في ظهور ما يعرف Dutch Disease وهو ظاهرة اقتصادية تفسر الاختلال الاقتصادي بسبب عدم انعكاس نمو القطاع الاستخراجي على القطاعات الأخرى في الدولة، إن ضعف الاستثمارات في قطاع الزراعة حال دون تحقيق سياسات الاكتفاء الذاتي، وظل أداء هذا القطاع دون المستوى المطلوب.
وبالرغم من أن هذا القطاع حصل على تمويلات دولية من مؤسسات التمويل الدولي المعروفة منها البنك الدولي، والبنك الإسلامي إلا أن غياب السياسات الرقابية والاستراتيجيات التطويرية حد من الاستفادة من هذه القروض.
فمثلا في: 
- نفمبر 2011، حصلت موريتانيا على قرض بقيمة 17.9 مليون دولار أمريكي من منظمة IFAD وهي إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة والنشطة في مجال تمويل المشاريع الزراعية في الدول الفقيرة، استهدف القرض 21,000 أسرة موريتانية عاملة في مجال الزراعة.
- ديسمبر 2014، حصلت موريتانيا على قرض بقيمة 10 مليون دولار من البنك الدولي، يهدف القرض لتحسين ظروف المزارعين.
- وفي ديسمبر أيضا من نفس العام، قدم الصندوق السعودي للتنمية قرضا بقيمة 127 مليون ريال سعودي لتمويل مشروع أركيز الزراعي، ويشمل المشروع استصلاح 3500 هكتار في الحوض الشرقي من سهل أركيز واستصلاح 2200 هكتار وإعادة تأهيل 1000 هكتار، من الحوض الغربي للسهل.
أدى غياب السياسات الرقابية والتقويمية للمشاريع الزراعية إلى ضعف الاستفادة من التمويلات الخارجية في هذا القطاع، وضعف مساهمة القطاع في تحقيق الأمن الغذائي.
إن من سلبيات فشل هذا القطاع زيادة الضغط على ميزانية الدول من خلال الإنفاق على استيراد مواد استهلاكية يمكن توفيرها بتكاليف أقل في حال تم دعم زراعتها وتوفير السوق المناسبة لها. 

غياب السياسات الرقابية 

يكتسي الجانب الرقابي أهمية كبيرة في استمرار ونجاح الاستراتيجيات الزراعية، وقد عانى هذا القطاع من ضعف وغياب النظام الرقابي مما تسبب في ضعف إنتاجية القطاع.
في سنة 2014 ساهم البنك الإسلامي للتنمية في مشروع صناعة السكر، وهو أحد المشاريع التي راهن عليها الممولون الدوليون في تخفيف العبء على ميزانية الدولة من خلال توفير النفقات الخاصة باستيراد السكر، وقد تسبب الإهمال وضعف النظام الرقابي إلى عدم تحقيق المشروع للأهداف المرجوة منه، ليس مشروع زراعة السكر فحسب بل مشاريع زراعية أخرى ضخمة كانت ضحية لغياب الرقابة والتقييم.
إن بقاء السياسات والاستراتيجيات الوطنية للأمن الغذائي دون تقييم أو توجيه أو متابعة يهدد فشل هذه الاستراتيجيات وهو ما يعيق المشاريع التنموية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يشكل عنصرا مهما في مسار التنمية.

الاستراتيجيات التطويرية 

نتيجة للتحديات التي تواجه الزراعة وفي طليعتها التغير المناخي، تظل السياسات التطويرية ذات أهمية من أجل استمرار ديناميكية هذا القطاع وإنتاجيته؛ فبالرغم من أن هذا القطاع يسهم ب 25% من الناتج المحلي الخام فإن الرؤية التطويرية للقطاع لا زالت دون المأمول، تشمل استراتيجيات التطوير، إدخال التكنلوجيا إلى المجال الزراعي لحماية المحاصيل عن طريق أنظمة الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية، كما تشمل السياسة التطويرية استراتيجيات التنبؤ بجودة المحاصيل وحجمها، كما تشمل سياسة حماية المنتج الزراعي الوطني وتسويقه بالطريقة المناسبة والفعالة، كل هذه الاستراتيجيات تتبع في العديد من البلدان للنهوض بالقطاع الزراعي.  

إن ضعف أداء القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني شكل تحديا كبيرا لمختلف الحكومات، وظلت استراتيجيات الإصلاح تتوالى دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية الوطنية؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وقد زادت هذه التحديات مع جائحة كورونا؛ حيث أدى النقص في المواد الأساسية إلى استنزاف ميزانية الدولة من العملات الصعبة.
هذه الوضعية تحتم على راسمي السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية العمل الجاد وفق رؤى وسياسات واضحة؛ لتذليل هذه العقبات من أجل تحقيق استراتيجيات الأمن الغذائي.